يعاني القطاع الصحي بشكل عام في سوريا، من عدة صعوبات، منها ارتفاع أسعار “الكشفيات” الطبية، وانقطاع الأدوية وارتفاع أسعارها، فضلا عن هجرة الأطباء من مختلف التخصصات. وفي تصريحات صحفية لمسؤولين في الهيئات الصحية السورية، إن 80 بالمئة، من الأطباء الذين بقوا في البلاد بالكاد يعيشون، وسط تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق في البلاد وتراجع الليرة السورية مقابل النقد الأجنبي، كل ذلك في ظل عجز الحكومة السورية أمام كل هذه الأزمات.

ضعف مداخيل الأطباء؟

في السياق، وردت عدة شكاوى من محافظة حماة، حول ارتفاع أجرة معاينة الأطباء بشكل كبير، والذي يفوق قدرة نسبة كبيرة من المواطنين، أصحاب الدخل المحدود.

بحسب ما جاء في الشكاوى، باتت أجرة معاينة الأطباء تتراوح بين 7 – 15 ألف ليرة سورية، وسط غلاء عام للمعيشة، فضلا عن أن المعاينة قد تستلزم تحاليل وصور أشعة؛ وبالتالي الأدوية أيضا، والتي شملتها ارتفاعات عدة منذ فترة قصيرة، مما يجعل العلاج أمرا يحرج الكثيرين، وفق تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، اليوم الأحد.

من جانبه، رئيس فرع نقابة أطباء حماة، د.عبد الرزاق السبع، اعتبر أن أجور الأطباء “مقبولة وليست مرتفعة إطلاقا في ظل غلاء كل شيء”، متسائلا: “لماذا لا ننظر لغلاء أجرة الحلاقة أو أصحاب المهن الحرة (تمديدات صحية – صيانة سيارات- بائعي ألبسة وأحذية وأغذية وغيرها)؟”، وفق ما نقله الموقع المحلي.

السبع، أضاف: “نحن في وضع نريد أن نحافظ فيه على من بقي من الأطباء من الهجرة التي تعصف بالبلاد وتجعل قلتهم خطرا كبيرا على الوضع الصحي، في ظل وجود مغريات الأجور في الخارج، وما زال يتقدم كثير منهم إلى النقابة بأوراقهم للمغادرة، نتيجة ضعف الرواتب، وهذا أكبر مؤشر على عدم توازن ارتفاع معاينات الأطباء وأجورهم بالمقارنة مع مصاريف المعيشة”، على حد تعبيره.

وفق السبع، فإن 80 بالمئة، من الأطباء بالكاد يعيشون مقابل 20 بالمئة، فقط منهم يعيشون برفاهية، لافتا إلى أن النقابة خفّضت الضرائب عن بعضهم لعجزهم عن دفعها.

السبع، أشار إلى أن الحكومة نفسها فتحت القبول بعلامات أخفض من السنوات السابقة لدراسة الطب، وذلك للحد من نزيف الهجرة، مبينا: “من لا يسعه دخله أن يدفع أجرة الطبيب فهناك طبابات مجانية، أو شبه مجانية عديدة في العيادات، والمستوصفات، والمشافي الحكومية”.

قد يهمك: ارتفاع كشفيات الأطباء في سوريا.. العيادة لا يزورها الفقير أبداً؟

إجراءات حكومية صعبة

في المقابل، أشار السبع إلى أن معاناة الأطباء تتمثل أيضا في النظام الضريبي، فضرائب المالية لم تُعَدَّل منذ عام 2000، وطريقتها ليست عادلة ولا صحيحة؛ ولا يمكن بحال أن تحتسب المالية ضريبتها لمبالغ فوق الـ500 ألف أو المليون، في وقت تُعد فيه هذه المبالغ، ليست ذات قيمة كما السابق أي في عام 2000، إضافة إلى أن النظام الضريبي يعفي فقط أول 50 ألفا من الضريبة، متسائلا: “ماذا تشكل هذه الـ50 ألفا؟”، على حد وصفه للموقع المحلي.

السبع، نوّه إلى معاناة أخرى يعاني منها الأطباء، وهي استبعاد فئة الأطباء من الدعم الحكومي من مادة البنزين وغيرها من الأمور، ولذلك شدد السبع، على أن ظروف الأطباء صعبة، ويجب القيام برفع أجور معايناتهم الحالية، وهي حاليا قيد الدراسة في النقابة المركزية وهم أكثر شريحة متضررة في الأزمة بعد الموظف حسب تعبيره.

قد يهمك: وفيات وإصابات بالعشرات.. تحذيرات من تفشي “الكوليرا” بسوريا

تسعيرة “الكشفيات” الطبية

في سياق متّصل، أشار السبع إلى أن أجور معاينة الأطباء تختلف سواء داخل المدينة، أم في ريفها في كل المحافظات السورية، ففي دمشق قد تصل إلى 25 ألفا، وفي درعا، ودير الزور قد تتراوح بين ٣ آلاف حتى ٤ آلاف، وكذلك الأمر في مدينة حماة أو أريافها، وبالتالي لا يمكن وضع تسعيرة موحدة.

وختم السبع حديثه بالقول: “حينما كان الطبيب يتقاضى أجرة معاينة 700 ليرة، كان كيلو اللحم بـ400 ليرة، في حين يبلغ سعر كيلو اللحمة الآن 25 ألف ليرة، فأين الطبيب؟، مستدركا: “زاد أجره عن الماضي من 10 إلى 20 ضعفا مقابل ارتفاع تكاليف المعيشة من 100 إلى 200 ضعف، وأنتم قارنوا؟”.

تهالك القطاع الطبي

نتيجة للعديد من العقبات التي تواجه القطاع الطبي في سوريا، فإن وسائل جديدة بدأت بالظهور من أجل الالتفاف على ارتفاع الأسعار، والتي تفوق قدرة معظم السوريين اليوم. وأيضا، نتيجة لقيام الصيادلة برفع أسعار الأدوية حسب مزاجهم، بالإضافة إلى احتكارهم لبعض أنواع الأدوية والتلاعب في الأسعار حسب رغبتهم، مما دفع المواطن السوري إلى “المكاسرة”، من أجل خفض سعر الدواء لأقل سعر ممكن بما يتناسب مع راتبه ومدخوله الضئيل، خاصة وأن المواطن يتأثر بفرق السعر حتى لو كان ألف ليرة سورية. سيما و ليس هناك أية احتمالية تخولهم لعدم شراء الدواء.

الحديث عن أسعار الأدوية وتباينها بين صيدلية وأخرى يكاد لا يتلاشى حتى يطفو على السطح مرة أخرى، وكأن الحديث هنا عن سلعة تجارية قابلة للعرض والطلب، وليس عن عقار دوائي يُفترض أن يكون سعره محددا، وغير قابل للتفاوض.

“كانت في العام 2013 آخر مرة زرت فيها عيادة الطبيب“، لا يقصد محمود باشا (أب في أسرة مكونة من خمسة أفراد يعيش في مدينة حلب) هنا، أنه لم يتعرض هو أو أحد من أفراد عائلته لمرض أو تعب شديد يستدعي زيارة الطبيب، لكن الارتفاع الهائل في تعرفة الأطباء، في ظل الوضع الاقتصادي المتردي حرمت العائلة من الاستفادة من الكثير من الخدمات الطبية في البلاد.

أحد المشافي في سوريا “AFP”

كشفية الأطباء، أصبحت من القضايا الشائكة في سوريا، لا سيما مع انهيار قيمة العملة المحلية، وضعف القدرة الشرائية للأهالي، ففي حين يرى المواطنون أن التعرفة مرتفعة، يعتقد الأطباء أن أجورهم منخفضة للغاية، ذلك ما جعل قسم كبير منهم يفكر بالهجرة والعمل خارج سوريا.

وقال باشا في حديثه سابق لـ”الحل نت”، أن الارتفاع الكبير في أسعار الطبابة في سوريا، دفعه للتوجه إلى مراكز العطارة الشعبية، وهي مراكز كانت قد اندثرت بشكل كبير في وقت سابق، لكنها عادت مؤخرا، ويعتمد عليها أصحاب الدخل المحدود في البلاد.

كذلك، مما زاد من فجوة تراجع القطاع الصحي بسوريا، هو هجرة الأطباء والممرضين، إلى بلدان أخرى كالعراق ولبنان، لدرجة أن بعض المشافي فقدت ما يقارب 50 بالمئة، من موظفيها خلال العشر سنوات الماضية، وفق تصريحات صحفية سابقة لمسؤول السلامة المهنية في مشفى “الباسل” بدمشق، سعد الدين الكردي.

تُعد هجرة الأطباء بمختلف اختصاصاتهم من الملفات المهمة التي تحتاج إلى حلول بعد تزايدها خلال الآونة الأخيرة، والمؤسف أن نزيف الهجرة لم يتوقف حتى الآن، بل تضاعف، ولم تعد هجرة الأطباء مقتصرة على الدول العربية، ولا على كبار الأطباء، بل بدأت الهجرة إلى بلدان أوروبية في ظل العديد من الإغراءات العلمية والمادية، وهذا حتما أثّر ولا يزال يؤثر على القطاع الصحي في سوريا عموما.

قد يهمك: من “كورونا” إلى “الكوليرا”.. أزمات صحية تحاصر سوريا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.