في ظل ما يشهده العالم من تحولات على مستوى خارطة النفوذ ورسم التحالفات، وإعادة البلدان النظر في سياساتها، يبدو أن ذلك بدأ ينسحب على مستوى سياسات دعم الحلفاء، إذ إن زمن الدعم المالي غير المشروط قد انتهى، وبات ينخرط ضمن تطلعات الدول المانحة في الاستفادة من الأموال المُقدَّمة، وذلك على مستوى مدّ النفوذ، أو دعم الاقتصادات الوطنية بعيدا عن الاستثمارات السياسية والاقتصادية الخارجية.

على غرار السعودية، التي أعلنت خلال الأسابيع القليلة الماضية، التحول في كيفية تقديم المساعدة المالية للبلدان، ما يجعل المساعدات المستقبلية مشروطة بوعود تجديد اقتصاداتها، وفق ما تحدث به وزير المال السعودي محمد الجدعان، على هامش “منتدى دافوس” الاقتصادي العالمي بسويسرا، قررت الكويت أيضا قطع سياسة تقديم المساعدات المجانية، والاستعاضة عن ذلك بسياسة جديدة قائمة على ربط أي دعم بتحقيق فوائد اقتصادية أو سياسية.

في سياق ذلك، وتمهيدا لإقرار سياسة جديدة تقوم على تحقيق مصالح الكويت في المقام الأول، كشفت أوساط كويتية أمس الخميس، أن “الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية” أعاد النظر في سياسة منح القروض والمِنح، وذلك يعني أن تغييرا سيجري في طريقة تقديم المساعدات لحلفائها والتي كانت قائمة في السابق على المنح المباشر وودائع دون شروط.

الكويت وسياسية الدعم الجديدة

سياسة الكويت الجديدة في الدعم الخارجي للبلدان، تنص على القرض الممنوح لأي دولة على أن تكون بمردود إيجابي على البلاد، إضافة إلى إعادة النظر في إعطاء القروض بلا مقابل، ومراجعة الأعمال الإنسانية البحتة التي لا تحتوي على أي أجندة. وضرورة تماشي القروض التي سيعطيها الصندوق مع السياسة الخارجية للكويت، خصوصا فيما يتعلق بالدعم السياسي نحو قضايا معينة، مثل تعزيز الأمن الغذائي للبلاد، إضافة إلى التصويت في “مجلس الأمن الدولي” بشأن القضايا التي تهمُّ الكويت، بحسب مصادر مطّلعة تحدث لصحيفة “القبس” الكويتية.

اقرأ/ي أيضا: السويد وتركيا وامتيازات عضوية “الناتو“.. ما وراء رفض أنقرة المصادقة على القرار؟

التجديد في سياسة الدعم الكويتي، يأتي على خلفية إثارة نواب في “مجلس الأمة” مؤخرا، مسألة الديون المستحقة على مصر، كذلك في سياق ردود فعل على ضغوط لـ “صندوق النقد الدولي” تطالب الدول الخليجية بضخ 14 مليار دولار إلى القاهرة، ويمثل هذا المبلغ جزءا من استراتيجية تمويل البرنامج الذي أجازه الصندوق لمصر في كانون الأول/ديسمبر الماضي، إثر تداعي الاقتصاد المصري والعملة المحلية.

نواب “مجلس الأمة” ومن خلال أسئلتهم لوزارة المالية، يبدو أنهم يعتقدون أن المِنح والقروض التي تقدمها الكويت إلى الدول لا تصب في صالح سياسية الدولة، بل باتت تحمّلها أعباء كبيرة، دون تحقيق عوائد منها، كما أنه لا توجد خطة واضحة لتواريخ استحقاقات تسديد تلك الودائع المليارية. الأمر الذي يتطلب بالضرورة إعادة رسم مسار واضح لمنح وقروض الدعم المُقدَّمة من قِبل الحكومة الكويتية.

إلى ذلك، يبرز السؤال حول ما وراء توجه الكويت لاعتماد سياسة جديدة للدعم، وإذا ما كان ذلك ينخرط في إطار محاولاتها في ارتهان الدول المستفيدة من هذه القروض والمِنح، فضلا عما إذا كان ذلك ممكنا للتطبيق، علاوة على إذا ما كان سيمثّل مسارا جديدا لسياسة الكويت الخارجية تجاه الدول الصديقة والحلفاء.

حول ذلك يجيب الباحث والمحلل السياسي عايد المانع، بالقول إن الكويت في الأساس لا تصنِّف الدول المستفيدة من مساعداتها المالية إلى حلفاء وغير حلفاء، وإنما إلى دول عربية شقيقة ودول صديقة، مبينا أن جلّ الدعم المالي الكويتي يتم من خلال “الصندوق الكويتي للتنمية العربية” الذي يقوم بتمويل مشروعات وليس أفراد وذلك بعد دراسة الجدوى الاقتصادية والاجتماعية.

الدعم المالي والمصلحة السياسية 

المانع أشار في حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أن هناك مساعدات عن طريق “الهلال الأحمر” والجمعيات الخيرية، فضلا عن المِنح التي تُقدّم من خلال “الدعم الاستثماري” الذي تقوم به هيئات ومؤسسات وشركات استثمارية ستبقى مستمرة، خصوصا وأن الدعم للأشقاء والأصدقاء لم يتوقف منذ الاستقلال عام 1961، لافتا إلى أن هذا الدعم يتأثر في حالة حدوث عجز في الميزانية العامة أو في حال فشل الحكومة التي قُدّمت لها المساعدة في الاستفادة من هذه المساعدات.

هذا وتُعد الكويت من أكثر الدول الخليجية تقديما للمساعدات والمِنح، لكنها شهدت في السنوات الأخيرة صعوبات اقتصادية، دفعتها إلى التفكير في الاستيدان الخارجي، وهو ما قوبل برفض شديد من قبل المعارضة في “مجلس الأمة”، الذي طالب الحكومة بمحاربة الفساد ووقف الدعم الخارجي، لوضع حدٍّ لاستنزاف خزينة الدولة.

اقرأ/ي أيضا: المشكلة داخلية وجيل “الثورة” فشل.. هل يستجيب النظام الإيراني لخارطة خاتمي؟

“الصندوق الكويتي للتنمية”، كان قد خفّض سقف الإقراض السنوي من 350 مليون دينار، أي ما يعادل 1.15 مليار دولار، إلى 200 مليون دينار، أي نحو 654 مليون دولار، فيما بلغت قيمة المتأخّرات على بعض الدول 163.5 مليون دينار، ما يقرب 535 مليون دولار؛ منها 146 مليون دينار، ما يعادل 477.8 مليون دولار مستحقة على الدول العربية، و17 مليون دينار، ما يساوي 55.63 مليار دولار، على بقية الدول المقترضة من الكويت.

مع حجم القروض والمِنح المُقدّمة بدون فائدة تُحسب للكويت، يرى الخبير في الشأن الاقتصادي الكويتي ميثم الشخص، أن إعادة إنتاج السياسية المالية للكويت لدعم حلفائها، هو بسبب أن “الصندوق الكويتي للتنمية” كان يشارك بكثير من المشاريع، وبالتالي كان بعيدا عن السياسة الخارجية للكويت في كثير من الدول، ومن دون تحقيق أي منافع سياسية لمشاريع الدعم التي كانت مُقدّمة. بل إن هناك دول كانت تستفيد من هذا الصندوق وبالمقابل تضر بمصالح دولة الكويت سياسيا، لذلك إعادة النظر في مسألة الاستفادة السياسية من الجانب المالي لهذا الصندوق يًعدّ أمرا مشروعا لأي دولة.

الشخص وفي حديث لموقع “الحل نت”، بيّن أن الكويت مثلها مثل السعودية التي تعمل على إعادة النظر في المِنح والمساعدات والقروض، وخلافه من قضايا مالية للدول بالنظر إلى المواقف السياسية، لافتا إلى أن نجاح سياسة الدعم الجديدة مقرون بما حدث في السابق، لذلك وضعت الكويت المواقف الدولية للوقوف إلى جانبها في كثير من المواقف الصعبة كهدف أساسي لها، ومثل ما حدث أثناء احتلال الكويت من قِبل النظام العراقي السابق، الذي اضطر لمواجهة المجتمع الدولي من خلال مواقف الكويت، وبالتالي نجحت الكويت في عودة شرعيتها.

