يومان فقط، كانت كافية لقلب تقديرات منسق السياسة الأوروبية، جوزيب بوريل، إلى النقيض؛ فبعد الإعراب عن أمله في التوصل إلى إعادة إحياء “الاتفاق النووي” خلال الأيام المقبلة. صرح بوريل، من بروكسل، مطلع الشهر الجاري، “يؤسفني أن أقول إن ثقتي تراجعت عما كان قبل يومين بشأن تقارب وجهات النظر، وإمكانية إبرام الاتفاق الآن”.

وزارة الخارجية الأمريكية بعد أن أكدت، بأنها تلقت ردا إيرانيا سلبيا وغير بناء. أكد الوزير، أنتوني بلينكن إنه من غير المرجح أن تلوح آفاق حل في المدى القصير.

“السداسية الدولية” توصلت لاتفاق مع طهران عام 2015، تم بموجبه رفع العقوبات عن إيران لقاء خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها. انسحبت واشنطن من الاتفاق عام 2018، وفرضت عقوبات مشددة على إيران بغية جرها للتفاوض على اتفاق جديد ومطمئن حول سلمية “البرنامج النووي” الإيراني؛ ردت طهران على العقوبات بالتراجع التدريجي عن التزاماتها النووية ربيع عام 2021.

مع إدارة جديدة للبيت الأبيض، باشرت طهران وواشنطن، مع القوى المنضوية في الاتفاق (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، روسيا، الصين) مباحثات غير مباشرة لإحياء الاتفاق في نيسان/أبريل 2021، تم تعليقها في حزيران/يونيو بدعوى الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الإيرانية وإجراءات نقل السلطة التنفيذية، وبعد استئنافها في تشرين الثاني/نوفمبر، عُلّقت مجددا منتصف آذار/مارس من العام الحالي مع وجود نقاط تباين بين واشنطن وطهران.

في العشر الأوائل من آب/أغسطس الفائت، تعالت أصوات المتفائلين بالتوصل لاتفاق مع طرح المنسق الأوروبي للمفاوضات مسودة نهائية للاتفاق، تتخلى إيران بموجبها عن مخزونها من “اليورانيوم المخصب”، عدا كمية 300 كيلوغرام خصبت بمستويات منخفضة، وتوقف جميع عملياتها لتخصيب “اليورانيوم” التي تزيد على 3.67 بالمائة، مع إزالة أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، بالإضافة لفتح برنامجها النووي أمام عمليات التفتيش التي تقوم بها “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، بهدف الاطمئنان الكامل لسلمية هذا البرنامج، بحسب تقرير لصحيفة “إندبندنت عربية”.

إيران قابلتها بطلب تعديلات مع تضمين الرد الإيراني طلبات خارجة عن الاتفاق المراد إحيائه؛ مما أدى لاعتبار مفاوضات إحياء “الاتفاق النووي” وصلت إلى طريق مسدود، بحسب المنسق الأوربي للمفاوضات.

بدلا من تضييقها بين طهران وواشنطن، اتسعت الفجوة بين الأوروبيين وطهران، خاصة بعد بيان “الترويكا” الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) قبل أيام، والذي اتهم إيران بتقويض المحادثات النووية من خلال تقديم مطالب منفصلة عن تعهداتها الدولية، بحسب حديث، رئيس تحرير موقع “إيران إنسايدر”، أيمن محمد، لـ “الحل نت”، حيث يرى أن تعنت طهران وتمسكها بإغلاق تحقيقات “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” في ثلاثة مواقع، يثير الريبة بشأن نشاطات نووية إيرانية، حوّل تفاؤل المنسق الأوربي للسياسة الخارجية وقائد جهود إحياء الاتفاق، جوزيب بوريل، إلى تشاؤم خلال بضعة أيام.

“الترويكا” الأوروبية، كانت قد أعربت في 10 من أيلول/سبتمبر الحالي، عن “شكوك جدية” في مدى صدق إيران في السعي إلى التوصل إلى اتفاق في شأن برنامجها النووي، وجاء في بيانها أيضا، للأسف، اختارت إيران عدم استغلال هذه الفرصة الدبلوماسية الحاسمة، وتواصل بدلا من ذلك التصعيد في برنامجها النووي بشكل يتجاوز أي مبرر مدني معقول.

فوات أوان الاتفاق؟

لا يحبذ الغربيون السيناريو العسكري، لكن الجمود الحالي وما تصفه “مجموعة الأزمات الدولية” بأنه توازن “اللا اتفاق واللا أزمة” لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، بحسب تقرير “إندبندنت عربية”، نشرته في 14 من أيلول/سبتمبر الجاري، حيث تعتبر “مجموعة الأزمات” إنه حتى وإن كانت هناك فرصة لنجاح مفاوضات فيينا بحلول نهاية العام، إلا أن ما يدعو للقلق، فوات أوان التفاهم المطروح حاليا، فالهوة أكبر من أن تردم وانعدام الثقة بين الولايات المتحدة وإيران أعمق من أن يتم تخطيه؛ لذا تتخوف المجموعة من خطر دخول الفرقاء في دوامة تفضي إلى مواجهة عسكرية إذا استنفدت الجهود الدبلوماسية أو فشلت.

البيت الأبيض، أكد في 6 من الشهر الحالي، أن الولايات المتحدة مستعدة لكل السيناريوهات المرتبطة بنجاح أو فشل “الاتفاق النووي”، مضيفا، كنا واضحين للغاية في شأن ما نعتزمه هنا، هو التأكد من أن إيران لا تمتلك سلاحا نوويا، وهذا هو هدفنا النهائي هنا.

إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أرادت التوصل إلى “الاتفاق النووي”، وفق حديث الباحثة في جامعة “كينغز”، صبا مدور، لـ “الحل نت” لاعتقادها بأنه السبيل الوحيد لتعطيل “البرنامج النووي” الإيراني، لكن ما بدا لاحقا بعد إنجاز جزء مهم من الاتفاق، أن إيران لن تتخلى عن برنامجها النووي العسكري بشكله السري.

واشنطن أطلعت على معلومات عن هذا البرنامج أو محاولات تأسيسه، بحسب تقدير مدور، لذلك ترفض استبعاد “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، بالإضافة لرفضها موضوع الضمانات، التي تطالب بها طهران، لإنها لا يمكن أن تقرر أجندة على الإدارة المقبلة أو أن تقيد حركتها، أو أنها ستحتاج لإضفاء صفة القانون على الاتفاق، وهو طريق غير مأمون للإدارة كونه يدخل الاتفاق في دهاليز الكونغرس، وربما يواجه رفضا شبه مؤكد من الجمهوريين وبعض الديمقراطيين.

أغلب دول الخليج وإسرائيل، تعتبر أن “الاتفاق النووي” المراد إحيائه لا يردع “أنشطة زعزعة الاستقرار” الإيرانية في المنطقة. ومؤخرا أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد زيارات لبعض الدول الأوربية بهدف الضغط لعدم إبرام الاتفاق أو لاتفاق متوازن يأخذ بالحسبان الهواجس الأمنية الناجمة عن البرنامجين النووي والصاروخي، مع السلوك الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة.

واشنطن وافقت على ألا يتناول “الاتفاق النووي” أنشطة إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة والبرنامج الصاروخي الإيراني.  وفق مدور، وبالرغم من صعوبة الجزم بتأثير الدول العربية، إلا أن الدور الإسرائيلي فاعل وجوهري وعلني في التأثير على الموقف الأميركي. وقد قام المسؤولون الإسرائيليون بزيارات إلى واشنطن وبعض الدول الأوروبية في اللحظة الحرجة لإتمام الاتفاق، وتمكنوا من رفع مستوى التشدد الغربي تجاه إيران. ومن غير المعروف تفاصيل ما قامت به إسرائيل للوصول إلى هذا الهدف، لكن معلومات صحفية تحدثت عن أنها قدمت تقارير استخبارية حول الأنشطة النووية الإيرانية غيرت رؤية الغرب، وتسببت بتعطيل الاتفاق.

في هذا الإطار يشير تقرير لموقع “الحرة” إلى أن التزام إيران بـ “الاتفاق النووي” ممكن وقابل للتحقق بواسطة إجراءات التفتيش الخاصة ب “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، لكن المشكلة في أنشطة وقدرات إيران غير النووية، وتحديدا في مجال الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة. بالإضافة لتحركات طهران السياسية وتدخلاتها المستمرة في دول المنطقة، معتبرا أن هذه المسائل لن يوقفها “الاتفاق النووي” ولا أي اتفاق آخر.

اقرأ أيضا: ما هي خيارات “الطاقة الذرية” للضغط على إيران؟

توقيع الاتفاق، بحسب أيمن محمد، بات مرتبطا بشكل وثيق بنتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي، نظرا لدعم اللوبي الإسرائيلي في “الحزب الديمقراطي” لمرشحين ديمقراطيين يرفضون توقيع الاتفاق مع إيران، ويعتبرون الشروط الإيرانية لا تلبي التطلعات الأميركية بعدم حيازة طهران للسلاح النووي مستقبلا.

أما في حال كانت نتائج انتخابات التجديد النصفي لصالح الديمقراطيين، سيعّجل ذلك من إمكانية التوصل لاتفاق جديد يتعامى عن البرنامج الصاروخي والأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة، نظرا لسياسة الإدارة الحالية المتمحورة حول الانسحاب من الشرق الأوسط للتموضع في مواجهة الصين.

مرونة لفظية

نقاط التباين المتبقية تدور حول ثلاث قضايا، أعربت فيها واشنطن عن مرونتها اللفظية في حالتين، بشرط إدراجها في النص، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”، وتتعلق أيضا بضمان استمرار تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة التي تعتمد على واقعية أميركا لتلبية مطالب إيران، وضرورة الحصول على ضمانات بتحقيق فوائد اقتصادية كاملة من “الاتفاق النووي”، خصوصا في مجال رفع العقوبات، وعدم تكرار الانسحاب الأميركي منه؛ وإنهاء “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” قضية العثور على آثار لمواد نووية في مواقع لم تصرح إيران أنها شهدت أنشطة نووية، وهي ما أثارت التوتر بين الطرفين نقلا عن موقع “فرانس 24”.

وعليه يرى محمد، أن النقاط التي تتفق فيها إدارة بايدن مع الإيرانيين أكثر من النقاط التي يختلفون فيها، بينما تمثل نقطة إغلاق تحقيقات “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” العقبة الرئيسية بين الطرفين، تليها نقطة رفع العقوبات بالكامل وضمان مكتوب بعدم الخروج من “الاتفاق النووي” في حال تغير الإدارة الأمريكية.

لا يمكن فصل السياسي عن التقني في اتفاق من هذا النوع، بحسب الباحثة صبا مدور، فالخلافات التي تحول دون توقيع الاتفاق هي سياسية بامتياز، بدليل أنها تحتاج إلى قرار سياسي لا تقني. ففي الاتفاق المعطل جرى التوصل إلى التفاهمات الخاصة بالقضايا التقنية، لكن ما يعوق العودة إليه اليوم هو الإرادة السياسية التي تمنع التفاهم على قضايا محددة لكنها مفصلية، كمسألة الضمانات ودور “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

عدا عن ذلك، أوقفت انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي سعي واشنطن لإتمام الاتفاق بنفس السرعة والحماسة، وباتت تطرح مواقف متشددة، كنوع من الدعاية الانتخابية وحتى لا تعطي للجمهوريين فرصة للمزايدة السياسية في هذا الوقت الحرج، وفق مدور.

خيارات بديلة عن الاتفاق

في مقابلة مع راديو الجيش الإسرائيلي، أعرب السفير الأميركي في إسرائيل، توم نيدز، عن شكوكه في التوصل لاتفاق نووي في المنظور القريب وإن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، محمّلا المسؤولية لإيران، التي لم تعيد كرة “الاتفاق النووي” بعد أن دخلت أراضيها.

بايدن، يريد التأكد من أن الولايات المتحدة لديها “خيارات أخرى متاحة” لضمان عدم امتلاك إيران القدرة على صنع أسلحة نووية، إذا فشلت جهود إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، بحسب تصريح للمتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، الخميس 8 أيلول/سبتمبر الجاري.

قد يهمك: جمود في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي مع إيران.. موت سريري؟

باتت مفاوضات فيينا النووية، باتت في مهب الريح، نتيجة القراءة والتوقعات الإيرانية الخاطئة للإدارة الأميركية، التي أبدت رغبة صريحة في الوصول لاتفاق “أقوى وأطول” من اتفاق عام 2015.  قابلتها طهران بالتشدد في الشروط والتي يمكن تلخيصها باتفاق يرفع عن إيران جميع العقوبات حتى غير النووية، ولا يقيد نشاطها النووي أو تخصيبها لليورانيوم بالمستويات الكافية لبرنامج سلمي، مع الاحتفاظ بمخزونها من “اليورانيوم المخصب” وأجهزة الطرد المركزي المتطورة على أراضيها، بدعوى الضمان الذاتي للالتزام الأميركي بالاتفاق، وإعماء “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” عن “البرنامج النووي” الإيراني بشقيه العلني والسري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة