معدلات تضخم مرتفعة في سوريا، وتدهور اقتصادي وانخفاض مستمر بسعر صرف الليرة السورية، يترافق مع ارتفاع أسعار يومي أرهق السوريين، في حين لا تبدو الخطط الحكومية والاقتراحات لإيجاد حلول ناجحة حتى الآن، فالاقتراحات متعددة؛ لكنها غير ذات جدوى وآخرها حذف أصفار من العملة السورية.
حذف الأصفار هل يحل الأزمة؟
تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، يوم أمس الخميس، نقل عن رئيس هيئة الأسواق والأوراق المالية عابد فضلية، قوله أن هناك ثمة علاقة بين إعادة هيكلة الدعم و معدلات التضخم، مبينا أن هناك أسباب عديدة منها الداخلي الذي يحصل نتيجة قلة العرض وارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج، والآخر الخارجي أي المستوردات، ويسمى اقتصاديا بالتضخم المستورد، وفي هذه الحالة تنخفض قيمة العملة الوطنية عندما تبقى الرواتب والأجور ثابتة، والقوة الشرائية لهذه الرواتب والأجور تنخفض حتما.
ولفت فضلية إلى عدم وجود علاقة بمسألة رفع الدعم بنسبة التضخم في سوريا إلا في حال ازداد طلب المحرومين من الدعم و المدعومين على بعض أنواع السلع المدعومة بسعر أعلى من الرسمي أو المدعوم.
أما الخبير المصرفي، عامر شهدا، رأى أن رفع الدعم عن بعض الأسر أدى ساهم بحصول التضخم الحالي.
وحول الاقتراحات التي تقدم بأن الحل للخلاص من الآثار السلبية الناجمة عن التضخم هو بإزالة صفرين إلى ثلاثة أصفار من العملة ليتراجع التضخم فيما بعد، تساءل شهدا ماذا سيؤثر حذف الأصفار وهي عبارة عن تصغير رقم فقط، وماذا سيكون تأثيره طالما أن التضخم واقع والأسعار مرتفعة ؟ فما هي ارتداداته على الاقتصاد في حال حذف صفر أو صفرين من العملة؟
شهدا أردف أن طباعة العملة ليست أمرا سهلا أو ميسرا فهي تحتاج إلى أوراق وأحبار خاصة وسرية وموافقات، فالعملة مراقبة عالميا وليست مجرد طباعة، فالأمر مكلف جدا، وحاليا الموارد القادرة على تغطية طباعة العملة غير متاحة في سوريا، والأولى الاهتمام بوضع سياسة نقدية مالية تخفض نسبة التضخم وترفع القوة الشرائية لليرة السورية أفضل من التفكير بطباعة عملة ورفع كتلة العجز بالموازنة.
وأيضا رأى فضيلة، بأن التضخم في سوريا وعلى نسبته العالية لم يصل بعد إلى مرحلة يتوجب معها حذف الأصفار ما دام التضخم ما يزال ضمن الحدود المقبولة، وما زال ممكنا السيطرة عليه ولجمه، مقارنة مع الظروف المعقدة التي أدت إليه.
إقرأ:طرح فئة 10 آلاف ليرة.. أزمة ثقة بين الناس والمسؤولين في سوريا
التضخم بين التكلفة والقدرة الإنتاجية
الصحيفة نقلت عن عامر شهدا، أن مشكلة التضخم في سوريا في ازدياد التكلفة وليست في النقد، فالنقد عندما يكون سببا في التضخم يمكن معالجته من خلال سياسة نقدية انكماشية تُحكم الرقابة على الكتلة النقدية المتداولة وتخلق أدوات تمتص الزيادة من الكتلة النقدية، وارتفاع التكلفة السبب الرئيسي أيضا لزيادة التضخم، كما جرى بعد رفع أسعار المشتقات النفطية.
كما أشار شهدا، إلى أن رفع سعر المحروقات “مثلا”، أضاف كميات كبيرة للكتلة النقدية، وهنا تكمن المشكلة بطرح كتلة نقدية بشكل كبير أدى للتضخم، لافتا إلى أن أهم الأسباب لارتفاع الأسعار في البلد ازدياد الكلفة الناجمة عن زيادة سعر المحروقات التي بُررت لسد العجز، وتاليا لجم التضخم يكون بتخفيض التكلفة.
من جهته، أوضح فضيلة، أن التضخم يُعبر عنه بالارتفاع الشامل والمستمر للأسعار، فبعض السلع لها مبرر بسبب ضعف القدرة الإنتاجية مثل لحم الفروج الخضار والفاكهة خارج موسمها، وأيضا بعض السلع المطلوبة التي يتم تصدير جزء منها ولم يعد ما هو موجود يكفي للاستهلاك المحلي.
وبين فضلية أن المبرر لارتفاع سعر الفروج في سوريا ناجم عن ارتفاع تكاليف الإنتاج، ففي الشتاء ترتفع كلف التدفئة، وأما في فصل الصيف ترتفع التكاليف أيضا بسبب ضرورة توفير التبريد الملائم والعزل لكي لا ينفق الدجاج بفعل الحرارة المرتفعة، إضافة لأسباب أخرى.
قد يهمك:عملة جديدة في سوريا.. ما حقيقة طباعة فئة 10 آلاف؟
طرح عملة فئة 10 آلاف أحد الحلول؟
آراء اقتصادية عديدة دعت إلى طرح فئة نقدية جديدة لضبط التضخم والزيادات غير المسبوقة في الأسعار، وتدني مستوى القوة الشرائية في سوريا، خصوصا مع التجربة السابقة في طرح مبلغ 5000 ليرة، وذلك استنادا إلى مبررات مفادها، أن طرحها لا يحتاج إلى تمهيد بل إلى ثقة الناس، وهو المطلوب لإطلاقها.
وزيرة الاقتصاد السابقة، الدكتورة لمياء عاصي، أعادت الطرح والتساؤل بشكل جدي حول طباعة عملة ورقية جديدة من فئة الـ10 آلاف ليرة سورية، وكتبت مؤخرا على صفحتها على “فيسبوك”، أن “طرح ورقة نقدية من فئة جديدة، هو لتسهيل العمليات اليومية من شراء وبيع، بعد أن تدنت القوة الشرائية كثيرا للعملة الوطنية”.
وتابعت الوزيرة السابقة، أن طرح الفئة الجديدة، “لا تحتاج إلى تمهيد، ولكنها تحتاج إلى ثقة الناس بتصريحات المسؤولين الاقتصاديين، بأن إصدار الورقة الجديدة، لن يؤدي إلى زيادة المعروض النقدي الموضوع بالتداول، والذي سيؤدي حتما إلى ارتفاع في معدل التضخم وإلى المزيد من ارتفاع الأسعار”.
وذكرت عاصي، إن “ارتفاع معدلات التضخم ينعكس بشكل سلبي وكبير على الفقراء من الناس، لذلك سوف تنعكس سلبا على وضعهم المعيشي”.
أما رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية، عابد فضلية، فرأى في وقت سابق، أن معالجة مشكلة التضخم لا يمكن حلها عن طرح الفئات النقدية الكبيرة، لأن التضخم يحدث نتيجة العديد من المتغيرات الاقتصادية الداخلية والخارجية، ومنها لحجم الكتلة النقدية وتوظيفها بشكل مجد ومثمر ينتج عنه مزيد من فرص العمل وزيادة في الإنتاج والإنتاجية.
وأضاف فضيلة، أن التضخم له علاقة بحجم الكتلة النقدية الموجودة في التداول وبحجم الإنتاج وليس بالفئات النقدية أكانت فئات صغيرة أم كبيرة، إضافة للعوامل الأخرى المؤثرة فيه.
وبين أن طباعة ورقة الـ10 آلاف ليرة، لو تمت وطرحت للتداول، فلن يكون لها أي أثر على التضخم، بل إن وجود التضخم هو السبب وراء طرح فئات نقدية كبيرة لتسهيل التعاملات التجارية والمصرفية النقدية، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.
ولكن في مقابل ذلك، وفيما لو تم طباعتها، يشترط ألا يتم طبع كمية أكبر من النقد، تزيد عن حجم إجمالي القيمة السوقية السنوية للإنتاج السلعي والخدمي، والأهم في ذلك أن يتم طباعة كمية من فئة 10 آلاف ليرة سورية، تساوي حجم ومبلغ الكمية التي يتم إتلافها من النقود المهترئة، إضافة إلى حجم ومبلغ الكمية من النقود التي يتم تجميدها، كاحتياطي مستقبلي في أقبية ومستودعات المصرف المركزي، بحسب فضيلة.
إقرأ أيضا:توقعات جديدة بطباعة ورقة 10 آلاف في سوريا
هل تحتاج سوريا لطباعة عملة جديدة؟
الجواب على سؤال، متى تكون طباعة العملة من فئات قديمة موجودة أو من فئات جديدة، غير موجودة لا تؤثر على سعر الصرف، ولا تسبب التضخم النقدي و تدني قيمة هذه العملة المطبوعة، أوضحه الخبير الاقتصادي، جورج خزام.
الأكاديمي الاقتصادي قال لـ”الحل نت”، “إن الطرح يكون صحيحا، إذا كانت كمية الأوراق النقدية الجديدة المطبوعة تساوي كمية الأوراق النقدية القديمة التالفة للتبديل، وإذا كانت كمية الأوراق النقدية الجديدة المطبوعة تساوي مقدار الزيادة بحجم الإنتاج، بحيث يحصل توازن بالأسواق بين كمية الأوراق النقدية المتداولة، مع كمية البضائع المعروضة للبيع، وهنا لن يحصل التضخم النقدي”.
وأشار خزام، إلى أنه خلافا لذلك فسوف يحصل تضخم وتراجع بسعر صرف العملة أمام الدولار، لا سيما إذا كانت كمية الأوراق النقدية المطبوعة، تساوي مقدار الزيادة بالاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، والذهب في المصرف المركزي بسبب زيادة الصادرات.
وحتى يستطيع المصرف المركزي بأي لحظة سحب فائض السيولة بالليرة السورية من التداول، بين الخبير الاقتصادي، أن ذلك يجب أن يتم باستبدال الذهب، أو العملات الأجنبية بالليرة السورية حتى لا ينخفض سعر صرف الليرة أمام الدولار.
وعليه رأى خزام، أن طباعة عملة ورقية من فئات عالية، هو ليس الحل لمشكلة التضخم النقدي، وإنما هو الحل لمشكلة تداول كميات كبيرة من العملة الورقية.
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي، عدنان فرحه، أن عملية طرح فئة نقدية جديدة، يجب أن يكون لموازنة التضخم وكبح جماح الفارق بين ارتفاع الأسعار، وكمية النقد اللازمة لتأمين تكاليف المعيشة؛ لأن عادة التضخم يرافقه زيادة المعروض النقدي هكذا هو العُرف الطبيعي.
وبحسب فرحه، فإن سوريا حاليا تشهد تضخم لا يمكن إنكاره، بالمقابل هناك نقص واضح بالسيولة النقدية اللازمة لتقليص الفارق بين الأسعار وتكاليف المعيشة، وبالتالي، “نحن أمام مشكلتين، التضخم ونقص السيولة”، وفقا لقوله.
قد يهمك:توقعات جديدة بطباعة ورقة 10 آلاف في سوريا
خيارات ضيقة تواجهها حكومة دمشق في مواجهة ارتفاع مستويات التضخم والتردي الاقتصادي دون أن تتمكن من تقديم أي حل حقيقي قادر على إخراج البلاد والمواطنين من هذه الأزمة.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.