وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، أعلن أمس الخميس، عن تأجيل اللقاء مع نظيره السوري فيصل المقداد دون تحديد أي موعد جديد، فيما أعلن الرئيس السوري، بشار الأسد، أمس الخميس، إثر لقائه المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف أن “هذه اللقاءات حتى تكون مثمرة فإنّها يجب أن تُبنى على تنسيق وتخطيط مسبق بين سوريا وروسيا من أجل الوصول إلى الأهداف والنتائج الملموسة التي تريدها سوريا من هذه اللقاءات، انطلاقا من الثوابت والمبادئ الوطنية للدولة والشعب، المبنية على إنهاء الاحتلال ووقف دعم الإرهاب”.

من جهته، وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، يوم الخميس، الرئيس السوري بشار الأسد بأنه “ارتكب فظائع ضد شعبه، وكذلك ارتكبت قواته جرائم حرب”، وقال إن واشنطن “ستستمر في ثني شركائها حول العالم عن تطبيع العلاقات مع نظام الأسد أو تحسينها”.

برايس أضاف خلال مؤتمر صحفي “سنستمر في تبني مبادئ قرار مجلس الأمن رقم 2254، وما زلنا نعتقد أنه يشكل الأساس الأنسب لإنهاء الحرب الأهلية بطريقة دائمة تحترم وتعزز تطلعات الشعب السوري”.

تأجيل للقاء عقب اجتماع ثلاثي في موسكو في 29 كانون الأول/ديسمبر الماضي، ضم وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا، يطرح تساؤلات حول، الأسباب الحقيقية خلف هذا التأجيل، ودلالاته، وعن التطوّرات المحتملة على مسار التطبيع التركي السوري خلال المرحلة القادمة.

أسباب تأجيل الاجتماع

بعد الوصول لمرحلة وُصفت بالمهمة في مسار التطبيع بين تركيا وسوريا، أعلن وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو عن تأجيل موعد لقائه مع نظيره السوري، وذلك في الوقت الذي اعتبر فيه الرئيس السوري، بشار الأسد، أن إنهاء الاحتلال التركي للأراضي السورية كما وصفه يمكن أن يكون مقدمة لنجاح هذه اللقاءات.

الوفد التركي في اجتماع موسكو الثلاثي

معلومات حصل عليها “الحل نت”، تشير إلى دخول الولايات المتحدة على الخط فيما يخص التطبيع التركي مع دمشق، حيث وصل مسؤول أميركي قبل أيام إلى تركيا في زيارة تم التعتيم عليها وتم وضع مقترح للجانب التركي يتضمن عرضا لأنقرة بعدم التقارب مع دمشق في الوقت الحالي، فيما توجّه المسؤول نفسه إلى شمال شرق سوريا، وهناك العديد من المصالح بين تركيا وأميركا، وبالتالي فإن تركيا غير مستعدة لخسارة الولايات المتحدة مقابل التطبيع مع دمشق.

في هذا السياق، يوضح المحلل السياسي، صدام الجاسر، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنه يجب العلم أن التطبيع كان بضغط روسي، والأمر يختلف بين تركيا وسوريا، فتركيا تسعى للتطبيع لأسباب انتخابية ولأسباب اقتصادية فهناك مشاريع ضخمة بين تركيا وروسيا كمركز توزيع الغاز ونقل الحبوب عبر البحر الأسود.

أما بالنسبة لسوريا فهي تخضع لضغوط عسكرية وسياسية واقتصادية تمارسها روسيا عليها، لذلك اضطر الطرفان للشروع في التطبيع، على الرغم من علم كليهما أنه لا مجال لنجاحه، فتصريحات الأسد كانت واضحة فهو يعتبر الوجود التركي في سوريا احتلال، بيمنا تعتبر تركيا وجودها دفاعا عن أمنها القومي بموجب اتفاقية أضنة الموقّعة سابقا مع سوريا، حسب الجاسر.

إقرأ:تركيا والمعارضة السورية: ما مصلحة أنقرة في التطبيع مع حكومة دمشق؟

لذلك فإن التطبيع بين الطرفين سيفشل لأسباب عديدة، حيث لا يوجد اتفاق مبدئي بين الطرفين كما لا يوجد توافق في وجهات النظر بينهما، والطرفان لا يملكان قرار التطبيع، فدمشق مطلوب منها استعادة السيطرة على مناطق “قسد” وهذا الأمر مستحيل طالما أن الولايات المتحدة والتحالف الدولي يقومون بدعم “قسد”، أيضا برز تصريح لمستشار الرئيس التركي، ياسين أقطاي، قبل أيام يطالب فيه بوضع حلب تحت الوصاية التركية من أجل عودة اللاجئين وهذا الأمر أيضا لا يمكن لأنقرة أن تقرره دون التنسيق مع التحالف الدولي، الذي يبدو أنه قدّم لتركيا إغراءات ستظهر خلال الأيام القادمة لكن من الواضح أنها أثبتت فاعليتها، حسب الجاسر.

دلالات تأجيل الاجتماع

وزارة الدفاع السورية ذكرت في 29 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أن وزير الدفاع السوري ومدير إدارة المخابرات العامة السورية بحثا مع نظيريهما التركيين في موسكو بمشاركة روسية ملفات عديدة، وهو أعلى مستوى لاجتماع بين أنقرة ودمشق منذ 2011.

لكن الإعلان عن تأجيل الاجتماع لوزراء الخارجية كان مفاجئا ودون أي مقدمات، فحسب الجاسر، تأجيل الاجتماع يؤكد أن التطبيع ليس أمرا سهلا أو قرارا يتم اتخاذه بشكل مفاجئ، وأن ما جرى ضجة إعلامية موجهة للداخل التركي من أجل الانتخابات حقق منها أردوغان ما يرغب، وأظهر نفسه مظهر الشخص المنفتح على حكومة دمشق لكسب أصوات فئة معينة من الناخبين الأتراك.

أيضا فإن أردوغان أظهر نفسه كراغب في التطبيع أمام روسيا، ولكن العرقلة جاءت من حكومة دمشق بسبب تصريحات الأسد، لذلك فقد كسب الأتراك حاليا نقطة لصالحهم في موضوع التطبيع لكن هناك عرقلة من دمشق وفي الحقيقة العرقلة إيرانية بشكل رئيسي، لأن إيران لن تقبل برؤية السفارة التركية مفتوحة في دمشق وتحصد أي نتائج عملت إيران على جمعها في السنوات الماضية، وأيضا تركيا لا ترغب في التطبيع ضمنيا لأنها لا تريد خسارة نفوذها في سوريا التي عملت عليه لسنوات طويلة.

مستقبل مسارات التطبيع

الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أعلن في 5 كانون الثاني/ يناير الحالي، أنه يمكن أن يجتمع مع الرئيس السوري “لإحلال السلام”، على حد تعبيره.

أردوغان قال أيضا، “إنه بعد اجتماع وزيري دفاع سوريا وتركيا، سيجتمع وزراء الخارجية معا، وبعد ذلك كقادة، سوف نجتمع معا”، وأضاف أردوغان خلال اجتماع لـ “حزب العدالة والتنمية” الحاكم، بأنقرة “ما يهمنا هو إحلال السلام في المنطقة”.

لقاء قديم بين أردوغان والأسد

لكن وعلى الرغم من تصريحات أردوغان في أكثر من مناسبة خلال الآونة الأخيرة عن نيته التطبيع مع دمشق واستعداده للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أن فشل اجتماع وزراء الخارجية لكلا البلدين يشير إلى أن مسار التطبيع بينهما معقّد ولا يمكن أن تتم مواصلته بسهولة خلال المرحلة القادمة.

الجاسر يشير إلى أن المرحلة القادمة ستشهد تصريحات عن التطبيع تظهر من الجانب التركي كلما اقتربت الانتخابات، وستشهد ارتفاع وتيرة التصريحات من قبل دمشق كلما زاد الضغط عليها من روسيا، فالمرحلة القادمة يمكن أن تكون مرحلة مفاجآت للجميع وأبرزها عملية عسكرية تركية في مناطق سورية بموافقة غربية، كما يمكن أن تشهد تغييرا في بنية وهيكلية قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

الجاسر ختم أن الدول الغربية ستقدم العديد من المغريات لتركيا أكثر مما تقدمه روسيا، وخاصة من قبل الولايات المتحدة التي حذرت من التطبيع من حكومة دمشق، أي يمكن القول أنّ التطبيع بين تركيا وسوريا إما توقف أو أنه أُلغي.

مرحلة قادمة تحمل الكثير في ملف التطبيع التركي السوري، لا تزال غير واضحة المعالم حتى الآن، لكن الواضح أن هناك العديد من التداخلات التي بدأت تبرز في مسار هذا الملف أهمها دخول الولايات المتحدة والغرب على خط ثني تركيا عن استكمال التطبيع، في الوقت الذي يبدو فيه أن أردوغان حقق ما يريد للفوز في الانتخابات، ليتم تأجيل كل شيء إلى ما بعد الانتخابات التركية.

قد يهمك:التطبيع الإقليمي لدمشق في عام 2023.. سقوط محور أنقرة – موسكو؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة