“الاتفاق الإطاري”، هو اتفاق تعود جذوره للعام 2008، حينما توصلت إليه بغداد وواشنطن، وكانت أخر مستجداته في العام 2021، عندما اتفق الطرفان على انسحاب جميع القوات الأميركية المقاتلة من العراق بحلول نهاية ذات العام، بعد 4 جولات حوارية خاضها الطرفان تتعلق بقضايا الأمن وتعزيز السلام والاستقرار والاقتصاد والبيئة.

لكن بعد نحو عامين شهد العراق خلالها تغير حكومة وتجاذبات سياسية أفضت لحكومة توصف بالمقربة إلى إيران، عادت بغداد أول أمس الأربعاء لتجدد الاتفاق مع واشنطن، في بيان صادر عن حكومتي البلدين، ووفقا لذلك فإن الوفدين العراقي والأميركي عقدا اجتماعا لـ “لجنة التنسيق العليا” طبقا لـ “اتفاقية الإطار الاستراتيجي”، حيث جدد الوفدين عزمهما على تعميق العلاقة الاستراتيجية بين البلدين.

الاجتماع الذي عُقد في واشنطن، ركز على التعاون الاقتصادي وتنمية قطاع الطاقة وتغير المناخ، فضلا عن مناقشة التحديات التي يواجهها الاقتصاد العراقي بما في ذلك أسواق سعر الصرف الموازية، وخلال ذلك رحبت الولايات المتحدة بجهود الحكومة العراقية في سنّ الإصلاحات الاقتصادية، إذ جدد الوفد الأميركي دعمه لجهود العراق المستمرة لحماية النظام المصرفي.

تأكيدات عراقية أميركية

الجانبان ووفقا للبيان، أكدا عزمها على مواصلة العمل معا لتحديث النظام المالي في العراق، وكذلك فيما يخص تطابق وجهات النظر للوفدين بما يتعلق بالسعي لأجندة طموحة لاستقلال الطاقة، فيما أبديا موافقتهما على أن للعراق فرصة تاريخية للاستثمار في مبادرات البنية التحتية للطاقة، وأن الجانبين قرّرا تسريع الجهود لالتقاط الغاز المحترق.

أما في مجال الكهرباء، فإن الوفد الأميركي أشاد بالتزام العراق بمشاريع الربط الكهربائي الإقليمي، بينما نوه الوفد العراقي إلى أن العراق سيقوم قريبا بنشر استراتيجية حكومية شاملة لمواجهة التغير المناخي، كما أن المناقشات أكدت على أهمية الحاجة إلى مشاريع طموحة خاصة بمزارع الطاقة الشمسية.

اقرأ/ي أيضا: رغبات الخليج بالاستثمار في مصر.. ما الذي تعنيه للقاهرة؟

إلى ذلك، وعلى مستوى أزمة المياه، فقد ناقش الجانبان ما يمرّ به العراق من أزمة مالية، حيث أعربت الولايات المتحدة عن نيتها لتقديم المساعدة الفنية لتحسين ممارسات إدارة المياه، ورحبت بالتطورات الإيجابية في العلاقات بين الحكومة الفيدرالية العراقية وحكومة إقليم كردستان. ولفت البيان أيضا إلى أن السفارة الأميركية في بغداد بدأت بشكل تدريجي تقديم خدمات منح التأشيرات لغير المهاجرين العراقيين، ويأتي ذلك بينما يخطط الجانبان لعقد اجتماعات للجان التنسيق المشتركة تحت “اتفاقية الإطار الاستراتيجي”.

الوفد العراقي كان قد وصل إلى واشنطن، الأسبوع الماضي؛ للبحث في أزمة ارتفاع الدولار الأميركي مقابل الدينار العراقي، بسبب فرض “البنك الفيدرالي” الأميركي نظام منصة “سويفت” على حوالات “البنك المركزي” العراقي.

لكن عودة بغداد إلى “الاتفاق الإطاري” في ظل حكومة توصف بالمقربة إلى إيران، وصفه مراقبون بأنها محاولة لكسب ود الجانب الأميركي للخروج من الأزمة المالية التي ضربت العراق نتيجة ارتفاع أسعار صرف الدولار إلى مستويات قياسية منذ سنوات، ما انعكس بشكل كبير على سوق السلع الاستهلاكية ومزاج المواطنين، ما بات ينذر بخطر تجدد الاحتجاجات في البلاد.

قراءة سياسية بعودة بغداد لـ “لاتفاقية الاستراتيجية”

وسط هذه المعادلة، أوضح رئيس “مركز التفكير السياسي” إحسان الشمري، لموقع “الحل نت”، أن بيان يوم أمس الأول فيما يخص “الاتفاق الإطاري الاستراتيجي” لا يُعدّ تجديدا بقدر ما يمثل إنعاش للاتفاقية بين بغداد وواشنطن، خصوصا وأنه على اعتبار أن هذه الاتفاقية كانت قد توقفت منذ أن تحولت الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي إلى حكومة تصريف أعمال، بالتالي فإن العودة مجددا إلى هذه الاتفاقية تمثل تحديد المسارات ما بين العراق والولايات المتحدة الأميركية.

الولايات المتحدة الأميركية تتعامل مع العراق على أساس بنود ومضامين “الاتفاقية الإطارية”، إذ تريد تنظيم هذه العلاقة في الحدود القانونية والدستورية، لاسيما وأن  الحكومة العراقية الحالية يبدو لديها رغبة كبيرة جدا لإقامة علاقات متميزة مع أميركا، وبما أن هذه الاتفاقية كانت متوقفة خلال الفترة الماضية، سعى الطرفان على إنعاشها حاليا، بحسب الشمري.

الشمري لفت أيضا، إلى أنه في ظل هذه الحكومة التي تُحسب على تحالف “الإطار التنسيقي” الذي سبق وما زال يُعلن موقفا مناهضا من أميركا؛ يمكن أن تمثل العودة إلى الاتفاقية إعادة تحديد مسارات، منها أن عودة الحكومة إلى الاتفاق من شأنه تخفيف الضغوط تجاه هذه النظرة الأميركية، وذلك في الوقت الذي يسعى فيه العراق إلى تعاون كبير في مجالات الطاقة والتغير المناخي والسياسة المالية.

اقرأ/ي أيضا: مساعي السعودية و“الاتحاد الأوروبي“.. هل تنجح في تعزيز السلام بالشرق الأوسط؟

بحسب الشمري أيضا فإن العراق ينظر إلى تفعيل هذه “الاتفاقية الإطارية” من شأنه أن يساهم في سياسة التوازن التي يحاول أن يتمسك بها، بيد أن الولايات المتحدة ومن خلال العودة إلى هذه الاتفاقية تريد أن تقول إنها لم تغادر العراق، ولن تغادره، بالتالي هي بمثابة رسالة عابرة للحدود.

هذا ووفقا للشمري، فإن أميركا تريد التواجد في العراق وأن تكون فاعلة في المجالات التي تم بحثها، لافتا إلى ما يخص إمكانية أن يمثله تفعيل الاتفاق بين الجانبين برسالة اصطفافات دولية، بأن العراق لا يمتلك القدرة على الاصطفاف الدولي، وذلك بسبب ما يعتمد في سياسته من مبدأ التوازن الذي يكون في العادة مبدأ هش يمثل دليلا على عدم القدرة في الاصطفافات، حيث لا يؤمن العراق بإقامة العلاقات على أساس الدول الضامنة لمصالحه وسيادته، بل يعتمد على مبدأ التوازن، لوجود اعتقاد بأن الاصطفاف سيكلف الحكومة كثيرا، وهو الأمر الذي أضعف العراق.

كلّ ذلك بينما يمر العراق في أزمة مالية، فمنذ بداية شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، انخفضت قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي، حتى وصل سعر الصرف إلى حدود 1700 دينار مقابل الدولار الواحد، في حين يبلغ السعر الرسمي للدولار المباع من قبل “البنك المركزي” العراقي 1450 دينارا لكل دولار، ما دفع حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لاتخاذ قرار عاجل برفع قيمة الدينار إلى 1300 واعتماده في الموازنة المالية للعام الجاري 2023.

“الاتفاق الإطاري” في سياق الأزمة المالية

عدم استقرار سعر الصرف انعكس بشكل سريع على حركة السوق، مع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وتسجيل ركود اقتصادي، الأمر الذي ترك الحكومة أمام حرج كبير، لاسيما أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني كان قد انتقد في مرات عديدة قبل توليه منصبه في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إقدام حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي على رفع سعر الصرف الرسمي من 1182 إلى 1460 دينارا للدولار في كانون الأول/ ديسمبر 2020.

بالعودة إلى “الاتفاقية الاستراتيجية”، أو ما تسمى بـ “الاتفاق الإطاري”، ففي نسختها الأولى التي وقعت قبل نحو 15 عاما، تنص على انسحاب القوات الأميركية المقاتلة من المدن والقرى والقصبات بتاريخ لا يتعدى منتصف 2009، على أن تنسحب جميع القوات الأميركية بتاريخ لا يتعدى نهاية عام 2011، وتحل محلها القوات العراقية.

الاتفاقية تأسّست على أن يقرّ الطرفان العراقي والأميركي بأهمية تعزيز أمنهما المشترك والمساهمة في السلم والاستقرار الدوليين ومحاربة الإرهاب في العراق والتعاون في مجالات الأمن والدفاع لردع العدوان والتهديدات الموجهة ضد سيادة وأمن ووحدة أراضي العراق ونظامه الديمقراطي الاتحادي الدستوري.

أيضا الاتفاقية التي تضمنت 30 مادة، أكدت على أن مثل هذا التعاون بين العراق والولايات المتحدة الأميركية مبني على أساس الاحترام الكامل لسيادة كل منهما وفق أهداف ومبادئ ميثاق “الأمم المتحدة”، ورغبة منهما في التوصل إلى تفاهم مشترك يعزز التعاون بينهما، دون تجاوز سيادة العراق على أرضه ومياهه وأجوائه، وبناء على كونهما دولتين مستقلتين متكافئتين ذواتي سيادة.

إذاً واقعا وبحسب القراءات، أن عودة بغداد وإصرارها على تفعيل “الاتفاق الإطاري”، في الوقت الحالي وبظل حكومة مصنفة إلى جانب طرف معاد للمصالح الأميركية، قد يتجاوز حدود التعاون في تجاوز الأزمة المالية، بل أن الأزمة المالية إلا ضاغطة كان الجانب الأميركي قد استخدمها في سياق دفع بغداد تجاه العودة إلى “الاتفاقية الاستراتيجية”، والتي يمكن وفقا لبنودها أن تضمن للجانبين علاقة متميزة تخدم مصلحة البلدين والمنطقة.  

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.