منذ بدء عمليات التطبيع مع دمشق من قبل العديد من الدول حول العالم لا سيما في الشرق الأوسط، كان الموقف الأميركي رافضا لإتمام عملية عودة العلاقات بين دمشق وهذه الدول، حيث فشلت محاولات دول كالإمارات والأردن وغيرها لأسباب عديدة أبرزها الموقف الأميركي.

أنقرة بدورها بدأت منذ مطلع العام الفائت بالتلميح لعودة علاقاتها مع دمشق، في حين واصلت الولايات المتحدة الأميركية إطلاق التحذيرات، من مغبة محاولة أي دولة التطبيع مع دمشق، خاصة في ظل الاستعصاء السياسي الذي يشهده الملف السوري، فهل يكون موقف واشنطن بمثابة سقوط لمحاولات أنقرة التطبيع مع دمشق بمساعدة روسيا.

فيتو أميركي؟

مع استمرار المسؤولين في أنقرة بما يخص تصريحاتهم بشأن اللقاءات المحتملة مع مسؤولي الحكومة السورية، دعت الولايات المتحدة الأميركية، دول العالم إلى عدم تطبيع علاقاتها مع دمشق، وذلك في معرض التعليق على اللقاء الذي جمع أخيرا في موسكو وزيري الدفاع السوري والتركي.

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، قال في تصريحات نقلها موقع “فرانس 24″، إن بلاده لا تدعم الدول التي تعزز علاقاتها أو تُعرب عن دعمها “لإعادة الاعتبار لبشار الأسد“، واصفا الأخير بـ“الديكتاتور الوحش” حسب تعبيره.

برايس دعا جميع الدول إلى دراسة سجل حقوق الإنسان “المروع” لحكومة دمشق وقواتها، خاصة على مدى السنوات الـ 12 الماضية، مشيرا إلى أن “القوات السورية تواصل ارتكاب الفظائع وتمنع وصول مساعدات إنسانية منقِذة للحياة إلى محتاجيها في المناطق الخارجة عن سيطرتها“.

الباحث السياسي وعضو اللجنة الدستورية بشار الحاج علي، رأى أن التصريحات المتجددة لواشنطن هي تعبير وتأكيد على موقف الإدارة الأميركية من محاولات التطبيع مع دمشق، مشيرا إلى أن أنقرة ستأخذ هذه التحذيرات على محمل الجِد، ولا يمكن أن تذهب بعيدا في العلاقات مع الحكومة السورية.

الحاج علي قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “لاشك أن التصريحات الأخيرة من جانب الولايات المتحدة الأميركية فيما يخص الدعوة لعدم التطبيع مع النظام السوري، هي تعبير واضح عن موقف الإدارة الأميركية من هذا النظام خاصة بعد قانون مكافحة المخدرات والكبتاغون“.

رسائل سياسية

من جهة أخرى تحمل التصريحات الأميركية، العديد من الرسائل السياسية حول أية عمليات تطبيع مع دمشق، كما أنها تتضمن وفق الحاج علي تحذيرات، من مغبة ردود الفعل الأميركية من هذه المحاولات، لا سيما مع عدم التزام دمشق بأي من آليات الحل السياسي في سوريا

حول تأثير هذه التصريحات على عملية عودة العلاقات مع دمشق أوضح الحاج علي، أن “التصريحات الأميركية تشكل صفعة قوية لكل من يراهن على النظام السوري، خاصة روسيا وإيران، ومن المتوقع من القيادة التركية أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار وهي تجيد التوازن في ظل الظروف الدولية والإقليمية الصعبة، ولا يمكن لأنقرة أن تذهب بعيدا في إعادة بناء علاقات طبيعية مع هذا النظام وفق حالته الراهنة بل هي تسعى لحماية أمنها القومي وفق منظورها“.

كذلك يعتقد الحاج علي في حديثه أن تركيا، لن تذهب لمواجهة أميركا في سوريا، بالمقابل فإن “الإدارة الأميركية تتفهم المخاوف التركية على حدودها مع سوريا“.

قد يهمك: تحديات النظام السياسي المتعثر في الكويت.. مفترق طرق أم ركود متجدد؟

الحاج علي ختم حديثه بالقول، “الحقيقة الظاهرة للعيان تقول إن محاولات تطبيع وإعادة تدوير النظام السوري بائت بالفشل، ولا يمكن لها أن تنجح وسبق وأن قامت بعض الحكومات بخطوات ومحاولات جادة دون جدوى، وبعد اعتبار بشار الأسد مسؤول عن تجارة وتصنيع وتهريب المخدرات والكبتاغون فإن مجرد التواصل معه يُعتبر محل شبهة“.

تصريحات الولايات المتحدة، جاءت عقِب اجتماع عُقد في موسكو، وضم وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا، ضمن مباحثات ثلاثية بمشاركة قادة الأجهزة الاستخباراتية في الدول الثلاث، ويُعد هذا اللقاء الأبرز في الملف السوري، بالنظر إلى أنه إحدى الخطوات الجديدة في مسار التقارب السوري التركي بعد عشر سنوات من العداوة.

هذا اللقاء هو الأول من نوعه على مستوى وزاري بين تركيا وسوريا منذ العام 2011، وما نجم عنه من توتر للعلاقات بين أنقرة ودمشق.

مصادر تركية، كشفت عن مباحثات بوساطة روسية، يسمح بتقدم قوات الجيش السوري إلى بعض مناطق الشمال السوري، وذلك من أجل تراجع تركيا عن تهديداتها بشأن عملية عسكرية جديدة في المنطقة.

طبقا لبيان الوزارة الروسية، “في 28 كانون الأول/ ديسمبر، انعقدت في موسكو محادثات ثلاثية بين وزراء دفاع كل من روسيا الاتحادية والجمهورية السورية وتركيا، جرى خلالها بحث سبل حل الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين، والجهود المشتركة لمكافحة الجماعات المتطرفة في سوريا“.

كما أضافت أنه “بعد الاجتماع، أشارت الأطراف إلى الطبيعة البنّاءة للحوار الذي جرى بهذا الشكل وضرورة استمراره، من أجل زيادة استقرار الوضع في المنطقة ككل“. أيضا، أشارت وزارة الدفاع الروسية إلى أن وزيري الدفاع التركي خلوصي أكار والسوري علي محمود عباس يلتقيان في موسكو للمرة الأولى منذ 11 عاما.

عقب اللقاء، أكد وزير الدفاع التركي أن النقاش تمحور حول الحل السياسي في سوريا، بموجب القرار الأممي 2254، بالإضافة إلى تسهيل عودة اللاجئين، واعتبر وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو، أن التواصل مع الحكومة السورية “مهم لتحقيق سلام واستقرار دائمين“، فيما وصفت وزارة الدفاع في حكومة دمشق اللقاء بأنه كان “إيجابيا“.

واشنطن تشترط للبدء في إعادة العلاقات مع دمشق، أن تنخرط الحكومة السورية في آلية الحل السياسي، للانتقال السلمي للسلطة، وذلك وفق القرار الأممي 2254، وهو الأمر الذي لم تلتزم به دمشق على مدار السنوات القليلة الماضية.

مع استمرار الاستعصاء السياسي في سوريا، بدأ الحديث يزداد منذ فترة فيما يخص ضرورة الخروج من نفق اللجنة الدستورية والبحث عن قنوات أخرى، من شأنها أن تدفع بالحل السياسي في البلاد، فهل نرى في المستقبل الجديد آلية جديدة خارج إطار القرار الدولي 2254 للحل في سوريا.

الحل السوري

المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، شدد في إحاطته الأخيرة أمام “مجلس الأمن الدولي” حول الأوضاع في سوريا قبل أيام، على أهمية الحل السياسي الشامل، وفق القرار 2254 الذي يلبي وحدة وسلامة أراضيها وتطلعات السوريين المشروعة.

مراقبون للوضع السوري، رأوا أن السياق السياسي السوري، بات يتطلب البحث عن حل خارج إطار القرار الأممي 2254، إذ أن “اللجنة الدستورية السورية” لا يمكن لها أن تكون بداية الحل، بدون توافق أميركي روسي.

تزامنا مع فشل “اللجنة الدستورية السورية“، تسعى أنقرة كذلك إلى عقد محادثات ثلاثية تجمعها مع موسكو ودمشق، لعقد محادثات “غير مشروطة” لبحث الملف السوري، ويبدو أن لقاء وزراء الدفاع كانت الخطوة الأولى في إطار عقد قمة قد تجمع رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين وبشار الأسد لاحقا.

لكن الموقف الأميركي، قد يعطّل عقد هذه القمة، خاصة إذا اعتبرتها واشنطن وسيلة لإعادة تدوير بشار الأسد على الساحة الدولية والإقليمية.

هذا وسيعقد لقاء بين وزراء خارجية تركيا وروسيا وحكومة دمشق في النصف الثاني من كانون الثاني/ يناير الجاري كما أعلن وزير الخارجية التركية في خطوة جديدة للتقارب الذي بدأ بين أنقرة ودمشق.

جاويش أوغلو أفاد للصحافيين وفق ما نقلت محطة “إن تي في” التلفزيونية التركية “قررنا عقد اجتماع ثلاثي في النصف الثاني من يناير، وقد يُعقد الاجتماع في بلد آخر“.

بالتأكيد فإن الموقف الأميركي، سيؤثر على مساعي أنقرة في التواصل مع دمشق بشكل تصاعدي وصولا إلى لقاءات على مستوى رؤساء الدول، لكن وبحسب محللين ربما يتغير موقف واشنطن، فيما إذا كانت مساعي أنقرة تفضي إلى حل سياسي يضمن انتقال السلطة بشكل سلمي في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.