بدءا من لبنان، وإلى العراق، منذ العام 2019، وصولا إلى إيران بعد نحو ثلاثة أعوام، تواصل حالة الرفض الدواران بين بلدان ما بات يصطلح عليها بـ “الهلال الشيعي”، بإشارة إلى امتدادهم في الشرق الأوسط. الشرق الذي سعت حكومة طهران خلال العقدين الأخيرين على رأسها المرشد الأعلى علي خامنئي وعبر استثارة المذهبية وتحريك الطائفة إلى فرض نفوذها عليه، تحت يافطة: تصدير الثورة، أو الدفاع عن المذهب.

 حلم باتت شعوب العراق، لبنان سوريا، واليمن، تصفه بالاستعماري، يواجه تهديدا وجودي، كما يرى بعض المراقبين، منذ اللحظة الأولى التي اندلعت فيها ما باتت تعرف بـ “ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019” في بيروت، التي عبر من خلالها المحتجون عن رفضهم لنظام الحكم المدعوم من طهران، وما تبعها من “ثورة تشرين” في العراق من ذات العام، رفع خلالها المحتجون شعارات صريحة مناوئة لنفوذ لإيران، وصولا إلى ما يشهده الخامنئي ذاته داخل بلاده الآن، من احتجاجات مناهضة له ونظامه.

الأحداث التي تعيش بظلها إيران على صفيح من نار بعد اتساع رقعة الاحتجاج الذي اجتاح العاصمة طهران أمس الخميس، على خلفية وفاة فتاة في العقد الثاني من عمرها بعد ثلاثة أيام من اعتقالها على يد شرطة “الأخلاق”، ومع ما يشهده لبنان من أزمة سياسية واقتصادية غير مسبوقة، وبالتزامن مع تصاعد احتمالية تجدد التظاهرات في العراق مع اقتراب الذكرى الثالثة لـ “ثورة تشرين” المصادفة في الأول من تشرين الأول/أكتوبر من كل عام، واستمرار الأزمة السياسية، كلها تدفع لسؤال واحد: هل بات العالم على مقربة من شرق أوسط جديد؟

سؤال يعززه الضغط على النفوذ الإيراني في سوريا، وجهود وقف الحرب في اليمن التي تشترط فيها دول الخليج الحد من نشاط طهران ووكلاءها هناك، وفشل الأخيرة في احتواء حالة الرفض التي تواجهها، لاسيما مع خسارة مواليها سياسيا في العراق الذين يمثلون حبل المشروع الإيراني السري. إذ تخوض الأحزاب السياسية العراقية المدعومة إيرانيا صراعا مصيريا في وجودها داخل السلطة منذ نحو عام على انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة التي أجريت في العاشر من أكتوبر الماضي، دون تشكيل حكومة جديدة حتى الآن، ما يشي بفقدان سلطة خامنئي لنفوذها في شرق أوسط أقرب إلى الاستقرار.

اقرأ/ي أيضا: الاحتجاجات الإيرانية تُقلق نظام خامنئي

موت خامنئي وما بعده

في محاولة لاستشراف مستقبل المنطقة مع ما يواجهه النفود الإيراني من تحديات، يقول أستاذ علم النفس السياسي، حيدر الجوراني في حديث لموقع “الحل نت“، إن “هلال إيران الشيعي ما هو إلا ملف من ملفات أمنها القومي الذي تستعمله للمناورة في العراق ولبنان وسوريا واليمن لغرض الضغط على المجتمع الدولي في مفاوضات ملفها النووي“.

غير أنه من “المبكر القول إن ثمة شرق أوسط جديد سيتغير، حتى قضية حسم الملف النووي قد لا توازي مرحلة ما بعد وفاة خامنئي. ومن هنا يأتي السؤال المبكر من الذي سيخلفه؟ وهل في حال وفاته ستبقى الثورة ذات الأربعين عقدا هي من يسيطر على النظام بخط قيادي جديد؟ وهل ستتغير مرحلة ما بعد وفاته قواعد الاشتباك في المنطقة؟ وهل ستتمكن حركات الاحتجاج والتغيير في إيران أن تحسم الأمر في تغيير النظام بعد موت مرشد الثورة؟“.

 هكذا تساؤلات “هي التي تحتم نوع الاستشراف لمنطقة الشرق الأوسط“، يبين الجوراني، ويشير باختصار إلى أن “غياب خامنئي قد يتيح فرصة لتغيير النظام في ظل السخط الجماهيري، وأن ما بعده قد يساعد في تغير بقاء الثورة الإسلامية وبالتالي قد يغير قواعد اللعب للنظام الدولي في المنطقة“.

من جهته، يقول المهتم في الشأن السياسي علي الشمري، إن “التجربة الإيرانية فشلت فشلا ذريع، ولمدى ذلك الفشل، إنه حتى مع عجز خصومها من حد نفوذها، دفعت هي بنفسها إلى وضع حد لمرحلتها بسبب ترجماتها الدموية والفاسدة على الأرض”، مشيرا إلى أنه “إذا ما نظرنا إلى البلدان التي تتواجد فيها إيران لن نجد أكثر من الخراب والدمار والفساد، ومن الطبيعي سواء كان هناك دعم دولي، أو لم يكن فسيكون هناك حد لهذه التجربة”.

اقرأ/ي أيضا: على غرار أوكرانيا ووقع الاحتجاجات.. إيلون ماسك يتحرك لوقف تحكم إيران بالإنترنت

نفوذ إيران الخامنئي في تراجع

الشمري يضيف، أن “الشعوب لم تعد تحتمل هذا الخراب والضياع، لذلك ومن الصعب أن نقول في الوقت الحالي سينهار النظام الإيراني، لكنه يمكن القول إن عصر هيمنة إيران بالمنطقة صار على أقرب إلى التلاشي، وستعود إلى مواضعها الطبيعية داخل حدودها”.

أيضا بين، أن “الحديث عن ذلك هو ليس من وحي الخيال، بل ما تفرضه المعطيات في قضية الاتفاق النووي، وصعود قوى جديدة، وعودة دعم الأنظمة في المنطقة العربية، إضافة إلى الرغبة العربية في التقارب، وتعزيز الشراكات الاقتصادية مع العالم والتي تقتضي منطقة أمنة، مؤكد ليس فيها مجال لمغامرات الخامنئي وأعوانه”.

وسط هذه التكهنات، يخوض لبنان تحديات متواصلة منذ الانتخابات الأخيرة في أيار/ مايو الماضي، نتيجة عدم تشكيل حكومة جديدة حتى الآن، يضاف لها عدم الاتفاق بعد على رئيس جديد للجمهورية، يرافق ذلك التحدي، تشكيل حكومة جديدة، خلفا لحكومة تصريف الأعمال، التي يترأسها نجيب ميقاتي، المكلف بتشكيل حكومة جديدة في أواخر حزيران/ يونيو المنصرم.

وعلى غرار لبنان، يعيش العراق أطول أزمة سياسية ما بعد 2003، ينظر لها مراقبون على أنها، مرحلة الافتكاك من نفوذ إيران، وإرهاصات دخول مرحلة جديدة في المشهد السياسي قد لا تكون سلطة خامنئي نافذة فيه كما في السابق.

كل ذلك يأتي في الوقت الذي تشهد فيه إيران حراكا احتجاجيا واسعا على مقتل مهسا أميني بعد اعتقالها من قبل شرطة “الأخلاق”، عبر من خلاله المحتجون عن غضبهم ورفضهم لممارسات الحكومة الإيرانية بشعارات: “الموت للمستبد.. الموت للديكتاتور” بإشارة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي.

بالمقابل، تكثف إسرائيل قصف المواقع الإيرانية في سوريا في الآونة الأخيرة، على الرغم من محاولات طهران في تمديد نفوذها في عدد من المناطق، لاسميا الحدودية مع الأردن منها.

اقرأ/ي أيضا:  إيران.. تصاعد غضب المحتجين وتمزيق صور “خامنئي”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة