مع حلول عام 2023، ومضي عام لربما هو الأقل ضررا بين الأعوام الثلاثة الماضية، يرجّح أن يكون العام الجديد أكثر خطرا على العالم لما يمكن أن يشتمله من تعدد الأزمات، حيث تكون المخاطر أكثر ترابطا وإضرارا متبادلا من أي وقت مضى، إذ تهيمن الحاجة الملحة لأزمة تكلفة المعيشة على تقرير المخاطر العالمية خلال العام الحالي الذي يواجه خطر تحديد أولويات المخاطر الأخرى، وليس ذلك فحسب بل أن الأمر ينسحب على مدى العقد القادم

إذ كان عام 2021 عاما صعبا للغاية بسبب جائحة “كوفيد-19”، وكان من المتوقع أن يكون عام 2022 عام التعافي، لكن العالم دخل في موجة من الركود الاقتصادي بسبب تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ منذ شباط/فبراير الماضي وأضحى حدث العام بامتياز، الأمر الذي يتطلب سعي جميع القطاعات إلى إدارة المخاطر وبناء المرونة واستخدام فرص جديدة لدعم الدفاعات في عام 2023، حسبما أكده “المنتدى الاقتصادي العالمي“.

لذلك يُعتقد أن عام 2023 سيكون ثالث أسوأ عام بالنسبة لنمو الاقتصاد العالمي في هذا القرن بعد الأزمة الاقتصادية لعام 2009، ثم الركود الكبير الذي تسبب به الجائحة عام 2020، إذ تشير التوقعات إلى أن الاقتصادات الكبرى، ستدخل مرحلة ركود في هذا العام بما أن البنوك المركزية تستمر في رفع أسعار الفائدة لأجل محاولة التحكم في أسعار الخدمات والبضائع الأساسية.

تحديات العالم خلال السنوات القادمة

ما يستدعي التخفيف المتكامل والفوري بشكل أكثر أهمية لمواجهة بعض أصعب الظروف الجيواقتصادية التي يعانيها العالم منذ جيل، لاسيما في ظل التحول إلى عصر منخفض الاستثمار ومنخفض النمو ومنخفض التعاون الذي يمكن إن يشهده العام الحالي، ويضعه معرضا لخطر تآكل المرونة وتسريع المخاطر الأخرى التي يواجهها.

وسط هذه المخاطر لا بد من مراعاة ظروف المناخ والتنمية البشرية التي يجب أن يكونا في صميم اهتمامات القادة العالميين، علاوة عن جهودهم في مكافحة الأزمات الحالية، إذ أنه من دون التعاون فقد يكون من غير الممكن تجاوز كل هذه التحديات، وفق ما جاء في تقرير “المنتدى الاقتصادي العالمي“، الذي شدد على أهمية التركيز في التعبئة من أجل المناخ، وإدارة ونشر تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، وتشكيل انتقال الطاقة، وتشكيل مستقبل الصحة والرعاية الصحية.

اقرأ/ي أيضا: سياسة إعدام المحتجين.. النظام الإيراني أمام مقاطعة دولية؟

تلك الحسابات نابعة من أن التوقعات ترجح بقاء ارتفاع الأسعار معتدلا في عام 2023، خصوصا مع ضعف الطلب العالمي وتراجع أزمات العرض وتوقع هبوط أسعار الطاقة وانخفاض تكاليف الشحن، بيد أنه في العموم ستبقى نسب التضخم فوق المستويات المستهدفة للبنوك المركزية، ما سيجعل ارتفاع أسعار الفائدة مستمرا، وبالتالي إمكانية تفاقم أزمة الديون العالمية.

لكن كذلك هناك تفاؤل بإمكانية أن يكون الركود قصير الأجل ولن تتجاوز تأثيراته خلال هذا العام سوى ارتفاعا طفيفا في معدلات البطالة، بحيث أن التضخم بدأ يتراجع في العالم منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي، وقد تتوافر القدرة للبنوك على التحكم أكثر، وبالتالي إمكانية بدء التعافي في أواخر 2023

السؤال الكبير الذي ظهر خلال عام 2022 وسيهيمن على عام 2023 هو ما إذا كانت الحاجة الملحة على المدى القصير لإبقاء الأضواء مضاءة ستؤثر سلبا على أهداف الاستدامة طويلة الأجل. في حين أن الأدلة من الأشهر الأخيرة مختلطة، كانت الأزمة بمثابة دعوة للاستيقاظ بشأن الحاجة الملحة لإصلاح نظام الطاقة، وليس فقط لأسباب تتعلق بالاستدامة.

في حين أن هناك حاجة إلى تغييرات كبيرة على الفور لا تقتصر على مستقبل العام الحالي، بل يجب أن يتم الاستثمار والانتقال والنشر على نطاق واسع بحلول عام 2030، للتمكن من إدارة المخاطر وبناء المرونة واستخدام الفُرص الجديدة، لاسيما على مستوى الطاقة التي تعد أكبر تحديا بمواجهة العالم، لما تمثله من لبنة أساسية للاقتصاد العالمي.

