الحرب السورية الدامية منذ ما يقرب من 11 عاما، والتي لم تترك حجرا على الحجر، ليأتي زلزال دموي بشكل مباغت فجر الإثنين الماضي، ويراكم آلام ومآسي السوريين أكثر فأكثر. هذا واستيقظت تركيا وسوريا على زلزال عنيف بلغت قوته 7.8 درجة، تلاه بعد ساعات قليلة زلزال آخر بقوة 7.5 درجة.

على إثر الزلزال الأعنف والأقوى خلال عمر استثمار “الشبكة الزلزالية الوطنية” في سوريا، أي منذ عام 1995، تجاوز العدد الإجمالي للضحايا الذين سقطوا في سوريا وحدها أكثر من 2000 قتيل وآلاف الجرحى، في حين لا تزال مئات العائلات تحت الأنقاض.

سوريا تضررت بشكل كبير من جراء هذا الزلزال المدمر، حيث انهارت مبانٍ بالكامل وتضررت أحياء بأكملها، بالإضافة إلى الأضرار التي لحقت بالعديد من المنازل، إلى جانب تشريد الآلاف من قاطنيها، خاصة في محافظة حلب وريفها وريف إدلب، التي تحوي ملايين اللاجئين الذين نزحوا بعد أن أفقدتهم الحرب السورية منازلهم.

الزلزال الذي ضرب سوريا وتسبب في سقوط العديد من الضحايا والخسائر، كثّف الاتصالات والمساعدات من العديد من الدول، لا سيما تلك التي قطعت علاقاتها مع دمشق، نتيجة مواقفها السياسية من الحكومة السورية جراء ما حصل ويحصل منذ 11 عاما. ومن بين الدول التي تواصلت مع دمشق وعلى المستوى الرئاسي، مصر والجزائر وروسيا، حيث تلقى الرئيس السوري بشار الأسد، عددا من برقيات التعازي والتضامن مع سوريا من رؤساء وقادة العديد من الدول، بالإضافة إلى المساعدات الدولية المعروضة، سواء بشكل مباشر من خلال بوابة دمشق أو من خلال المنظمات المدنية في مناطق إدلب.

هذا وتخطط العديد من الدول العربية وبعضها بدأ في إرسال مساعدات إنسانية طارئة إلى سوريا، وخاصة دول مثل مصر والإمارات والجزائر والأردن، وستكون عبر بوابة دمشق حصرا، ولا شك أن هذه المساعدات ستصل إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية فقط، بينما المناطق التي تسيطر عليها فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعومة من أنقرة، ستنتظر المساعدات الدولية التي تدخل من المعابر الحدودية مع تركيا سواء من الولايات المتحدة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي، ولكن هذه المساعدات معلقة على الحدود، بالنظر إلى الأضرار التي لحقت بالطرق والمشاكل اللوجستية الأخرى المرتبطة بالزلزال العنيف الذي ضرب كل من سوريا وتركيا وفي أعقابه دعت ألمانيا جميع الأطراف الدولية، بما في ذلك روسيا، إلى الضغط على الحكومة السورية للسماح بتقديم حصة المساعدات الإنسانية لضحايا الزلزال في شمال غرب سوريا.

كل هذا يثير العديد من التساؤلات، أولا، ما إذا كانت هذه المساعدات والاتصالات من القادة العرب ستكون بوابة لإعادة العلاقات مع دمشق، بالإضافة إلى أن هذه المساعدات الطارئة ستدخل عبر بوابة دمشق فقط، لذا فهل هذه فرصة لدمشق للاستفادة من المساعدات لمصلحتها فقط، وحرمان مناطق المعارضة السورية منها، وتداعيات ذلك على المتضررين.

لا علاقة للموقف السياسي بالإنساني

العديد من الدول العربية قدّمت تعازيها بضحايا الزلزال في سوريا، معربة عن تضامنها مع سوريا وتركيا من جراء الزلزال الذي ضرب البلدين فجر يوم الإثنين الماضي وأودى بحياة المئات من المدنيين وإصابة الآلاف منهم.

دولة الإمارات العربية المتحدة أعربت عن تضامنها مع سوريا عبر اتصال أجراه رئيس الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان، بالأسد، وأعرب فيه عن “خالص تعازيه ومواساته للرئيس ولذوي الضحايا سائلا الله تعالى الرحمة للضحايا والشفاء العاجل للمصابين”، وفقا لما نقلته “وكالة الأنباء السورية” (سانا)، المحلية.

كذلك، أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اتصالا بالأسد وتوجه بتقديم كل المساعدات الممكنة إلى سوريا، بجانب اتصال الرئيسين الروسي والإيراني بالأسد، وتأكيد بلادهما لتقديم المساعدات الإنسانية وإرسال فرق الإنقاذ، كما عبّر عدد من الدول تضامنهم مع الشعب السوري في مأساة الزلزال، ومنها السعودية ولبنان وفلسطين وغيرهم.

كما تلقى الأسد برقية تعزية من سلطان عُمان، هيثم بن طارق، حيث أعرب فيها عن خالص تعازيه وصادق مواساته لسيادته وللشعب السوري بضحايا الزلزال، بالإضافة إلى برقية مماثلة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، حيث أكد فيها وقوف الجزائر حكومة وشعبا إلى جانب الشعب السوري في هذه الظروف القاسية، واستعدادها لمدّ يدّ العون والمساعدة في كل مجهود من شأنه التخفيف من حدة وآثار هذه المأساة الأليمة.

الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، والملك عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية، أكدا أيضا تضامن بلادهما مع سوريا في تجاوز آثار هذه الكارثة الطبيعية، بجانب رسالة تعزية من رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ، إلى الأسد.

قد يهمك: تتربع على 3 خطوط.. لماذا تعتبر تركيا بؤرة جاذبة للزلازل؟

في هذا الإطار، لا يرى وائل علوان الباحث في “مركز جسور للدراسات”، أن الأزمات والكوارث الإنسانية تتطلب اصطفافات سياسية. كما أنه لا يرى أن هذه الدول العربية والذين هم على قطيعة مع دمشق أن يغيروا المواقف السياسية، فـ “الأسد الحاكم في دمشق لا يزال يتبع سياسة القمع والتنكيل بالشعب السوري”.

استدلا إلى ذلك، يقول علوان لموقع “الحل نت”، إن ثمة اجتماع قريب لـ”مجلس الأمن الدولي” حيث سيتم مناقشة تقرير “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية” بشأن الهجوم الكيماوية الذي نفذ في مدينة دوما السورية في 7 نيسان/أبريل 2018 والذي صدر في أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، ويدين الحكومة السورية، وبالتالي لا إعادة علاقات مع دمشق.

تعاطف إنساني فقط

بالإضافة إلى الاتصالات التي أجرتها الدول العربية مع حكومة دمشق، أعربت العديد من الدول، عن استعدادهم لتقديم المساعدات الإنسانية لسوريا، ومنها نيوزيلندا ومصر والأمم المتحدة والولايات المتحدة وحتى إسرائيل.

هذا ووجه بن زايد آل نهيان، قيادة العمليات المشتركة ببدء عملية “الفارس الشهم2” لدعم الشعبين السوري والتركي، عقب ما خلفه الزلزال من أضرار لحقت بالدولتين. وقال قائد العمليات المشتركة في وزارة الدفاع الإماراتية، اللواء الركن صالح بن مجرن العامري، إن الإمارات تخطط بدءا من يوم الثلاثاء لتنفيذ سبع رحلات اثنان منها للعاصمة السورية دمشق، وتم تشكيل فريق قيادة عمليات في مطار أضنة، وجار العمل على إنشاء فرق قيادة أخرى لتنسيق العمليات مع تركيا وسوريا.

فيما تتواصل المملكة المتحدة  مع “الأمم المتحدة” بشأن تقديم الدعم لسوريا، وسيرسل العراق أطقم الدفاع المدني إلى تركيا وسوريا ومعها إمدادات الطوارئ والإغاثة والأغذية والوقود، بجانب إبداء العديد من الدول إرسال المساعدات لسوريا.

غير أن سفير سوريا الدائم لدى “الأمم المتحدة” بسام صباغ، قال إن دمشق ترحب بكل المساعدة التي يمكنهم الحصول عليها بعد وقوع الزلزال المدمر، لكن يجب أن تأتي من خلال الحكومة السورية فقط. بمعنى أنهم لن يسمحوا بالتسليم عبر الحدود من البلدان الأخرى إلى المناطق التي يسيطر عليها “فصائل الجيش الوطني” المدعوم من تركيا، والتي هي في أمس الحاجة إليها.

الباحث السوري يقول إن هناك تعاطفا مع الوضع الإنساني السوري، وهذا الأمر يمتد إلى العلاقات مع بعض الأطراف التي لها علاقات أو تطبيع رسمي مع دمشق، لكن في كل الأحوال “الحكومة السورية لا يمكن وصفها سوى أنها دكتاتورية وقامت بقتل الآلاف من أبناء شعبها، من قصف المدنيين في منازلهم. وكذلك قتل المعتقلين في أقبية السجون والمعتقلات بالإضافة إلى البراميل المتفجرة وهذا ما تم إثباته وتوثيقه من قبل جميع التقارير الدولية”.

هذا الزلزال وأوضاع السوريين “أشبه بالوضع الأخير وإحباطاته لما حدث في الغوطة عندما قصف النظام السوري المدنيين بالأسلحة الكيماوية”، على حدّ تعبير علوان.

عواقب أمام المساعدات

في المقابل، قالت المتحدثة باسم “الأمم المتحدة” إن تدفق مساعدات المنظمة المهمة من تركيا إلى شمال غرب سوريا توقف مؤقتا بسبب الأضرار التي لحقت بالطرق ومشاكل لوجستية أخرى مرتبطة بالزلزال العنيف الذي ضرب البلدين قبل يومين.

ماديفي سون سوون المتحدثة باسم مكتب “الأمم المتحدة” لتنسيق الشؤون الإنسانية، قالت لوكالة “رويترز” “بعض الطرق معطلة والبعض الآخر لا يمكن الوصول إليه، بسبب وجود مشكلات لوجستية تحتاج إلى حل”، كما أوضحت “ليس لدينا صورة واضحة عن موعد استئنافها”.

وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، طالبت جميع الأطراف الدولية، ومنها روسيا، بالضغط على دمشق للسماح بالمساعدات الإنسانية لضحايا الزلزال. وقالت خلال مؤتمر صحافي في برلين مع وزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزوبان، إن بلادها ستقدم مليون يورو إضافية لمؤسسة “مالتيزر إنترناشونال”، وإنها تعمل على إتاحة المزيد من المساعدات المالية لشركاء آخرين في مجال العمل الإنساني لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا. بيربوك أردفت أن ألمانيا تضغط أيضا من أجل وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا.

كما طالبت “منظمة العفو الدولية” (أمنستي) الحكومة السورية بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى متضرري كارثة الزلزال شمال غربي سوريا بدون قيود، مشددة على المجتمع الدولي “بتعبئة الموارد فورا لدعم جهود الإنقاذ شمالي سوريا”.

“العفو الدولية” أعربت عن “أعمق تعازيها للأُسر التي فقدت أحباءها أثناء هذا الزلزال المدمر”، مضيفة أن “مئات الآلاف من الأشخاص في جميع أرجاء تركيا وسوريا تأثروا بالزلزال، فيما يواجه السوريون في المناطق التي دمرتها سنوات الصراع تحديات إضافية”.

قد يهمك: خروج الجيش التركي من سوريا وتنفيذ اتفاق الانسحاب.. تمهيد لإعلان تشكيل العلاقات؟

بدوره قال فريق الإنقاذ التابع لمنظمة “خوذ البيضاء” إن ما لا يقل عن 790 شخصا قتلوا في شمال غربي سوريا فقط، الذي تسيطر عليه فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركياً وأصيب 2200، وإن عدد القتلى مرشح للزيادة. وثمة مخاوف من أن يستمر عدد القتلى في الارتفاع بهذه الوتيرة، خاصة أن تقديرات “منظمة الصحة العالمية” تشير إلى أن عدد المتضررين بالزلزال الذي أودى بحياة الآلاف في تركيا وسوريا، قد يصل إلى 23 مليونا.

المسؤولة في “منظمة الصحة العالمية”، أديلهايد مارشانغ، أوضحت أمام اللجنة التنفيذية للوكالة التابعة لـ”الأمم المتحدة”، “تظهر خريطة الأحداث أن عدد الذين يحتمل أن يكونوا قد تأثروا بالزلزال يبلغ 23 مليونا، بينهم نحو 5 ملايين في وضع ضعف”.

في سياق متصل، قال رئيس “منظمة الهلال الأحمر السوري” خالد حبوباتي، يوم الثلاثاء إن نتائج الزلزال الذي شهدته سوريا كارثية، وهناك حاجة لمعدات ثقيلة وسيارات إسعاف وإطفاء لتتمكن المنظمة من مواصلة عمليات الإنقاذ وإزالة الأنقاض.

هذا ويرى العديد من الخبراء أن الحكومة السورية ربما تحصل على هذه المساعدات وتوزعها على المناطق التي تسيطر عليها فقط، وعدم الانصياع للنداءات الإنسانية بفتح الطرق والمعابر مع مناطق فصائل “الجيش الوطني” المدعومة من تركيا، وتزويدها بالمساعدات التي تأتي من الدول الخارجية، وهذا الأمر غير مستبعد بالنظر إلى أن دمشق قامت باستغلال وتسيس مساعدات “الأمم المتحدة” في الماضي وبأعداد ضخمة.

حبوباتي أشار إلى أن هذا يحتاج إلى رفع العقوبات عن سوريا بأسرع وقت، وبالتالي يمكن تفسير هذا الأمر إلى أن الحكومة السورية من خلال هذه الكارثة تسعى لاستقطاب التعاطف الدولي، واستغلال الحدث لرفع العقوبات عن نفسها من جهة، ومن ناحية أخرى فإن هذه الحكومة لا تتوقف عن استغلال كل الظروف الممكنة لإعادة مد الجسور والعلاقات مع الدول العربية، وإعادة الشرعية لنفسها. غير أن هذا الأمر بعيد المنال، طالما هناك رفض غربي كامل لإعادة تعويمه دوليا وإقليميا، نظرا لخضوع وتبعية الأسد لكل من إيران وروسيا من جهة، وعدم تطبيق قرار 2254 الدولي من جهة أخرى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة