مع تزايد خطاب الكراهية وحوادث العنصرية بفعل تحريض أحزاب سياسية تركية معارضة لوجود اللاجئين السوريين في تركيا، كان آخرها مقتل الشاب السوري في مدينة أنطاكيا (جنوبي تركيا)، فارس العلي، على يد مجموعة شبان أتراك، برزت دعوات من ناشطين لإضراب عام عن العمل في المعامل والمصانع التركية التي تعتمد على العمالة السورية.

وفق منشورات تناقلها متابعون سوريون في مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية، من المفترض أن يستمر الإضراب خمسة أيام عمل، على أن يبدأ في 12 من أيلول/سبتمبر الحالي ويستمر حتى 17 من الشهر نفسه.

الإضراب عن العمل، يهدف إلى تسليط الضوء على حوادث العنصرية ورفضها وإيقاف “مسلسل الطعن” بحق الشباب السوريين، ومعاملة السوريين في تركيا رسميا كـ “لاجئين”، بحسب التعليقات التي رافقت هذه المنشورات. 

سوريون متابعون للوضع في تركيا، ولاجئون يقيمون فيها، انقسموا إلى قسمين في مواجهة الدعوات إلى الإضراب، فمنهم من أيدها ويرى ضرورتها لتسليط الضوء على أهمية الوجود السوري في تركيا، وضرورة الحد من خطاب الكراهية المتصاعد ضد اللاجئين.

بينما رفضها بعضهم الآخر، لتوقعاتهم بانعكاسات سلبية على مواقف الشارع التركي من اللاجئين، وإمكانية خسارة العمال لأعمالهم التي تعد مصدر رزقهم الوحيد، بالإضافة إلى إمكانية استغلال هذا الإضراب من قبل شخصيات سياسية تعارض وجود السوريين على الأراضي التركية.

يجب رفض مثل هذه الدعوات، لأسباب متعددة منها قانونية ومنها سياسية في هذه المرحلة شديدة الحساسية، التي يمر بها المجتمع السوري الموجود على الأراضي التركية، بحسب الناشط الحقوقي في شؤون اللاجئين أحمد قطيع، خلال حديثه لـ “الحل نت”.

أحد أهم الأسباب لرفض مثل تلك الدعوات، هو أنها تأتي في سياق “العصيان” وقد نصّ دستور الجمهورية التركية في المادتين “26” و”27″ على أن أي دعوة للعصيان العام، تعد مخالفة واضحة وصريحة ويتم معاقبة من يقوم لتلك الدعوات وإخضاعه للمساءلة القانونية.

ورقة سياسية

رئيس حزب “النصر” التركي المعارض، أوميت أوزداغ، والمعروف بمعاداته للاجئين وعلى رأسهم السوريين، ظهر مؤخرا في مقطع مصور عبر حسابه في “تويتر”، تحدث فيه عن نية اللاجئين الإضراب عن العمل في تركيا، متهما إياهم بتحدي الدولة التركية بشكل علني، وسيرهم باتجاه إشعال فتيل حرب أهلية في تركيا.

“القوات الأمنية في حالة تأهب، إذ تتوارد معلومات استخباراتية تفيد بأن الجماعات السورية، ستتسبب في أحداث كبرى”، جاء هذا في تغريدة منفصلة لأوزداغ، في 9 من الشهر الحالي، وذكر فيها أيضا مسؤولية المنظمات الإرهابية على حد وصفه، وحزب العدالة والتنمية الحاكم عن أي عمل “إرهابي” قد يحدث.

الفنان السوري عبد الحكيم قطيفان، كان من المؤيدين لهذا الإضراب ودعا إليه قبل أن يتراجع عن رأيه، بدعوى ما وصفها بـ “المتابعات الهائلة للتعليقات المتناقضة والمختلفة والمشوشة، والمفتقرة للإجماع” حول الإضراب.

قطيفان كتب عبر صفحته الرسمية في “فيسبوك”، إن من أسباب تراجعه هو ضعف المزاج العام لمن هم أصحاب الشأن من أهلنا السوريين، بسبب وضعهم الخاص، وكذلك لغياب أية جهة منسقة لهكذا نشاط، كي يكون في سياق قانوني مثمر.

“اللجنة السورية التركية المشتركة”، حذرت في بيان صادر عنها في 7 من أيلول/سبتمبر الحالي، من الاستماع إلى ما وصفته بـ”الخطابات التحريضية التي تؤدي إلى الفوضى وتسبب الضرر للجميع”، داعية إلى التعامل “بالحكمة والوعي اللازم لمواجهة أي خطاب تحريضي”.

الانعكاسات للإضراب على السوريين في تركيا، وعلى مواقف الأتراك، ستكون في هذه المرحلة بالذات سلبية للغاية، بحسب حديث القطيع لـ “الحل نت” لأن المرحلة تتطلب من الجميع التهدئة، وصوت العقل يقول بوضوح، أن المجتمع السوري هو الحلقة الأضعف، ولا يمكن للأضعف في ظل عدم امتلاكه للأدوات الصحيحة، أن يجابه بطرق العصيان والتمرد حتى وإن كان ذلك التمرد سلميا.

أهم وأخطر نقطة في تلك الدعوات أيضا، وفق القطيع، هي أن بعض من يمثلون أحزاب سياسية معارضة، استخدموا ورقة اللاجئين السوريين كورقة ضغط على الحكومة التركية، ينتظرون بفارغ الصبر مثل هذه الدعوات أو العصيان المدني، كي يستغلوها من منطلق تأليب وتحريض الشارع التركي على السوريين، لكونهم ينظمون إضرابا، بهدف الإضرار بالاقتصاد التركي والمعامل وأنهم يشكلون خطرا على الأمن القومي.

فيما رفض رئيس “بيت الإعلاميين العرب في تركيا” الكاتب التركي جلال ديمير فكرة الإضراب، معتبرا وفق منشور عبر صفحته الرسمية في “فيس بوك” أن دفع الضرر أهم من جلب النفع.

ديمير، يرى أن الإضراب رغم كونه فعل “بريء من الذنب” إلا أن إضراب السوريين في تركيا، سيكون ضرره أكبر من نفعه، لأنه قطع رزق عن البعض، وسيسبب الشجار بين العامل وصاحب العمل، إلى جانب إمكانية استخدامه كورقة سياسية من قبل البعض، وعدم وجود حكم قانوني يحمي المضربين، بسبب عدم وجود إذن عمل لدى الكثيرين.

اقرأ أيضا: لماذا تتهاون تركيا مع أصحاب الخطابات العنصرية ضد اللاجئين السوريين؟

لا يحمل السوريون في تركيا صفة لاجئ، ويقيمون تحت “الحماية المؤقتة” بصفة “ضيف” منحوا بموجبها بطاقات تعرف بينهم بـ “الكيملك”، تحد من قدرتهم على العمل، رغم منحها لهم هذا الحق، وتمنعهم من التنقلات بين الولايات التركية، إلا بموجب إذن سفر لا ُمنح لهم إلا بشروط وحالات خاصة.

كما أن غياب الصفة القانونية المستقرة والأوراق الرسمية وصعوبة الأوضاع الاقتصادية، بالإضافة إلى منع التنقل بحرية، يترك الكثير من السوريين عرضة لاستغلال أرباب العمل، ويدفعهم إلى القبول بأعمال دون الحصول على إذن عمل وتسجيل في الضمان الاجتماعي ما يعني عملهم بشكل مخالف وبأجور متدنية. 

السوريون بين مؤيد ومعارض للإضراب

51 بالمئة من المشاركين، والبالغ عددهم 197 شخصا حتى ساعة إعداد هذا التقرير، أيدوا الدعوات إلى تنظيم إضراب عن العمل في تركيا، وفق استطلاع رأي أجراه موقع “الحل نت”، بينما عارض ذلك 49 بالمئة من المشاركين.

المؤيدون لهذه الدعوات، يرون في الإضراب ضرورة، للفت أنظار الدولة إلى أهمية وجود السوريين، وضرورة عملها على وقف العنصرية تجاههم، بينما المعارضون لهذه الدعوات، تحدثوا عن أهم نقطة، وهي غياب الجهات التي تمثل السوريين وتحميهم، وإمكانية استغلال الإضراب للتضييق بشكل أكبر عليهم.

أساليب قانونية عدة توجد لرفض ما يحدث من تحريض على الكراهية، يقول القطيع، تتمثل في رفع دعاوى قضائية متعددة، فردية وجماعية وعن طريق منظمات “المجتمع المدني” السورية والتركية على حد سواء، والإكثار من تلك الدعاوى القضائية، بغرض إشغال العنصريين بأنفسهم وبالمحاكم، والقيام باعتصامات مرخصة من قبل السلطات.

لا بد قبل كل شيء، التأكيد على الضغط الكبير الذي يتعرض له السوريون جراء حملات العنصرية، التي باتت أكثر تنظيما وتركيزا من قبل أحزاب وشخصيات في المعارضة التركية، بحسب حديث الباحث السوري المقيم في تركيا، محمد السكري، لـ “الحل نت”، والذي يرى بأن السبب الرئيسي، لرفع منسوب الضغط إلى مستويات غير معهودة، هو التعامل الحكومي الخجول مع هذا الخطاب، ضمن ما يسمى سياسات الاحتواء في إطار رغبات عدم خسارة أصوات انتخابية.

لعل أكثر الشرائح تأثرا بهذه المعادلة هم العمال السوريين، الذين يواجهون انعكاسات هذه السياسات، ويتأثرون بها بشكل مباشر، بحسب السكري، وربما كم الضغط، دفعهم للاستجابة لهذه الدعوات بصرف النظر عمن دعا لها، أو حتى خلفياتها السياسية، وكان التركيز الأكبر على ضرورة تخفيف العنصرية تجاههم، وتجريم الخطاب من حيث الإجراءات الفعلية وليس فقط من حيث الوعود.

نوايا الاستجابة لتلك الدعوات لم تكن بتاتا بغاية عرقلة المنظومة القانونية التركية، بقدر التذكير بأهميتها في هذه المرحلة وضرورة تطبيق القانون بصرف النظر عن الاستحقاقات السياسية، ولربما الاستجابة لمطالب العمال السوريين من خلال ضبط وقوننة حقوقهم، عبر وساطة الدولة مع أصحاب العمل لوقف التعامل غير الشرعي، قد يساعد على احتواء الغضب الذي يمكن استغلاله بوسائل مختلفة كما حدث في الفترة السابقة.

للعمال مطالب محقة يجب سماعها، مع التأكيد على ضرورة الاحتكام واحترام قوانين الدولة التركية، بحسب السكري.

قانونية الأمر؟

القانون التركي رقم “2822” يتيح تنظيم إضراب عن العمل بشكل قانوني، وفق شروط لا تنطبق على معظم العمال السوريين العاملين في تركيا، لكونهم يعملون بشكل مخالف دون أن يكونوا مسجلين في سجلات الدولة وفق أذونات عمل.

القانون نفسه، يمنع تنظيم إضراب عن العمل، في أعمال الإنقاذ وأعمال الجنازات ودفن الأموات وفي المصارف وخدمات كتاب العدل، وأماكن تقديم الخدمات الطبية كالمشافي والمستوصفات والمؤسسات التعليمية والعسكرية.

عدد السوريين الحاصلين على إذن عمل في تركيا يبلغ 123 ألفا و574، بحسب آخر تقرير لوزارة العمل والضمان الاجتماعي التركية لعام 2020 على موقعها الرسمي، بينما يبلغ عدد السوريين المقيمين في تركيا وفق الحماية المؤقتة ثلاثة ملايين و654 ألفا و866 شخصا، بحسب آخر إحصائيات رئاسة إدارة الهجرة التركية لعام 2022.

فيما يبلغ عدد الأطفال السوريين العاملين في تركيا نحو 200 ألف طفل، بحسب تقرير لصحيفة “جمهورييت” التركية، صادر في 12 من حزيران/يونيو الماضي. 

قد يهمك: العنصرية بحق السوريين في تركيا تتفاقم.. ما الجديد؟

وتعد أبرز القطاعات التي يعمل بها العمال السوريون في تركيا الإنشاءات والبناء والأعمال الزراعية وورش الخياطة ومعامل النسيج وإنتاج الألبسة والتي صارت تتأثر مؤخرا بترحيل العديد منهم إلى الشمال السوري وهجرة آخرين إلى أوروبا هربا من الظروف المعيشية والاقتصادية المتردية.

هذه القطاعات بعيدة عن المجالات التي يمنع القانون التركي الإضراب عن العمل فيها، إلا أن عمل السوريين بشكل مخالف من الممكن أن يعيق مسألة إضرابهم عن العمل لعدم قدرتهم على تنظيمه بشكل قانوني وبدء المعارضة بشكل مسبق استغلال الدعوات له ضدهم وإبرازهم كمصدر تهديد للشعب والأمن التركي. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.