على خلفية هروب الناشطة الجزائرية أميرة بوراوي، التي تُعد أحد وجوه الاحتجاجات الشعبية المناوئة للحكومة، إلى فرنسا، وبعدما وضعتها السلطات الجزائرية منذ نهاية عام 2021، على لائحة الممنوعين من السفر، يبدو أن قضية بواري بدأت تأخذ مسارا غير متوقع، ما ينذر بخلاف دولي ربما قد يمتد إلى ثلاثة عواصم في العالم.

من مطار تونس الدولي، وصلت بوراوي، مساء الإثنين الماضي، إلى مدينة ليون الفرنسية، وبحسب المعطيات التي توفرت، فقد تدخلت القنصلية الفرنسية في تونس لإحباط محاولة السلطات التونسية ترحيلها إلى الجزائر، إثر توقيفها يوم الجمعة الماضي في المطار، عندما كانت تحاول السفر عبر رحلة متوجهة إلى فرنسا، باستخدام جواز سفرها الفرنسي. 

بوراوي تحمل الجنسية الفرنسية منذ عام 2007، نظرا لزواجها من جزائري مقيم في فرنسا مزدوج الجنسية، وقد وضعتها القنصلية، بعد محاولة تونس ترحيلها، تحت حمايتها كمواطنة فرنسية، الأمر الذي أثار بوادر أزمة دبلوماسية جديدة بين الجزائر وفرنسا، لاسيما بعد قرار الرئاسة الجزائرية، الأربعاء الماضي، حيث تم استدعاء السفير الجزائري في باريس سعيد موسي للتشاور معه إثر الحادثة.

أبعاد الأزمة بين الجزائر وفرنسا

استمرارٌ لتداعيات القضية، أبلغت وزارة الخارجية الجزائرية السفارة الفرنسية برفضها هذا التطور الذي وصفته بالسبب الذي قد يلحق ضررا كبيرا بالعلاقات الجزائرية الفرنسية، معتبرة أن هذا التصرف غير مقبول، حيث اتهمت الخارجية الجزائرية دبلوماسيين وقنصليين وأمنيين تابعين للدولة الفرنسية بالمشاركة في خروج رعية جزائرية من البلاد بطريقة سرية وغير قانونية.

قبل ذلك، وحتى مما قبل وصول الناشطة بوراوي إلى فرنسا، كانت قد حكم عليها في عام2021 بالسجن لمدة عامين، بتهمة “الإساءة إلى الإسلام، وإهانة رئيس الجمهورية”، وكانت تنتظر الفصل في الطعن، الذي تقدمت به إلى محكمة الاستئناف، لكن قبل أن تنجح الاثنين الماضي بالفرار من الجزائر، كانت قد قُبض عليها وقضت 11 يوما في الاعتقال أثناء التحقيق الأول، في القضية. 

اقرأ/ي أيضا: زلزال تركيا وسوريا.. هل يغير تقنيات الإنشاء العمراني في الشرق الأوسط؟

مطلع الأسبوع الحالي، اعتقلت السلطات التونسية بوراوي أيضا، في أثناء محاولتها السفر بالطائرة إلى فرنسا، ومثُلت أمام المحكمة للنظر في قضية ترحيلها إلى الجزائر، لكن القاضي التونسي أمر بالإفراج عنها، لتأتي هذه الأزمة الدبلوماسية وتعيد التوتر بين الجزائر وباريس، إلى ما كان عليه في 2021، وتعصف ربما بجهود سنوات أثمرت عن بعض الدفء في العلاقات بين البلدين.

أزمة بوراوي لم تنحصر على مستوى الخلاف الجزائري الفرنسي، بل سلطت الأضواء على معاناة الناشطين في الجزائر، والذين يعانون بحسب تقارير حقوقية وإنسانية من التضييق على حرية التعبير، والاعتقالات غير المبررة وتحت تُهم جاهزة كما وصفت، لتعيد التذكير بمحاولات ناشطين كُثر الخروج من البلاد بالطريقة ذاتها، أو في غفلة من السلطات، بسبب ما يعتبرونه تضييقا سياسيا عليهم من السلطة، بالإضافة إلى منعهم من السفر وبسبب الضغوط القضائية المرتبطة بمواقفهم المناوئة للسلطات.

لفهم ما يجري في الجزائر، وبماذا يمكن أن تتسبب أزمة خروج الناشطة، يقول المهتم بالشأن الجزائري مروان الوناس في حديث لموقع “الحل نت”، إن العلاقات الجزائرية الفرنسية في الأساس ما تكاد تهدأ حتى تعود لتشتعل، وتعود إلى حالة من التوتر والخلاف، خصوصا في السنوات الأخيرة بعد انطلاق الحراك الشعبي في الجزائر وسقوط نظام عبد العزيز بوتفليقة، مبينا أنه على الرغم من محاولات ترميم هذه العلاقة لكن يبدو أنها لم تنجح، لأسباب عدة؛ منها التداخل التاريخي والديموغرافي والسياسي والاقتصادي الكبير بين الطرفين.

لذلك تتسم العلاقات الجزائرية الفرنسية بالكثير من الحساسية، لاسيما من قبل الجانب الجزائري، بحسب الوناس، الذي أشار إلى أن ما يحدث هذه المرة نتيجة قضية الناشطة، على ما يبدو قد أجج غضب حقيقي من قبل الجزائر تجاه باريس، خصوصا مع اتهام الحكومة الجزائر للجانب الفرنسي بمساعدة هذه الناشطة بالخروج، لافتا إلى أنه قد لا يكون من مصلحة فرنسا اقحام نفسها بمثل هذه مشكلة في الظرف الحالي، الذي تحتاج خلاله إلى علاقات جيدة مع الجزائر لحاجتها ضمان تدفقات مصادر الطاقة من النفط والغاز.

باريس ومصلحة الخلاف مع الجزائر 

الوناس يعتقد أنه ليس من مصلحة باريس تأزيم العلاقات وابتزاز الجزائر في الوقت الحالي، لذلك تسعى باريس من خلال موقفها من أزمة الناشطة بوراوي، إذ تحاول امتصاص الغضب الجزائري وتقديم كل ما يثبت عدم ضلوعها في قضية خروج الناشطة، مشيرا إلى أنه بحكم التجارب السابقة فمن الممكن أن تعود المياه إلى مجاريها خلال أيام بعدما يهدأ الغضب الجزائري ويتم امتصاص الصدمة كما حدث العام الماضي عندما وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون النظام الجزائري بالعسكري المغلق وأن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عالق داخله.

أما فيما يتعلق بشأن امتداد الخلاف إلى تونس، بيّن المهتم في الشأن السياسي الجزائري، أن القضية أخذت أبعادا كبيرة وحجم سياسي وإعلامي واسع، وتداخلت فيها ثلاث دول، وهناك تضارب في المعلومات، لكن الناشطة تقول إنها دخلت الاراضي التونسية بطريقة غير قانونية؛ أي عن طريق الحدود البرية وليست عن طريق المعابر، وبالتالي لم تستخدم الجواز الجزائري وإنما الفرنسي عندما دخلت تونس، لذلك في الأساس القضية تسببت أولا في أزمة داخلية لتونس وتسببت في إقالة وزير الخارجية.

اقرأ/ي أيضا: دعم الكويت لحلفائها يتوقف.. ما الذي يعنيه ذلك؟

يُضاف إلى ذلك، على الرغم من أن الجزائر الآن لا يبدو بأنها توجه أصابع الاتهام بشكل مباشر للطرف التونسي، لكن تحت الطاولة وفي الخفاء هناك غضب جزائري مما وقع في تونس، خصوصا وأن هناك تعاون مسبق بين الجانبين في تسليم المعارضين، وعلى هذا الأساس قد لا تكون الأزمة بين تونس والجزائر بشكل علني، لكنها ستكون حاضرة في الخفاء،  وستكون هناك معالجات لفهم ما قام به الطرف التونسي الذي ربما كان قد وقع تحت ضغط الطرف الفرنسي.

بعيدا عن فرنسا وتونس، ووقوفا على الأسباب الأساسية التي تدفع النشطاء الجزائريين إلى الهروب من البلاد، لفت الوناس إلى أنّ من يتابع الأخبار والوضع العام فيما يتعلق بالحريات العامة وحقوق الإنسان وحرية التعبير في الجزائر، سيعرف أن هناك مضايقات شديدة يتعرض لها النشطاء، حيث هناك المئات من نشطاء الحراك الشعبي والمعارضين في السجون، بعضهم على ذمة التحقيق أو الحبس المؤقت منذ سنة وأكثر، ويتابعون بتهم تتعلق بالإرهاب رغم نشاطهم السلمي، كذلك هناك أحزاب ومنظمات مجتمع مدني تم حلّها بقرارات غير مفهومة ومفاجئة.

