انتهاكات حقوق الأطفال السوريين: هل العنف والحرمان من التعليم صارا الوضع الطبيعي؟

انتهاكات حقوق الأطفال السوريين: هل العنف والحرمان من التعليم صارا الوضع الطبيعي؟

انتهاكات حقوق الأطفال السوريين باتت واقعا يوميا، يعاني منه مئات الآلاف من الأطفال وسط الحرب، التي جعلتهم عرضة لكل أنواع العنف. وقد أكمل الواقع الاقتصادي المنهار، وظروف التشرد واللجوء، الصورة السوداوية لحياتهم.
ولا تقتصر المعاناة على الأطفال النازحين، الذين يشكلون نسبة خمسين بالمئة من أعداد النازحين السوريين، بل يمتد سوء الحال إلى أطفال المدن، التي تسيطر عليها حكومة دمشق أيضا. ما يجعل وضع الطفولة في عموم البلاد الأسوأ على الإطلاق، حسب تعبير تقرير صادر عن الأمم المتحدة قبل أعوام.

عمل الأطفال السوريين بات “الوضع الطبيعي”

كثير من انتهاكات حقوق الأطفال السوريين انتشرت في البلاد قبل اندلاع الحرب. وأبرزها الفقر، والتسّرب من المدارس، والتسول، وتزويج القاصرات، وعمالة الأطفال. إلا أن الحال تدهور بشكل كارثي في السنوات العشر الأخيرة.
منصور شيخاني، موظف حكومي في مديرية الخدمات الفنية في حمص، وأب لأربعة أولاد، أصغرهم في الثالثة عشر من العمر، يصف لموقع “الحل نت” واقع الطفولة في مدينته: “أولادي محظوظون لأن أباهم ما يزال يعيلهم، رغم قساوة العيش والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. ومع أني أعمل عملا إضافيا بعد الظهر، إلا أن هذا لم يعد كافيا لإعالة أسرتي. فيضطر ابني عماد، وهو في السابعة عشر من العمر، إلى العمل في ميني ماركت مساءً. أعمل جاهدا ألا يؤثر ذلك على مدرسته، خصوصا أنه في مرحلة الشهادة الثانوية. إلا أن هذا الحال بات اعتياديا، فنادرا ما نرى أسرة لا يعمل كل أفرادها، من أكبرهم إلى أصغرهم”.

مروان، اسم مستعار لطفل في الرابعة عشر من عمره، يعمل في ورشة لتصليح السيارات في منطقة جورة الشياح بمحافظة حمص، وقد تردد كثيرا قبل أن يوافق على الحديث لـ”الحل نت”، وأجاب بشكل مقتضب على أسئلتنا بالقول: “أتمنى أن أذهب للمدرسة، ومتأكد أني كنت سأتفوق فيها، لكن الخيار ليس بيدي. أعمل في ورشة عمي منذ ثلاث سنوات. فوالدي قتل في الحرب عام 2012، ووالدتي تركتنا حين كنا نعيش في إحدى مخيمات لبنان. قبل أن يتمكن عمي من إعادتنا إلى حمص منذ عامين”.

شوارع البلاد تحكي عن أطفالها

لا يختلف حال الأطفال السوريين في العاصمة دمشق، والمدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، عن حال أطفال مخيمات النزوح. فالشوارع باتت تغص بالأطفال المشردين، أو الذين يحاولون بيع بعض الحاجيات والأطعمة البسيطة، أو التسول. ما يجعل انتهاكات حقوق الأطفال السوريين ظاهرة عامة على امتداد مساحة البلاد.
الطفل وليد من ريف دمشق يبلغ من العمر تسع سنوات، يرتدي ملابس رثة، ويحمل طبقا كبيرا من حلوى النشاء والسميد، متنقّلا بين الحارات والمدارس طوال اليوم لبيع بضاعته.
 يقول وليد لـ”الحل نت”: ” تعدّ أمي حلوى المامونية، وتجهّز الصينية، وتوقظني في الصباح الباكر لأتجول بين الحارات وعلى أبواب المدارس. أعود في المساء، بعد أن أبيع ما لدي، وأعطي ما جنيته لأمي لشراء الخبز والطعام. أحيانا يكرمني بعض المارة بإعطائي المال دون أن يشتروا مني شيئا. أنا لست متسولا، لكن لابد أن أقبل المال، فنحن بحاجة له، لأن والدي توفي، وأختي صغيرة ومريضة”.

واقع التعليم كارثي وينذر بمستقبل قاتم

يصعب على الأطفال النازحين، المقيمين في المدن والقرى السورية، أو في المخيمات خارج سوريا، الالتحاق بالمدارس، لعدم امتلاكهم للوثائق والشهادات الرسمية. ويعدّ هذا الحرمان من التعليم من أهم انتهاكات حقوق الأطفال السوريين.
وبحسب تقديرات آخر إحصائية لمنظمة ليونيسيف، المنشورة عام 2021، فإن “نصف الأطفال السوريين في المخيمات، بين سن خمسة وسبعة عشر عاما، بلا تعليم. وهناك مليون طفل في الداخل السوري، وثمانمئة ألف طفل سوري في دول اللجوء، تم حرمانهم من التعليم. كما أن مليون طفل آخر عرضة لخطر التسّرب من المدارس”.
هشام الأتاسي، الناشط في مجال حقوق الانسان، قال لـ”الحل نت”: “لطالما كان واقع العملية التعليمية في سوريا يرثى له. إلا أنه تحوّل إلى كارثي في زمن الحرب، فقد باتت  المدارس أشبه بالثكنات، لشدة ازدحام الصفوف. بعد أن تدمر وتضرر ما نسبته أربعين بالمئة من البنية التحتية للتعليم، جراء القصف والاشتباكات الدائرة. ووفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في آخر إحصائية لها، فإن 3873 مدرسة قد دُمرت بشكل كامل أو جزئي في سوريا. والاهتمام بإلزامية العملية التعليمية يقتصر للأسف على بعض المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية”.

آثار الانتهاكات تلازم حياة الأطفال السوريين

منير العوا، الباحث الاجتماعي والمستشار النفسي في كلية علم الاجتماع في جامعة دمشق، شرح لـ”الحل نت” الأثر النفسي الكارثي لانتهاكات حقوق الأطفال السوريين: “بعد أكثر من عقد على الحرب، ما يزال الأطفال يدفعون الثمن الأكبر. فالأطفال، الذين عايشوا الحرب، يعانون من الاضطرابات السلوكية. وهي نتيجة حتمية لمشاعر الإحباط واليأس والتمرد والعنف، التي قد تتولد في ذواتهم نتيجة ما تعرضوا إليه من ألم الفقد والقهر. ومن انعكاس الانتهاكات والعنف ومشاهد الدمار والنزوح على أفكارهم ومشاعرهم وسلوكهم. وهو ما يعني بالضرورة أن الحروب قد تدفعهم إلى حالة من الانهيار، نتيجة الرعب الذي يهيمن على ذاكرتهم”.

مقالات قد تهمك: عارضة الأزياء الأميركيّة “جيجي حديد” توجّه رسالة بشأن الأطفال السوريين

قصور القانون في مواجهة انتهاكات حقوق الأطفال السوريين

كشفت الحرب السورية عن قصور القوانين في التصدي لانتهاكات حقوق الأطفال السوريين، التي تصل إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، من قتل واعتقال واختفاء قسري، وتجنيد الأطفال وإخضاعهم للتعذيب والمحاكم الاستثنائية.
المحامية سناء قضماني، من فرع نقابة محامي دمشق، والمسؤولة القانونية في جميعة سنابل، التي تعنى بشؤون الأطفال، تقول لـ”الحل نت:” “ربما من المناسب اعتبار الطفل السوري محروما من كل حقوقه. ومازال هناك كثير من العمل الواجب لسد الثغرات والنواقص، وإزالة العقبات القانونية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، حتى ينال الأطفال في سوريا حقوقهم”.
وتتابع حديثها بالقول: “في القانون السوري نلحظ عدم وجود اتفاق حول مصطلح الطفل بين فروع القانون المختلفة، لتحديد سن حماية الأطفال. فعلى الرغم من تشديد العقوبات على جرائم الاعتداء على الأطفال، فإنها لا تشملهم بعد سن خمسة عشر عاما. فبات من الضرورة رفع سن حماية الأطفال إلى ثمانية عشر عاما. وإلغاء القوانين التي تبيح عمل الأطفال أو زواجهم قبل هذا السن. فضلا عن ضرورة تعزيز حقوق الطفل، وزيادة الوعي بها لدى أفراد المجتمع، عن طریق عقد محاضرات توعوية عبر وسائل الإعلام، ومزيد من التشدد القانوني في مواجهة انتهاكات حقوق الأطفال السوريين”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.