في إطار أزمة المنطاد الصيني الذي أسقطته الولايات المتحدة الأميركية الأسبوع الماضي، والذي تسبب في إعادة التوتر بين واشنطن وبكين، بعد أن كانت بكين تأمل في إصلاح مسار العلاقات على إثر زيارة يُفترض أن يجريها وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن إلى الصين، قبل أن تُلغى على خلفية اختراق المنطاد الذي وصفته أميركا بـ “التجسسي” للأجواء الأميركية، أسقط الجيش الأميركي مجددا بأمر من الرئيس جو بايدن جسما طائرا آخر، أول أمس الأحد، قرب بحيرة هورون على الحدود مع كندا.

إسقاط الجسم الغريب، يأتي في رابع عملية من هذا النوع خلال أسبوع، حيث جاء الحادث الجديد بعد يوم على إعلان رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو السبت إسقاط جسم غير محدد فوق شمال غرب كندا، وذلك غداة إعلان مسؤولين أميركيين إسقاط جسم فوق ألاسكا الجمعة الماضي، فيما جاء الإعلان عن إسقاط الأجسام الثلاثة بعد أسبوع على إسقاط قوات أميركية منطادا صينيا يُعتقد أنه للتجسس، ما أطلق شرارة نزاع دبلوماسي جديد مع بكين.

مسؤولون أميركيون كبار أكدوا أنه عندما تم إسقاط الجسم الغامض يوم الأحد، كان بأمر من الرئيس بايدن للجيش الذي إرسال طائرات عسكرية لإسقاطه كإجراء احترازي، وتحمل السلطات الأميركية بكين المسؤولية لأنه كما تصفه منطاد يستخدم خصيصًا لأغراض التجسس. لذلك بينما كان الأميركيون القلقون يشاهدون الجسم الطائر من السماء وبالنظر إلى التوترات المتزايدة مع الصين، فإن الاعتقاد السائد هو أن هذا الحدث قد يتطور إلى نزاع، وربما إلى نقطة المواجهة بين الجانبين.

جسم ثماني الأضلاع

الجسم الجديد وصف بأن هيكله على شكل ثماني الأضلاع فيما تتدلى منه أوتار. بحسب مسؤولون أميركيون، أشاروا إلى أنه لم يكن يمثل تهديدا عسكريا على أي شيء على الأرض موضحين أنه كان من المحتمل أن يشكل خطرا على الطيران المدني حيث حلق على ارتفاع 6 آلاف متر فوق ميشيغان، مضيفين “ليس لدينا ما يشير إلى أن لديه قدرات مراقبة ولكن لا يمكننا استبعاد ذلك”.

اقرأ/ي أيضا: أزمة النشطاء الجزائريين.. هل تشعل خلافا مع باريس؟

في الأثناء، أعلنت هيئة الطيران المدني الأميركية أن المجال الجوي فوق بحيرة ميشيغان في شمال الولايات المتحدة أُغلق لأسباب تتعلق بالدفاع القومي قبل أن يُعاد افتتاحه، في حين أعلنت واشنطن تواصلها مع بكين بشأن المنطاد الذي تشتبه في أنه لأغراض التجسس وأسقطته في 4 فبراير/شباط الجاري، وفق ما أعلنت الأحد مسؤولة في “البنتاغون”.

هذا وأدى إسقاط واشنطن للمنطاد الصيني الأسبوع الماضي إلى تراشق للاتهامات والبيانات بين كلّ من بكين وواشنطن، حيث ردت الصين في حينها بأنها تحتفظ بالحق في اتخاذ مزيد من الإجراءات، وانتقدت الولايات المتحدة بسبب ردّها المبالغ فيه وانتهاكها الخطير للممارسات الدولية، بينما اتهمت الحكومة الأميركية الصين باستخدام المنطاد الذي تم إسقاطه لأغراض التجسس على المنشآت العسكرية الأميركية، في حين تصرّ بكين على أنه منطاد أبحاث مدني انحرف عن مساره.

الخارجية الأميركية اتهمت كذلك الصين بإدارة برنامج مراقبة دولي واسع النطاق، واستهداف أكثر من 40 دولة في القارات الخمس بأسطول من مناطيد التجسس، فيما قد تسبب هذا الحادث في تأجيل زيارة مقررة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للصين، وما زالت السلطات الأميركية تبذل جهودا لجمع حطام المنطاد من المحيط الأطلسي قرب سواحل كارولينا الجنوبية، إلى جانب التأكد من هوية الأجسام التي تم اسقاطها لاحقا.

عن تداعيات ذلك، وما يمكن أن تمتد إليه أزمة المنطاد والأجساد الغريبة، يقول عضو “الحزب الديمقراطي” الأميركي، والمحلل سياسي مهدي عفيفي إن الخلاف الأميركي الصيني مستمر ولن ينتهي في ويوم وليلة، لأن هنالك خلافات عديدة على مناطق نفوذ وعلامات تجارية واختراقات صينية يلاقيها ردّ أميركي، وبناء على ذلك اعتاد الجانبان التعايش مع هذه الخلافات وهي السّمة الطبيعية في علاقات الجانبين.

حرب غير مباشرة؟

عفيفي وفي حديث لموقع “الحل نت”، أوضح أن مسألة الأجسام الغريبة والمناطيد والبالونات التي تم إسقاطها لا ترتقي لمستوى الصراع، وإنما هي نوع من المشاكسات التي تحاول الصين من خلالها أن تثير الولايات المتحدة الأميركية فيما يتعلق بالرد على الموقف الأميركي من تايوان، لذلك إن استمرار إطلاق هذه المناطيد والأجسام لا يمكن أن تشعل حربا بين أميركا والصين، لكنها قد تتسبب بحرب غير مباشرة مثل الحرب السيبرانية وغيرها، لكن على الإطلاق لن تتطور الأحداث إلى حرب عسكرية. 

في سياق متصل، كانت الولايات المتحدة الأميركية قد أضافت بأمر من إدارة الرئيس بايدن، الجمعة الماضي، 6 كيانات صينية مرتبطة ببرنامج منطاد المراقبة الصيني إلى قائمة “التصدير السوداء”، فيما انسحب الأمر إلى الجانب الأوروبي حيث حذرت ألمانيا من أن هذه الأنشطة التجسسية قد تتوسع لتشملها.

اقرأ/ي أيضا: زلزال تركيا وسوريا.. هل يغير تقنيات الإنشاء العمراني في الشرق الأوسط؟

القيود الأميركية الجديدة ضد الشركات الصينية، تأتي في سياق بذل “البيت الأبيض” جهود أوسع لكشف ومعالجة أنشطة التجسس الصينية الأكبر التي تهدد الأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها، حيث قالت وزارة التجارة الأميركية إن الشركات الخمس بالإضافة لمعهد أبحاث تدعم جهود تحديث الجيش الصيني، وتحديدا برامج الطيران التابعة للجيش الصيني، بما في ذلك المناطيد والبالونات.

الإضافة إلى “القائمة السوداء”، تعني صعوبة حصول الشركات المستهدفة على صادرات التكنولوجيا الأميركية، وهي استراتيجية استخدمت من قبل كل من الرئيس بايدن وسلفه دونالد ترامب، لمعاقبة الشركات الصينية التي يُنظر إليها على أنها تهديد للأمن القومي، ومنع بكين من التقدم عسكريا.

في غضون ذلك، نقلت شبكة “فوكس نيوز” الأميركية، عن مسؤولين أن منطاد تجسس صيني سقط قبالة سواحل هاواي قبل 4 أشهر، كما حلّق منطاد صيني آخر فوق أجزاء من ولايتي تكساس وفلوريدا خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، فيما نفى الأخير ذلك.

أسطول التجسس الصيني

في السياق، قالت شبكة “سي إن إن” الأميركية، إن المنطاد الصيني الأخير ظل فوق الأراضي الأميركية 3 أيام، قبل أن يثير قلق الجنرالات فيُطلعوا الرئيس بايدن عليه، ونقلت الشبكة الإخبارية عن مسؤولين قولهم إن التقييم الأولي كان أن المنطاد لا يشكّل أي خطر استخباراتي أو تهديد مادي.

يُشار إلى أن المنطاد الصيني الذي تم اسقاطه هو جزء من أسطول صيني يتجسس على 5 قارات، وفق ما نقلته “رويترز” عن مسؤول بوزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، بينما أعلنت كولومبيا أنها رصدت جسما مماثلا في مجالها الجوي.

القوات الجوية الكولومبية قالت مساء السبت الماضي، إن أنظمة الدفاع الجوي الوطنية رصدت صباح الثالث من فبراير/شباط الجاري جسما طائرا على ارتفاع نحو 17 ألف متر داخل المجال الجوي للبلاد بالقطاع الشمالي، وكان الجسم يتحرك بمتوسط سرعة يبلغ نحو 46 كيلومترا في الساعة، مما يظهر خصائص مشابهة للمنطاد.

في حين قد تعقبت القوات الجوية الكولومبية الجسم، عبر أنظمة الدفاع الجوي، حتى غادر مجالها الجوي، وأكدت أنه لم يشكّل أي تهديد للأمن والدفاع الوطنيين ولا لسلامة الطيران، مضيفة أنها تعمل الآن مع دول أخرى لتحديد مصدر الجسم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة