في الوقت الذي وصل فيه معدل التضخم في مصر خلال كانون الأول/يناير الماضي مستويات قياسية منذ 5 سنوات، ووسط تراجع كبير لسعر صرف الجنيه، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أمس الأربعاء أن مصر تعتزم بيع حصص في 32 شركة مع نهاية آذار/مارس 2024، ليكشف عن خطط ظلت حبيسة الأدراج إلى حدّ كبير منذ سنوات مع تصاعد المشاكل المالية في البلاد.

خطة البيع المفترض القيام بها، ستشمل 18 قطاعا ونشاطا اقتصاديا، كما ستضم حصصا في 3 بنوك بارزة هي “بنك القاهرة” و”المصرف المتحد” و”البنك العربي الإفريقي الدولي”، كما ستكون شركات تأمين وكهرباء وطاقة ضمن المخطط، بالإضافة إلى فنادق وشركات صناعية وزراعية.

حول تفاصيل أكثر، قال مدبولي بعد اجتماع لمجلس الوزراء المصري، إن الحصص الأولى ستطرح بنهاية آذار/مارس المقبل، في حين سيطرح نحو ربع هذه الشركات بنهاية حزيران/ يونيو القادم، فيما قد تُضاف المزيد من الشركات إلى القائمة خلال العام المقبل، مضيفا بالقول سنطرح عددا من الشركات من أجل التوسع سواء من مشاركة المواطنين المصريين في الملكية العامة أو حتى لمستثمر استراتيجي.

مصر وخطة بيع الأصول

منذ مدة طويلة تعود للعام 2016، كان قد أُعلن عن طرح عدد من الحصص، بما في ذلك البنوك الثلاثة، لكن الانكماش الاقتصادي و جائحة “كورونا” والغزو الروسي لأوكرانيا أرجأت تنفيذ البرنامج، لتعود السلطات مجددا لطرح موضوع بيع الأصول الحكومية بعدما تسببت الحرب بأوكرانيا في خروج استثمارات أجنبية كبيرة من الأسواق المالية المصرية، مما أوقع الاقتصاد في أزمة.

الموافقة المصرية على بيع الأصول جاءت بعد الانتهاء من خطة إنقاذ بثلاثة مليارات دولار مع “صندوق النقد الدولي” في كانون الأول/ديسمبر الماضي، تعتمد على عائدات حملة الخصخصة للمساعدة في سد العجز المالي خلال برنامج الصندوق الذي يمتد لأربع سنوات، في حين أن رئيس الوزراء لم يشرِ إلى حجم الحصص التي سيتم طرحها، بيد أن الحكومة امتنعت عن التخلي عن السيطرة على الأسهم في السنوات القليلة الماضية.

اقرأ/ي أيضا: تمويل “النقد الدولي”.. اقتصاد تونس يسير في الاتجاه المعاكس؟

خطة بيع الأصول المصرية العائدة للحكومة، تأتي في ظل تراجع قيمة العملة المصرية ووسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث يبلغ سعر الدولار حاليا نحو 30 جنيها مقابل 15.6 في آذار/مارس 2022، ما ساهم ذلك في ارتفاع معدل التضخم السنوي العام إلى 26.5 بالمئة، في بلد يستورد غالبية احتياجاته من الخارج.

إعلان بيع الأصول المصرية ضمن الخطة الإصلاحية، أثار اهتمام بلدان خليجية تسعى للاستحواذ على حصص في هذه الشركات، في خطوة يرى خبراء أنها ستكون ذات مكسب كبير بالنسبة للقاهرة، وذلك من أجل المساهمة في سد الفجوة التمويلية المصرية والتي ستبلغ حوالي 17 مليار دولار على مدى السنوات الأربع القادمة.

الحديث عن التوجه الخليجي نحو مصر يستند لتقرير “صندوق النقد الدولي” الذي نُشر حديثا، والذي أشار إلى أن الحصة الأكبر من حجم الاستحواذات التي تمت داخل السوق المصرية كانت من نصيب الخليج على مدار العام الماضي.

في السياق، يشرح الباحث في الشأن الاقتصادي المصري محمد عاطي حول أهمية الاستثمارات الخليجية فيما لو تمت، بالقول إن مكاسب مصر من الاستثمارات الخارجية تتمثل في التخفيف عن كاهل العبء الاقتصادي الذي تحمله الجيش المصري خلال آخر 10 سنوات، ما أثر على اقتصاد مصر بشكل أساسي، لذا بدأت تعي الحكومة أنها يجب أن تتوجه إلى الخصخصة سواء في الداخل أو في الخارج.

مكاسب مصرية من الاستحواذات الخليجية

بالتالي ووفق مبدأ الخصخصة الخارجية، فإن الداعم الأساسي لمصر هي دول الخليج، لذلك فإن الاستثمارات الخليجية فيما لو حصلت ستشكل إنقاذا للاقتصاد المصري، لافتا إلى أن ذلك سيكون إنقاذ مؤقت، لأن الاستثمارات الخليجية في حال كبُرت وتحولت من مرحلة الاستثمار إلى مرحلة المُلكية، فإن هذا سيؤثر على سيادة مصر.

