أزمة لا تكاد تنتهي حتى تبدأ أزمة أخرى بين العضوين في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، المتصارعين خارجه؛ تركيا واليونان، أزمات قديمة تتجدد وتزداد عمقا في كل مرة. من جهتها، تتهم تركيا اليونان بتسليح جزر بحر إيجه، وترى في الأمر انتهاكا لاتفاقيتي لوزان لعام 1923، وباريس عام 1947، اللتين تنظمان الوضع في الجزر، كما وهدد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بالتشكيك بسيادة أثينا، إذا استمرت في التسليح. اتهامات أوغلو أكدها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بإعلانه أنه لن يجتمع بعد الآن مع المسؤولين اليونانيين غير الصادقين، فضلا عن تعليقه لاتفاقية التعاون الثنائي المعروفة باسم “المجلس الاستراتيجي الأعلى”، مع اليونان.

ووصل التوتر بين البلدين إلى حدّ قال فيه أردوغان، إن رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس “لم يعد موجودا بالنسبة له”، واتهمه بعرقلة شراء تركيا لطائرتها من طراز “إف-16” أثناء زيارته للولايات المتحدة الأميركية، حيث صعّدت تركيا انتقاداتها لليونان بعد خطاب ميتسوتاكيس، أمام الكونغرس الأميركي في منتصف أيار/مايو الماضي، حيث طالب أعضاء الكونغرس، بأن يأخذوا في الاعتبار الوضع في شرق البحر المتوسط فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة المحتملة إلى تركيا.

تمتد الخلافات بين البلدين على مدار زمن طويل، وتتمثل في عدة قضايا منها الحدود البحرية وامتداد الجرف القاري لكل منهما، بالإضافة إلى الخلاف المزمن حول ملف التنقيب عن الغاز الطبيعي بشرق المتوسط، بالإضافة إلى قضايا المجال الجوي، والمهاجرين، وجزيرة قبرص المقسمة عرقيا.

من وجهة النظر هذه، يجدر التساؤل عن ماهية تهديدات أردوغان المتكررة لليونان، وما الجديد في الخلافات بين البلدين، هل هي من أجل الانتخابات العامة في تركيا أم غير ذلك، وكذلك احتمالات رد “الناتو” ضد تركيا، فيما إذا ستكون هناك انتكاسة لتركيا داخل الحلف.

تصريحات “عدائية”

ضمن السياق، جدد أردوغان، تحذيراته لليونان، اليوم الثلاثاء، قائلا “قد نأتيكم بغتة في جنح الليل”، وأردف “ما زلنا نشعر بالحساسية من تحرشات اليونان بالمقاتلات التركية، وأثينا بدأت تضبط نفسها بعد أن أدركت ذلك”، وفق ما نقلته وكالة “الأناضول”.

وكان أردوغان قد هدد اليونان، السبت، بأنها ستدفع “ثمنا باهظا”، متهما إياها بانتهاك المجال الجوي التركي، وبـ”مضايقة” الطائرات التركية فوق بحر إيجه، وأضاف “لدينا كلمة واحدة لليونان: لا تنسوا إزمير”، في إشارة إلى المدينة المطلة على بحر إيجة التي يسميها اليونانيون “سميرنا”.

وعلى إثر ذلك، أعرب الاتحاد الأوروبي، يوم أمس الاثنين، عن “قلقه الشديد” إزاء “التصريحات العدائية” التي أدلى بها أردوغان، ضد أثينا بشأن الجزر اليونانية القريبة من تركيا.

وصرح بيتر ستانو، المتحدث باسم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، ردا على سؤال خلال مؤتمره الصحفي اليومي “هذه التصريحات العدائية من قبل القيادة السياسية التركية ضد اليونان، والشعب اليوناني تثير قلقا بالغا”.

وتأتي هذه التهديدات، بعد أن أعلنت أنقرة، في 28 آب/أغسطس الفائت، أن طائراتها كانت في مهمة في بحر إيجه، وفي شرق البحر المتوسط، إلا أنها استُهدفت من جانب اليونان بنظام الدفاع الجوي “إس-300″، مندّدة بـما وصفته “عملا عدائيا”.

في هذا السياق، يرى طه عودة أوغلو، الباحث المتخصص في الشأن التركي والعلاقات الدولية، أن الخلاف التركي اليوناني دخل “مرحلة خطيرة” بعد أن اتهمت أنقرة، أثينا بمضايقة مقاتليها فوق بحر إيجه بطريقة عدائية والمضي قدما في تسليح الجزر اليونانية.

ووفق تقدير عودة أوغلو، الذي تحدث لـ”الحل نت”، فإن أردوغان الذي صعد ضد اليونان مهددا بشن حرب مفاجئة عليها حال تماديها فيما سماه ممارساتها “الاستفزازية” واحتلالها الجزر في بحر إيجه أمر “مقلق”، حتى مع اعتقاد المحللين الآخرين أن الأيام المقبلة ستشهد المزيد من التوتر في بحر إيجه، وشرق البحر الأبيض المتوسط في ظل الخلافات المستمرة بين أنقرة وأثينا.

قد يهمك: من جديد أردوغان يهدد اليونان.. ما الأسباب؟

حرب الموارد؟

بيتر ستانو، المتحدث باسم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أضاف في حديثه يوم أمس الإثنين، “ننتظر من تركيا الامتناع عن التصعيد الكلامي، والالتزام بتحسين علاقات حسن الجوار”.

وأردف ستانو، “في العلاقات مع اليونان، يجب معالجة أي قضايا عالقة سلميا، من خلال الحوار بحسن نية، وفقا للقانون الدولي ووفقا لمبدأ علاقات حسن الجوار”، ولفت إلى أن “اليونان دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، ويجب احترام سيادة ووحدة أراضي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي”.

وفي وقت سابق، وأثناء التوتر على خط أنقرة-أثينا، عبر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون عن دعمه لليونان في نزاعها مع تركيا حول جزر بحر إيجه، منددا بأي تشكيك في “السيادة” اليونانية عليها. وأضاف، “أود أن أؤكد هنا دعم كل الأوروبيين وخاصة فرنسا”، وفق وكالة “فرانس برس”.

وأكد ماكرون آنذاك، أنه “لا يمكن لأحد أن يعرّض للخطر سيادة أي دولة عضو اليوم، وأعتقد أنه تجب إدانة هذه التصريحات في أسرع وقت”.

وبالعودة إلى الباحث المتخصص في الشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، فقد أشار إلى أن التوترات بين اليونان وتركيا ليست وليدة اليوم، بل هي تراكمات خلافات قديمة استمرت منذ عقود، لكنها تفاقمت مؤخرا بسبب اكتشاف حقول غاز كبيرة في شرق البحر المتوسط ، مما أدى إلى تفاقم مشكلة تداخل المناطق البحرية في الأشهر الأخيرة، وكذلك الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها، وظهور أزمة الطاقة والغاز إلى الواجهة.

وفي ختام حديثه لـ “الحل نت”، استبعد عودة أوغلو حدوث تصعيد عسكري بينهما رغم تصاعد حدة التوترات بين أنقرة وأثينا، وعزا ذلك إلى حقيقة أن “الناتو”، لن يسمح بالحرب بين البلدين، حيث نجح في نزع فتيل الأزمة بين البلدين قبل عامين خلال أزمة شرق المتوسط.

والمدهش أن هذه التطورات تأتي بعد أيام قليلة من إعلان تركيا إرسال سفينة التنقيب “عبد الحميد خان”، وهي واحدة من أكبر خمس سفن تنقيب في العالم، إلى شرقي المتوسط للبدء بأعمال البحث السيزمي، (التي تجرى في مجال الاستكشافات البترولية والغازية)، وهو ما جعل اليونان تستنفر قلقا من انتقال السفينة إلى مواقع خلافية مع تركيا. حيث أبقى الجانب اليوناني قواته مستعدة لجميع الاحتمالات، وفق تقارير صحفية.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع اليونان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس “رويترز”

وكانت ألمانيا مختلفة في مواقفها بشأن التوتر بين أنقرة وأثينا، منذ نحو عامين، حيث استطاعت منع تحويل التبادل اللفظي بين البلدين إلى تصعيد عسكري، عندما قام وزير الخارجية الألماني بجهود وساطة بين اليونان وتركيا. ومن المرجح أن تلعب برلين، مرة أخرى دورا وسيطا في حل الأزمة بين البلدين، خاصة وأن تركيا تدعي أن اليونان تسلح بشكل غير قانوني جزرها في شرق بحر إيجه، ونتيجة لذلك تهدد اليونان عدة مرات ولكن دون أي جدية في تهديداتها، فحتى الآن هذه التهديدات رهن الكلام النظري، ولم تتحول إلى أفعال حقيقية بعد، وهذه التهديدات غالبا ما كانت تستخدمها لإطلاق عملياتها في سوريا.

يونان تحمي نفسها

في وقت سابق لجأت أثينا إلى تل أبيب، نتيجة التحدي الذي تشكله الطائرات المسيرة التركية “البيرقدار” لليونان، فاختارت الأخيرة الذهاب لشراء نظام صاروخي يهدف للتصدي للمسيرات التركية، يعرف باسم “القبة الحديدية”.

وفي آخر شهرين، نفّذت اليونان، سرا نظام نشر “مظلة للتصدي للمركبات الجوية غير المأهولة للعدو”، فوق جزر ومواقع مهمة أخرى في جميع أنحاء البلاد، ويستخدم هذا النظام تكنولوجيا إسرائيلية لتعمية الطائرات بدون طيار، وتعطيل خطط رحلاتها.

النظام هو نسخة من نظام مضاد للطائرات بدون طيار، يحتوي على ميزات مشابهة لتلك الموجودة في قبة الطائرات بدون طيار الإسرائيلية، وهو نظام مشتق من “القبة الحديدية” الإسرائيلية المضادة للصواريخ، طورته تل أبيب، للتصدي للطائرات بدون الطيار أيضا.

مقاتلة “إف 16” تابعة لسلاح الجو اليوناني (نيكولاس إيكونومو/Getty)

ويتكيف النظام الذي صدّرته تل أبيب لأثينا، مع الاحتياجات الخاصة لليونان، والتضاريس الجغرافية للجزر، والمناطق الحدودية اليونانية الأخرى، حسب تقرير لمجلة “فوربس” الأميركية.

ورغم تحسن العلاقات التركية الإسرائيلية مؤخرا، يبدو أن التنسيق بين أثينا، وتل أبيب ما زال مستمرا، حيث يُعتقد أن اليونان استحوذت أنظمة إسرائيلية أخرى إضافة إلى “القبة الحديدية”.

وفي مواجهة امتلاك تركيا لثالث أكبر أسطول من طائرات “إف-16” الأميركية، بعد أميركا وإسرائيل، سعت اليونان لتعزيز أسطولها الجوي، حيث استحوذت على 24 طائرة مقاتلة، من الجيل 4.5 من طراز “رافال” من فرنسا، وتعاقدت مع واشنطن على ترقية 84 طائرة من طراز “إف- 16″، إلى أحدث تكوين “بلوك 72”.

قد يهمك: شروط سوريّة لإعادة العلاقات مع تركيا.. تعرف عليها

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.