منصب مفتي الجمهورية السورية: ما مدى جدية المعارضة بالدفاع عن استقلالية الشؤون الدينية للسوريين؟

منصب مفتي الجمهورية السورية: ما مدى جدية المعارضة بالدفاع عن استقلالية الشؤون الدينية للسوريين؟

أثار منصب مفتي الجمهورية السورية كثيراً من الجدل في الفترة الأخيرة. ففي خطوة بدت مفاجئة للبعض. أعلن “المجلس الإسلامي السوري” المعارض عن تسمية الشيخ “أسامة الرفاعي” مفتياً عاماً للجمهورية العربية السورية، وذلك رداَ على إلغاء الرئيس السوري بشار الأسد منصب مفتي الجمهورية، وفق مرسوم رئاسي. في محاولة لتعزيز ما يُعرف بـ”المجلس العلمي الفقهي” في وزارة الأوقاف السورية.

عقب ذلك ألقى الشيخ أسامة الرفاعي كلمة. نشرها موقع “المجلس الإسلامي السوري” على موقع “يوتيوب”. يصف فيها إقدام الحكومة السورية على إلغاء منصب مفتى الجمهورية السورية بـ«الخبر الصاعق». ويؤكد على «أهمية مقام الإفتاء لدى الشعوب المسلمة. وضرورة الحفاظ عليه».

إلا أن تعيين الشيخ الرفاعي في منصب مفتى الجمهورية السورية أدى لكثير من الأخذ والرد بين السوريين المعارضين أنفسهم. فانقسمت الآراء بين مؤيدين للخطوة، يعتبرونها ضرورة لتأكيد «هوية المسلمين في سوريا». وعدم الخضوع للهيمنة الطائفية، المُراد فرضها على السوريين السنّة، من وراء إلغاء الأسد للمنصب. فعدم وجود مفتي للجمهورية، بحسبهم، يعني إنهاء الثنائية، التي جمعت الرئاسة والإفتاء في سوريا. وتحويل سلطة تقرير الشؤون الدينية إلى مجلس فقهي شكلي. يعطي الغطاء الديني للدولة. فضلاً عن تغيير مفهوم رجل الدين في سوريا. وحصر التمثيل الديني في مجلس خاضع لوزارة رسمية. من أجل تقليص الصورة الدينية للدولة. وخاصةً أن  المجلس العلمي الفقهي، التابع لوزارة الأوقاف السورية، قد عرّف نفسه بوصفه «تشكيلاً يضمّ كافة المذاهب الإسلامية. ويعدّ خطوة غير مسبوقة على صعيد تجاوز عصور الانحطاط. وكل الأخاديد التي أحدثها ورسمها أعداء الأمة والوطن عبر التاريخ. لزرع بذور التطرّف والانقسام المذهبي والطائفي في المجتمعات». 

من جهة أخرى أبدى بعض المعارضين عدم ارتياحهم لخطوة تعيين الرفاعي. كما تساءلوا عن كيفية اختياره لمنصب مفتي الجمهورية في سوريا.  وهل تمّ هذا عبر الانتخاب أم بالتزكية. بينما رأى آخرون أن تعيين الرفاعي خطوة لامعنى لها. خاصة وأنها لن تغيّر شيئاً في أوضاع السوريين، الذين لا يؤمنون جميعهم بضرورة وجود مُفتي للجمهورية أصلاً.

منصب مفتى الجمهورية السورية ضرورة للمسلمين السوريين

السيد “نزار الخراط”، المعارض السوري المقيم في إسطنبول، أكد لموقع «الحل نت» على ضرورة خطوة تعيين الرفاعي بمنصب مفتي الجمهورية السورية. فمن المهم، بحسبه، «مراعاة الاختصاص فيما يتعلّق بالقضايا الشرعية. وضرورة تواجد أهل العلم. للبت في الأمور، التي تتطلب رأياً فقهياً. بأسلوب لا يعكس جموداً أو صلابة في الإفتاء، ولكنه في الوقت نفسه يظلّ داخل الأطر الثابتة للدين».

ويتابع “الخراط”: «منصب مفتي الجمهورية في سوريا، ووجود دار إفتاء عموماً، لا يشكّل حالة استثنائية بالنسبة للسوريين أو غيرهم. فالمناصب الدينية موجود في كل بلدان العالم. وكل الأديان لديها مرجعية دينية. في روسيا مثلاً رأينا كيف يبارك رجال الكنيسة الأرثوذكسية الجنود الروس الذاهبين إلى سوريا. وفي إيطاليا هناك بابا الفاتيكان، الذي يحكم دولة مستقلة، يتبع لها روحياً كافة الكاثوليك في العالم. أما في مصر فهنالك شيخ الأزهر. فلماذا يجب أن يكون السوريون استثناءً من هذا؟».

وفي السياق ذاته يرى المعارض السوري أن «شخصية المسلم السنّي السوري أصبحت مستهدفة بشكل مباشر. من خلال التضييق على مفهوم رجل الدين السنّي. والحد من دوره في السياسة والمجتمع. مايعني في مضمونه استهدافاً للمكوّن المسلم بشكل عام. ما يجعل قيام “المجلس الإسلامي السوري” في إسطنبول بتعيين شخصية جديدة لشغل منصب مفتي  الجمهورية السورية ضرورةً لعدم بقاء المنصب فارغاً. وعدم حدوث انقطاع في الدور المهم، الذي لعبه رجال الدين عبر تاريخ سوريا».

