بعد نحو ثلاثة أعوام من ازدياد الوضع الاقتصادي سوءا في تونس، جراء تأثر البلاد بجائحة “كورونا” وعدم الاستقرار السياسي، يأمل التونسيون اليوم أن يكون لموافقة “البنك الدولي” على منح بلادهم قرضا ماليا، أثر على مستوى النهوض بالبلاد من وضعها المأساوي، وذلك في سياق تعهد “البنك الدولي” تمويل مشاريع تونسية يمكن أن تفتح الباب للخروج من الأزمة الاقتصادية.

تطلعات تونس انتعشت، مع حديث نائب رئيس “البنك الدولي” المكلف بملف الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فريد بلحاج، عن الشكوك التي أحاطت بموقف المؤسسات المالية الدولية تجاه تونس، والذي تعهد بتمويل مشاريع تونسية، بيد أن بلحاج أشار إلى أن “البنك الدولي” لن يعتمد الأسلوب التقليدي الذي يقوم على منح الأموال للحكومة، ولكن الدعم سيذهب إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة من أجل ضمان أن يساهم في تحريك الاقتصاد وتوفير مواطن العمل.

“البنك الدولي”، وعلى لسان نائب رئيسه المكلف بملف الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، جدد التزامه بمواصلة دعم تونس في تنفيذ برامجها التنموية والإصلاحية، وهي إشارة ذات دلالة بأن “صندوق النقد الدولي”، الذي ينسق بشكل كامل مع “البنك الدولي”، بصدد التحرك لمنح تونس القرض البالغ 1.9 مليار دولار.

مطالب تونس من “صندوق النقد الدولي”

في الأساس، تونس كانت قد طلبت الدخول مع “صندوق النقد الدولي” في برنامج إصلاح اقتصادي يرافقه قرض مالي تمت الموافقة عليه مبدئيا في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لكنه لم يدخل بعد حيز التنفيذ، وذلك في محاولة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.

في السياق، وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي سمير سعيد، أكد أن هذا التمويل سيكون موجّها لدعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تضررت من جائحة “كورونا” ومن تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية، وستنتفع به حوالي تسعة آلاف مؤسسة صغيرة ومتوسطة لا يفوق حجم استثمارها 15 مليون دينار؛ أي أقل من خمسة ملايين دولار، وعلى مدّة تتراوح بين 6 و7 سنوات.

اقرأ/ي أيضا: الأجسام الغامضة في سماء العالم.. هل تشعل حربا؟

سعيد اعتبر أن هذا التمويل سيساهم في تقديم انتعاشة للمؤسسات، خاصة وأن الدولة عجزت عن تقديم الدعم الكافي لها نتيجة للوضعية المالية العمومية الصعبة، وأن من شأن هذه الاتفاقية على محدوديتها أن تظهر وجود رغبة دولية في مساندة تونس من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية، كما يمكن أن تدعم هذه الرغبة في حال تسوية بعض التفاصيل مع “صندوق النقد” الذي من المقرر أن يفرج عن القسط الأول من قرضه المتفق عليه مع تونس خلال آذار/مارس القادم.

محاولات تونس و”البنك الدولي”، تأتي في أمل لتحسين الواقع التونسي، الذي يشهده منذ أن أطاحت احتجاجات 2011 الشعبية بالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي من السلطة، وحالة عدم اليقين السياسي التي أدخلت البلاد في أزمة اقتصادية، فبحسب “البنك الدولي” شهد العقد الذي أعقب الإطاحة ببن علي، تراجع النمو الاقتصادي والاستثمار في تونس، لتأتي تأثيرات جائحة “كوفيد-19” على قطاعات مهمة مثل السياحة، ويتبعها تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا.

حاليا حكومة تونس تسعى للخروج من الأزمة عبر بوابة “صندوق النقد الدولي”، غير أن خبراء يقولون إنه في حال تم الاتفاق بين التونس و “الصندوق”، فهذا يعني أن خطة الإنقاذ قد تشمل فرض قيود على الإنفاق الحكومي، وإجراءات تقشفية مثل خفض الدعم عن أفقر الفئات في البلاد.

على هذا الأساس، فإن رغبة المؤسسات المالية الدولية؛ مثل “البنك الدولي” في دعم تونس تمثل رسالة إلى تونس مفادها ضرورة البدء بالإصلاحات التي تضمنها قانون المالية الجديد، والذي يهدف بالأساس إلى التقشف في المالية العمومية ومواجهة إهدار المال العام الذي تبرره قوانين وتقاليد بيروقراطية تحاول بعض القوى الحفاظ عليها، بحسب مختصين.

تونس وسط صورة قاتمة

وسط هذه المعطيات، تبدو الصورة قاتمة حتى الآن، لاسيما فيما يخص إمكانية أن تمثل توجهات “البنك الدولي” من تونس، رافعة للاقتصادي التونسي، وإذا ما كانت تونس في الأساس قادرة على الاستجابة إلى السياسة المالية الدولية التي باتت سمة يفرضها “صندوق النقد الدولي” على الدول التي تعاني من شبح انهيار اقتصاداتها؛ بأن تكون مستعدة لاتخاذ خطوات إصلاحية قاسية تتلاءم وحجم الأزمات التي تضرب بلدانهم. تونس منها على سبيل المثال التي لا يبدو الوضع واضحا فيها بعد، ما إذا كان تمويل “صندوق النقد” سينقذها من أزمتها أم سيبقى اقتصادها يسير في الاتجاه المعاكس.

حول ذلك، علق المختص في شأن الاقتصاد السياسي نزار الجليدي، بالقول إن تونس لا تعيش بمعزل عن المنطقة والعالم، إذ إن الظروف الاقتصادية والمعيشية في المنطقة برمتها صعبة جدا، لكن الوضع التونسي يمثل انعكاسا للوضع السياسي في البلاد، وللعقد الأخير الذي دمر فيه الاقتصاد التونسي الذي كان يتمتع بشراكات قوية مع “الاتحاد الأوروبي” ومع محيطه الجغرافي والسياسي.

بالتالي فإن تونس اليوم تعيش في ورطة اقتصادية حقيقة وتسير في الاتجاه المعاكس، والسبب في ذلك سيطرة لوبيات الفساد بشكل أو بآخر على الاقتصاد، لافتا إلى أن الشركات الصغرى عادة ما تمثل العمود الفقري للاقتصاد التونسي، لكن هذه الشركات اليوم هي تصطدم بواقع ما بعد “كورونا” وما بعد الحرب الأوكرانية الروسية، فضلا عن اصطدامها بالوضع السياسي وأيضا بلوبيات الفساد المسيطرة على مفاصل الاقتصاد، مما يجعلها غير قادرة على تحقيق شيء من النمو، بحسب الجليدي.

اقرأ/ي أيضا: تخفيف الحصار على ميناء “الحديدة”.. تمهيد للسلام؟

الجليدي، وفي حديثه لموقع “الحل نت”، أوضح أن الاقتصاد التونسي حاليا يتنفس برئتي الخارج، ولا شك أن الاقتصاد التونسي خلال العشرية الأخيرة لم يعُد خالقا للثروة وإنما تحول إلى اقتصاد استهلاكي قائم على الاستدانة الخارجية والداخلية، منهِكا بذلك المواطنين والمؤسسات بالجباية، علاوة على ذلك، أن قانون المالية لسنة 2023 جاء مثقلا على غير العادة بالجباية المفروضة على المؤسسات، ما تسبب بفزعها، في حين فضلت عدد من الشركات الأجنبية مغادرة تونس نتيجة ذلك.

على هذا النحو، من وجهة نظر المختص في شأن الاقتصاد السياسي، يبدو أن الشركات الصغرى والمتوسطة هي الأكثر تضررا نظرا لضعف التمويل البنكي الذي بات حكرا على الدولة، بعد مضاعفة الاقتراض الداخلي من البنوك المحلية مرات عديدة.

مبنيا أنه على الرغم من القرض المتحصل عليه مؤخرا بمبلغ 120 مليون دولار من “البنك الدولي”، الذي يفترض سيخصص لتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من الحصول على تمويل؛ فإن تأخر الاتفاق بخصوص القرض المنتظر أن تتحصل عليه تونس من “صندوق النقد الدولي” بمبلغ 1.9مليار دولار، قد ألقى بظلاله على الاقتصاد وجعله يعيش حالة من الشلل.

بناء على ذلك، فإن المخرج الوحيد أمام الاقتصاد التونسي من أزمته؛ الحصول على هذا الاتفاق مع “صندوق النقد”، وفقا للجليدي، الذي يرى أنه من الممكن أن يتم الاتفاق خلال الأسابيع القادمة بعد إتمام تونس لإصلاحات موجعة، أهمها الترفيع التدريجي للدعم على المواد الغذائية وعلى المحروقات، فضلا عن التفويت في عدد من المؤسسات المملوكة للدولة والتي تعاني صعوبات مادية كبيرة لم يعد الاقتصاد قادرا على تحملها.

مسار تونس المعاكس

وفق هذا المشهد، أكد الجليدي، أن الاقتصاد التونسي يسير في الاتجاه المعاكس، بل إنما يعيش في حلقة مفرغة تبدأ بـ “صندوق النقد الدولي” وشروطه “المجحفة” وتنتهي إليه، الأمر الذي لا شك سيضاعف من نسبة البطالة وإغلاق الشركات الصغرى التي لن يكون بإمكانها الحصول على قروض ولا القدرة على دفع الجباية مما يعني آليا تسريح العمال، أي تحوّل هذه الشركات لعامل شدّ للوراء وليس محفز للنمو.

في سياق ذا صلة، أظهرت نتائج تقرير “صندوق النقد العربي” الصادر حديثا، تراجع ترتيب تونس إلى المركز التاسع خلال الفترة 2018 – 2021 من المركز الثامن خلال الفترة 2017 – 2020، وذلك من حيث تنافسية الاقتصادات العربية، في حين بلغ معدل البطالة نسبة 16.8 بالمئة في عام 2021.

هذا وكان “البنك الدولي” قد وافق الأسبوع الماضي، على منح قرض لتونس بقيمة 120 مليون دولار، لتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من الحصول على تمويل، ويهدف المشروع إلى معالجة القيود الرئيسية على السيولة التي تواجهها الشركات التونسية من خلال تمويل تسهيلات ائتمانية طويلة الأجل؛ ستقرضها وزارة المالية للمؤسسات المالية المشاركة كي تقرضها بدورها للشركات الصغيرة والمتوسطة المؤهلة بهدف تحقيق الانتعاش الاقتصادي.

كما كانت تونس قد صدقت مؤخرا على اتفاقية قرض مع “البنك الدولي” للإنشاء والتعمير التابع لمجموعة “البنك الدولي” بقيمة 130 مليون دولار، لتمويل مشروع التدخل العاجل من أجل الأمن الغذائي، ليصل بذلك إجمالي التمويلات المقدمة من “البنك الدولي” لتونس خلال عامي 2021 و2022 إلى مليار دولار.

بناء على ذلك، فإن مسار تونس لا يبدو بأحسن أحواله، لا سيما فيما يتعلق باستعداد الحكومة على فرض تكاليف وضرائب مضاعفة على المواطنين والمؤسسات، ما يعني بشكل أو بآخر أن الأمور متجهة نحو غضب شعبي قد يدفع بالبلاد مجددا إلى الاضطراب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.