في مساع روسية متسارعة في الآونة الأخيرة، وعقب اللقاء الأمني الأخير الذي جمع رئيسي جهازي المخابرات التركي هاكان فيدان، والسوري علي مملوك، اقترحت روسيا يوم أمس الإثنين تنظيم لقاء بين وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، والسوري فيصل المقداد، معتبرة أنه سيكون مفيدا في الوقت الحالي.

وأوضح نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن بلاده على استعداد للمساعدة في عقد هذا الاجتماع إذا لزم الأمر، مبيّنا أن الاجتماع سيكون مفيدا حيث سيؤسّس لاتصالات سياسية بين الطرفين إضافة للاتصالات العسكرية والأمنية.

وتطرح الدعوة الروسية العديد من التساؤلات، حول إمكانية أن يكون هذا اللقاء قريبا، وما أهدافه وماذا سيبحث، ومَن المستفيد منه؟

لا لقاء قريب رغم الضغط الروسي

ميخائيل بوغدانوف، دعا أمس الإثنين إلى تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وذلك على خلفية التغير الذي طرأ على العلاقة بين الطرفين عقِب قمة سوتشي الأخيرة، وأيضا خلال الاجتماع الأخير الذي جمع فيدان، بعلي مملوك، أجرى الطرفان تقييما لإمكانية، وكيفية أن يلتقي وزراء خارجية البلدين، بحسب مصادر لـ”الحل نت”.

هاكان فيدان رئيس المخابرات التركية “وكالات”

الكاتب السياسي، صدام الجاسر، لا يتوقع أن يكون هناك لقاء بين وزيري الخارجية التركي، والسوري في القريب العاجل، مبينا أنه قبل مضي شهرين لا يوجد لقاء كهذا، لأنه حتى الآن لم يحصل توافق أمني بين الطرفين.

ويضيف الجاسر، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الأتراك حاليا في حالة تنسيق كبيرة مع الروس، وظهر هذا الأمر جليا في عدم تدخل روسيا في الأزمة الأذرية – الأرمينية الأخيرة على الرغم من الدعم الروسي الداعم لأرمينيا والدعم التركي لأذربيجان، ولذلك تحاول روسيا استثمار هذا الأمر بالضغط على تركيا من أجل الانفتاح على حكومة دمشق، وهدفها الرئيسي هو إحداث اختراق في الملف السوري وتغيير الوضع في سوريا، مما يخف عنها الضغط الذي تعانيه في أوكرانيا.

يلفت الجاسر، إلى أن روسيا تعتقد أنها من خلال النجاح بإجراء تقارب تركي سوري، قد تجعل الأوربيين والأميركيين يرضخون للتدخل لحل الأزمة السورية، لكن يبدو أن الأميركيين غير مهتمين بالأمر ولديهم “فيتو” على التقارب التركي الروسي، فتركيا لها حدود معينة لا تستطيع تجاوزها سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.

إقرأ:هذه تفاصيل ما ناقشه رئيس المخابرات التركية مع علي مملوك في دمشق

أهداف تركيا من اللقاء مع دمشق

في تصريح للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مؤخرا حول إمكانية تطبيع العلاقات مع حكومة دمشق، أوضح أن هدف تركيا “لم يعد يرتبط بتنحية الأسد”، مبينا أن العلاقات الدبلوماسية بين الدول يجب ألا تنقطع.

كما نقلت “رويترز” عن مسؤول تركي، عقب لقاء فيدان، مملوك، أن روسيا تريد أن تتخطى كل من أنقرة، ودمشق مشاكلهما وتتوصلان إلى اتفاقات معينة تصب في مصلحة الجميع.

وبحسب صدام الجاسر، فإن لدى تركيا أهداف محددة من خلال اللقاء مع حكومة دمشق، أولها بحث مسألة الإرهاب وفق رؤية كل من الطرفين، وضمان عودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم وهذا ما يرفضه النظام، والحصول من دمشق على اعتراف رسمي بالسيطرة التركية على الشمال السوري، وحكومة دمشق، لا تستطيع تقديم أي من هذه الأمور لتركيا.

ويرى الجاسر، أن أي لقاء لن يتجاوز البحث في مسائل شكلية والتأكيد في نهاية اللقاء على وحدة الأراضي السورية ومكافحة الإرهاب، وتركيا في الحقيقة ترغب باللقاء من أجل الانتخابات والأصوات الانتخابية التي قد تتأثر بالانفتاح على حكومة دمشق، وهي أصوات معينة في تركيا قد تملك حكومة دمشق التأثير عليها، وفي نفس الوقت تكون الحكومة التركية قد سحبت البساط من تحت المعارضة التي تنادي بالانفتاح على دمشق.

قد يهمك:علي مملوك يلتقي رئيس المخابرات التركية في دمشق.. ماذا بعد ذلك؟

كيف يخدم اللقاء روسيا؟

محاولات وضغوط روسية كبيرة لتنظيم اللقاء بين وزيري خارجية تركيا، وسوريا، حاولت من خلال اجتماع قادة مخابرات البلدين التهيئة له، لكنه وبحسب العديد من المصادر لم يكن ناجحا.

الجاسر، يؤكد أن اجتماع فيدان، مملوك، كان اجتماعا فاشلا ولم يحدث أي تغيير ولم ينتج عنه أي تقدم في العلاقات، حتى الملفات الأمنية بين الطرفين شائكة جدا، ولم يتم حل أي ملف منها، لذلك تسعى موسكو من خلال دعوة بوغدانوف، إلى القفز عن الملفات الأمنية، والانتقال إلى الملفات السياسية لذلك دعت لاجتماع وزراء الخارجية.

ويشير الجاسر، إلى أن هناك نقطة مهمة، وهي أن روسيا تعاني حاليا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا، بسبب غزوها لأوكرانيا لذلك تسعى إلى حلحلة الملف السوري لتتفرغ لورطتها في أوكرانيا، كما تريد تقديم نفسها على أنها دولة راعية للسلام وليست معتدية، وهنا تكمن مصلحتها، ولكن من الواضح أن هناك رغبة غربية بجعل روسيا متورطة في ملفات عالقة، أي أن الغرب لن يقبل حاليا بأي حل للملف السوري أو الملف الأوكراني.

ماذا جرى في لقاء فيدان مملوك؟

مصادر ديبلوماسية أفادت لموقع “الحل نت” بطبيعة الأجواء التي سادت اللقاء الأمني الأخير الذي جمع رئيس المخابرات التركية، هاكان فيدان، بنائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية، علي مملوك.

علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني في سوريا “وكالات”

وبيّنت المصادر بأن أجواء اللقاء كانت طبيعية ولم تحمل طابعا إيجابيا كبيرا، شهد فيها اللقاء جملة من المعوقات التي تحول دون الانتقال إلى خطوات متقدمة بين الطرفين. المساعي فشلت حتى الآن في احتمالية التقارب بين دمشق، وأنقرة، والاجتماع الأمني الأخير واجه عدة عقبات لا سيما في موضوع إعادة المهجّرين/اللاجئين إلى مناطقهم، حيث رفض الجانب السوري إعادتهم إلى مدن حمص، وحلب، وريف دمشق، ضمن المخطط التركي القاضي بإعادة اللاجئين السوريين المتواجدين على الأراضي التركية إلى مناطقهم في شمال، ووسط، وجنوبي سوريا.

 فيما أبدى الجانب السوري رفضه لأي محاولة قتال مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتضيف المصادر بأن ذلك كان مطلبا تركيا “حيث أرادت أنقرة إعادة سيطرة دمشق على تلك المنطقة في أرياف من محافظتي دير الزور والرقة”.

كذلك كان هناك مطلب تركي آخر يقضي باعتراف حكومة دمشق بالسيطرة التركية في شمالي غرب سوريا من خلال الاعتراف بسيطرة فصائل المعارضة المدعومة من قِبل أنقرة، على تلك المنطقة، وهو ما رفضته دمشق أيضا، مطالِبة أنقرة بتخليها عن المعارضة السياسية والعسكرية التي تدعمها.

المصادر أشارت، إلى أن موسكو تسعى إلى استغلال تقاربها مع أنقرة، في سوريا من أجل تخفيف الضغوط عليها بسبب الحرب في أوكرانيا، لافتة بأن “موسكو تريد اختراق الملف السياسي السوري وإحداث خلخلة فيه”.

في حين ذكرت المصادر لـ”الحل نت”، بأن تركيا لا تريد إغضاب مصر، والسعودية بعد عودة العلاقات معهما، لا سيما وأن هناك “فيتو” حالي من قِبل مصر، والسعودية ضد عودة العلاقات مع دمشق، وذلك في ظل استمرار الفيتو الأميركي أيضا؛ لأي تطبيع مع دمشق، مضيفة بالقول، “جميع الاحتمالات واردة إزاء الفيتو العربي وقد يُزال هذا الفيتو خلال الفترة المقبلة بفعل العوامل الإقليمية والدولية”.

وكان موقع “هالك تي في” التركي، قد كشف عن لقاء سري جمع هاكان فيدان بـ علي مملوك، وذلك برعاية روسيا التي تعمل منذ فترة على دفع العلاقات بين الطرفين للاتجاه نحو التطبيع.

وذكر الموقع أن فيدان، توجه إلى سوريا وعقد اجتماعا وجها لوجه مع مملوك، في دمشق، وذلك من أجل حل قضية اللاجئين التي تُعد من أهم الملفات في تركيا حاليا، خاصة مع قُرب الانتخابات العامة في تركيا؛ صيف العام المقبل.

إقرأ أيضا:“حماس” تُعيد علاقاتها مع دمشق رسمياً.. ما الذي يحصل؟

لا يبدو أن عودة العلاقات بين أنقرة، ودمشق أمر سهل، على الرغم من المحاولات والضغوط الروسية، فالملفات العالقة بين الطرفين أكبر من أن يتم تجاوزها بسهولة، وهناك ملفات لا تقبل أنقرة، التنازل عنها وعلى رأسها الاعتراف من قِبل دمشق بشرعيتها في الشمال السوري، لتكون المحاولات الروسية غير مجدية وتؤدي إلى تورط روسيا بشكل أكبر في ملفات غير قابلة للحل حاليا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.