في الوقت الذي يشهد فيه “القرن الإفريقي” حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، إضافة إلى تأثيرات تغير المناخ، تشهد المنطقة حركة هجرة من المواطنين الأفارقة باتجاه الخليج العربي، متّخذين من اليمن محطة عبور، وذلك لقربها الجغرافي وما تمثله من حلقة وصل بين منطقة القرن ودول الخليج، السعودية منها تحديدا.

المهاجرون الأفارقة يحاولون استغلال موقع اليمن الاستراتيجي بين قارتي إفريقيا وآسيا، وإشرافه على أهم المضائق المائية في العالم جعله وجهة مهمة للأفارقة من إثيوبيا والصومال الذين فروا من جحيم تغير المناخ من جهة والحروب والصراعات التي تشهدها بلدانهم من جهة ثانية، لكن الكثير من هؤلاء المهاجرين انتهوا إلى مصير مأساوي.

لكن محاولات الهجرة تلك، عادة ما تنتهي في عمليات استغلال نتيجة الصراع السياسي الذي يشهده اليمن، وذلك في تقارير أكدت دور “الحوثيين” في استغلال وضع المهاجرين وتوظيفهم في الحرب من خلال تحويلهم إلى وسيلة ضغط لتهديد أمن السعودية وكذلك استغلال ظروفهم المادية وتجنيدهم كمقاتلين مرتزقة في جبهات الحدود.

الكثير منهم، وفي حال تجاوزهم الممرات المائة دون الغرق في البحر الأحمر، يواجه ظروفا عصيبة أما في الصحراء اليمنية على الحدود السعودية، أو الاعتقال من قبل الحكومات، فحوادث غرق المهاجرين الأفارقة قبالة السواحل اليمنية لا تحصى، وأيضا قصص الاستغلال من قبل بعض عصابات “الاتجار بالبشر”. ففي إعلان لـ “منظمة الهجرة” أفاد في أواخر العام الماضي بتحطم وغرق قارب قبالة ساحل اليمن، وقالت المنظمة إنها تحققت من أن خفر السواحل اليمني استعاد ثلاث جثث فيما بعد.

تأثيرات هجرة الأفارقة

لكن علاوة على ذلك، فقد تحولت قضية المهاجرين القادمين من “القرن الإفريقي” باتجاه اليمن إلى عبء اقتصادي وإنساني، بالإضافة إلى استغلالهم من قبل “الحوثيين” في حربهم الإقليمية عبر تسهيل عبورهم إلى دول الجوار لتحويلهم إلى معضلة أمنية وتجنيدهم كمقاتلين في صفوف الجماعة.

بحسب “منظمة الهجرة الدولية”، وتقارير استقصائية، فإن الكثير من هؤلاء المهاجرين الأفارقة، يلقون حتفهم على الحدود السعودية اليمنية الملتهبة بعد استخدامهم كدروع بشرية من قبل “الحوثيين”، فعادة ما يتم احتجازهم من قبل الجماعة الموالية لإيران في مراكز اعتقال غير آمنة وتحويلهم في الكثير من الأحيان إلى دروع بشرية على الحدود التي يقصدها اللاجئون بهدف الوصول إلى دول الخليج وتحديدا السعودية.

اقرأ/ي أيضا: تمديد “مجلس الأمن الدولي” العقوبات على “الحوثيين“.. مسار عكسي للهدنة؟

تقرير أممي كشف في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أن أكثر من 500 من المهاجرين الأفارقة غير النظاميين قتلوا في اليمن منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من 8 أعوام، حيث لم تحد ضراوة الاقتتال من تدفق المهاجرين الأفارقة، في وقت يبرز السؤال فيه عن سبب تحرك الدول الإقليمية لوضع خطة محكمة لوقف حركة المهاجرين بما يضمن لهم سلامتهم.

حول ذلك، أوضح الباحث الاستقصائي في الشأن اليمني محمد حفيظ لموقع “الحل نت”، أن ضرورة وضع خطة إقليمية لوقف تدفق المهاجرين الأفارقة باتت أمرا هاما، خصوصا في ظل اضطراب الوضع الأمني في اليمن والمنطقة، مؤكدا على أهمية إيجاد أمن إقليمي لتأمين المنطقة وكذلك خطة أممية لتغيير مسار طريق الهجرة من إفريقيا عبر اليمن، على أن تكون تلك الخطة مرتبة ومنظمة وليست عشوائية، مبيّنا أن المهاجرين كل يوم في ازدياد، حيث يمكن رؤية وجوه جديدة يوميا من المهاجرين في كل مدينة ومنطقة يمنية ساحلية أو صحراوية.

حفيظ تابع في حديثه حول ما يمكن أن تسببه هجرة الأفارقة بالنسبة لليمن، بالقول إنه في اليمن هناك اهتمام من قبل اليمنيين بالمهاجرين الأفارقة لما تربطهم من علاقة مميزة، لكن المشكلة باتت تكمن في استغلال بعض المهاجرين للعمل في جوانب خطيرة يهدفون من خلالها إلى الحصول على المال، وهو ما يستغله فيهم المهربون في المنطقة، حيث بات ذلك يشكل خطرا أمنيا واقتصاديا كبيرا على المنطقة.

المهاجرون الأفارقة وتهديد “عملية السلام”

فمن حين إلى آخر، يتم القبض على مهاجرين يعملون أما في تهريب المخدرات أو تهريب الحيوانات النادرة اليمنية، أو العمل بتجارة المخدرات وتهريب الآثار و”الاتجار بالبشر”، يؤكد حفيظ، ويشير إلى أن تلك الأنشطة تأتي لجانب استخدامهم في تهريب الأسلحة عبر إيران وإلى دول المنطقة واليمن تحديدا لجماعة “الحوثي”، وهو الأمر الذي بات الأكثر خطورة في قضية المهاجرين الأفارقة، إذ يهدد ذلك بشكل فعلي ومباشر أمن المنطقة برمتها، لافتا إلى أن الأجهزة الأمنية اليمنية باتت تكشف باستمرار عن سفن يقلها مهاجرون أفارقة تحمل مخدرات وأسلحة وذخائر كانت في طريقها إلى “الحوثيين”.

الباحث في الشأن اليمني لفت إلى أن تأثير المهاجرين الأفارقة لا يقتصر على هذا الحد، بل أن قضيتهم باتت تهدد “عملية السلام” التي تقودها جهود أممية وإقليمية لوقف الحرب في اليمن، مبينا أن الأسلحة التي يساهم المهاجرون الأفارقة في إيصالها لـ “الحوثيين” تساعد في استدامة الاقتتال، ما يشكل أمرا مقلقا ربما يعرقل من الاستقرار والسلام المحلي والإقليمي.

اقرأ/ي أيضا: تجديد “الاتفاق الإطاري” بين بغداد وواشنطن.. الدلالات والمآلات؟

يُضاف إلى ذلك، استخدام المهاجرين في تجنيدهم عسكريا في صفوف “الحوثيين”، بحسب حفيظ، وهو الأمر الذي حول منهم إلى ورقة ضغط سياسية يتم استخدامها بين أطراف الحرب، وذلك علاوة على ما يمثّلونه من عبء أمني واقتصادي على مستوى اليمن، لاسيما في ظل ما تعيشه البلاد من اضطراب أمني وسياسي وفقر وبطالة، مؤكدا أنه من دون تدخل المنظمات الأممية في إيجاد حل لهم، أو ترتيب هجرتهم بشكل شرعي فقد يستمر تهديدهم.

على غرار ذلك، وفي السنوات الأخيرة ارتفع عدد النساء والأطفال الذين يهاجرون من “القرن الأفريقي” إلى دول الخليج عبر اليمن بشكل كبير أيضا، وبات هذا الأمر يشكل مصدر قلق وفقا لرئيس “المنظمة الدولية للهجرة” أنطونيو فيتورينو.

وسط ذلك، شهدت الرحلة من إثيوبيا والصومال وجيبوتي عبر اليمن، التي تسمى طريق الهجرة الشرقي، زيادة بنسبة 64 بالمئة خلال العام الماضي. وتشمل الذين يبحثون عن سبل عيش أفضل، مع سفر أعداد أكبر من النساء مع الأطفال والأطفال بمفردهم، وفقا لتصريحات فيتورينو لوكالة “أسوشيتد برس”.

مسار وحجم المهاجرين الأفارقة

المهاجرون يصلون إلى محافظات لحج وشبوة وعقب ذلك يتوجهون نحو المحافظات الشمالية أبرزها مأرب وصنعاء وعمران وحجة وصعدة والجوف للوصول إلى الحدود السعودية، وخلال هذه الرحلة يتعرضون إلى نهب أموالهم ومقتنياتهم، ما يجبر الكثير منهم على البقاء داخل اليمن والعمل في مهن دونية مثل التنظيف وغسل السيارات والزراعة لتوفير لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة وأيضًا توفير المال لدفعه للمهربين، حتى يتمكنوا من الوصول إلى وجهتهم الأصلية في رحلتهم المضنية للبحث عن المال والثراء في السعودية، وفقا لتقارير.

في عام 2021، وبحسب تقارير شركاء الاستجابة الإقليمية للمهاجرين تم الإبلاغ عن أكثر من 100 وفاة والعديد من الاختفاءات مقارنة بـ 40 حالة مسجلة عام 2020، وذلك رغم صعوبة توثيق الوفيات على طول هذا الطريق، في حين يوجد في اليمن ما يقدر بـ387.113 مهاجر، بينهم 191.117 بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، ويكافحون من أجل الوصول إلى الخدمات الأساسية، كما يتعرضون بشكل متزايد لخطر انتهاكات حقوق الإنسان.

الإثيوبيون يُعدّون النسبة الكبرى من المهاجرين الواصلين إلى اليمن، نتيجة الصراع الداخلي في بلادهم، فضلا عن الوضع الاقتصادي المتردي، حيث تتجاوز نسبتهم 90 بالمئة فيما البقية من الصومال.

بناء على ذلك، فإن قضية المهاجرين الأفارقة باتت تشكل خطرا أمنيا واقتصاديا كبيرا على مستوى الداخل اليمني بالدرجة الأساس، وعلاوة على ذلك، وبحسب ما يتوفر من معلومات، فإن مخاطرة هجرة الأفارقة لم تعُد تقتصر على ذلك الحد، إذ باتت قضية دولية تحتاج إلى تدخل أممي وإقليمي عاجل، من أجل ضمان استقرار المنطقة، وضمان حقوق الإنسان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.