مفتي الجمهورية الجديد والتمهيد للمحاصصة الطائفية

السيد “بسّام القوتلي”، المعارض السوري، ومسؤول العلاقات العامة في “حزب أحرار”، يطرح رأياً مخالفاً. إذ لا يرى في تسمية الرفاعي مفتياً للجمهورية السورية أكثر من «حالة مرتبطة بالمجموعة التي اختارته». متسائلاً عن «مدى فائدة وجوده في المنصب». إلا أنه يعود للتأكيد على أن «تقييم الرفاعي في منصب مفتي الجمهورية السورية متوقف على أدائه. فبإمكانه أن يكون عاملاً مجمّعاً أو مفرّقاً للسورين. ونحن بانتظار أن نرى أسلوبه في إداء الدور، الذي أسند له».

ويشير “القوتلي”، في حديثه لـ«الحل نت»، إلى أن أهم المعضلات، التي تثيرها محاولة استعادة منصب مفتي الجمهورية السورية من قبل المعارضة، «فرز السوريين على نطاق طائفي. مما يسهّل الطريق نحو محاصصة طائفية. ويُصعّب البناء على أساس وطني». مشدداً على أن «”المجلس الإسلامي السوري” يتعامل مع السنة بوصفهم طائفة. وهذا قد يساهم بالدفع باتجاه حل سياسي في سوريا، قائم على المحاصصة الطائفية».

ويختتم حديثه بالقول: «إذا تغيّرت تلك العقلية الطائفية فمن الممكن حينها بالطبع  الحديث عن دور مختلف لمفتي الجمهورية السورية. وسيصبح  “المجلس الإسلامي” ممثلاً للسورين بمختلف انتماءاتهم. وهذا ما أتمناه».

مقالات قد تهمك: مفكرون سوريون: سوريا لا تحتاج إلى أي مُفتي “موالي أو مُعارض”

المفتي وفشل الإخوان المسلمين السوريين

«تعيين مفتي الجمهورية السورية في الخارج لن يكون سوى رداً لفظياً على قرارات الحكومة السورية بإلغاء المنصب»، بحسب الكاتب السوري “نجم الدين السمان”، الذي يصف خطوة “المجلس الإسلامي السوري” بأنها «استكمال لسلسة ردود الأفعال، التي اتبعتها المعارضة السورية منذ بداية الأزمة السورية. سواءً على الصعيد العسكري، عبر تشكيل “الجيش الحر”. أو على الصعيد الطائفي، عبر الانجرار للتطرّف الديني».

ويتابع “السمان” في حديثه لـ«الحل نت»: «كثير من دول العالم تخوّفت من تجربة الجيش الحر، وتأثيره على استقرار المنطقة. ثم جاء نشوء  الفصائل الدينية المسلّحة، ليعزز رواية الحكومة السورية حول قيامها بمحاربة التطرّف والإرهاب. وبالتالي كان تصرّف المعارضة السورية دوماً بمنطق رد الفعل من أهم أسباب بقاء واستمرار النظام السوري».

 وبالعودة لمسألة منصب مفتي الجمهورية السورية يقول الكاتب السوري: «تعيين الرفاعي مفتياً ليس سوى ردة فعل ضعيفة التأثير. ولا تختلف كثيراً عن قيام المعارضة بإنشاء أجسام سياسية. شكّلت انعكاساً للتدخلات الدولية والإقليمية. وجرّت السوريين للتبعية لغير السوريين. تماماً كما فعلت الحكومة السورية حين سلّمت أوراقها لإيران وروسيا».

كما يؤكد “السمان” أن «المعارضة السورية لم تستطع يوماً طرح نفسها بوصفها بديلاً متماسكاً للنظام. ففي مسألة منصب مفتي الجمهورية السورية كان على  “المجلس الإسلامي” أن يقوم بخطوة تعيين مفتي للسوريين قبل إلغاء الأسد للمنصب. وقيامه باستباحة الأوقاف السنية، التي طالما كانت مستقلة عن الحكومات السورية المتعاقبة». 

ويحمّل “السمّان” تنظيم الإخوان المسلمين السوري مسؤولية ما يصفه بـ”الفشل”. كما يقول: «الإخوان السوريون، وإخوتهم في المنهج، مازالوا يبنون سياساتهم على أساس أن السنّة هم الأكثرية في سوريا. رغم كل التغييرات الديمغرافية التي حدثت وتحدث في البلاد. من تجنيس لإيرانيين وعراقيين وأفغان شيعة. والهجرة الواسعة للسوريين السنة. وهكذا تعيش المعارضة الإسلامية السورية حالة انفصال عن الواقع. ومن هنا  فإن رد “المجلس الإسلامي السوري” ليس إلا رداً لفظياً ضعيفاً. مثل غيره من ردود المعارضة ضد النظام ومشاريعه. والذي يستمر في إنشاء مجتمعه المتجانس. الذي يضم أيضاً سنة متجانسين مع النظام. وطرد وقتل كل من يخالفونه».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.