موارد الطاقة بأنواعها المتعددة، تلعب دورا محوريا في تحقيق “الأمن القومي” على كافة مستوياته الغذائي، والسياسي، والاجتماعي إضافة إلى الاقتصادي، والخدمي، كما تعد المحرك الأساسي والوحيد لتشغيل أدوات الاقتصاد بكافة أشكاله، وأحد أهم عناصر قوة الدولة، التي تمكنها من لعب دورا فاعلا ضمن النظام الدولي.

 الموارد ذاتها (النفط والغاز، والفحم الحجري) تتصف بصفتين رئيسيتين هما: الندرة، وعدم التكافؤ في توزيع كميات احتياطاتها حول العالم، على سبيل المثال تمتلك دول الخليج العربي، كميات ضخمة من احتياطيات البترول والغاز، بينما تندر تلك الاحتياطيات لدى دول الاتحاد الأوروبي؛ صفة الندرة، أضفت التنافس بين الدول المستهلكة على امتلاك الطاقة، وخاصة مع التوقعات بزيادة الطلب العالمي وفقا للعديد من الدراسات.

في السطور التالية، نسلط الضوء على دور وأهمية دول الخليج العربي في سوق “الطاقة الدولية”، وما مدى تأثيرها فيه.

مفهوم أمن الطاقة لدول الخليج العربي

“أمن الطاقة” في معناه التقليدي هو (أمن المعروض)، بمعنى التركيز على توفير الاحتياجات اللازمة من مصادر الإنتاج وبأسعار ملائمة، وفي متناول الجميع. ويختلف مفهوم “أمن الطاقة” بين الدول المستهلكة التي تتبنى (أمن المعروض)، وبين الدول المنتجة كدول الخليج العربي، الذين يتبنون في مقاربتهم لـ “أمن الطاقة” (أمن الطلب)، بمعنى الحفاظ على استمرارية التصدير إلى “السوق الدولية” وبأسعار مناسبة، والسعي لتوفير الكميات اللازمة من موارد الطاقة في الأسواق الدولية، ولجميع الأطراف.

دول الخليج العربي، تواجه بشكل مستمر معوقات تهدد أمنهم الطاقوي، المتمثل بالهجمات الإرهابية على منشآت النفط، والتهديد الإيراني المستمر بإغلاق مضيق “هرمز” وهو أهم ممر مائي بالنسبة لدول الخليج، حيث تتصاعد أهميتهم في “السوق الدولية” للطاقة، عندما يزداد الطلب العالمي على منتجات البترول والغاز في أوقات الأزمات السياسية الحادة، والحروب التي تكون الدول الرئيسية المنتجة للطاقة طرفا فيها، مثل الحرب العراقية على الكويت سابقا، وحديثا الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي خلق حالة تخوف من قطع الإمدادات الروسية عن السوق الدولية، كما يزداد الطلب في حال وجود مؤشرات تدل على ارتفاع  نمو الاقتصاد الدولي، ويلعب الطقس أيضا دورا مؤثرا في الاستهلاك العالمي للطاقة، فعندما يأتي شتاء بارد يرتفع الطلب على الطاقة.

مع تزايد الاستهلاك الدولي لموارد الطاقة، واعتماده بدرجة كبيرة على النفط والغاز، أصبحت دول الخليج العربي عنصرا فاعلا ومؤثرا في “السوق الدولية” للأسباب التالية.

ضخامة احتياطيات دول الخليج العربي لموارد الطاقة

دول الخليج العربي، تلعب دورا رئيسيا يمكن أن نطلق عليه دور “مدير السوق الدولية”، وذلك لما تمتلكه من احتياطيات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي، حيث تمتلك 32 بالمائة من احتياطيات النفط العالمية المؤكدة، وتتصدر السعودية المرتبة الثانية عالميا في حجم الاحتياطي والإنتاج اليومي الذي يتجاوز 10 مليون برميل يوميا؛ فيما يبلغ مجموع إنتاج دول الخليج بين 18- 20 مليون برميل يوميا (تشمل السعودية)، في وقت بلغ فيه الإنتاج العالمي بين 90- 100 مليون برميل يوميا.

اقرأ أيضا: العراق يهجر إيران.. استكمال الاتفاق مع الخليج بخصوص إمداد الجنوب بالكهرباء

 18,2 بالمئة من احتياطات الغاز الطبيعي المؤكدة عالميا، تسيطر عليها دول الخليج أيضا، حيث تتصدر قطر المرتبة الثالثة عالميا، بحجم احتياطي يقدر بـ 24 ترليون متر مكعب؛ وتصدر دول الخليج البترول إلى جميع أنحاء العالم تقريبا، بينما يقتصر تصدير الغاز إلى السوق الاسيوية، وأجزاء منه إلى السوق الأوروبية.

انخفاض تكلفة الإنتاج

تكاليف إنتاج برميل النفط، تختلف من دولة لأخرى، باختلاف العوامل الطبيعية، على سبيل المثال، عندما يتم استخراج النفط من أعماق قريبة من سطح الأرض، تكون تكلفة الإنتاج منخفضة، وكلما ازداد عمق وصعوبة الاستخراج، زادت التكاليف المالية؛ وترتفع أيضا تكاليف تصنيع البترول، كلما انخفضت جودته؛ وتعتبر تكاليف إنتاج النفط، أحد أهم العوامل التي تؤثر على أسعاره في السوق.

 دول الخليج العربي، تتميز بانخفاض قيمة تكلفة إنتاج النفط، لقربه من سطح الأرض، فعلى سبيل المثال متوسط التكلفة في الكويت يساوي 8.5 دولار، وفي المملكة العربية السعودية 9.9 دولار، وفي الإمارات 12.3 دولار.

استخدام الطاقة الإنتاجية الفائضة

دول الخليج، تمتلك قدرة استثنائية، تميزها عن الدول المنتجة الأخرى، وهي استخدام الطاقة الإنتاجية الفائضة، وتعني القدرة على زيادة الإنتاج أكثر من 2 مليون برميل يوميا، وبذلك تستطيع تعويض إنتاج إحدى الدول المنتجة للبترول باستثناء روسيا، وأميركا؛ كما تمتلك بنية تحتية ضخمة ومتطورة في مجال صناعة النفط وفي مقدمتها شركة “أرامكو” السعودية، وهي أكبر شركة في العالم، من حيث القيمة المالية، كما تمتلك شبكة من أنابيب النقل الداخلية والدولية توصل بين مراكز الإنتاج والاستهلاك.

الموقع الجغرافي

موقعها على أطراف “البحر الأحمر” ومياه الخليج العربي، أكسبها القدرة على تصدير منتجاتها النفطية عبر موانئها، كما يتوسط موقعها الدول الصناعية المنتجة بين شرق وجنوب آسيا لاسيما الصين، ودول الاتحاد الأوروبي.

نستخلص مما سبق أهمية دور دول الخليج العربي في سوق الطاقة الدولية على الشكل التالي:

القدرة على تحقيق التوازن والاستقرار في السوق الدولية للطاقة، وذلك من خلال التحكم بمعادلة العرض والطلب العالمي، فعلى سبيل المثال عندما ضربت جائحة “كورونا” العالم فرضت معظم الدول، إغلاق شبه كامل أدى إلى انخفاض أسعار برميل النفط إلى 19 دولار، بفعل نقص الاستهلاك وزيادة المعروض، واختلال توازن السوق، إلى أن بادرت منظمة “أوبك” بقيادة السعودية بتوقيع اتفاق مع روسيا ” أوبك بلاس” يفضى إلى تخفيض الإنتاج، وفي ذلك الوقت خفضت دول الخليج أكثر من 5 مليون برميل من إنتاجها اليومي، إلى أن عاد التوازن بين العرض والطلب إلى السوق الدولية؛ وارتفعت بعدها الأسعار إلى 65 دولار للبرميل.

قدرتها أيضا، على التعويض في حال تعرض الإمدادات الدولية للنقص، فعلى سبيل المثال عندما توقفت ليبيا عن إنتاج النفط بعد العملية العسكرية الدولية لإسقاط الرئيس الليبي السابق، معمر القذافي، استخدمت دول الخليج الطاقة الإنتاجية الفائضة لتعويض السوق الدولية عن توقف الإنتاج الليبي الذي بلغ حينها أكثر من 1 مليون برميل يوميا، إضافة لقدرة تأثيرها على أسعار موارد الطاقة في السوق الدولية ارتفاعا أو هبوطا.

قد يهمك: صيف ماطر في الخليج وجفاف في أوروبا.. ما تأثير التغيرات المناخية؟

في النتيجة برز دور وأهمية دول الخليج العربي في سوق “الطاقة الدولية”، وذلك أثناء الغزو الروسي لأوكرانيا والذي تسبب بحالة من الذعر في السوق الدولية بسبب الخوف من انقطاع الإمدادات الروسية عن دول الاتحاد الأوروبي، مما انعكس على ارتفاع الأسعار لتتجاوز حاجز 100 دولار للبرميل، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأميركية لتغيير سياستها مع السعودية، بهدف زيادة الأخيرة إنتاجها، لكن السعودية، ولتاريخ كتابة هذه السطور، لم تتجاوب مع الطرف الأميركي رغم زيارة الرئيس جو بايدن للسعودية في شهر تموز/يوليو الماضي؛ وتسعى دول الاتحاد الأوروبي بعد قرارها للتخلي عن الغاز الروسي، لإبرام صفقات غاز مع قطر التي تصنف أكبر منتج للغاز المسال في العالم، بهدف تعويض قسم من واردات الغاز الروسي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.