الرغبة الشخصية في دراسة التخصص الجامعي غابت عن اختيار الطلاب السوريين الذين أنهوا دراستهم الثانوية مؤخرا وأقدموا إلى مراكز التسجيل على التعليم الجامعي خلال الفترة الحالية، وكانت التخصصات وفق متطلبات سوق العمل هي الأساس لاختيار العديد من الطلاب المتقدمين للتسجيل. في المقابل، هناك نقص في بعض التخصصات التي لا تجد القبول وتعاني من نقص فرص العمل فيها، وأهمها تخصص الإعلام والصحافة في سوريا.

الرضوخ للواقع المعيشي

هدى طعمة، طالبة أنهت الثانوية العامة وترغب في دراسة العلاقات العامة تقول: “في البداية رغبت في التخصص الذي يناسب ميولي وهو العلاقات العامة”، موضحة “للأسف بات اختيارنا للتخصص حاليا وفق احتياجات سوق العمل وليس بناءً على ميولنا الشخصية، ونظرا لهذه النظرية الجديدة، بحثت بشكل أكثر واقعية عن تخصص يضمن لي فرص عمل أكبر بعد التخرج، وهو العلاقات العامة فلا توجد شركة أو مؤسسة إلّا وهي بحاجة لهذا التخصص كما أنه في النهاية يلائم الفتيات من وجهة نظري”، وفق ما نقلته صحيفة “تشرين” المحلية، اليوم الأحد.

من جانبها، الطالبة هند محمد، فقد أشارت إلى أن “هناك الكثير من التخصصات التي نتمنى الالتحاق بها وفقا لميولنا الشخصية إلّا أننا لسنا مخيرين في هذا الأمر حيث نخضع لمتطلبات سوق العمل وأنا سأختار الفرع الذي يؤمن لي فرصة عمل ثابتة وهو معلم صف”.

بينما تقول روان، التي ترغب بدارسة الهندسة الكهربائية، أن عددا من الطالبات يرغبن في دراسة هذا التخصص، نظرا لزيادة الطلب على خريجيه في سوق العمل. وفيما يتعلق بجهود الكلية في استقطاب الطلاب إليها تقول: “يجب أن يتم تنظيم لقاءات عن طريق الجامعة مع طلاب المرحلة الثانوية بهدف تعريفهم بالتخصصات التي تطرحها الكلية، ونظم الدراسة بها ومجالات العمل التي توفرها بعد التخرج”.

انعدام فرص العمل للإعلاميين

حول أسباب اختيار الطلاب السوريين لتخصصات بعيدة عن رغباتهم الشخصية وتوجههم نحو تخصصات وفق متطلبات سوق العمل، أوضح الدكتور، عدي سلطان، الأستاذ الجامعي والباحث في الاقتصاد، أنه بلا شك من أصعب التحديات والصعوبات التي تواجه طلاب الثانوية، الذين يستعدون لدخول الجامعة؛ هو كيفية اختيار التخصص المناسب، والجامعة المناسبة التي يمكن أن تلبي رغباتهم المستقبلية.

وأضاف سلطان، أن الظروف الاقتصادية بكوابيسها المزعجة اليوم تشكل العقبة الأولى أمام الطلاب، إذ يضطرون للاختيار من بين التخصصات التي تتعارض مع مهاراتهم الذهنية والإبداعية، والهدف كسب المال لتغطية الرمق، وهذا يقتل روح الإبداع والابتكار لديهم، خاصة إذا كان هذا العائق مصحوبا بتدني مستوى الوعي لدى بعض العائلات، وزيادة الضغط على الطالب للتوجه نحو تلك التخصصات التي تدر المال، أو تلك التي تحقق الأنا الاجتماعية.

وأشار سلطان إلى أن المشكلة الأهم تكمن في غياب التنسيق بين الجامعات وسوق العمل، وتحول الجامعات إلى تصدير عدد هائل من الموارد البشرية التي لا تجد فرصها في كثير من الأحيان. ويتساءل سلطان: “ما الغاية اليوم من قبول الآلاف من خريجي الثانوية العامة في كلية الإعلام، والنتيجة زيادة البطالة بسبب انعدام العمل تقريباً في هذا المجال”.

وكثير من الطلاب، وخاصة من خريجي كليات التربية ومعاهد إعداد المدرسين، قد دخلوا هذه التخصصات رغبة في الحصول على وظيفة حكومية مضمونة بعد تخرجهم، حتى وإن كان دخلها ضعيفا، وفق تعبير سلطان للصحيفة المحلية.

قد يهمك: أعمال شاقة لجامعيين سوريين.. “الحصول على التعليم كلفته غالية”

ترك دراسة الطب!

في سياق متّصل، أثار وزير التربية السوري، دارم طباع، جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، بعد طرحه سؤالا خلال لقاء على الفضائية السورية “التربوية”، حيث قال: “أيهما أفضل أن يدرس الطالب الطب ثم اختصاص، ويقضي 12 سنة، ثم يسافر لألمانيا ويخدم الألمان، أم يدرس معهد مهني لمدة سنتين ويدخل لسوق العمل بعمر 20 سنة، ويحصد مليون ليرة شهريا”.

ومن المعلوم في سوريا، أن الجامعات والنظام التعليمي بشكل عام يعاني من الفساد وقلة الموارد وهجرة العقول، وبحسب باحثين في جامعة “كامبريدج”، وأكاديميين سوريين في المهجر، أدت سوء الإدارة المحلية في البلاد إلى تدمير نظام التعليم العالي برمته، دون حلول جوهرية من حكومة دمشق.

كلمات طباع، أشعلت عاصفة على مواقع التواصل الاجتماعي السورية، فخلال رصد “الحل نت”، لردود الأفعال على تصريحات وزير التربية، كانت الانتقادات متنوعة، ولم تقتصر على فئة معينة.

من قلب المؤسسة التي يديرها طباع، كتبت زينب جبران، التي تعمل في مديرية التربية والتعليم بطرطوس، “بدي أسألك دكتور، ليش درست طب طالما مقتنع بالفكرة.. وعم تقنعنا…هو فيا وجهه نظر بالعملة، وباختصار الوقت بس يا بتّعب حالك يا بتّعب عقلك ما في شي بالسهل”.

أما سعدة إبراهيم، والتي تعمل في مديرية الخدمات الفنية باللاذقية، ففسرت كلام الوزير، بأن وراءه هدف خفي، حيث قالت: “هذا الكلام للقضاء على المتبقي من نخبة المجتمع المتعلم”. في حين علّقت مادلين جلول، المقيمة في حلب، والتي تخرجت من المعهد الصحي، “ليش حتى تخلوا الأطباء يهاجر إلى ألمانيا، أعطوهم حقهم ولن يسافر طبيب”.

من جهته، كتب حسام أبو كمال، “يعني بتعترف انو في سبب ومسبب لهجرة العقول، هات أعطيهم الحل غير يصيروا أصحاب حرفة، سيادة الوزير في حدا ناقلك الصورة غلط عن واقع الخريجين يا ريت ترجع البلد وتشوف بعينك بالنسبة للخيارات أكيد ألمانيا أحسن، في النهاية من حصل على علامات الطب سوف يدرس طب.. ولن يدرس معهد مهني.. سواء خدم ألمانيا أو بوركينا فاسو”.

مستوى الجامعات السورية

يبدو أن نظام التعليم العالي في البلاد بات في مستويات منخفضة جدا، في حين تكافح الجامعات السورية من أجل البقاء فقط وليس تقديم تعليم يُرقى لمستوى التعليم الجامعي أو ما شابه، بحسب أكاديميين وخبراء تعليم سوريين.

وأشارت تقارير بتراجع مستوى الجامعات بشكل كبيرة، وحسب تصنيف webometrics لـ 2022. وهو نظام تصنيف يعتمد على تواجد الجامعة على الويب، ووضوح الرؤية والوصول إلى الويب. يقيس نظام التصنيف هذا، مدى تواجد الجامعة على شبكة الإنترنت من خلال مجال الويب الخاص بها، والصفحات الفرعية، والملفات الغنية والمقالات العلمية وما إلى ذلك.

فقد احتلت جامعة “دمشق” المرتبة 3310 عالميا، وجاءت جامعة “تشرين” في محافظة اللاذقية بالمرتبة 4539، أما جامعة “حلب” التي احتلت المرتبة 4973. أما جامعة “البعث” فقد جاءت في المرتبة 5804 عالميا. أما المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا بدمشق قد جاء 4911.

وتشير مصادر شبه رسمية، إلى أن عدد الطلاب الملتحقين بالجامعات الخاصة في سوريا ارتفع بنسبة 56 في المئة، في السنوات الأخيرة، من حوالي 32,000 طالب في عام 2017 إلى حوالي 50,000 طالب في عام 2019، لكن الجامعات الخاصة لا تزال تمثل 5 في المئة، فقط من إجمالي طلاب الجامعات في سوريا.

قد يهمك: الفساد في الجامعات السورية.. ابتزاز جنسي ورشاوى وانتهاكات

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.