رغم هدوء المواجهة التي لم تنتهي يوما، بدأت حدة التوتر تتصاعد بين إيران وإسرائيل على خلفية هجوم أصفهان الأخير، والذي استهدف بثلاث طائرات مسيّرة، الأسبوع الماضي، مصنعا لإنتاج الصواريخ وتطويرها وسط إيران، تزامن ذلك مع استهداف قافلتين على الحدود العراقية السورية، إذ تحدثت تقارير على أنها تابعة لميليشيات موالية لإيران، حيث كانت في طريقها لنقل أسلحة إيرانية الصنع لتلك الجماعات.

الهجوم رفع التوتر بين الجانبين، لاسيما بعد مسارعة الولايات المتحدة الأميركية لتبريئ ساحتها من الهجمات، حيث أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” الأحد الماضي، أن واشنطن لم تشارك في أي عملية عسكرية في إيران، مشيرا إلى أن إسرائيل تقف على ما يبدو وراء الهجوم بطائرات مسيّرة على مصنع عسكري في أصفهان.

إلى ذلك، وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، مقرها نيويورك، كشف مسؤولون أميركيون وأشخاص مطّلعون على عملية أصفهان، التي وقعت ليل السبت الماضي، أن إسرائيل نفذت غارة سرية بطائرة مسيرة استهدفت مجمعا دفاعيا في إيران، وأوضحوا أن ضربة أصفهان هدفها احتواء طموح طهران النووي والعسكري، فيما قال المسؤولون الأميركيون إن إيران أحبطت محاولة هجوم من قبل ثلاث طائرات صغيرة استهدفت مصنعا للذخيرة في مدينة أصفهان، بجوار موقع تابع لـ “مركز أبحاث الفضاء الإيراني”، الذي فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليه.

تصعيد إيراني

كما هو الحال، وفي أعقاب الهجوم اتهمت إيران إسرائيل بذلك، وكالمعتاد هددت برد قوي، لكن مع وقع الهجوم في ظل سلسلة من التطورات التي يعيشها العالم، ومنطقة الشرق الأوسط، والتي من بينها استمرار تزويد إيران بالطائرات من دون طيار لروسيا الذي من المحتمل أن يتبعه في المستقبل توريد صواريخ باليستية، الأمر الذي يضع خيارات الرد مفتوحة على عدة احتمالات.

اقرأ/ي أيضا: أزمة الدولار في العراق.. خطوة أخرى نحو إعادة ترتيب المنطقة أم مقدمة اضطراب؟

ما يزيد من تلك الاحتمالات، وقوع أزمة حادة بين طهران وباكو بشأن توطيد العلاقات بين أذربيجان وإسرائيل، وسلسلة زيارات قام بها كبار المسؤولين الأميركيين إلى إسرائيل بينهم مستشار “الأمن القومي” جيك سوليفان ورئيس “وكالة الاستخبارات المركزية” وليام بيرنز ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذين وضعوا جميعهم القضية الإيرانية على رأس جدول أعمال زياراتهم.

وسط ذلك، وعلى الرغم من عدم إعلان تل أبيب مسؤوليتها عن الهجوم، إلا أن المشهد يزداد تعقيدا، إذا ما تم النظر إلى توقيت الهجوم الذي جاء كأول هجوم إسرائيلي، بحسب التسريبات على مواقع إيرانية، في ظل الحكومة اليمينية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والذي كان قد أجاز سلسلة من العمليات الجريئة داخل إيران عندما خدم آخر مرة في هذا المنصب من عام 2009 إلى 2021.

تركيبة المشهد وتعقيده، وضعت الخليج العربي على خارطة التوقعات بأن يكون جزء من التوترات، لا سيما بالنظر إلى العلاقات المشتركة التي تربط دول بعض المنطقة مثل الإمارات بإسرائيل، والتي تشير الترجيحات إلى أن طهران بدأت في دراسة خيارات الرد ضدها، إذ يمكن أن يكون جزء منها، توجيه ضربات نوعية للمصالح الإسرائيلية داخل مناطق النفوذ الإيراني أو محيطاتها.

العراق وأذربيجان بدلا عن الخليج العربي

بحسب التقارير التي أشارت إلى أن الأراضي التي انطلقت منها الطائرات المسيّرة، أما الأراضي العراقية من جانب إقليم كردستان أو أذربيجان، يرى المهتم والخبير في الشأن السياسي داود القيسي، أن منطقة الخليج العربي بعيدة عن التوتر الإيراني الإسرائيلي، فيما يمكن أن تكون أراضي إقليم كردستان حيث تدعي طهران تواجد المعارضة الإيرانية الكردية، هي الأقرب لذلك.

القيسي وفي حديث لموقع “الحل نت”، شرح أن إيران في الوقت الحالي، ومع تضيق الخناق عليها دوليا وإقليميا، قد لا تحبذ الذهاب باتجاه تأزيم الوضع مع الجانب العربي، مبينا أن العقوبات الدولية والعزلة التي يفرضها الغرب على طهران وحلفائها وفي ظل تورطها في الحرب الروسية على أوكرانيا، تسعى إيران جاهدة إلى خلق توازن إقليمي والابتعاد عن فتح جبهات ثانوية يمكن أن تعمّق من أزمتها، خصوصا مع العوز الاقتصادي الذي تمر به، وعدم الاستقرار الداخلي نتيجة الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها.

اقرأ/ي أيضا: جولة بلينكن إلى الشرق الأوسط.. تحالف جديد ضد إيران؟

إضافة إلى ذلك، من المتوقع جدا أن تؤجل إيران الرد على الهجمات الإسرائيلية إلى وقت قد تراه مناسبا لذلك، على اعتبار أن الوقت الحالي يُعد من أكثر الأوقات حرجا، ليس على مستوى طهران فحسب، بل إن الأمر يشمل أيضا وكلائها وحلفائها في المنطقة، بحسب القيسي، الذي لفت إلى أن أذرع إيران في المنطقة غير مؤهلة في الوقت الحالي لأخذ زمام المبادرة بالرد نيابة عن إيران.

حيث يسعى “الحوثيون” في اليمن لتوصل إلى هدنة مع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، والحفاظ على مكتسباتهم من الهدنة غير المعلنة، فيما ينشغل “حزب الله” اللبناني في الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد دون التوصل إلى حل حتى الآن، وذلك في مقابل الوضع الحرج لوكلائها في العراق حيث تمر الحكومة العراقية التي تعد حصيلة أو نتاج الجماعات المقربة من إيران في أزمة سياسية واقتصادية حادة، ما يفرض على تلك الجماعات العراقية الموالية لطهران الالتزام بالحذر والابتعاد عن إثارة المشاكل، بحسب المحلل السياسي.

بالتالي، وفق هذا السيناريو يعتقد القيسي، أن إيران في الوقت الحالي ستلتزم بعدم الرد المباشر وتبتعد عن فتح جبهات جديدة، مبينا أن طهران حاليا تحصد مكاسب كبيرة من شراكتها مع روسيا ودعمها لها في الحرب الأوكرانية، لذلك قد تتمسك بالهدوء على أمل إيجاد الفرصة المناسبة للرد، لافتا إلى أنه في ظل انغلاق الجبهات في وجه إيران فإنه من المحتمل لن تذهب إلى التصعيد لمراحل متقدمة ضد أذربيجان حليفة تركيا، لسبب إنها لا تريد الخوض بصراع مع تركيا التي تعد ظاهريا حليفة لها في الوقت الراهن.

خيارات محتملة

في مقابل ذلك، أشار تقرير لصحيفة “إندبندنت عربي” البريطانية، إلى أن إسرائيل تدرك إن إيران تدرس ردود الفعل المحتملة وتقيّمها على أساس التداعيات التي ستسببها وقبل كل شيء على أساس القدرة العملياتية لتنفيذها، مبينا أنه من الناحية النظرية أن الأدوات الإيرانية تتضمن هجمات من سوريا ولبنان والعراق وربما حتى اليمن.

لكن من جهة أخرى، تمتلك طهران خيارات في المجال السيبراني التي كانت حتى الآن محدودة الفاعلية، فقد استخدمت الهجمات السيبرانية لشن بعض منها على السفن في الخليج العربي، أو ضد المواقع والشخصيات الإسرائيلية واليهودية، وفي حال نجحت تلك الخيارات، فإن كل ذلك سيؤدي إلى التصعيد في المنطقة خلال الفترة المقبلة.

على هذا النحو، يبدو أن إيران التي يسيطر “الحرس الثوري” على مقاليد الأمور فيها، وإسرائيل التي تقودها حكومة يمينية، ستدفع المنطقة إلى عدم الاستقرار.

وربما يحاول كل منهما تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج من أجل تشتيت الانتباه عن أزماته الداخلية، الأمر الذي سيؤدي إلى توترات إقليمية كثيرة في المنطقة، لا سيما على مستوى مناطق التماس للمصالح الإيرانية الإسرائيلية وفي الساحة السيبرانية كذلك، خصوصا وأن تل أبيب تستهدف ليس فقط تقييد “البرنامج النووي الإيراني”، بل تمتد قائمة أهدافها نحو سلوك طهران الإقليمي ومنظومة الصواريخ الباليستية، بحسب ما أشارت الصحيفة البريطانية.

في النهاية، وفي ظل هذا المشهد، فإن خيار الرد الإيراني ضد الأراضي العراقية في إقليم كردستان، يبقى هو الأبرز، لاسيما مع ما يتوفر من مبررات يمكن أن تلجأ لها طهران في هجومها المحتمل ضد أراضي الإقليم الحدودية، لاسيما مع امتلاكها ما يدعم روايتها في أن مقرات للموساد متواجدة داخل الإقليم، وهو الادعاء الذي استخدمته في شنّ هجمات صاروخية ضد أربيل منتصف العام الماضي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.