ليست المحاولة الأولى، ولا أحد يعرف بعد إذا ما كانت ستنجح في إنقاذ روسيا وحليفتها إيران في الهروب من العقوبات الدولية التي عطّلت من اقتصاد الدولتين بشكل كبير ووضعتهما تحت أعباء مالية صعبة، حيث أعلن “البنك المركزي” الإيراني، الاثنين الفائت، ربط أنظمة الاتصال والتحويل لبنوكها مع روسيا، للمساعدة في تعزيز المعاملات التجارية والمالية بين البلدين، في ظل الخضوع لعقوبات غربية.

على نحو مبسّط، وبعد عزل موسكو وطهران عن نظام “سويفت” المعني بتنظيم المراسلات بين البنوك الدولية، وتسهيل المدفوعات عبر الحدود لضمان تدفق حركة التجارة الدولية بشكل سلِس، يسعى الطرفان إلى إيجاد مخرج لذلك، بعد تعطل حركة التجارة إلى حد كبير لعدم تمكن الدول الموردة لها والمستوردة منها الإيفاء أو الحصول على مستحقاتها المالية لانتفاء الوسيط بينهما، وذلك من خلال “الاعتماد على العملات الوطنية في المبادلات التجارية بينهما من دون الحاجة إلى العملات الصعبة كالدولار أو اليورو، حسبما ألمح “المركزي الإيراني”.

وفق الاتفاق المُبرم بين طهران وموسكو، سيتم ربط نحو 700 بنك روسي و106 بنوك غير روسية من 13 دولة مختلفة بهذا النظام، على الرغم من أنه حتى الآن لم يتم الإفصاح عن هوية أو أسماء تلك البنوك الأجنبية، والفكرة من ذلك تُعد خطوة أولى في سياق إيجاد نظام بديل لـ”سويفت”، وتمهيدا للخطوة الثانية التي يمكن فيها استخدام العملات الوطنية في المبادلات التجارية، عوضا عن العملات الصعبة، وعدم الحاجة إلى نظام صرف العملات الأجنبية “سويفت” وما شابه، وفق ما جاء عن لسان  نائب محافظ “البنك المركزي” الإيراني محسن كريمي في تصريحات صحفية.

طهران وموسكو ومحاولات تجاوز “سويفت”

الدافع وراء ربط إيران وروسيا بـ”نظامي تبادل الرسائل المصرفية”؛ عدم حاجة البنوك الإيرانية إلى استخدام “سويفت” مع البنوك الروسية وهو ما يمكن أن يكون لفتح خطابات الائتمان والتحويلات أو الضمانات، كما يروّج له كريمي، في الوقت الذي امتنع فيه الجانب الروسي عن التعليق عن ذلك، في حين رحب رئيس “المركزي الإيراني” محمد فرزين بهذه الخطوة، وعبّر عن ذلك بالقول، “يجري إصلاح قناة الاتصال المالية بين إيران والعالم”.

في الإطار ذاته، ومنذ حزيران/يونيو الماضي، تروج موسكو لنظام مدفوعات مالية جديد كبديل لـ”سويفت”، فقد كانت مجموعة “روستيخ” الحكومية الروسية، التي تضم عددا من شركات التقنية، قد أعلنت وقتئذ عن تطوير نظام مدفوعات رقمي يعتمد على تقنية الـ”بلوك تشين”، مدعية أن النظام الجديد قادر على تعويض “سويفت”.

اقرأ/ي أيضا: إريتريا وصراع النفوذ.. عمق استراتيجي على البحر الأحمر

“بلوك تشين” وطبقا لما ورد عن مجموعة “روستيخ”، فإن معهد “نوفوسيبيرسك” لأنظمة البرمجيات التابع لها، طور منصة الجديدة، التي تسعى لخلق نظام متكامل مبني على تكنولوجيا السجلات الموزعة، ويضم خدمات المدفوعات المالية الدولية، بينما أحد العناصر المركزية للمنصة هو نظام رقمي لإجراء المدفوعات بالعملات الوطنية للدول المرتبطة به، وأن النظام يمكن أن يوفر بديلا حقيقيا لخدمات المدفوعات الدولية التي يقدمها نظام “سويفت”.

نظرا لطبيعة النظام التي يفترض أن تعمل بها المنصة الجديدة لتجنب العقوبات، فإنه يتيح خدمة متعددة الوظائف، حيث يسمح بالقيام بالمدفوعات الدولية، والتحويلات المالية بعملات متعددة، كما يمكن استخدامه أيضا لتخزين العملات الرقمية المشفرة، هذا ويوفر معاملات آمنة غير قابلة للإلغاء وبسرعة عالية، بحسب ادعاء المدير التنفيذي للشركة أوليغ يفتوشينكو.

تجنب العقوبات من خلال النظام الذي تحدثت عنه روسيا، يكون عبر تسوية المدفوعات بالعملات الوطنية، بما يضمن استقلالية السياسة المالية الوطنية للدول المنخرطة في النظام، هذا ويمكن للنظام الرقمي الجديد إتمام ما يصل إلى 100 ألف معاملة في الثانية مع إمكانية مضاعفة هذا الرقم، وتؤكد “روستيخ” الشركة المصنعة، أن قائمة المستخدمين المحتملين للنظام تشمل مطوري البرامج المستقلين والشركات الكبيرة، فضلا عن السلطات الحكومية والمؤسسات المالية والبنوك.

موسكو وفرص تجاوز العقوبات 

حتى الآن، من الواضح أن الحلف الروسي الإيراني ومن ينخرط ضمن سياسته، لا تزال مساعيه للالتفاف على العقوبات الدولية مستمرة، غير أن الحديث عن نجاعة تلك الخطوات ومدى فاعليتها على مستوى إنقاذ اقتصاد الدولتين المتداع إلى حدّ كبير، وتقديم حلول لإعادة عجلة التجارة إلى الدوران غير مفهوم، لاسيما فيما يخص مدى نجاح التعاون المصرفي بين الطرفين، والحد من تأثيرات عزلهما عن نظام “سويفت”، وإذا ما كان ذلك التعاون سيتوسع ليشمل دول أخرى، أم ينتهي عند هذا الحد.

حول تلك التساؤلات يجيب الخبير الاقتصادي علي قيسية في حديث لموقع “الحل نت” بالقول، إنه مع وجود العقوبات الدولية على روسيا وإيران، تحاول روسيا التقليل من استخدام العملات الصعبة مثل الدولار، وبدأ ذلك منذ بداية غزوها لأوكرانيا من خلال إجبار الدول الأوروبية الدفع بالروبل ضمن تعاملاتهم معها، وفي هذا السياق وجدت إيران وبعض الدول مخرجا للتعامل بالروبل وقد يتوسع ذلك ليشمل دول أخرى مثل بلاروسيا وبعض الدول التي تمتلك معها علاقات وطيدة، مشيرا إلى أنه على الرغم من هذه الاستراتيجية ستخفف من العزلة الاقتصادية الدولية إلا أن نظام “سويفت” يبقى نظام دولي ومتقدم بشكل كبير لذلك أن الدول مجبرة على التعامل معه.

اقرأ/ي أيضا: صدمات تهز العالم في العقد المقبل.. عصر جديد من “الأزمات المتعددة“؟

قيسية بين أيضا، أن الاتفاق المالي بين الجانبين هو ليس وليد لحظة اليوم، بل قبل ذلك كان هناك اتفاق بقيمة 40 مليون دولار بين الجانبين، لذلك إن ما يفعله الجانبان هو نوع من التكامل الاقتصادي بينهما فيما يتعلق بالنفط والغاز، والذي تبحث روسيا له عن إطار يحميه ويوفر له مساحة للتعاملات، مشيرا إلى أن روسيا كانت قبل العقوبات الدولية التي فُرضت عليها في المرتبة الثانية من حيث الأهمية في منظمة “أوبك بلس” بعد السعودية، لكن ونتيجة لتلك العقوبات عادت إلى المرتبة الثالثة من حيث التصدير بعد العراق.

 لذلك، بحسب الخبير الاقتصادي، تحاول روسيا اليوم في تحالفها مع منظمة “أوبك” من خلال “أوبك بلس”، ومن خلال التوافق مع إيران من حيث السياسات التي تسعى إلى أن تصل لحد التعاملات النفطية إلى فرض المزيد من الشروط على الأسواق المستوردة للطاقة.

بالإضافة إلى ذلك، تحتاج روسيا إلى بيع النفط والغاز والبتروكيماويات إلى أسواق مثل الصين والهند بأسعار مخفضة، لذلك تسعى إلى خلق تكامل مع إيران يخدمها إلى مرحلة أن توفر الدعم السياسي لإيران وتوكل إيران على إنتاج النفط وتزويد الأسواق التي تستهدفها روسيا خصوصا مثل الهند التي تقع بشكل أقرب إلى إيران

من خلال كل هذا، تسعى روسيا إلى خلق الانقلاب على النظام المالي والمصرفي الفاعل بالعالم والذي يعتمد على الدولار، لذلك هي تحاول خلخلة النظرية أو النموذج الاقتصادي القائم منذ الحرب العالمية الثانية من خلال هذه التحركات جميعها، واستقطاب أكبر قدر من الدول إلى جانب طروحاتها المستقبلية المتمثلة بضرورة تعدد أقطاب العالم، وتوفير عملات متعددة المصادر، بمحاولة لإضعاف هيمنة الدولار التي لا ترضى به والتي تمثل 58 بالمئة من إجمالي التداولات العالمية، ما يعني أنها تريد إعادة رسم خارطة سوق العملات التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الأميركية من خلال قوة الدولار.

مزيد من العقوبات

هذا وتخضع كل من موسكو وطهران إلى عقوبات غربية، بسبب غزو الجيش الروسي لأوكرانيا، فيما فرضت دول غربية عقوبات على إيران بسبب قمع المتظاهرين وحقوق الإنسان، إضافة إلى تطوير برنامجها النووي وتزويد روسيا بطائرات مسيّرة، ومنذ إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران في عام 2018، بعد انسحاب واشنطن من اتفاق طهران النووي المبرم في عام 2015 مع القوى العالمية، تم فصل إيران عن شبكة نظام “سويفت” المالية العالمية للتحويلات المصرفية التي تتخذ من بلجيكا مقرا له، إضافة إلى فرض قيود مماثلة على بعض البنوك الروسية.

في حين تسعى طهران وموسكو إلى إقامة علاقات ثنائية وثيقة، ويحاول كل منهما بناء شراكات اقتصادية ودبلوماسية جديدة في أماكن أخرى، بيد أن المصارف الروسية والإيرانية المحرومة من الاستفادة من “سويفت” تستمر بمواجهة صعوبة في التواصل مع المصارف الأخرى على المستوى الدولي، حتى في دول صديقة مثل الصين. 

في الأِثناء، ارتفع التضخم في إيران إلى أكثر من 50 بالمئة وذلك في أعلى مستوى له منذ عقود، ووفقا لتقارير “مركز الإحصاء” الإيراني، لا يزال معدل البطالة بين الشباب مرتفعا مع تدني أوضاع أكثر من 50 بالمئة من الإيرانيين إلى ما دون خط الفقر.

على الجانب الآخر، يأتي الإعلان عن النظام الجديد “بلوك تشين”، في وقت يستعد فيه الغرب إلى تشديد العقوبات على روسيا ما لم توقف حربها ضد أوكرانيا، إذ يسعى “الاتحاد الأوروبي” إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية إلى تعزيز العزلة الاقتصادية الدولية ضد النظام المالي الروسي، وذلك من خلال فرض المزيد من العقوبات التي تحدّ من التعاملات الاقتصادية والتجارية معها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.