إلى ذلك، وفي آب/أغسطس 2021، نجح الناشط الجزائري في مجال توثيق قضايا حقوق الإنسان زكي حناش، والذي كان قد أُوقف في شباط/فبراير الماضي بتهمة الإشادة بالإرهاب ونشر معلومات كاذبة ثم أُفرج عنه في نيسان/ إبريل 2022، في دخول تونس من الأراضي الجزائرية، بعد أشهر قليلة من الإفراج عنه، حيث أفلت حناش من الرقابة الأمنية على الحدود.

 لكن السلطات الجزائرية طلبته للمثول أمام العدالة في منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وطلبت من السلطات التونسية توقيفه وترحيله، ما اضطُر حناش للجوء إلى مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تونس، في 12 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لطلب اللجوء، ووضعت المفوضية الناشط الجزائري تحت حمايتها، في انتظار توفر بلد أوروبي لاستقباله.

مسار معاناة النشطاء من الجزائر

قبل أشهر قليلة، غادر الجزائر رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان بالإنابة، المحامي سعيد صالحي، إلى فرنسا، نتيجة ضغوط السلطات وتهديدات بحسبه، حيث يقيم هناك في الوقت الحالي بشكل دائم. وسبقه في ذلك الرئيس السابق للرابطة نفسها، المحامي صالح دبوز، والناشط الحقوقي عيسى رحموني. كما سبق أن أعلن الصحافي سيّد أحمد بن عطية عن وصوله إلى إسبانيا عبر قوارب الهجرة السرية.

في الصيف الماضي، أُلقي القبض على الناشط إبراهيم لعلامي، وهو أول ناشط قام بتظاهرة منفردة في 5 يناير/ كانون الثاني 2019 ضد ترشح (الرئيس الراحل) عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة قبيل اندلاع الحراك الشعبي، عندما كان يحاول الخروج من البلاد عبر قوارب الهجرة غير النظامية، بعد سلسلة من الملاحقات القضائية ضدّه والمنع من السفر. وقبل ذلك، كان ناشط آخر، هو محمد حمالي، قد نجح فعلاً في المغادرة نحو إسبانيا عبر قوارب الهجرة، وإن كان قرّر لاحقاً العودة الطوعية إلى البلاد.

سبق ذلك خروج الصحافي عبدو سمار إلى أوروبا، حيث يقيم الآن، وذلك عبر تونس أيضاً، بعد الإفراج عنه من السجن في الجزائر، وهو ملاحق من قبل السلطات الجزائرية بتهم متعددة. وفي أكتوبر الماضي، أصدرت محكمة الجنايات الابتدائية في العاصمة الجزائرية حكماً غيابياً بالإعدام في حقّ سمار، بتهمة التورط في تسريب ونشر معلومات سرّية واستراتيجية تخص صفقات شركة المحروقات الجزائرية “سوناطراك”، وصفتها النيابة بأنها بالغة المساس بالاقتصاد الوطني.

هذا ويمكن ملاحظة أن ظاهرة خروج الناشطين من الجزائر لأسباب ودوافع سياسية، تشمل صحافيين ومحامين ونشطاء حقوقيين وآخرين مستقلين. ويفسّر البعض توالي خروج الناشطين والمعارضين من البلاد بظروف التضييق السياسي التي تشهدها الجزائر في الفترة الأخيرة، خصوصاً مع تشدد السلطات في تطبيق المادة 87 مكرّر من قانون العقوبات التي تسمح بتكييف أي نشاط ذي طابع احتجاجي أو تجمع أو منشور معارض على أنه تهديد للأمن العام والمساس بالوحدة الوطنية.

يُذكر أن أسلوب معالجة الحكومة الجزائرية هذا ضد النشطاء يرجع إلى عام 2019، عندما تأسست حركة الحراك الاحتجاجية، الحركة التي عارضت في البداية تجديد ترشيح الرئيس آنذاك عبد العزيز بوتفليقة ،ونتيجة لهذه الاحتجاجات، استقال بوتفليقة من منصبه بعد بضعة أشهر، في نيسان/أبريل 2019، إلا أن الحراك استمر في انتقاد المظالم، مثل الفساد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.