هكذا هو المشهد على ما يبدو؛ استمرار النظام الإيراني بممارسة حملة الإعدامات ضد الناشطين كوسيلة لإرهاب المحتجين الذين نزلوا إلى الشوارع والمدن منذ أيلول/سبتمبر الماضي، احتجاجا على وفاة الشابة الكردية مهسا أميني إثر اعتقالها من قبل شرطة “الأخلاق“، مستمر في نزع شرعية النظام شيئا فشيء. الأمر الذي قد يعززه تراجع الدعم الداخلي الذي كان يحصل عليه النظام من قبل كثير من الشخصيات الدينية والسياسية التي أعادت النظر بمواقفها من ذلك.

بل لعل حملة الإعدامات التي ينفذها نظام ولاية الفقيه علي خامنئي، قد تتجاوز مرحلة أن تدفع المجتمع الدولي إلى تحديد مواقفه من هذه الانتهاكات، وذلك بالنظر إلى أن المجتمع الدولي كان قد بيّن موقفه من النظام الإيراني بمجرد قمع الاحتجاجات التي تقودها النساء دون اعتبار سلسلة الإعدامات، وهو قد ما يوضحه موقف الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية في عدم استمرار مفاوضات الملف النووي التي تسعى طهران جاهدة إلى استئنافها.

مشهد قد يؤكد عزلة النظام الإيراني الذي لا ينكفئ عن استجداء إعادة تحسين العلاقات بمحيطه ودول العالم؛ ففي أحدث موقف دولي إزاء الانتهاكات الخطيرة بحق المحتجين، عبّر “الاتحاد الأوروبي” السبت الماضي عن “صدمته” من إعدام رجلين على خلفية الاحتجاجات في إيران، حسبما أعلنت متحدثة باسم مسؤول السياسة الخارجية في “الاتحاد الأوروبي” جوزيب بوريل، الذي نقلت عنه “وكالة الصحافة الفرنسية”.

اتساع عزلة النظام الإيراني

الموقف الأوروبي صدر بعد إعلان السلطة القضائية الإيرانية السبت الماضي، إعدام محمد مهدي كرامي وسيد محمد حسيني، بعد توقيفهما والحكم عليهما بالإعدام لارتباطهما بالتظاهرات المستمرة في إيران، وهو ما اعتُبر مؤشرا أخر على قمع السلطات الإيرانية العنيف للتظاهرات المدنية، ليتم بعد ذلك إصدار حكم جديد بالإعدام بحق الناشط في المظاهرات الإيرانية جواد روحي، بعد إدانته بتهم “الإفساد في الأرض” و “الردة بهتك حرمة القرآن الكريم من خلال إحراقه” و“تدمير وإحراق الممتلكات العامة“.

اقرأ/ي أيضا: “الهروب الكبير“.. لماذا احتشد الصينيون أمام مكاتب الهجرة في بكين؟

الأمر الذي عبّر عنه “الاتحاد الأوروبي” بالصدمة، وطالب السلطات الإيرانية بالإنهاء الفوري لممارسة فرض أحكام الإعدام وتنفيذها بحق المتظاهرين، ومعتبرا إياها ممارسة مدانة بشدة، في حين يرتفع إجمالي أحكام الإعدام الصادرة في قضايا متصلة بالاحتجاجات الى 18، منها أربعة أحكام تم تنفيذها، فما تمت المصادقة على حُكمَين اثنين أخرين.

علاوة على ما تقدم، فإن ملامح العزلة يمكن ملاحظتها أيضا، في الموقف البريطاني، حيث سارع وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي لتنديد بعمليات إعدام المحتجين، وطالب إيران بوقف العنف ضد شعبها على الفور، قائلا إن إعدام محمد مهدي كرامي وسيد محمد حسيني على يد النظام الإيراني أمر بغيض، وأن المملكة المتحدة تعارض بشدة عقوبة الإعدام في جميع الظروف، فيما قال وزير الخارجية الهولندي فوبكه هوكسترا، إن حكومة بلاده ستستدعي السفير الإيراني للمرة الثانية خلال شهر للتعبير عن قلقها البالغ في شأن إعدام متظاهرين.

