هكذا يبدو الأمر، أن قضية ممانعة تركيا على انضمام السويد إلى عضوية حلف “الناتو” بدأت تنسحب على الوضع الداخلي التركي، فبعد أن كانت مسألة تتعلق بالأمن القومي، وسيادة الدولة، يجري الحديث عن محاولة تجيير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للخلاف لصالح تعزيز موقعه في الانتخابات الرئاسية التي تستعد بلاده لإجرائها في أيار/مايو القادم.

إذ يواجه الرئيس التركي معارضة شديدة، حيث تستعد الأحزاب المعارضة تحت تحالف سداسي، يضم حزب “الشعب الجمهوري” بقيادة كمال كيليجدار أوغلو، وحزب “الديمقراطية والتقدم” بقيادة علي باباجان، والحزب “الديمقراطي” بقيادة جولتكين أويسال، وحزب “السعادة” بقيادة تميل كارامولا أوغلو، وحزب “المستقبل” بقيادة أحمد داود أوغلو، وحزب “الخير” بقيادة ميرال أكشنر، للاتفاف حول مرشّح واحد لمنافسة أردوغان، وحتى الآن تبرز أربعة أسماء من التحالف الذي يُعرف أيضا بـ “تحالف الأمة” للترشح للانتخابات، أبرزها زعيم حزب “الشعب الجمهوري” كمال كليجدار أوغلو.

استطلاعات رأي متعاقبة أُجريت خلال الأيام الماضية كشفت عن استمرار تضاؤل فرص الرئيس أردوغان و”تحالف الشعب” المكوّن من حزبه الحاكم “العدالة والتنمية” وحزب “الحركة القومية” اليميني في الفوز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، ما دفع بعض المراقبين إلى تفسير موقف الرئيس التركي من انضمام السويد وتصعيد من حدة لهجته ضدها ما هو إلا محاولة لتعزيز حظوظه الانتخابية المتراجعة.

تجدد الخلافات بين تركيا والسويد

في سياق ذلك، تجددت الخلافات بين أنقرة وستوكهولم مع إعلان السويد أن شروط الحكومة التركية مقابل الحصول على موافقتها للانضمام إلى “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) لا يمكن قبولها أو تنفيذها، وذلك في الوقت الذي تتمسك فيه أنقرة بشروطها لتمرير عضوية ستوكهولم لـ”الناتو”، لتأتي حادثة إعدام متظاهرين في السويد لدمية على هيئة أردوغان ما دفعت أنقرة لاستدعاء سفير السويد والتنديد بالواقعة.

اقرأ/ي أيضا: انفتاح باريس على بغداد.. أبعاد ما بعد انحسار النفوذ بإفريقيا؟

ما زاد من حدة الخلاف أيضا، قيام سياسي سويدي يميني متطرف بحرق المصحف الكريم أمام سفارة أنقرة في ستوكهولم، ليتأزم الوضع أكثر، وعلى الرغم من استنكار رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، تعليق دمية للرئيس التركي على عمود إنارة، ووصفه بالعمل التخريبي ضد محاولة السويد الانضمام إلى حلف “الناتو”، إلا أن تركيا بقيت مصممة على موقفها من السويد.

كلُّ ذلك، على الرغم من أن تركيا والسويد إلى جانب فلندا كانت قد انخرطت في محادثات لحل الخلافات القائمة بينهما، وقد رفعت السويد وفنلندا الحظر الذي فرضتاه على بيع الأسلحة لتركيا، إثر تدخلها العسكري في سوريا عام 2019. كما وعدت السويد بتجريم العضوية في المنظمات الإرهابية، بما فيها “حزب العمال الكردستاني”، في مشروع قانون يُعرض هذا الشهر على البرلمان السويدي.

وسط ذلك يبرز السؤال الأكثر أهمية، حول الرفض القاطع من قبل تركيا لانضمام السويد لحلف “الناتو”، الأمر الذي شرح أسبابه الخبير في الشأن السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو، بالقول إن تركيا لا ترفض انضمام السويد إلى “الناتو”، لكنها تقول للجميع أن الانضمام يجب أن يتم مع الالتزام بشروط الحلف، وعدم الاخلال بالقانون المعمول به، مبينا أنه في حالة الموافقة وتجاوز قانون التحالف سيتم تحميل تركيا مسؤولية ذلك، بالتالي أنها تراعي ذلك.

أردوغان واستغلال المواقف

حلف “الناتو”، يُعد حلف استراتيجي وعسكري أمني وسياسي، بالتالي على الأعضاء الجدد أن يدعموا أعضاء الحلف، وتركيا تعتبر من أقدم الأعضاء، وبناء على ذلك، إذا ما أرادوا الانضمام فعليهم الالتزام بمذكرة التفاهم التي تنص على محاربة الإرهاب وتسليم المطلوبين لتركيا، ونبذ الكراهية، بحسب أوغلو.

الخبير في الشأن التركي، يقول إن هناك مخطط لجر تركيا لأن تكون رافضة لانضمام السويد إلى “حلف شمال الأطلسي”(الناتو)، ومن إبعادها عن التحالف بحجة وقوفها بوجه مصلحة التحالف، ودعمها لروسيا، مستبعدا في الوقت ذاته أن تكون هناك علاقة بين الموقف التركي من السويد والانتخابات التركية، قائلا إن استطلاعات الرأي الأخيرة ترجّح كفة أردوغان، لذلك أنه ليس بحاجة إلى استعداء السويد لصالح الانتخابات، بل أن الموقف من ستوكهولم سببه إيواء عناصر “حزب العمال الكردستاني”.

اقرأ/ي أيضا: تجدد التوتر بين إيران وإسرائيل.. ما الانعكاسات المحتملة على الخليج العربي؟

لكن في مقابل ذلك، أشار مقال نُشر حديثا في موقع “سكاي نيوز” عربي إلى أن تركيا تحاول استغلال هذه العملية لتحشيد الدعم الانتخابي للرئيس أردوغان في الانتخابات المقبلة، والتي قد تُجرى في 14 أيار/مايو، وفق إعلان رسمي من الرئاسة التركية، حيث يعتقد مراقبون ومسؤولون في كلٍّ من فنلندا والسويد بأن تركيا سوف تتخلى عن معارضتها لانضمام السويد وفنلندا بعد إجراء الانتخابات، وأن البلدين سوف ينضمان رسميا إلى حلف “الناتو” في 11 يوليو المقبل، أثناء انعقاد “مؤتمر قمة قادة الحلف” في العاصمة الليتوانية، فيلنيوس.

كذلك صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، نشرت من جانبها مقالا تحليليا، كتبه بورزو داراغاهي، وأشار من خلاله إلى أن حرق المصحف في السويد أثناء احتجاج قبل أسبوع شدد موقف تركيا المعترض على توسيع “الناتو”، كما أنه منح فرصة للرئيس، رجب طيب أردوغان، ليظهر بقوة في الانتخابات المقبلة، مبيّنا أن اجتياح روسيا لأوكرانيا تسبب في أزمة وجودية لأوروبا دفعت بكل من فنلندا والسويد إلى طلب الانضمام إلى “الناتو”، ولكن اعتراض تركيا، التي يواجه رئيسها انتخابات رئاسية، يقطع عليهما الطريق. 

خلافات قديمة متجددة

تركيا لها خلافات قديمة مع السويد تفاقمها طلب الانضمام إلى “الناتو”، وحاجة أردوغان إلى أصوات الناخبين، فيما أخذ الخلاف بين البلدين أبعادا جديدة بعد حرق المصحف، لاسيما وأن أردوغان تمكّن في السابق من حشد الجماهير وإسكات المعارضة بتصوير نفسه مدافعا عن تركيا وعن الإسلام على المستوى العالمي. وقد منحه حرق المصحف فرصة تحويل النقاش السياسي من الاقتصاد إلى القضايا الثقافية التي يتفوق فيها وحزبه “العدالة والتنمية”.

يُشار إلى أنه في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، تقدمت السويد وفنلندا بطلب للانضمام إلى “حلف شمال الأطلسي”، غير أن الموقف التركي عرقل تلك المساعي حيث يشترط “الناتو” موافقة جميع الدول الثلاثين الأعضاء في الحلف لإضافة أعضاء جدد، بيد أنه في 2022، وقّعت السويد وفنلندا اتفاقا مع تركيا في عام 2022 بهدف معالجة أوجه الاعتراض لدى تركيا على عضويتهما في الحلف.

في حزيران/يونيو الماضي شهد الخلاف التركي السويد انفراجا، حيث قالت الرئاسة التركية إن الرئيس أردوغان حصل على ما وصفته بتعاون كامل من السويد وفنلندا ضد مقاتلي “حزب العمال الكردستاني” وأتباعهم، وأكدت أنقرة أن فنلندا والسويد ستحظران نشاطات التجنيد وجمع الأموال للمسلحين الأكراد وكذلك حظر الدعاية الإرهابية ضد تركيا، كما تعهّدتا بإظهار التضامن والدعم مع أنقرة في الحرب ضد الإرهاب بكل أشكاله، كما قبِلتا بعدم فرض قيود على الصناعات الدفاعية.

لكن في كانون الأول/ديسمبر الماضي، عبّرت تركيا عن خيبة أملها من قرار محكمة سويدية عُليا بوقف طلب تسليم صحفي من أنصار رجل الدين فتح الله غولن الذي تحمّله تركيا المسؤولية عن محاولة انقلاب فاشلة في 2016، هذا وكان الرئيس التركي قد اشترط على السويد تسليم 130 مطلوبا لأنقرة حتى تُصادق على عضويتها في الحلف العسكري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.