الباحث في الشأن الاقتصادي المصري يشير أيضا، إلى أن هذه الاستثمارات يمكن أن تشكل رافدا للاقتصاد المصري، لكن بشرط أن تتبع الحكومة إجراءات مشددة، تضع هذه الاستثمارات في إطارها الصحيح دون أن تتعدى على حق مصر في إدارة مواردها.

في الإطار، محللون اقتصاديون اعتبروا أن الاستحواذات على هذه الشركات ستفسح المجال لنمو القطاع الخاص بشكل أكبر ولا تترك لشركات الجيش المصري فرصة الدخول بسهولة على الخط، وهو ما يوسع دائرة المنافسة ويضفي حيوية على الاقتصاد المصري الذي يعاني من الركود.

اقرأ/ي أيضا: العراق والعودة إلى “سانت ليغو”.. هل يفجر الشارع مجددا؟

خصوصا، أن مصر تراهن على الدعم الخليجي لإخراج اقتصادها من الأزمة، وإذا كان الأمر في السابق يتم من خلال المساعدات أو القروض والودائع، فإن اعتزام الخليجيين الاعتماد على الاستثمارات كشكل وحيد للدعم، سيجعل الأولوية لهم في عملية الاستحواذ هذه المرة.

الحديث عن استحواذات خليجية جديدة في مصر، يأتي بعد أن كشفت بيانات حديثة أن المستثمرين العرب بدأوا منافسة دول “الاتحاد الأوروبي” في تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى السوق المصرية العام الماضي، حيث كانت تدفقات الاستثمار الخاصة بدول “الاتحاد الأوروبي” تتصدر القائمة.

وفق النشرة الدورية الصادرة عن “الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء” في مصر، فقد ارتفعت تدفقات استثمارات الدول العربية إلى السوق المصرية لتسجل نحو 1.5 مليار دولار خلال الربع الرابع من العام المالي 2021/2022 بواقع 31.3 بالمئة من إجمالي تدفقات الاستثمار للداخل في مصر خلال تلك الفترة، وذلك مقارنة بنحو 800 مليون دولار خلال الربع المقابل له من العام المالي 2020/2021، والذي سجلت فيه نسبة 25.8 بالمئة من إجمالي تدفقات الاستثمار للداخل في مصر خلال تلك الفترة.

حجم استحواذات الخليج في مصر

شركة “أنتربرايز فنتشرز” المصرية لإعداد وتطوير المحتوى الإلكتروني، رصدت في تقرير لها نشر في كانون الأول/ديسمبر الماضي، 66 استحواذا تمت في السوق المصرية عام 2022، وهذا أكثر من ضعف الصفقات المنفّذة في العام السابق له.

على رأس المستحوذين جاء صندوق الثروة السيادية في أبوظبي “القابضة أيه دي كيو” و”صندوق الاستثمارات العامة السعودي”، اللذان أبرما 40 صفقة بضخ نحو 3.1 مليار دولار للاستحواذ على حصص أقلية كبيرة في بعض أقوى الشركات المدرجة في البورصة المصرية من الحكومة، وفقا للتقرير.

أما من بين أبرز صفقات الصندوقَين؛ هو قيامهما معا بشراء ما يقرب من نصف أكبر شركتين للأسمدة في مصر وهما “أبوقير للأسمدة” بـ 41.5 بالمئة و”شركة مصر لإنتاج الأسمدة” بـ 45 في المئة، في حين أصبحت “أيه دي كيو” أكبر مساهم مستقل في “البنك التجاري الدولي”، الذي يُعد أكبر مصارف القطاع الخاص في مصر، وذلك بنسبة 17.5 بالمئة وبقيمة 911.5 مليون دولار، فيما امتلك “الصندوق السعودي” حصة 25 بالمئة في شركة “إي فاينانس” الحكومية للحلول الرقمية.

تقارير اقتصادية أشارت إلى أن ما يحدث يتماشى مع الاستراتيجية المقررة في مصر ودول الخليج بزيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص في اقتصادياتها، في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة المصرية تقديم تسهيلات للمستثمرين الخليجيين من أجل دفع عملية تدفق النقد الأجنبي داخل البلاد.

يُشار إلى أن الاحتياطي لدى القاهرة سجل أكثر من 34 مليار دولار، من بينها 28 مليار دولار ودائع من دول الخليج، لكن ديون مصر الخارجية تضاعفت بأكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل إلى أكثر من 155 مليار دولار.

وفق هذه المعادلة، يبدو أن ما يمكن تسميته بالاستحواذات الخليجية على الأصول الحكومية المصرية، تأتي في إطار محاولات دول الخليج العربي النهوض بواقع الاقتصاد المصري الذي يعاني من أزمة خانقة، وذلك في سياق حسابات سياسية يمكن أن تصب بالأخير في صالح استقرار منطقة الخليج ومصر معا، فضلا عن جزء واسع من منطقة الشرق الأوسط التي لا شك بأنها ستعاني من تداعيات سلبية فيما لو أصاب الوضع المصري نوعا من الشلل. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.