الحكومة العراقية تقف عاجزة منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أمام استمرار أسعار صرف الدولار بالارتفاع تدريجيا أمام الدينار العراقي، وسط حديث يجري عن إجراءات أميركية تهدف إلى وقف تهريب العملة الصعبة إلى دولٍ تخضع لعقوبات دولية مثل إيران ولبنان وسوريا، الأمر الذي من شأنه تسبب بتذبذب سعر الصرف، ما انعكس بشكل كبير على حياة المواطنين حيث ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية بشكل ملحوظ وسط تذمر شعبي واسع.

تذبذب لم تغير من واقعه إجراءات الحكومة الذي ظلت عاجزة أمامه، ليقرّ رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني خلال لقاء تلفزيوني الثلاثاء الماضي، بأن ملايين الدولارات تُهرّب بشكل يومي إلى خارج البلاد بفواتير مزورة، مبيّنا أن الأمر اكتشف بعدما تم إلزام الجميع بإجراء التحويلات عبر منصة “سويفت” الإلكترونية التي تتيح لـ “لبنك المركزي” الأميركي المراقبة، ومتابعة مسار الحوالات والبضائع المستوردة.

في الإطار، يأتي ذلك في الوقت الذي يعاني فيه العراق من فساد مالي وإداري كبير انعكس بشكل واضح على الوضع الاقتصادي الذي بات يؤثر على حياة المواطنين، حيث وصلت أسعار الدولار أول أمس الخميس، إلى نحو 177 ألف دينار عراقي لكل 100 دولار، وبخلاف الأسعار الرسمية التي تؤكد الحكومة الالتزام بها عند 146 ألف دينار لكل 100 دولار.

مخاطر داخلية وتأثيرات إقليمية 

على الرغم من أن الأمر بات ينذر بخطر كبير، لاسيما على مستوى استقرار الدولة والحكومة التي تُتّهم بقربها من إيران، والتي صارت تواجه خطر مصير حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، الذي أُجبر على تقديم استقالة حكومته في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، بضغط من المحتجين العراقيين الذين اجتاحوا الشوارع في حراك ما بات يعرف بـ “ثورة تشرين”، لا سميا بعد تصاعد الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى النزول للشوارع احتجاجا على ارتفاع أسعار الدولار، وعجز الحكومة من إيجاد حل للموضوع، إلا أن الأمر بات أبعد من ذلك، ما آثار السؤال حول إصرار الجانب الأميركي على مراقبة العملة الصعبة في العراق.

اقرأ/ي أيضا: بعد 18 عاما من الإغلاق.. ما دلالة إعادة فتح السفارة المغربية في العراق؟

ببساطة، وبعيدا عن الأحاديث الجانبية، رئيس وزراء الحكومة العراقية، يقول إن تهريب العملة إلى الخارج كان يتم عبر تحويلات تتم على أساس فواتير مزوّرة لواردات كان يتم تضخيم أسعارها، حيث كانت الأموال تخرج ويتم تهريبها للخارج، متسائلا “ما الذي كنا نستورده مقابل 300 مليون دولار يوميا”، لاسيما مع عدم فقدان الأسواق إلى أي من المواد الرئيسية حتى مع تراجع مبيعات “البنك المركزي” العراقي إلى حدود 30 مليون دولار يوميا، مؤكدا “حتما هذه الأموال كانت تخرج من العراق وهذه كانت مشكلة مزمنة منذ سنوات”.

الحديث عن تهريب العملة من العراق، دفع للسؤال حول الجهات التي يتم إيصالها لها، إضافة إلى التوقيت الذي اختاره الجانب الأميركي لوضع حد لهذه العمليات، على الرغم من أن تهريب العملة في العراق والحديث عنها يعود لسنوات طويلة، وتُتّهم نافذة بيع العملة التابعة لـ “البنك المركزي” في ذلك. في مقابل ربط العديد من المراقبين للشأن الاقتصادي العراقي ما يجري بضعف السياسات النقدية في البلاد، وسيطرة جهات حزبية وأخرى مسلحة على السوق المالية، وتهريب العملة الصعبة إلى الخارج، مع تحكم شركات معينة تعمل بمجالات الحوالات الخارجية في سعر الدولار.

حول ذلك، الخبير الاقتصادي عبد السلام حسن، بيّن أنه “في البداية الأزمة ستكون مؤقتة، في حال استجاب الجانب العراقي للتوجيهات الأميركية، والتي ستقابل بالضرورة في عدم فرض قيود إضافية من المركزي الأميركي”، مبيّنا أن “الحكومة العراقية وعلى الرغم من محاولاتها إيجاد حلٍّ للأزمة إلا أنها تعرف أن الحل يكمن في مدى التفاهم من واشنطن، بيد أن أميركا تريد الضغط أكثر على الجانب العراقي وذلك في سياق تضيق الخناق على الجانب الإيراني الذي تخوض معه صراعات في ساحات مختلفة، وأيضا لوضع الحكومة العراقية أمام قبول شروطها لا غير”، على حدّ قوله.

تهريب العملة لدول إقليمية

حسن يرى في حديث لموقع “الحل نت” أن “المسألة تتعلق بمسار الحوالات الخارجية التي تم تحويل مسارها باتجاه نقل العملة إلى دول إقليمية تمر بأزمات مالية خانقة وعدم توفر العملة الصعبة، بالتالي نتيجة إيقاف تلك الحوالات على إثر القيود أو الضوابط التي فرضها المركزي الأميركي مؤخرا ارتفعت أسعار الدولار”، مشيرا إلى أنه “ارتفاع الأسعار سببه تغير مسار الحوالات وقلة العرض في الأسواق وزيادة الطلب محليا بسبب تقليص كميات الدولارت، دون تعزيزات مالية”.

على هذا النحو، يؤكد حسن، أن أميركا جادة في إدامة الضغوط على “المركزي العراقي” بسبب عدم رضاها عن استمرار تهريب العملة لدول إقليمية، فالتحرك الأميركي نحو الدولار جاء لكبح جماح المصارف التابعة لبعض قوى والأحزاب المقربة من إيران، في إيصال عملة الدولار إلى خارج البلاد، وتحديدا إلى إيران التي تغذي من خلاله مشاريعها في المنطقة.

اقرأ/ي أيضا: أزمة الريال اليمني.. هل ينجح إيقاف طبع العملة بضبط سعر السوق؟

بحسب الخبير الاقتصادي، أن طوال سنوات كان يجري تحويل الدولار إلى إيران وسوريا، وهما تحت العقوبات الأميركية، ومع الوضع الحالي الذي تشهده المنطقة الإقليمية والعالمي، وبالنظر إلى الوضع المالي في اليمن وسوريا والعراق ولبنان وحتى إيران ذاتها، سنجد أن الأمر يأتي ضمن سياسة شاملة لإعادة تحديد حجم القوى في المنطقة وردع أخرى.

الخبير الاقتصادي والسياسي أكد أيضا، أن الحل سيظل مرهونا بكيفية إيجاد عوامل وضوابط عبر لقاءات وحوارات مع “البنك الفدرالي الأميركي” والمسؤولين في “البنك المركزي” العراقي، لإعادة تركيب وهيكلة الاقتصاد الوطني، بما يحقق مصلحة الشعب العراقي ويحافظ على ثرواته وعوائده المالية.

مفاوضات ومحاباة عراقية

في غضون ذلك، واستمرارا للضغط على الحكومة العراقية لمنع إرسال أموال إلى النظام الإيراني، يجري وفد من “البنك المركزي” العراقي محادثات مع ممثلين عن “البنك الفيدرالي” ووزارة الخزانة الأميركية في تركيا، حيث قال عضو “مجلس النواب” العراقي مصطفى سند، أول أمس الخميس، اجتماع خاص يجري بين وفد عراقي ووفد يمثل “البنك الفيدرالي الأميركي” لمناقشة وضع الدولار في العراق وذلك لمناقشة وضع الدولار.

في المقابل، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال المقابلة التلفزيونية، أن وفدا رفيع المستوى سيزور واشنطن في 7 شباط/فبراير الجاري، لبحث ملفات بينها تقلبات سعر الدولار أمام الدينار، مؤكد أن حكومته بصدد إرسال وفد رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين إلى واشنطن لبحث أكثر من ملف بينها تقلبات أسعار الدولار، فيما تعهّد بأن حكومته ستعيد أسعار صرف الدولار إلى السعر الرسمي المقرر من “البنك المركزي” العراقي.

بينما تؤكد الحكومة استمرار محاولاتها في السيطرة على أسعار الصرف، تستمر أسعار السلع بالغليان، ما يجعل احتمالية عودة التظاهرات إلى الشارع أمرا واردا جدا في الوقت الحالي، وهو ما قد يدفع البلاد إلى العودة لمربع الاضطرابات، في حين يؤكد مواطنون ومراقبون أن ذلك أمرا لا بد منه في محاولة لإنقاذ البلاد من “براثن” حكومة تخضع لتأثير إيران ولا تهتم لمصير البلاد بقدر اهتمامها في الحفاظ على السلطة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة