البلاغ رقم 1 يصدح في إذاعة دمشق منتصف أربعينيات القرن الماضي، يعني أن انقلابا عسكريا قد حصل، فيتسمّر السوريين أمام المذياع منتظرين البلاغات التالية. رواة التاريخ السوري الحديث لم يتحدثوا كثيرا عن البلاغات 2 و3 و4 الخ.. ولعل الانقلاب الأول في سوريا والمنطقة العربية، الذي قاده حسني الزعيم، كان محطة لافتة في مسار التاريخ السياسي في سوريا، صدمت وأدهشت الكثير من رجالات السياسة والجيش السوريين، فماذا حملت البلاغات التي تلت البلاغ رقم واحد في أيام الزعيم، وما كواليس وأسرار انقلاب حسني الزعيم. 

الكثير من تاريخ الجمهورية السورية الأولى بعد الانتداب الفرنسي، لا يعتبر سوى أساطير لم تثر اهتمام العديد من السوريين للبحث في طيات أحداثها الزاخمة الثرية. 

أيامٌ متمردة قاد أولى مراحلها ضابط عسكري درس العلوم العسكرية في تركيا وفرنسا، كان عمره يوم الانقلاب خمسين سنة. 

حسني الزعيم من مواليد حلب عام 1889، والده كان مفتي ما كان يعرف بـ “الجيش العثماني” فيما مضى، أعيد للجيش عام 1946 بعد أن فصله الفرنسيين قبل الاستقلال.  

قبل السابعة صباحا في يوم الثلاثين من آذار لعام 1949، لم يكن يعرف غالبية السوريين ماذا تعني كلمة انقلاب عسكري، فقبل ساعات قليلة من إعلان الانقلاب الأول في سوريا على إذاعة دمشق. كان أحد المواطنين يقترب من جندي يقف قرب إحدى الدبابات على مدخل مبنى البرلمان في شارع الصالحية، ليسأله “أخي شوفي، ايه شو صاير” ليجيبه الجندي على عجل وباقتضاب شديد “انقلاب”. يزداد استغراب الرجل ليتساءل مصدوما “انقلاب؟ شو يعني انقلاب؟”.

حسني الزعيم في إحدى القطعات العسكرية

عند السابعة تماماً قطعت إذاعة دمشق برامجها المعتادة، وأعلن المذيع البلاغ رقم واحد. 

مدفوعين بالغيرة الوطنية، ومتألمين لما آل إليه الوضع في سوريا بسبب افتراءات وتعسف السلطة السياسية الحاكمة في سوريا، لجأت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية إلى تسلم الحكم مؤقتاً، مؤكدين أنهم غير طامحين لاستلام الحكم بل العمل لتهيئة حكم ديمقراطي صحيح يحل محل الحكم الحالي المزيف؛ الذي كان يترأس سدته آنذاك شكري القوتلي. 

ذلك كان الجزء الأكبر من البلاغ الذي طلب إذاعته قائد الجيش في ذلك الوقت، حسني الزعيم، ونقله الصحفي السوري نذير فنصة، في كتابه “أيام حسني الزعيم”.

كانت حرب عام 1948 في فلسطين بوابة حسني الزعيم ليقود الجيش السوري، وهو الذي اقترح خطة كان يمكن للجيش السوري تنفيذها والتي كانت تقضي بتحويل قتاله إلى حرب العصابات، وهي الخطة التي أعجبت شكري القوتلي فقبل بتسليمه القيادة العسكرية في وقت كان يرأس وزارة الدفاع آنذاك، جميل مردم بك، وقد تم ترفيع الزعيم إلى رتبة “زعيم” بما يعادل رتبة “عميد” بعد تعديل الرتب العسكرية لاحقاً.

ضمن مذكرات “أيام حسني الزعيم” يروي كاتبها، نذير فنصة، أن جهتين كانتا وراء استفزاز قيادة الجيش ودفعها للانقلاب، الأولى كانت “الحزب الاشتراكي التعاوني” ترأسه فيصل العسلي (كان نائبا في البرلمان)، وهو الذي اتهم حسني الزعيم بوضع قنبلة انفجرت في أحد مكاتب الحزب، وهو أمر نفاه أحد الشهود المقربين من العسلي في الحزب، خلال وقت لاحق. وأما الجهة الثانية كانت رئاسة الوزراء آنذاك، والتي كان يمثلها خالد العظم، وهو الرجل المتعجرف المتعالي، الفخور بـ الارستقراطية الاقطاعية التي ينتمي إليها، رغم كفاءاته العديدة كرجل دولة، وفق ما أشارت إليه المذكرات. كان العظم يكره الزعيم، فعندما كان الأخير يذهب إلى مكتب العظم، يلاقي تجاهلا بل وتحقيرا حين ينتظر ساعات بعد الموعد المحدد، وأحيانا لم يكن يفتح باب المكتب له فيعود الزعيم من حيث جاء. 

حسني الزعيم (أرشيف)

في تلك الأثناء، نظّم بعض النواب حملة نيابية لتخفيض ميزانية الجيش وتخفيض عدد أفراده، وأكثر من ذلك كانوا يتكلمون في مجلس النواب عن تخفيض رواتب الضباط. وذلك في الوقت الذي كانت تزداد حالات الاستياء بين ضباط الجيش السوري، خاصة بعد حالة الغليان التي عاشها بعد الحرب في فلسطين.

يتبع..

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.