بناء على ذلك، يشير الشخص إلى أن مساعدات “الصندوق الكويتي للتنمية” أو أي جهة أخرى، يجب أن تكون قائمة على أسس معينة، مبيّنا أن هناك جهات أخرى يقع عليها عاتق المساعدة الإنسانية مثل “جمعية الهلال الأحمر”، وهذا يعني أن الأمر وفق سياسة الدعم الجديدة سيختلف بمسألة التفريق من حيث الجانب الإنساني والتنموي للاستفادة الخاصة بمواقف سياسية معينة.

مكاسب الكويت من سياسة الدعم الجديد

أما عن العوائد الاقتصادية التي يمكن تحقيقها من خلال سياسة الدعم الجديدة للكويت، بيّن الخبير الاقتصادي، أن الاستفادة ستكون لدولة الكويت من خلال تقديم مثل هذه المساعدات، إذ في السابق الدول الضعيفة تأخذ الدعم دون أي نفع سياسي، بيد أن النفع السياسي ربما يأتي بمنافع اقتصادية لدولة الكويت على أساس المساعدات وأساس أن تكون هناك مواقف معينة، لذلك لا بد أن تكون للكويت مصلحة في هذه المساعدات، مؤكدا أن هذا لا يتقاطع مع استمرار تقديم الدعم الإنساني الذي ستسلك الكويت مسالك أخرى للاستمرار فيه.

في غضون ذلك، وقبل أيام، رفض أمين سر “مجلس الأمة” الكويتي أسامة الشاهين، الانصياع لطلبات “صندوق النقد الدولي” ومطالبته لدول الخليج بموارد تمويلية جديدة لمصر، حيث كان “صندوق النقد”، قد طالب من وصفهم بحلفاء مصر الخليجيين بالوفاء بتعهداتهم الاستثمارية والتي تبلغ مليارات الدولارات في مصر، والتي ستكون مقابل حصص بأصول وشركات مصرية، في مواعيدها المحددة، لضمان أن تغطي الدولة فجوة التمويل الخارجي في السنوات المقبلة.

“صندوق النقد” وصف الأربعاء الماضي، الاستثمارات من دول الخليج العربية بأنها جزء مهم من استراتيجية تمويل البرنامج، في حين تودع الكويت لدى مصر 4 مليارات دولار في بنكها المركزي، في صورة ودائع قصيرة ومتوسطة الأجل، بحسب تقارير، وبذلك تحتل الكويت المركز الثالث في قائمة الدول الخليجية المودّعة لدى مصر، مقارنة بالإمارات التي يبلغ حجم ودائعها 10.6 مليارات دولار، ثم السعودية بـ 10.3 مليارات دولار.

عمليا، بدأت القيادة الكويتية بالفعل منذ فترة إعادة النظر في سياستها لتقديم الدعم، إذ لم تشارك في الاجتماع الذي احتضنته أبوظبي الشهر الماضي، والذي ضم رئيس الإمارات وأمير قطر وملك البحرين، وسلطان عمان إلى جانب الرئيس المصري وملك الأردن، والذي بدا أن الهدف الأساسي منه مناقشة الوضع المالي الصعب للقاهرة وعمان، وسُبل تقديم المساعدة.

إصرار الكويت حول إعادة التوجه المالي الجديد، ينطلق من الشعور بالتخلف عن ركب محيطها الخليجي الثري الذي تخلفت خلال العقد الأخير، ما يفرض القيام بمراجعات لسياساتها المالية بما في ذلك مسألة تقديم الدعم، إذ إن التراجع الاقتصادي في الكويت انسحب على مكانتها الدبلوماسية في العالم العربي، وبالتالي هي اليوم في حاجة إلى عملية إصلاح شاملة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.