الزلزال الذي ضرب كل من تركيا وسوريا في 6 من شباط/فبراير الجاري، يعتبر الأكثر فتكا منذ قرابة قرن من الزمن، حيث تسبب بمقتل أكثر من 47 ألف نسمة، وبجرح عشرات الآلاف، وبتهجير أكثر من ستة ملايين نسمة في أرجاء تركيا وسوريا المجاورة.

على الرغم من المساعدات الدولية الضخمة، والتعهد بتقديم ملايين الدولارات كمساعدات، فإن هذه المأساة والدمار الهائل إلى درجة أنها ستترك آثارا سلبية كبيرة في الفترات المقبلة، خاصة على المستوى الاقتصادي، إذ إن مرحلة ما بعد الزلزال لن تكون أبدا كما قبله.

في خضم هذا الوقت العصيب، وبعد أيام من الزلزال الذي ضرب البلاد،  قدر “اتحاد الشركات والأعمال” في تركيا، حجم خسائر الزلزال بنحو 84 مليار دولار، متوقعا ارتفاع عجز الموازنة من 3.5 بالمئة إلى 5.4 بالمئة على الأقل. بالتالي، ونتيجة لخسارة الآلاف من بيوتهم وأعمالهم، يبدو أن ذلك سيولد لديهم شعورا بالرغبة في الهجرة نحو الأماكن والدول الأقل عرضة للزلازل بعد هذه المأساة العنيفة التي لحقت بهم، وربما تكون الدول الأوروبية الوجهة الأكثر احتمالية لتدفقهم. ومن ثم تبدأ أكبر موجة هجرة في التاريخ خلال الفترات المقبلة.

لذلك، لا بد من طرح بعض التساؤلات حول مدى احتمالية أن يتسبب الزلزال في موجة هجرة غير مسبوقة في تركيا، وعواقبها على الدول الغربية وخاصة “الاتحاد الأوروبي”، وما إذا سيكون هناك عدد من الإجراءات لردع موجات الهجرة المحتملة من الأناضول.

تدفقات هائلة؟

على إثر الزلزال الكارثي، تعرضت آلاف البنايات بما في ذلك منازل ومستشفيات، فضلا عن طرق وخطوط أنابيب وبنية تحتية أخرى لأضرار جسيمة. وكانت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، قد توقعت أن تتجاوز الخسائر الاقتصادية جراء الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا ملياري دولار وقد تبلغ 4 مليارات دولار أو أكثر.

هذا ومن المتوقع أن تلحق الزلازل أضرارا بالإنتاج في المناطق المنكوبة التي تمثل 9.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا. حيث أظهرت بيانات بورصة الطاقة في إسطنبول تراجع استخدام الكهرباء في تركيا بنسبة 11 بالمئة يوم الإثنين الماضي مقارنة بالأسبوع السابق بما يعكس حجم تأثر الاستهلاك. ومن شأن هذه الأضرار أن تؤثر على النمو الاقتصادي هذا العام.

خبراء اقتصاديون قالوا إنه من غير المرجح أن تؤثر الزلازل على الميزان التجاري لتركيا حيث من المتوقع أن تنخفض الصادرات والواردات، على حد سواء. فنصيب المنطقة الجنوبية الشرقية التي ضربها الزلزال من صادرات البلاد 8.5 بالمئة و6.7 بالمئة من وارداتها.

خلال العقد الماضي، تضاعفت موجات المهاجرين، ويواجه أكثر من مليار نسمة خطر التهجير بسبب كوارث مناخية بحلول عام 2050. ومنذ عام 2008، تسبب تغير المناخ بتهجير الناس بأعداد تزيد بثلاثة أضعاف على أعداد الناس الذين هُجروا جراء الحروب، علما بأن اللاجئين بسبب تغير المناخ قادمون بمعظمهم من دول إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى ومن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الموبوءة أصلا بالكوارث الطبيعية والجفاف الشديد، وفق تقرير لموقع “اندبندنت”.

قد يهمك: من إفريقيا إلى الخليج.. مهاجرون يغذون الإرهاب ويثقلون الاقتصاد

المحامي والحقوقي المقيم في فرنسا، زيد العظم، يرى أن أي تقصير في تقديم الإغاثة لتركيا اليوم يعني أن الآلاف سيفكرون في الهجرة نحو أوروبا، وصحيح أن أعداد المهاجرين المحتملين لا يمكن التنبؤ بها؛ لكن من المؤكد أن تركيا ستشهد موجة من النزوح والهجرة وبأعداد كبيرة، على غرار الهجرة التركية نحو ألمانيا في خمسينيات القرن الماضي.

لذلك، ستسعى الدول الأوروبية اليوم إلى تسريع ووضع خطة لإعادة الإعمار والتعافي من الزلزال، وتنشيط تركيا حيال ذلك، لأن ثمة تخوفا بين هذه الدول من أن كارثة الزلزال ستدفع بالتأكيد آلاف الأتراك إلى الهجرة إلى أوروبا، وفق تقدير العظم لموقع “الحل نت”.

من جانبه، يرى الحقوقي والمهتم بقضايا اللاجئين، طه الغازي، أن كارثة الزلزال ستسبب بالطبع بموجة هجرة، لكن ليس بشكل كبير وهائل ربما، ذلك لأن الزلزال سيؤثر بالتأكيد على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية وتحديدا الاقتصادية منها، حيث فقد الآلاف وظائفهم ومنازلهم وتأثيره ليس فقط على الأتراك بل على مجتمع اللاجئين السوريين المقيم هناك أيضا.

بطبيعة الحال الأشخاص المتضررين من الزلزال والذين يخشون إعادة بناء منازلهم في جنوب تركيا أو على سبيل المثال انتظار السلطات أو المنظمات المدنية لتعويضهم لإعادة بناء حياتهم، لا يزالون يخشون حدوث الزلازل في بلدهم مرة أخرى، وبالتالي ربما يدفعهم ذلك إلى التفكير في الهجرة خارج تركيا، والاستقرار في البلدان الأقل عرضة للزلازل، مثل أوروبا وغيرها، وفق مراقبين.

بموجب القانون الدولي، يعتبر اللاجئون بسبب تغير المناخ، أي حدوث الكوارث الطبيعية غير مؤهلين للحصول على حماية المجتمع الدولي. والواقع أنه ما من توافق حتى على سمات اللاجئين المؤهلين لذلك، لأن اتفاقية “الأمم المتحدة” لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين لا تشمل أولئك اللاجئين بسبب تغير المناخ، وهي لا توفر الحماية القانونية إلا للأشخاص الهاربين من الاضطهاد بسبب انتمائهم العرقي أو الديني أو جنسيتهم أو رأيهم السياسي أو فئتهم الاجتماعية.

إحكام الحدود أمام اللاجئين؟

في السياق، وبعد ارتفاع طلبات اللجوء في “الاتحاد الأوروبي” بشكل كبير، اتفق قادة الاتحاد على إجراءات جديدة للتصدي للهجرة غير القانونية. وتشمل الإجراءات تشديد مراقبة الحدود بين بلغاريا وتركيا، وزيادة ترحيل طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم، وفق تقرير لـ”دي دبليو“.

المحامي العظم، يؤكد هذا الكلام ويضيف “في التاسع من الشهر الجاري كان ثمة اجتماع لرؤساء دول الاتحاد الأوروبي ببروكسل، وتحدثوا عن موضوع الهجرة واللجوء، وطالب البعض منهم بتسييج الحدود التركية البلغارية، وهذا إن دل على شيء فهو بداية تخوف من موجة تركية محتملة”.

هذا وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين، بعد قمة الاتحاد في الساعات الأولى من يوم الجمعة الماضي، “سنعمل على تعزيز حدودنا الخارجية ومنع الهجرة غير الشرعية”. وتشمل الإجراءات المتفق عليها مبادرات لمضاعفة البنية التحتية للحماية على الحدود بين بلغاريا وتركيا، بما في ذلك الكاميرات وأبراج المراقبة. وقالت فون دير لاين إن دول الاتحاد الأوروبي تريد أيضا الاعتراف بقرارات الترحيل الصادرة عن كل منها بسهولة أكبر، في محاولة لزيادة الترحيلات.

إن الإجراءات التي ستتخذ من قبل الاتحاد في حال تدفق المهاجرين، فإنه في تصور العظم، مهما كانت تلك الإجراءات التي ستتخذها، لن تتناسب مع تدفق اللاجئين المحتمل من تركيا، حيث سيتم وضع السياج والجدران على حدود بلغاريا مع تركيا، وهذا يتطلب إجماعا أوروبيا ثم قرارا سياسيا بشأن ذلك، وبالتالي فإن الاستجابة الأوروبية لن تكون فعالة مقارنة باستيعاب تدفق اللاجئين، ونتيجة لذلك ستشهد البلاد موجة كبيرة من اللاجئين.

طه الغازي، يقول لموقع “الحل نت”، إن هذا الزلزال ككل سيكون له آثاره بشكل خاص على مستقبل السوريين المقيمين في تركيا، حيث لم تكن أحوالهم في أفضل حالاتها، وبعد هذا الزلزال ستتضاعف الضغوط والأعباء عليهم، وعليه سيفكر الكثيرون في الهجرة إما إلى أوروبا أو العودة إلى سوريا والاستقرار في المناطق الشمالية الغربية من سوريا.

دول الاتحاد الأوروبي باتت غارقة اليوم باللاجئين، لأنها تحوي اليوم قرابة 7 ملايين من اللاجئين الأوكرانيين، جراء الغزو الروسي لأوكرانيا قبل نحو عام، والاتحاد نفسه صرح بأنه غير قادر على استقبال موجات هجرة جديدة وهذا سيضعها أمام اتخاذ إجراءات صارمة لوقف موجات هجرة جديدة، وفق طه الغازي.

قد يهمك: الزلزال يكثف من المساعدات والاتصالات العربية مع دمشق.. بوابة لإعادة العلاقات؟

لدى الاتحاد عدد محدد من الإجراءات للحد من موجات الهجرة، لعل أولها زيادة الحزم المالية المخصصة للاجئين السوريين في تركيا، وكذلك تقديم تعويضات للحكومة التركية والمنظمات المدنية للمتضررين من الزلزال، من أجل ضمان استمرار إقامتهم في تركيا وتعويض المتضررين الأتراك.

أما الإجراء الآخر، وفق تقدير طه الغازي، فيتمثل في تحصين وإغلاق الحدود البحرية والبرية قدر الإمكان أمام موجات الهجرة غير الشرعية المحتملة من تركيا، وفيما يتعلق بمكافحة ومناهضة الهجرة غير الشرعية، أشارت “المفوضية الأوروبية” إلى أنها قامت بتزويد تركيا بحوالي مليار و200 مليون يورو من أجل مكافحة برامج الهجرة وإدماج اللاجئين لديها. وبالتالي قد تزيد المفوضية من هذه الميزانية كإجراء للحد من الهجرة المحتملة.

المستشار الألماني أولاف شولتز قال خلال الاجتماع الأوروبي بخصوص اللاجئين، إنه من المهم أن تعمل دول التكتل معا بشأن الهجرة سواء “تعلق الأمر بالسيطرة على الحدود الخارجية أو تحسين البنية التحتية أو التعاون مع دول المنشأ والعبور”. وعقد الاجتماع، الذي حضره الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بسبب العدد الكبير من طلبات اللجوء ووصول المهاجرين غير الشرعيين إلى التكتل، ما دفع العديد من دول “الاتحاد الأوروبي” إلى المطالبة بإجراءات أكثر صرامة.

يشار إلى أنه في عام 2022، سجلت السلطات زيادة بنسبة 64 بالمئة في عمليات العبور الحدودية غير النظامية مقارنة بالعام السابق، وفقا لوكالة “إدارة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي” (فرونتكس). كما ارتفعت طلبات اللجوء بنسبة تقارب 50 بالمئة. بالإضافة إلى ذلك، فرّ حوالي 4 ملايين شخص إلى دول الاتحاد من أوكرانيا.

تشكل تركيا الدول الأكثر ارتفاعا في طالبي التأشيرات والدخول إلى كندا، حيث قدّرت “دائرة الهجرة واللاجئين والمواطنة الكندية”، عدد طالبي اللجوء من الاضطهاد والقمع في بلدانهم في تركيا، بنحو 3745 طلب خلال العام الماضي.

استطلاع رأي لمركز “أوراسيا للأبحاث واستطلاعات الرأي”، أشار في وقت سابق إلى أن “رغبة الشباب في السفر من تركيا إلى الخارج تزيد كل يوم، فالاستطلاعات التي تجريها تظهر أن 75 بالمئة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عاما يؤكدون رغبتهم بالذهاب إلى أوروبا إن أمكن. وبالتالي فإن أعداد الهجرة سيتزايد بشكل كبير في تركيا إزاء هذا الزلزال المأساوي.

تأشيرات للمتضررين فقط؟

في سياق متّصل، قررت ثلاث دول أوروبية تسهيل إجراءات منح التأشيرة لمتضرري الزلزال في سوريا وتركيا ليستضيفهم أقاربهم المقيمون في أنحاء أوروبا. واتخذت كل من سويسرا وهولندا وبلجيكا، بعد ألمانيا إجراءات لتسهيل طلبات الحصول على تأشيرة للمواطنين الأتراك والسوريين المقيمين فيها حتى يتمكنوا من استضافة أقاربهم مؤقتا.

أمانة الدولة السويسرية للهجرة قالت في بيان، إن الأشخاص الذين دمرت منازلهم في الزلازل يجب أن يتقدموا بطلب للحصول على دعم طبي طارئ للاستفادة من عملية الحصول على تأشيرة سريعة، وفق تقارير صحفية.

كما وأوضحت أنه يمكن لهؤلاء الضحايا الحصول على استمارة “مرور سريع” من القنصلية السويسرية العامة في إسطنبول، لكن إجراءات التأشيرة ستظل تتم بموجب سياسة “شنغن”. وأشارت الأمانة إلى أنه تم حتى الآن تقديم 603 طلبات تأشيرة على هذا المنوال.

في هذا الصدد يوضح المحامي المقيم بفرنسا، أن هذه تأشيرات عاجلة للمتضررين ولمدة 3 أشهر فقط، وعلى نفقة الشخص الذي يكفل المتضرر في أي دول أوروبية. أي عدم كفالتهم بأي تسهيلات مادية أو معنوية، فقط منحهم تأشيرة دخول للمصاب جراء الزلزال.

ألمانيا من جانبها تخطط أيضا للسماح لضحايا الزلزال في تركيا وسوريا بالبقاء مؤقتا مع أقاربهم في ألمانيا. وقالت وزيرة الداخلية نانسي فيسر، إن العملية ستتم كجزء من التأشيرات العادية ولكن سيتم إنجازها بسرعة.

بالنظر إلى أن أعداد الأتراك من طالبي اللجوء في عموم الدول الأوروبية، بلغ أكثر من 30 ألفا العام الماضي، بحسب تقديرات غير رسمية، لكن مصادر أوروبية أخرى أشارت إلى أن عددهم تجاوز 10 آلاف خلال آخر 8 أشهر فقط، حيث استقر معظمهم في ألمانيا التي يحتلون فيها اليوم المرتبة الثالثة بعدما كان ترتيبهم الرابع قبل أشهر من جهة تقديمهم لطلبات اللجوء. كما أن مركز بحثي كشف مؤخرا، أن 75 بالمئة من الشباب في تركيا يرغبون بالهجرة.

مسألة الهجرة التركية نحو أوروبا، سواء بالوسائل القانونية من خلال الحصول على تأشيرة ثم عدم العودة أو بطرق غير مشروعة عبر عدة وسائل، كلها مرتبطة بالوضع الاقتصادي الهشّ في تركيا، من قلة فرص العمل والأوضاع الاقتصادية المتأزمة مؤخرا، بالإضافة إلى التضخم الهائل الذي تعيشه تركيا منذ ربع قرن، ومن ثم حدوث هذا الزلزال الكارثي، فإن البلاد مقبل على أكبر موجة هجرة خلال الفترة المقبلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.