تساؤلات عدة تدور حول المصالح التي يمكن أن تحققها إيران من أي تقارب سياسي بين دمشق وأنقرة. تلك المصالح تدفع للتساؤل أيضا حول إمكانية استفادة طهران بالأساس من التقارب المحتمل بين دمشق وأنقرة، وهل سيكون لطهران دور أكبر في سوريا بعد ذلك، أم أن هذا التقارب لن يقدم شيئا مهما لطهران وقد يحجم من نفوذها في سوريا.

الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ومن قبله وزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو، كانت تصريحاتهم خلال الشهر الماضي؛ مرجحة لفكرة تطوير العلاقات بين أنقرة ودمشق.ما الذي تريده طهران من المصالحة المحتملة بين أنقرة ودمشق؟

أردوغان كان قد صرح في آب/أغسطس الفائت، بأن “هدف بلاده في سوريا ليس تحقيق النصر على (الأسد)، بل محاربة الإرهاب”، مؤكدا أن الحوار مع حكومة دمشق، يجب أن يصل إلى أعلى المستويات.  بينما قال جاويش أوغلو في وقت سابق إنه من الضروري تحقيق المصالحة بين حكومة دمشق والمعارضة السورية، بطريقة ما.

 
من جهتها، علّقت الخارجية الإيرانية، أواخر شهر آب/أغسطس الماضي، على الموقف التركي الأخير، ومسألة إعادة العلاقات مع حكومة دمشق بالقول “كنا وما زلنا نعتقد، أن الحكومة التركية يجب أن تصلح مواقفها من الأزمة السورية، وفي إطار علاقاتنا الثنائية مع تركيا، أكدنا هذه الأمور، لا سيما في إطار مسار أستانا”.

 وتابع الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، بأن “مسار التطورات إيجابي ونشجع هذا المسار، ونأمل بعودة العلاقات البناءة بين سوريا وتركيا، لأن إعادة العلاقات الرسمية وحل الخلافات بينهما من صالح البلدين، كما يخدم السلم والاستقرار في الإقليم”.

فما هي حقيقة الموقف الإيراني من احتمالية تقارب تركي مع حكومة دمشق؟

مصالح مشتركة وأخرى متباينة

لم يكن مسار العلاقات التركية الإيرانية موضع قلق وتساؤل بقدر ما هو عليه اليوم. لم تكن العلاقات عدائية ربما، بل كان العكس هو الصحيح قبل 7 عقود في إطار “حلف بغداد” البريطاني، لكن سقوط نظام الشاه ووصول حكم الخميني إلى السلطة في أواخر السبعينيات وما واكبه من تحولات في سياسات إيران الداخلية والخارجية؛ وحالة الانسداد الحاصل مع قياداتها السياسية في ضوء لعبة التوازنات والمتغيرات والاصطفافات في المنطقة، دفعت العلاقات نحو توتر على أكثر من جبهة، وفق ما أفاد به موقع “أساس ميديا” في مقال منشور للخبير في العلاقات الدولية، د.سمير صالحة.

مستقبل العلاقات التركية الإيرانية، سيكون تحت تأثير الملفات الإقليمية السياسية والأمنية والاقتصادية قبل أن يكون تحت تأثير الخيارات والقرارات الثنائية. هناك معادلات وتوازنات جديدة تتشكل، وهي تعني أنقرة وطهران في جميع الأحوال، بحسب صالحة.

الخبير العسكري والاستراتيجي، العقيد الركن حاتم الفلاحي، خلال حديثه لـ “الحل نت” يرى بأن المصالح التركية الإيرانية تفترق في سوريا أكثر مما تلتقي، وقد تلتقي في عدم تقسيمها والمحافظة على كامل أراضيها، ولكنها تفترق في كثير من التفاصيل، ومنها مثلا، النظرة إلى حكومة دمشق وإعادة تأهيلها.

 مضيفا، بأن السياسة والمصالح الإيرانية التركية، تفترق أيضا في التعامل مع قضية تواجد بعض المنظمات التي تصفها أنقرة بـ “الإرهابية” على الأراضي السورية.

كما يوضح، بأن لإيران مصلحة استراتيجية كبيرة في إيجاد مصالحة تركية مع حكومة دمشق، لأن هذه المصالحة ستؤدي في الأخير إلى خروج أو انسحاب القوات التركية من الشمال السوري، خصوصا إذا تم الاتفاق على تنفيذ الشروط التي طرحها الطرفان، بما فيها تسليم مدينة إدلب للحكومة السورية، وتسليم المعابر الحدودية لها أيضا، مع انسحاب القوات التركية منها.

 لافتا إلى أن هذه المصالحة تصب في مصلحة إيران، والتي ترى في تركيا منافس كبير لها، خاصة في مسألة النفوذ في الشمال السوري، على اعتبار أن إيران جزء رئيسي ساهم في تثبيت السلطة الحالية في سوريا طوال الفترة الماضية، فيما تقف تركيا في المحور المعادي لها.


اقرأ أيضا: الأسد يلتقي أردوغان في دولة ثالثة.. رسائل روسية إلى وزير الخارجية السورية؟


ويرى الفلاحي، بأن أي مصالحة بين الطرفين (أنقرة ودمشق)، ستؤدي إلى تقليص نفوذ تركيا بشكل كبير جدا، مما يزيد من مساحة توسع النفوذ الإيراني، من خلال الميليشيات الإيرانية التي تقاتل في سوريا، والتي يديرها “الحرس الثوري” الإيراني.

 يضاف إلى ذلك أن النفوذ الإيراني الكبير في سوريا، لم يعد محصورا في الجانب العسكري فقط، وإنما في الجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي أيضا، ضمن مشروعها الإقليمي، الذي تسعى لتوسعته في المنطقة.

ووفق تقرير لصحيفة “إندبندنت عربية” فإنه ونقلا عن مراقبين للشأن السوري، فإن طهران استطاعت في السنوات الأخيرة، بعمل دؤوب وخطط بعيدة المدى، أن تكسب وجودا اقتصاديا وعقاريا في العديد من المناطق السورية، سواء في الجنوب أو في الشرق، وصولا إلى مدينة حلب عن طريق إنشاء الجمعيات وعمليات التشييع وشراء العقارات التي تنشئ بيئة اجتماعية يجري فيها زرع القواعد العسكرية من مقاتلي الميليشيات الذين استقدمتهم من العراق وأفغانستان وباكستان ولبنان.

إيران تستغل الظرف لصالحها؟

إن التدخل الإيراني في سوريا يمتد إلى ما هو أبعد من المجال العسكري. فمنذ عام 2013، عمّقت إيران قبضتها على القطاعين المدني والاقتصادي في سوريا. وكان الهدف من هذا الجهد جعل مهمة دفع إيران إلى الخروج من سورية في أعقاب الحرب الأهلية مستحيلة، بحسب تقرير نشره “مركز دايان لدراسات الشرق الأوسط”، في حزيران/يونيو 2021.


قد يهمك: اتصال يتبعه لقاء.. أردوغان بين أحضان الأسد؟

الباحث المشارك في “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية”، مصطفى النعيمي، يرى بأن إيران تبحث بشكل مستمر عن إيجاد علاقات مع قوى النفوذ في الجغرافية السورية، بما يخدم مشروع نفوذها في المنطقة العربية، لذا تسعى وراء اتفاقيات الضرورة لما يبقيها أطول فترة ممكنة، مستخدمة في ذلك السياسة الناعمة تارة والخشنة تارة أخرى، وتقوم إيران بمسك العصا من المنتصف عبر هذه الاتفاقيات، فيما تبقي يدها على الزناد، من خلال تفعيل وتذخير الميليشيات الإيرانية الداعمة لها في منطقة الشرق الأوسط عموما.

 ويتابع النعيمي في حديثه لـ”الحل نت” أن المصالح التركية الإيرانية تلتقي فقط في إطار إبعاد “قسد” من الحدود التركية، حيث تعمل طهران مع روسيا من أجل تحقيق تلك الغاية، لمنع العملية العسكرية التركية في منطقتي تل رفعت ومنبج. 

بينما يشير الخبير في العلاقات الدولية، عمر عبد الستار محمود، خلال حديثه لـ “الحل نت” إن مشروع المصالحة المقترحة، هي مشروع بوتيني أكثر مما هو إيراني، إذ يسعى بوتين من ورائه للاستفادة من تركيا ضمن منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها عضوا في “حلف شمال الأطلسي” (الناتو)، كما تجد إيران نفسها مع بوتين في هذا الموضوع، وتجد أيضا أن تقارب أنقرة مع حكومة دمشق، يصب في مجرى خططها التي فعّلتها عسكريا مع بوتين لتثبيت السلطة الحالية في دمشق.

مضيفا، بأن إيران اليوم تعتمد سياسة محور الجيران، لذا تقوم بالحوار مع السعودية والأردن ومصر وتركيا، لأنها ترى أن المصالحات العربية مع إسرائيل قلبت الموضوع لصالح اسرائيل والعرب ضدها منذ عام 2020 إلى اليوم. لكن بالنظر لإعادة العلاقات التركية مع إسرائيل، وموقف تركيا اليوم الأقرب لـ”الناتو” من قبل، يُظهر أن بوتين وإيران قد وقعوا في الفخ، حيث ظنوا أن تركيا أقرب لهم من “الناتو”.

كذلك يرى الفلاحي بأن الرغبة الإيرانية في المصالحة بين أنقرة ودمشق هي خطوة براغماتية تكتيكية، وليست استراتيجية من قبل إيران، تأتي بغرض إدارة الأزمات أو إدارة المصالح ما بين الدولتين، بحيث لا يصل إلى الصدام العسكري المباشر بينها وبين أنقرة في سوريا، في ظل تواجد قوات تركية في الشمال ومناطق مختلفة من سوريا.

وينوه إلى أن هذه الرغبة تأتي بسبب المتغيرات الإقليمية والدولية، وكذلك الضغوط المحلية والداخلية التي تضرب دول المنطقة ومنها تركيا، وبذلك تحاول إيران استغلال هذه الظروف لإعادة تأهيل حكومة دمشق، من خلال طرحها عاملا مناسبا للحل مع تركيا في مسألة معالجة المخاوف الأمنية لأنقرة، وأنها قادرة على ضبط الحدود مع تركيا إذا ما تم التوصل إلى اتفاق.

 إلى جانب ذلك تقرأ إيران الموقف الاستراتيجي بصورة جيدة، وتعرف أنه في حال تخلت تركيا عن المعارضة السورية، فلن يبقى للأخيرة أي نصير من الدول، لذلك تحاول تفكيك هذه القضية بمحاولة فتح علاقات بين أنقرة وحكومة دمشق، إذ تقوم الأخيرة بإعطاء ضمانات من خلالها في كثير من الملفات التي تعتبرها أنقرة تهديدا لأمنها القومي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة