علاقات عنوانها الأبرز التصعيد والتوتر بين تركيا واليونان، العضوين في حلف “الناتو”، وذلك بعد فترة من الهدوء النسبي التي خيّمت عليها خلال المدّة الماضية، ولكن مؤخرا ازدادت حدة التصريحات والتهديدات بين الطرفين، لعدة أسباب من بينها أزمة تاريخية تتعلق بملكية جزر بحر إيجة، على طول ساحل المتوسط، إضافة لملف التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، وتقسيم جزيرة قبرص، والحدود البحرية والجوية.

وفي خطابه في الثالث من الشهر الحالي، اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليونان باحتلال هذه الجزر بعد أن كان هناك تشكيك حول ملكيتها، وهدد بشن عمل عسكري ضد اليونان في أي لحظة، عندما كرر عبارة “قد نأتي فجأة ذات ليلة، على حين غرة”، وهي عبارة استخدمها أردوغان قُبيل عمليات عسكرية سابقة في العراق وسوريا.

وإلى ذلك أيضا، برزت اتهامات تركية لليونان بالتشويش على مقاتلاتها خلال جولات تتبع لـ”الناتو”، باستخدام أنظمة الـ”إس 300″ الروسية، وهو ما يخالف قواعد الاشتباك في الحلف، ومضايقة طائرات يونانية لطائرات تركية. وفي مقابل ذلك تتهم اليونان تركيا بعدوان متنامي ضدها في خطاب وجهته اليونان للحلف والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، مطالبة بوضع حدّ لتهديدات أردوغان “العدوانية”، قبل أن تندلع الحرب في هذه المنطقة.

ولكن في مقابل هذه التهديدات تبرز المصالح التي قد تغير المواقف بين الطرفين من عداء متنامي إلى تنسيق وتعاون، مع وجود قنوات دبلوماسية لم تُغلق أبدا بينهما، وهذا ما يطرح عدة تساؤلات حول أسباب هذه التوترات، وكيف يمكن أن يتعاون البلدان، وما مستقبل العلاقة بينهما.

ما أسباب التوتر التركي-اليوناني؟

عدد من المسائل الخلافية بين البلدين أدت للتوتر وتبادل التهديدات مؤخرا، أبرزها اتهام تركيا لليونان بتسليح جزر بحر إيجة، حيث تعتبر تركيا، أن اليونان تخالف بذلك الاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقية لوزان 1923، واتفاقية باريس 1947، والتي تضمنت تعهد اليونان بعدم عسكرة هذه الجزر المقابلة للسواحل التركية.

سفينة تنقيب تركيا بالقرب من المياه الإقليمية اليونانية “وكالات”

وأيضا هناك الضغوط التي تمارسها اليونان على الولايات المتحدة لوقف صفقة مقاتلات “إف 16” لتركيا، بتهمة أن تركيا تستخدم هذه المقاتلات لانتهاك المجال الجوي اليوناني، بالإضافة لذلك هناك زيادة التعاون العسكري بين اليونان والولايات المتحدة، والذي شهد تناميا لافتا في الآونة الأخيرة، حيث تعزز الولايات المتحدة نفوذها العسكري في البلدات اليونانية الحدودية مع تركيا، بحسب اتفاقية للدفاع المشترك وُقّعت بين الطرفين عام 1990.

ومن الأسباب أيضا، أهمية جزر بحر إيجة، في ظل أزمة الطاقة العالمية، حيث الخلاف التركي اليوناني على خرائط ترسيم الطاقة في بحر إيجة، كما أن حكومة أردوغان، تعمل مع اقتراب الانتخابات التركية على توظيف الخطاب القومي والديني.

الباحث في الشأن التركي، فراس رضوان أوغلو، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن هناك عدة نقاط زادت من التوتر بين تركيا واليونان، ففي الآونة الأخيرة دعت وسائل إعلام يونانية، إلى عزل تركيا قدر المستطاع وعلى كل المستويات، سواء العسكرية منها أو الاستراتيجية وحتى الاقتصادية، ومما لاشك فيه دور الإعلام كسلاح فعّال ونافذ وخاصة في السنوات الأخيرة بعد انتشار وسائل إعلامية متعددة لم تكن متوافرة من قبل، حيث تتّبع أثينا استراتيجية من أجل إحاطة تركيا ومحاصرتها سياسيا وإعلاميا، لذلك قررت مؤخرا تأسيس دائرة اتصال تلعب دور الجدار الواقي ضد تركيا حتى إن رئيس الوزراء اليوناني، ميتسوتاكيس، عقد اجتماعا تناول فيه أنشطة الاتصال والتواصل التركية لما لديها من ديناميكية إيجابية كانت واضحة على الصعيد العالمي.

ويضيف أوغلو، أن اليونان عملت على تعزيز قوتها العسكرية في مقابل تركيا، وقد تلقت دعما كبيرا في هذا الصدد، وخاصة الدعم الفرنسي، حتى إن فرنسا أرسلت العام الماضي فرقاطات، وسفن عسكرية لدعم البحرية اليونانية، وقررت دعمها بطائرات “رافال”، الفرنسية ضمن استراتيجية أوروبية تقوم على التفوق الجوي اليوناني على حساب القوة الجوية التركية، وهذا هو أحد أهم الأسباب التي جعلت تركيا تشتري منظومة “إس 400” الدفاعية الروسية، وهو ما زاد من التوتر أيضا.

بحسب أوغلو، فقد قامت اليونان بعدة مبادرات سببت التوتر لتركيا، من بينها زيادة عدد القواعد الأميركية، خاصة بعد توقيع كِلا الجانبين في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2021، اتفاقية الدفاع المشترك ليقر بعدها البرلمان اليوناني زيادة عدد القواعد العسكرية الأميركية في اليونان، لتصبح أربع قواعد عسكرية كبيرة إحداها في جزيرة كريت، وتُعد هذه الاتفاقية استكمالا لاتفاقية تم عقدها بين كلا الجانبين في 8تموز/يوليو 1990، مع اختلاف الظروف المحيطة باليونان في ذلك الوقت، وما عليه الآن حتى إن تركيا أبدت قلقها من استمرار تدفق السلاح إلى اليونان، عبر ميناء الكساندرو بولي وغيره.

وأشار أوغلو، إلى نجاح اليونان على المستوى الإقليمي، من خلال تعزيز العلاقات مع مصر، وإجراء مناورات عسكرية معها، وتطوير العلاقات مع السعودية، وتخصيص بعض الجزر لما يسمى “السياحة الحلال” لاستقطاب سيّاح سعوديين وخليجيين، ودخولها في منتدى شرق المتوسط، والتعاقد مع إسرائيل في عدد من الاتفاقيات في محاولة للإضرار بالعلاقات التركية الإسرائيلية.

إقرأ:بحر إيجة يشتعل.. سفينة توتر العلاقات بين تركيا واليونان

هل تتغير العلاقة بين البلدين إلى تعاون وتنسيق؟

رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، أعلن في الحادي عشر من الشهر الحالي، أن قنوات الحوار لا تزال مفتوحة مع الجانب التركي، وأن قمة الاتحاد الأوروبي “غير الرسمية”، التي ستُعقد في مطلع تشرين الأول/أكتوبر المقبل ستكون فرصة لحل الأزمة دون الدخول في تصعيد عسكري، مبيّنا أن هذا ليس فقط وجهة نظر اليونان، إنما أيضا وجهة نظر غربية لتجنب حدوث أي تصعيد عسكري جديد في المنطقة.

فراس أوغلو، يؤكد أن أقنية الاتصال بين البلدين مفتوحة، لأن هناك تخوفا أوروبيا مشتركا نحو روسيا، وهناك حاجة إلى جهة فاعلة بحيث تكون على الأقل ليست ضد موسكو، وأيضا ليست معها وهي تركيا وهذا أمر مهم جدا.

ويضيف أوغلو، أن هناك ناحية اقتصادية تُبقي القنوات مفتوحة بين البلدين، بسبب خط الطاقة القادم من شرق المتوسط والذي سيمر عبر تركيا واليونان، فالمصلحة هنا تتطلب أن يكون هناك تنسيق وتعاون بين الطرفين، وإذا رفض أي منهما التعاون فسيتوقف كل المشروع، وهذه هي أسباب التعاون بين البلدين.

وحول مستقبل العلاقات بين الطرفين، لا يعتقد أوغلو، أنها ستتجه لأي تطور جديد بل ستبقى كما هي، أحيانا إيجابية وأحيانا سلبية، وذلك بحسب الحكومات المتواجدة سواء في تركيا أو اليونان، فالحكومة اليونانية الحالية قومية شعبوية، بينما الحكومة السابق كانت أكثر انفتاحا على تركيا، وزار رئيس وزرائها تركيا، كما زار أردوغان في حينه اليونان.

حرب على الموارد؟

بيتر ستانو، المتحدث باسم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أضاف في حديثه مطلع الشهر الجاري، “ننتظر من تركيا الامتناع عن التصعيد الكلامي، والالتزام بتحسين علاقات حسن الجوار”.

سفن حربية تركية قرب بحر إيجة “وكالات”

وأردف ستانو، “في العلاقات مع اليونان، يجب معالجة أي قضايا عالقة سلميا، من خلال الحوار بحسن نية، وفقا للقانون الدولي ووفقا لمبدأ علاقات حسن الجوار”، ولفت إلى أن “اليونان دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، ويجب احترام سيادة، ووحدة أراضي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي”، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.

وفي وقت سابق، وأثناء التوتر على خط أنقرة-أثينا، عبّر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون عن دعمه لليونان في نزاعها مع تركيا حول جزر بحر إيجه، منددا بأي تشكيك في “السيادة” اليونانية عليها. وأضاف، “أود أن أؤكد هنا دعم كل الأوروبيين وخاصة فرنسا”.

وأكد ماكرون آنذاك، أنه “لا يمكن لأحد أن يعرّض للخطر سيادة أي دولة عضو اليوم، وأعتقد أنه تجب إدانة هذه التصريحات في أسرع وقت”.

الباحث المتخصص في الشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، أشار في وقت سابق إلى أن التوترات بين اليونان وتركيا ليست وليدة اليوم، بل هي تراكم لخلافات قديمة استمرت منذ عقود، لكنها تفاقمت مؤخرا بسبب اكتشاف حقول غاز كبيرة في شرق البحر المتوسط، مما أدى إلى تفاقم مشكلة تداخل المناطق البحرية في الأشهر الأخيرة، وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها، وظهور أزمة الطاقة والغاز إلى الواجهة.

استبعد عودة أوغلو، خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، حدوث تصعيد عسكري بينهما رغم تصاعد حدة التوترات بين أنقرة وأثينا، وعزا ذلك إلى حقيقة أن “الناتو”، لن يسمح بالحرب بين البلدين، حيث نجح في نزع فتيل الأزمة بين البلدين قبل عامين خلال أزمة شرق المتوسط.

التطورات في مطلع الشهر الجاري، جاءت بعد أيام قليلة من إعلان تركيا إرسال سفينة التنقيب “عبد الحميد خان”، وهي واحدة من أكبر خمس سفن تنقيب في العالم، إلى شرقي المتوسط للبدء بأعمال البحث السيزمي، (التي تجرى في مجال الاستكشافات البترولية والغازية)، وهو ما جعل اليونان تستنفر قلقا من انتقال السفينة إلى مواقع خلافية مع تركيا. حيث أبقى الجانب اليوناني قواته مستعدة لجميع الاحتمالات.

تسليح يوناني من إسرائيل

في وقت سابق لجأت أثينا إلى تل أبيب، نتيجة التحدي الذي تشكله الطائرات المسيّرة التركية “البيرقدار” لليونان، فاختارت الأخيرة الذهاب لشراء نظام صاروخي يهدف للتصدي للمسيرات التركية، يعرف باسم “القبة الحديدية”.

وفي آخر شهرين، نفّذت اليونان، سرّا نظام نشر “مظلة للتصدي للمركبات الجوية غير المأهولة للعدو”، فوق جزر ومواقع مهمة أخرى في جميع أنحاء البلاد، ويستخدم هذا النظام تكنولوجيا إسرائيلية لتعمية الطائرات بدون طيار، وتعطيل خطط رحلاتها، بحسب “الحل نت”.

طائرات حربية يونانية “فرانس برس”

النظام هو نسخة من نظام مضاد للطائرات بدون طيار، يحتوي على ميزات مشابهة لتلك الموجودة في قبة الطائرات بدون طيار الإسرائيلية، وهو نظام مشتق من “القبة الحديدية” الإسرائيلية المضادة للصواريخ، طوّرته تل أبيب، للتصدي للطائرات بدون الطيار أيضا.

ويتكيف النظام الذي صدّرته تل أبيب لأثينا، مع الاحتياجات الخاصة لليونان، والتضاريس الجغرافية للجزر، والمناطق الحدودية اليونانية الأخرى، حسب تقرير لمجلة “فوربس” الأميركية.

ورغم تحسّن العلاقات التركية الإسرائيلية مؤخرا، يبدو أن التنسيق بين أثينا، وتل أبيب ما زال مستمرا، حيث يُعتقد أن اليونان استحوذت أنظمة إسرائيلية أخرى إضافة إلى “القبة الحديدية”.

وفي مواجهة امتلاك تركيا لثالث أكبر أسطول من طائرات “إف-16” الأميركية، بعد أميركا وإسرائيل، سعت اليونان لتعزيز أسطولها الجوي، حيث استحوذت على 24 طائرة مقاتلة، من الجيل 4.5 من طراز “رافال” من فرنسا، وتعاقدت مع واشنطن على ترقية 84 طائرة، من طراز “إف- 16″، إلى أحدث تكوين “بلوك 72″.

قد يهمك:تهديدات أردوغان لليونان.. حرب على موارد الطاقة؟

لا يبدو أن الدخول في نزاع عسكري هو في مصلحة أي طرف في هذه الأزمة، خاصة بعد ما تشهده المنطقة من تحديات أمنية واقتصادية على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، ما يدفع للجزم بأن الغرب سيعمل على نزع فتيل هذه الأزمة بالطرق الدبلوماسية في ظل الحرص على تماسك “الناتو”، في مواجهة روسيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.