امتدادا للأزمة السياسية العراقية، وسّع أنصار “التيار الصدري“، اعتصاماتهم اليوم الثلاثاء، لتمتد إلى مبنى مجلس القضاء وذلك بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على الاعتصام داخل المنطقة الخضراء شديدة التحصين- معقل الحكومة وحيث مقار البعثات الدبلوماسية – وتعطيل البرلمان.

التطور في المشهد جاء بعد يوم من تلميحات أطلقها المقرّب من الزعيم الشيعي البارز صالح محمد العراقي، المعروف بوزير الصدر، إلى انحياز القضاء العراقي في الخفاء إلى جهات لم يسمها، بعد تأكيدات القضاء بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع.

رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، قال يوم أمس الاثنين في بيان تلقاه موقع “الحل نت“، من الضروري اعتماد السياقات الدستورية والقانونية لحلحلة الأزمة السياسية، فيما أشار إلى أن القضاء يقف على مسافة واحدة من الجميع.

جاء ذلك خلال لقائه نقيب الصحفيين العراقيين، مؤيد اللامي، رفقة مجموعة من الصحفيين، أكد فيه على أهمية دور الاعلام كسلطة رابعة في نشر الحقائق كما هي أمام الرأي العام، مشددا على ضرورة تعزيز ثقة المواطن بالقضاء الذي يقف على مسافة واحدة من الجميع ويحكم باسم الشعب.

زيدان، أكد أيضا على أهمية اعتماد السياقات الدستورية والقانونية لحلحلة الازمة السياسية الحالية“، مبينا أن “القضاء يطبق القانون بحسب الدستور، والتشريعات النافذة اعتمادا على ما يتوفر من أدلة ووقائع لا على ما يطلق من شائعات وأقاويل“.

أقرأ/ي أيضا: استطلاع دولي.. ثقة العراقيين بالحكومة والبرلمان في أدنى مستوياتها

حملات لثني مجلس القضاء

فيما أشار إلى أن “الحملات الإعلامية ضد القضاء والضغوطات السياسية لن تثني القضاة عن مواصلة عملهم في إحقاق الحق ووفق ما تفرضه القوانين“، لكنه لم تمضي سوى ساعات حتى جاء الرد من وزير الصدر بشكل غير مباشر، قائلا في تدوينة على موقع “فيسبوك“، إن “هناك من يدّعي إنه على مسافة واحدة من الجميع“، والجواب: “القوم في السّر غير القوم في العلن“.

وكان متظاهري “التيار الصدري”، قد وصلوا صباح اليوم إلى مبنى مجلس القضاء المحاذي للمنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، وبدأوا بنصب الخيام- سرادق، أمام المجلس، استعدادا للاعتصام، بالمقابل علق القضاء الأعلى عمل المجلس، والمحاكم التابعة له، والمحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية)، احتجاجا على تحركات أنصار الصدر، التي وصفها القضاء بغير الدستورية.

 مجلس القضاء قال في بيان تلقاه “الحل نت“، إن “مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية اجتمعوا، إثر الاعتصام المفتوح لمتظاهري التيار الصدري، أمام مجلس القضاء للمطالبة بحل مجلس النواب عبر الضغط على المحكمة الاتحادية العليا لإصدار القرار بالأمر الولائي، لحل البرلمان، وإرسال رسائل تهديد عبر الهاتف للضغط على المحكمة“.

وبناء على ذلك “قرّر المجتمعون تعليق أعمال مجلس القضاء والمحاكم التابعة له، إضافة إلى المحكمة الاتحادية العليا احتجاجا على هذه التصرفات غير الدستورية، والمخالفة للقانون، وتحميل الحكومة والجهة السياسية التي تقف خلف هذا الاعتصام المسؤولية القانونية إزاء النتائج المترتبة على هذه التصرفات“.

في مقابل ذلك، لم يصدر زعيم التيار، مقتدى الصدر، أي تعليق على الأحداث حتى اللحظة، غير أنه كان قد لوح في وقت سابق من يوم السبت الماضي، إلى خطوات تصعيدية جديدة لم يحدد طبيعتها، وذلك في معرض حديثه عن تقديم مقترحا للأمم المتحدة لعقد جلسة حوار علنية تجمع الفرقاء السياسيين.

أقرأ/ي أيضا: الإطار التنسيقي يقدم حلاً للأزمة السياسية العراقية.. ما طبيعته؟

القضاء بمواجهة التيار

الزعيم الشيعي، ذو الحظوة الشعبية القوية، الذي كان يبدو على مدى الأزمة التي احتدمت منذ أكثر من ثلاثة أسابيع رافضا للحوار، كشف في تغريدة على موقع “تويتر“، وتابعها موقع “الحل نت” تقديمه مقترحا للأمم المتحدة لعقد جلسة حوار بين الفرقاء السياسيين جميعا.

لكن استجابة الأمم المتحدة لم تكن ملموسة، بحسبه، مبينا أن “الجواب كان عن طريق الوسيط، جوابا لا يغني ولا يسمن من جوع.. ولم يتضمن جوابهم شيئا عن الإصلاح، ولا عن مطالب الثوار ولا ما يعانيه الشعب“.

نتيجة ذلك، ولما عبر عنه موقف الأمم المتحدة من “عدم إعارة ما يحدث أي أهمية على الإطلاق“، لوّح الصدر، بخطوات تصعيدية جديدة، قائلا: “نرجو من الجميع انتظار خطوتنا الأخرى إزاء سياسة التغافل عن ما آل إليه العراق، وشعبه بسبب الفساد والتبعية“.

وشدد الصدر، على أن “لا يتوقعوا منا حوارا سريا جديدا بعد ذلك (..) فأنا لا أخفي على شعبي شيئا ولن أجالس الفاسدين ومن يريد السوء، أو قتلي أو النيل ممن ينتمي إلينا آل الصدر“، مردفا: “إنني قد تنازلت كثيرا من أجل الشعب والسلم الأهلي. وننتظر ماذا في جعبتهم من إصلاح ما فسد لإنقاذ العراق“.

يشار إلى أن الأزمة السياسية العراقية اشتدّت في 30 تموز/يوليو الماضي، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

سياق الأزمة وصولا إلى مجلس القضاء

تأتي تلك الأحداث نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة، بين الطرفين وبعد وقوف تحالف “الإطار التنسيقي“، بوجه مشروع “التيار الصدري“، الذي كان يدعو إلى تشكيل حكومة “أغلبية وطنية“.

بعد الانتخابات ذهب “التيار الصدري”، صاحب الحظ الأوفر في الانتخابات، لتشكيل تحالفا ثلاثيا مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

أصر “إنقاذ وطن”، بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة بعض أطراف “الإطار التنسيقي”، الذي استمر بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وهذا ما لم يقتنع به زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصاب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في ثلاث مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

والفشل سببه كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا”، التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية، البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في الثاني عشر من حزيران/يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث، حيث وجه الصدر أنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار”، توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة في الـ25 من تموز/يوليو الماضي، وإعلان استعداده للمضي بتشكيل الحكومة.

أقرأ/ي أيضا: مساعي إطارية لجلسة برلمانية بكردستان العراق.. هل تنجح بتخطى عقبة الصدر؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.