إضافة إلى ذلك، توالت يوم الاثنين الماضي، الإدانات الدولية لعمليات الإعدام الإيرانية، حيث أدانت منظمة “العفو الدولية” “المحاكمة الجماعية الجائرة السريعة” للرجلَين وقالت إنها لا تشبه أي إجراء قضائي حقيقي، وذلك بالتزامن مع أدانة الحبر الأعظم بابا الفاتيكان فرنسيس، وكانت تصريحات البابا، التي أدلى بها في خطابه السنوي للدبلوماسيين الذين يقدّمون أوراق اعتمادهم لدى الفاتيكان، هي الأقوى له منذ بدء الاحتجاجات في أنحاء إيران بعد وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاما.

في إطار ذلك، أعلنت كل من وزارة الخارجية الكندية، والمستشار الألماني أولاف شولتس، ومستشار “البيت الأبيض” لشؤون الأمن القومي جايك ساليفان، ووزارة الخارجية الفرنسية عن رفضهم ما وصفوه بـ “القمع الوحشي” للتظاهرات وانتهاك حقوق الإنسان، في الوقت الذي يرتفع فيه عدد قتلى الاحتجاجات الذين سقطوا بنيران القوات الإيرانية إلى 481 شخصا بينهم 64 قاصرا، بحسب “منظمة حقوق الإنسان” في إيران ومقرها أوسلو.

انقسامات داخلية

الأمر لا يقتصر على الموقف الدولي، بل إن نظام خامنئي على ما يبدو بات يعيش وحيدا، بعد أن قلل كثير من الشخصيات الدينية والسياسية من الثناء المفرط عليه، وساد الصمت عن مدح المرشد في كثير من الحالات، بعد أن كان النظام وقياداته العليا يتوقعون مساندة رجال الدين والسياسيين للمرشد خامنئي، الذي يُعدّ المستهدف الرئيسي من الاحتجاجات في البلاد، والتي لا تنفك عن وصفه “بالديكتاتور” و“الظالم” و“العدو” و“صاحب الحكم الباطل“، وتتوعده بالثأر والانتقام.

حيث طالبت مجموعة من العلماء ورجال الدين والناشطين الثقافيين والمدنيين والمحاميين وأساتذة الجامعات والأطباء والطلاب والتجار وغيرهم، غربي إيران، في بيان مشترك؛ إنهاء الحصار الاقتصادي والعسكري والأجواء الأمنية وأجواء الخوف والرعب.

اقرأ/ي أيضا: بعد “كورونا“.. عودة العالم للإغلاقات مجددا بسبب المتحور “باي“؟

بناء على ذلك، يقول الخبير في العلاقات الدولية رعد العزاوي، في حديث لموقع “الحل نت“، إن “جميع دول العالم الأعضاء في الأمم المتحدة قد وقّعوا على ميثاق الأمم المتحدة الخاص بضمان حقوق الإنسان، كما أن جميعهم وقّعوا أيضا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الخاص بسنة 1948، فضلا عن التوقيع على الاتفاقيات والصكوك الأخرى المتعلقة بحماية حقوق الإنسان وحرياته، من ضمنها حرية الرأي والتعبير، لاسيما وأن هذه الحرية تعتبر من الحريات الطبيعة وليست المكتسبة، بالتالي أن محاولة النظام الإيراني فرض عقوبات واستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين تُعتبر انتهاكا صريحا لحرية الرأي والتعبير“.

لذلك بحسب العزاوي، ما تفعله إيران هو إخلال باتفاقات الأمم المتحدة التي تكفل حرية التعبير عن الرأي وضمان الحريات الأخرى، من خلال ممارساتها ضد المحتجين الذين لا يمكن التّعرض لهم ما لم يثبت تورطهم في التلاعب بممتلكات الدولة العامة والخاصة والإضرار بها عمدا، وخلاف حالة المحتجين في إيران الذين يطالبون بحقوق مشروعة، مثبتة في جميع دساتير ودول العالم لاسيما في الباب المعنون بالحقوق والواجبات العامة، وبناء على ذلك فإن أي دولة تقوم بذلك تكون منقوصة للشرعية الدولية.

أستاذ العلاقات الدولية بيّن، أن النظام الإيراني انتهك جميع المواثيق والصكوك الدولية الخاصة بحريات الإنسان، وذلك من خلال استخدامه للعنف ضد المتظاهرين الذين تحميهم الدساتير العالمية والاتفاقات الدولية الخاصة بـ“الأمم المتحدة“، وبهذا يعني أن إيران تجاوزت جميع المعايير الدولية لضمان حقوق الإنسان التي تمثل أحد أهم المعايير الدولية لتقيم الأنظمة في العالم والتعامل معها، ما يعني أن الشرعية الدولية للنظام الإيراني باتت على المحك ولربما ستدفع باقي الدول المتعاملة مع طهران لوقف نشاطاتها ما يوسع العزلة المفروضة على النظام، مشيرا إلى أن عزل النظام الإيراني قائم في الأساس ولا تنتظر انتهاكات حقوق الإنسان، وذلك بالنظر إلى العقوبات الدولية المفروضة منذ سنوات، بل أن نزع الشرعية قد يعجّل في تصدع النظام أكثر.

سياقات مرتبطة

الجدير بالذكر أن عمليات الإعدام الأخيرة كانت هي الأولى المرتبطة بالاحتجاجات منذ ما يقرب من شهر، حين أعدمت السلطات في 12 كانون الأول/ديسمبر، مجيد رضا رهنورد، 23 عاما، علنا على رافعة، بعد حكم بإعدامه من جانب محكمة في مدينة مشهد لقتله عنصرَين من قوات الأمن بسكين، وإصابة أربعة آخرين، وفق ما ذكره موقع “ميزان” الإيراني.

إعدام رهنورد جاء على الرغم من الغضب الدولي الواسع الذي أثاره أول إعدام أُعلن عنه قبل أربعة أيام، كما تم إعدام محسن شكاري 23 عاما، بتهمة إصابة عنصر من قوات الأمن.

بالمقابل، وفي تحرك أميركي ضد عمليات الإعدام، عاقبت وزارة الخزانة الأميركية في أواخر كانون الأول/ديسمبر، المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري، قائلة إنه مسؤول عن انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك التعذيب والمحاكمات بعقوبة الإعدام للمتظاهرين، معتبرة قضية شكاري أنها لا تشبه إلى حد ما محاكمة حقيقية.

كما فرض “الاتحاد الأوروبي” عقوبات جديدة على مسؤولين إيرانيين بمن فيهم رجل الدين المتشدد سيد أحمد خاتمي، في 12 كانون الأول/ديسمبر، بسبب التحريض على العنف ضد المتظاهرين، بما في ذلك المطالبة بعقوبة الإعدام.

عمليات الإعدام التي ينفذها نظام خامنئي، تأتي استكمالا لمحاكمة عدد من آلاف المحتجين الذين اعتقلتهم السلطات الإيرانية منذ اندلاع موجة المظاهرات التي أطلقتها وفاة أميني، بعد احتجازها على يد شرطة “الأخلاق” في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، حيث كانت شرطة “الأخلاق” قد ألقت القبض على الفتاة الكردية الإيرانية بزعم انتهاكها قواعد اللباس الصارمة التي يفرضها النظام على النساء.

يشار إلى أنه من أصل مجموع أحكام الإعدام الـ 18 تم تنفيذ أربعة، في حين تمت المصادقة على اثنين آخرين من قبل المحكمة العليا، وتبقى خمسة أحكام في المرحلة الابتدائية وقابلة للاستئناف أمام المحكمة العليا، بينما أمرت الأخيرة بإعادة محاكمة ستة أشخاص حُكم عليهم بالإعدام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة