مع حلول العطلة الرسمية للعام القمري الجديد، والتي تأتي لأول مرة منذ عام 2020 من دون قيود على السفر وفتح إغلاقات “كورونا“، وفي ظل احتفال الصينيين في اليوم الأول من هذه المناسبة السبت الماضي، والتي تمتد إلى 40 يوما من السفر إلى السنة القمرية الجديدة المعروفة قبل الوباء بأنها أكبر هجرة سنوية للناس في العالم، والتي تسمى بـ “تشون يون“، ويستعد فيها العالم لزيادة كبيرة في عدد المسافرين، الأمر الذي يشي بمخاوف عود انتشار عدوى “كوفيد-19”.

في أثناء ذلك، تزداد المخاوف من عودة تفشي الفيروس التاجي لاسيما مع استعداد بكين في فتح حدودها مع هونغ كونغ، إضافة إلى إنهاء متطلبات المسافرين القادمين من الخارج إلى الحجر الصحي، ما يفتح الباب فعليا أمام العديد من الصينيين للسفر إلى الخارج لأول مرة منذ إغلاق الحدود قبل ما يقرب من ثلاث سنوات، دون خوف من الاضطرار إلى الحجر الصحي عند عودتهم.

العطلة الرسمية للعام القمري الجديد التي تصعّد من حالة القلق ستبدأ رسميا في 21 كانون الثاني/يناير، بالتزامن مع ما تشهده الصين منذ الشهر الماضي من إعادة فتح سلسلة الإغلاقات التي فرضها الحزب “الشيوعي” الحاكم في البلاد، ضمن ما يعرف بسياسة “صفر كوفيد” التي عطّلت فعليا أكبر المدن الصناعية في البلاد، ما دفع الصينيون إلى الخروج باحتجاجات تاريخية ضد تلك السياسة التي شملت الاختبارات المتكررة وتقييد الحركة والإغلاق الجماعي، وما لحق عنها من أضرار جسيمة بالاقتصاد الصيني.

“كورونا” يهدد بكين والعالم مجددا

تغييرات دفعت الصينيين، لاسيما العمال منهم الذين لم يتمكنون من رؤية ذويهم منذ فترات ليست بالقصيرة نتيجة سياسة الإغلاق التي كانت مفروضة في البلاد، للاحتشاد بأعداد كبيرة أمام مراكز حجز الرحلات على أمل العودة إلى ديارهم في المدن الصغيرة والمناطق الريفية، وهو ما عزز فرضية أن يؤدي ذلك السيناريو إلى زيادة عدد الإصابات في تلك المدن التي تُعد الأقل تجهيزا بأسرّة وحدة العناية المركّزة وأجهزة التنفس الصناعي للتعامل معها.

اقرأ/ي أيضا: بعد “كورونا“.. عودة العالم للإغلاقات مجددا بسبب المتحور “باي“؟

يأتي ذلك في الوقت الذي يأمل فيه المستثمرون أن تؤدي إعادة الفتح في نهاية المطاف إلى تنشيط الاقتصاد الذي يعاني من أدنى نمو له، بقيمة 17 تريليون دولار، غير أن الوضع يبدو أصعب من ذلك، بخاصة مع ما تعرّض له العديد من سكان الصين البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة للفيروس لأول مرة مع تخفيف قيود الإغلاق، مما أدى إلى موجة من العدوى التي تطغى على بعض المستشفيات، وسط شحّة في الأدوية وإقبال شديد على محرقة الجثث.

وسط ذلك، تشير توقعات وزارة النقل الصينية إلى أن أكثر من ملياري مسافر يمكن أن يقوموا برحلات خلال الأربعين يوما القادمة، بزيادة قدرها 99.5 بالمئة على أساس سنوي وتصل إلى 70.3 بالمئة من عدد الرحلات في عام 2019، وذلك في ظل معاناة المناطق الريفية الواسعة وذات الكثافة السكانية العالية في الصين، من عدم توفر موارد طبية كافية لنصيب الفرد، وفقا لـ“لجنة الصحة الوطنية“، خصوصا وأن العديد من الدراسات الاستقصائية عبر الإنترنت تشير إلى أن المناطق الريفية في الصين كانت بالفعل أكثر عُرضة للإصابة بفيروس “كورونا” مما كان يُعتقد في البداية، مع ذروة الإصابة بالفعل في معظم المناطق.

تعليقا على ذلك، يقول المحلل السياسي باسم الخزرجي، تعيش بكين ذروة الإصابات بعدما خفّفت قيود الإغلاق التي اتبعتها منذ نحو ثلاثة أعوام، لذلك من المرجح جدا أن تسبب العُطل السنوية في إعادة تفشي الوباء مجددا على نطاق واسع في البلاد، لاسيما مع الحجم السكاني الأكبر في العالم، لافتا إلى أن القضية تكمن بكيفية إمكانية إعادة السيطرة عليه خصوصا في ظل نقص الخدمات الطبية التي تعاني منها حكومة بكين، لذلك يمثّل هذا الجانب الأهم في المشهد.

محددات بكين أمام تهديدات “كورونا”

الخزرجي بيّن في حديث لموقع “الحل نت“، أن الوضع في الصين وسط هذا السيناريو الذي تعيشه البلاد يُنذر بخطر كبير على مستوى إعادة انتشار الفيروس الذي يمكن القول تم السيطرة عليه نسبيا مع تكيف البلدان والعالم معه، مشيرا إلى أن التهديد الأكبر الذي يمكن أن تتسبب به هذه الحالة هو ما يمكن أن ينعكس على الاقتصاد الصيني والعالمي بشكل عام، على اعتبار أن الاقتصاد الصيني يمثل إحدى باكورات نمو الاقتصاد العالمي، بالتالي أن تضرره لأي سبب كان يعني سيكون له انعكاسا طرديا على الاقتصاد العالمي.

بالتالي أنه من المرجح جدا تجدد تصاعد الإصابات بشكل سريع وكبير، وذلك بالنظر إلى عدد سكان الصين وتداعي الخدمات الصحية، وفقدان النظام الصيني إمكانية إعادة فرض سياسية الإغلاق، وفقا للخبير السياسي، مبيّنا أن سياسة “صفر كوفيد” التي اتبعها النظام الحاكم في الصين تركت أثار كبيرة على نمو الاقتصاد الذي يشهد تراجعا هو الأكبر على مدى عامين، ما يعني أن خيار العودة إليها قد يكون مستبعدا لاسيما مع ما تخوضه بكين من سباق اقتصاد عالمي تعي جيدا أن التأخر فيه سيكلّف الكثير فيما يخص مستقبل مشروع الحزب “الشيوعي” الذي يتطلع لمد نفوذه عبر العالم.

اقرأ/ي أيضا: مواجهة بين الأمم المتحدة و“طالبان“.. المساعدات الأفغانية معرضة للخطر بسبب حظر المرأة؟

إضافة إلى ذلك، ووسط الأزمات الدولية التي يعيشها العالم، يرى الخزرجي أن النظام الصيني لا يودّ المجازفة في الدخول في أي صدامات محتملة مع الشعب الذي عبّر عن سخطه بشكل واسع إزاء سياسة الإغلاق، وذلك بعيدا عن احتمالات خروج الأوضاع عن السيطرة وإلى ما ذلك، بل أن النظام الصيني يدرك جيدا مدى تأثير اندلاع أزمات داخلية؛ أولا من حيث الاستقرار الصناعي والخط الإنتاجي، وثانيا من الانشغال عن المشهد الدولي، وهذا كله يضعه أمام تحدٍّ كبير من عودة تفشي الفيروس.

في غضون ذلك، أعلنت الصين عن ثلاث وفيات جديدة بسبب فيروس “كورونا” في البر الرئيسي يوم الجمعة الماضي، ليصل عدد الوفيات الرسمية بالفيروس منذ بدء الوباء إلى 5267، في الوقت الذي بلغ فيه معدل التطعيم الإجمالي في البلاد أعلى من 90 بالمئة، مقابل معدل البالغين الذين تلقوا لقاحات معززة والذي ينخفض إلى 57.9 بالمئة، وإلى 42.3 بالمئة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 80 عاما فأكثر، وفقا للبيانات الحكومية الصادرة الشهر الماضي.

قلق دولي

في السياق ذاته، ضخت الصين موارد كبيرة في برنامج واسع لاختبار تفاعل “البوليميراز” المتسلسل لتتبع وتتبع حالات “كوفيد-19”، بيد أن التركيز في الوقت الحالي يتحول إلى اللقاحات والعلاج، إذ أعلنت الحكومة في شنغهاي الجمعة الماضي، إنهاء اختبارات تفاعل “البوليميراز” المتسلسل المجانية للمقيمين اعتبارا من 8 كانون الأول/يناير الماضي.

لكن على ما يبدو أنه مع عدم فاعلية جميع اللقاحات التسعة المطورة التي اعتمدتها الصين في استهداف متغير “أوميكرون” القابل للانتقال للغاية وفروعه المتداولة حاليا، تضطر بكين للجوء إلى لقاحات خارجية، إذ نقلت وكالة “رويترز“، أن الصين تجري محادثات مع شركة “فايزر” لتأمين ترخيص يسمح لشركات الأدوية المحلية بتصنيع وتوزيع نسخة عامة من عقار “باكسلويد” المضاد لفيروسات “كوفيد“، والتابع للشركة الأميركية في الصين.

وسط ذلك، تسببت الزيادة في حالات الإصابات في الصين بقلق دولي، حيث تطالب أكثر من اثنتي عشرة دولة الآن بإجراء اختبارات “كوفيد” من المسافرين القادمين من الصين، في حين قالت منظمة “الصحة العالمية” الأربعاء الماضي، إن بيانات “كوفيد” في الصين تقلل من عدد حالات الاستشفاء والوفيات الناجمة عن المرض.

يُذكر أن الصين حاليا تشهد أسوء موجة وبائية بعد أن رفعت السلطات بشكل مفاجئ، في مطلع كانون الأول/ديسمبر، معظم التدابير الصحية الصارمة لمكافحة “كوفيد-19″، ورغم هذه الموجة غير المسبوقة أبلغت الدولة عن عدد طفيف من الوفيات المرتبطة بـ “كوفيد-19” بعد تغيير مثير للجدل في منهجية حساب الحالات، الأمر الذي يثير مخاوف كبيرة من أن تجدد تفشي الفيروس التاجي، مع حلول عطلة “تشون يون” الرسمية للعام القمري الجديد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة