بعد ما أُغلقت عام 2005 وانتقلت إلى عمّان بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في العراق، عادت السفارة المغربية لفتح أبوابها في العاصمة العراقية بغداد، حيث وصل وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في أول زيارة بهذا المستوى إلى بغداد يوم السبت الماضي، لافتتاح سفارة بلاده إيذانا ببدء مرحلة تعاون جديدة بين البلدين لا سيما في المجال الاقتصادي.

الافتتاح جرى بمشاركة وزير الخارجية المغربي بوريطة ونظيره العراقي فؤاد حسين، بعد أن عقد الجانبان قبل ذلك مباحثات أكّدا خلالها أن خطوة مملكة المغرب في افتتاح سفارتها ستكون منطلقا لشراكة تنسجم وحجم العلاقات التاريخية بين الجانبين، وهو ما أشار إليه الوزير المغربي خلال مؤتمر صحفي مشترك، بأنه إشارة مهمة إلى ثقة المغرب بما وصفه بـ “العراق الجديد”، حيث تعكس زيارته التي تُعد أول زيارة لوزير خارجية للعراق من مدة طويلة، رؤية المغرب في تعزيز العلاقات بين البلدين في جميع المجالات التجارية والاقتصادية وتبادل الزيارات والخبرات بين الطرفين، ومحاربة التطرف، وتعزيز التعاون الأمني.

مسار على ما يبدو قد تم الترتيب له مسبقا، حيث دعا وزير الخارجية العراقي من جانبه، إلى إطلاق شراكة اقتصادية وتسهيل إجراءات دخول العراقيين إلى المغرب، وخاصة رجال الأعمال في البداية. معبرا عن أسفه إزاء العلاقات الاقتصادية التي وصفها بـ “شبه المنعدمة”، وقال إنه يريد تشجيع التعاون التجاري والاقتصادي في مختلف المجالات، مبينا أنه تم الحديث عن خلق آلية لجمع رجال الأعمال والمستثمرين من الجانبين وتأسيس منتدى لرجال الأعمال من البلدين.

العراق والمغرب نحو شراكة استراتيجية؟

وسط كل ذلك أشار وزير الخارجية العراقي إلى نقطة مهمة ، إذ أكد دعم بلاده لوحدة أراضي المملكة المغربية ولجهود “الأمم المتحدة” للتوصل إلى حل نهائي لمسألة “الصحراء الغربية”، في مقابل ذلك يُنتظر أن يسهم قرار إعادة افتتاح السفارة في تسهيل العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياحية بين البلدين، خاصة أن العديد من المستثمرين العراقيين يرغبون في إنجاز مشروعات في المغرب.

اقرأ/ي أيضا: انخفاض الروبية الباكستانية.. إسلام آباد تدخل ضائقة مالية جديدة؟

التوجه المغربي بالانفتاح نحو العراق، يأتي في الوقت الذي تشهد فيه السياسية الخارجية للمغرب تحولات عدة، حيث يلاحظ انفتاح الرباط على العديد من بلدان العالم دون استثناء في الشرق أو الغرب، فمن السعودية إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، تسعى المملكة المغربية لتعزيز التعاون الاقتصادي وتقديم نفسها كشريك موثوق في العديد من المجالات؛ أهمها الطاقة، وذلك على مستوى الاستيراد والتصدير، فيما تبحث عن تعزز موقفها من ناحية قضية “الصحراء الغربية” على الصعيد الدولي، والتي تتنازع حولها مع جارتها الجزائر.

ظاهريا، بالنظر إلى مستوى العلاقات العراقية المغربية المنقطعة لسنوات طويلة، قد يؤشر انعدام الأبعاد الاستراتيجية بين الجانبين وهو ما يغذي القطيعة التي دامت كل تلك السنوات، بيد أن ذلك يدفع بالضرورة إلى السؤال عن هدف الرباط في العودة إلى بغداد في هذا الوقت الذي يشهد العالم فيه تحولات إقليمية ودولية عدة، وخاصة على مستوى رسم التحالفات ومدّ النفوذ.

الباحث السياسي رشيد لزرق يشرح حول ذلك، قائلا إن المغرب يتمتع بعلاقات استراتيجية مع دول الخليج، خصوصا السعودية منها، بالتالي أن سعي الرباط وبغداد لتوثيق العلاقات والمصالح المشتركة في هذا الإطار، والتوجه بالانفتاح نحو بغداد هو جزء من مسار الانفتاح المغربي على الخليج وتوسيع التعاون الخارجي.

أهداف الانفتاح المغربي على العراق

الهدف من ذلك، حسبما يقول لزرق في حديث لموقع “الحل نت”، هو عدم إبقاء بغداد رهينة المحور الإيراني، من خلال إعادتها إلى مسار العلاقات الخارجية بين البلدين، مشيرا إلى أن المغرب يمكن أن يلعب أدوارا هامة في هذا الجانب، لاسيما في الوقت الذي يعاني العراق فيه من أزمات عدة أهمها عدم الاستقرار الأمني والسياسي.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة “محمد الخامس” بالرباط، يرى أن انفتاح المغرب على العراق سيكون له دور مهم، خصوصا وأن الأخير يعاني من أزمات متعددة على الصعيد السياسي والاقتصادي، جراء الخلافات المتفاقمة بين القوى السياسية في البلاد على المناصب الوزارية، وفي ظل تصاعد الغضب الشعبي مع تدهور وضع الخدمات المقدمة والمطالبات بالقضاء على الفساد الذي بات “متفشيا” في أروقة الجهاز الحكومي.

اقرأ/ي أيضا: الربط المصرفي بين طهران وموسكو.. التفاف “فاشل” على العقوبات الدولية؟

وفق هذا المشهد، يأتي انفتاح البلدين على بعضهما في سياق محاولات تعزيز موضع العراق ضمن المحور السعودي بشكل مثالي، كما يشير لزرق إلى أن إمكانية المغرب الذي يُعد شريكا استراتيجيا للسعودية، في لعب دور فعال بتعزيز ذلك المحور في المنطقة من خلال بناء علاقات وطيدة مع الدول بما يوائم سياسات ومواقف السعودية، مؤكدا أن ذلك يُعد مؤشرا على إقبال المنطقة على مرحلة جديدة في التعاون الاقتصادي ومواجهة الإرهاب والتعاون في التنمية الشاملة.

إلى ذلك، يرتبط المغرب مع دول الخليج عموما بعلاقات تعاون ترتقي إلى مرتبة العلاقة الاستراتيجية، التي يؤطرها تناغم سياسي كبير وتبادل نشط للمنافع الاقتصادية، وتنسيق عالي المستوى بشأن قضايا التكامل في العديد من القطاعات الإنتاجية، وهو ما يريد تعزيزه بتعميق العلاقات مع السعودية، حيث يبلغ التبادل التجاري بين الرياض والرباط حاليا 5 مليارات ريال سعودي ما يعادل 1.3 مليار دولار، في وقت يسعى الجانبان إلى رفعه لـ 5 مليارات دولار.

تحول الدبلوماسية العراقية

لمزيد من القراءة حول عودة الرباط إلى بغداد عبر افتتاح سفارتها، قال رئيس مركز “التفكير السياسي”، إحسان الشمري في حديث لموقع “الحل نت”، إن ذلك جاء من خلال عمل طويل امتد لسنوات من قِبل الحكومات العراقية وأيضا لقناعة لدى المملكة المغربية والدول العربية بجدية بغداد التوجه نحو محيطها وحاضنتها الإقليمية، وكذلك هو نتاج للدور والثقة التي اكتسبتها بغداد من خلال احتضانها للمؤتمرات والوساطة التي أخذت بجمع الكثير من الدول المختلفة، مشيرا إلى أن ما حدث يُعد نقطة تحول في الدبلوماسية العراقية وخصوصا نحو الشمال الإفريقي وأهمية تلك الدول ومكانتها، فضلا عن إمكاناتها في دعم العراق والإسهام بتعزيز استقراره على جميع الأصعدة.

ربطا مع حديث الوزير العراقي حول دعم العراق لموقف المغرب من “الصحراء الغربية”، فإن الرباط لا تزال تتمسك بموقفها بالمطالبة بالسيادة الكاملة على الصحراء وذلك منذ ثلاثين عاما، في حين ترفض ذلك الجزائر الداعمة للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب “البوليساريو” التي تطالب باستقلال المستعمرة الإسبانية السابقة عن المملكة.

بيد أن ذلك يأتي في وقت تقيم الجزائر علاقات متينة مع إيران، وهو أمر يستحضر سؤالا مهما حول توقيت توجه المغرب نحو العراق على الرغم من أن الرباط سبق وتلقت 6 دعوات موجهة لوزير الخارجية المغربي للقيام بزيارة رسمية للعراق، وفي أكثر من مناسبة وبشكل رسمي، بطلب عودة السفارة المغربية للعمل من بغداد، غير أنها اتخذت الوقت الحالي لعودتها.

بناء على ذلك، ربطت وسائل إعلام في تقارير نقلا عن مصادر مغربية مطلعة، إن “عودة الاشتغال من العراق فيه مصلحة مغربية تتمثل في عدم ترك الساحة فارغة لأعداء الوحدة الترابية ومصالح المملكة”، خاصة في الدول التي تعرف مراحل انتقالية مثل العراق الذي يشهد صعود جيل جديد من النّخب الصاعدة ليس لها بالضرورة نفس مواقف النّخب السابقة، بإشارة إلى التخادم السياسي طيلة السنوات الماضية ما بعد 2003 بين الطبقة السياسية العراقية وإيران، ما يشكل حافزا للمغرب للتواجد المستمر في بغداد، وذلك أيضا في سياق عودة كل الدول العربية للعمل بسفاراتها ببغداد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.