إلى ذلك، يعسى العالم للتخفيف من تحديدات الطاقة التي يعتمد تحقيق التوازن فيها بين هذه الأبعاد المتعددة وتحقيق صافي الصفر في نهاية المطاف بحلول عام 2050 على النشر السريع لتوليد الطاقة النظيفة وتحسين كفاءة الطاقة والاستخدام المكثف لتدابير إزالة ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يجب تداركه في غضون عام 2030 من خلال الاستثمار والانتقال بطريقة ربما لا مثيل لها من قبل أي تحول عالمي آخر.

العالم والأمن السيبراني

إضافة إلى ذلك، يمكن أن يشهد العالم تحولا في مجال الأمن السيبراني، إذ يؤدي عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي في جميع أنحاء العالم إلى تفاقم خطر الهجمات السيبرانية الكارثية المحتملة، مما يزيد من المخاطر على الشركات عبر القطاعات، ففي العام الماضي عادت المخاطر الجيوسياسية إلى “مركز الشؤون العالمية“، مما أدى إلى قلب سلاسل التوريد وتعطيل الصناعات الرئيسية التي تتراوح من الطاقة إلى السلع الغذائية، وما يزيد من تلك المخاطر هو تتطور التقنيات الجديدة أيضا بسرعة، التي تأتي معها نقاط ضعف جديدة، حيث يمكن أن تتحول دوافع المهاجمين لتحمل أجندات جيوسياسية قوية.

في مقابل ذلك، من المقرر أن تجلب التكنولوجيا في عام 2023 المزيد من الاتصال والدقة وخفة الحركة، لا سيما في مجالات التكنولوجيا الخضراء والذكاء الاصطناعي التكيفي والحوسبة الكمومية، في حين أن التنظيمات قد تخلفت تاريخيا عن وتيرة التقدم التكنولوجي، لا سيما فيما يتعلق بحماية البيانات والخصوصية، ومع ذلك وتزايد قدرات الدول على تسخير التكنولوجيات والبيانات جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي والسيادة، فإنها تتحول إلى اعتماد نُهج محلية للتنظيم والحكم، بدلا من اتخاذ نظرة عالمية.

فيما يتطلب التركيز المتزايد لأصحاب المصلحة على الأزمات المزدوجة للمناخ والاقتصاد في عام 2023 مقدمين تعاونا أكبر بين القطاعين العام والخاص على المستوى العالمي للتمكين أولا من قابلية التشغيل البيني، وتدفق البيانات عبر الحدود وبين الشركات لتحقيق أهداف الاستدامة وإطلاق الفرص الاقتصادية، وثانيا؛ الاستثمار في الثقة الرقمية كوسيلة للاستفادة الكاملة من الابتكار والاقتصاد الرقمي العالمي.

اقرأ/ي أيضا: “الهروب الكبير“.. لماذا احتشد الصينيون أمام مكاتب الهجرة في بكين؟

أما على مستوى الطاقة وتحديات المناخ والغذاء، فأنها ترتبط بتكلفة المعيشة ارتباطا أساسيا بالفشل في التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه، وهي ذاتها التي أدت إلى تفاقم المخاطر الأولى على المدى القريب لهذا العام لظروف المعيشة، في الوقت الذي يتعرض فيه ما يقرب من 3.6 مليار شخص في جميع أنحاء العالم بشكل خطير وعرضة لتأثيرات المناخ، وهي تأثيرات بالغة قد لا يمكن تجاوزها في الوقت الحالي.

تعليقا على تلك التحديات وفرص تجاوزها، يبين الباحث في السياسات العامة عبد الله الكناني في حديث لموقع “الحل نت“، أن العالم وخلال السنوات الماضية ونتيجة لما فرضته التحديات الطبيعية وغير الطبيعية مثل الحروب والفيروسات وغيرها من أزمات الغذاء والطاقة التي ارتفعت أسعارها إلى أعلى مستوياته منذ 14 عاما، لا يمكن تجاوزها خلال العام الحالي أو حتى الذي يليه.

أسباب ذلك، بحسب الكناني تعود إلى إمكانية استجابة العالم للدورات الوقائية وسبل العلاج، قائلا على سبيل المثال، عندما اجتاح فيروس “كورونا” العالم وحاولت الدول السيطرة عليه تطلب ذلك تطبيق خطة محكمة تتمثل بسلسلة الإغلاقات ومن ثم تحديد موعدا لإنتاج اللقاحات وتكيّف البشرية مع الوباء، وهذا كله استغرق نحو ثلاثة أعوام وكلّف الاقتصاد العالمي الكثير من الخسارات، وكل هذا بعيدا عن الدول النامية التي لا تمتلك اقتصادات متينة وخطط مستقبلية مثل العراق الذي وعلى الرغم من وفرته المالية، لكن بمجرد حدوث الأزمة وصلت الحكومة إلى مرحلة عدم التّمكن من تسديد رواتب الموظفين، لذلك أن جميع الأمور تخضع لذات المعيار.

خطط وقائية وسنوات من التكيف

الخبير في السياسات العامة، أوضح أن الخطط العلاجية تتطلب أوقات للتعافي والتّكيف، فضلا عن الوقت المطلوب لإيجاد العلاجات المناسبة وتحديدا الخطوات، بالتالي عندما نتحدث عن تحديات المناخ والتكنولوجيا وغيرها من القضايا المعقدة التي تتطلب تعاون دولي مشترك ومضي، لا يمكن تجاوزها في غضون عام وعامين، وهو ما يفسر أن الأعوام القادمة ستكون أكثر تحديا على البشرية والحكومات.

الكناني اختتم في حديثه، أن تجاوز تلك التحديات يتطلب تعاونا دوليا وقوانين قد تستدع تعديلات أو تشريعات جديدة، فضلا عن عقوبات ربما تشمل الدول التي لا تنخرط في هذه الجهود، إضافة إلى تحديد ميزانيات كبيرة قد يذهب جزءا كبيرا منها إلى مراكز الأبحاث والمعاهد الدولية التي ستستغرق وقتا إلى تجديد المشكلات بشكلها الدقيق ومن ثم سبل علاجها، مشددا على أن ذلك يتطلب مرحلة من خفض التصعيد وتوفير أجواء مستقرة بعيدة عن الاستقطاب العالمي.

من جهته “منتدى الاقتصاد العالمي“، أشار إلى أن التكنولوجيا والطاقة المتجددة تقدم حلولا، إلا أنه يجب توسيع نطاقها، حيث يتطلب التركيز على معالجة الحواجز غير الاقتصادية مثل السماح والموافقات السريعة، فضلا عن حاجة المعالجة للتكلفة العالية لرأس المال في الأسواق الناشئة والنامية، فضلا عن الحاجة إلى المساعدة في سحب تسويق التكنولوجيا الناشئة عن طريق خفض تكاليف هذه الحلول من خلال الشراكة والتعاون.

سيتطلب القيام بذلك أيضا تعزيز المؤسسات العامة والخاصة ضد الهجمات السيبرانية لحماية الخصوصية، وبدلا من مجرد انتظار المنظّمين لوضع “الدرابزين“، يجب على الشركات تجاوز الامتثال وغرس مبادئ التكنولوجيا المسؤولة والتي تركز على الإنسان في الحمض النووي الخاص بها للحفاظ على قدرتها التنافسية وتحمّل الاضطراب وبناء المرونة، إضافة للحاجة إلى دعم المبتكرين الناشئين.

تلك الحلول يجب أن تستند إلى التعاون بين القطاعين العام والخاص والسياسة لتحقيق ذلك، في حين أن منطق التخفيف من المخاطر موجود، إذ لا تزال التكاليف الاقتصادية على المدى القريب بحاجة إلى إعادة التوازن في بعض الأسواق والقطاعات لدفع الاستثمارات الفورية، كما يتطلب الأمر إلى تسعير الكربون، والتعاون أيضا على طول سلاسل القيمة.

ليس ذلك فحسب، بل أن هناك ضرورة ماسة إلى تعزيز النُّظم الصحية التي كشف وباء “كورونا” عورتها حول العالم، إضافة إلى العمل على الحدّ من حركة الهجرة الدولية دعما للاستقرار العالمي، إذ أثبتت السنوات القليلة الماضية أن الصحة مرتبطة باستقرار البلدان وازدهارها، وبينما مرت الآثار المباشرة لـ “كوفيد-19″، ستحتاج البلدان إلى الاستعداد للأوبئة التي تلوح في الأفق، بما في ذلك الأمراض غير المعدية، التي تمثل أكثر من سبعة من كل 10 وفيات على مستوى العالم، وزيادة العدوى المقاومة للأدوية التي يمكن أن تكلّف الاقتصاد العالمي 100 تريليون دولار من الآن وحتى عام 2050.

علاوة على ذلك، فإن من التحديات التي تواجه العالم خلال السنوات القادمة؛ هو إيجاد حلولٍ لتعزيز الأمن الغذائي الذي شهد في العام الماضي أزمة نقص الغذاء والطاقة والأسمدة، الأمر الذي لا يمكن تجاوزه خلال العام الحالي من دون العمل عليه، من خلال البدء في الانتقال إلى صافي الصفر، والغذاء الإيجابي للطبيعة، فضلا عن الاستثمار في تحويل النظم الغذائية التي تقودها البلدان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.