في ظل توترات أمنية تنذر بخطر كبير بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ يفترض أنها كانت سببا في وصول وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الشرق الأوسط ضمن زيارة ماراثونية وخاطفة جاءت لؤد التصعيد بين الجانبين، يجري الحديث عن ما وراء هذه الزيارة التي شملت مصر ورام الله وإسرائيل، والتي امتد الحديث عنها إلى إمكانية إعادة ترتيب اصطفافات المنطقة لاسيما فيما يتعلق بضرورة مواجهة المدّ الإيراني. 

بلينكن وصل الأحد الماضي إلى القاهرة ضمن جولة إلى الشرق الأوسط استمرت لثلاثة أيام. التقي خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، بالإضافة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وفي أثناء ذلك أعاد تأكيد النظر إلى “عملية السلام” المتوقفة منذ فترة طويلة باعتبارها بحسب وصفه “الطريق الوحيد” للمضي قدما، بإشارة إلى ترسيخ الاستقرار بين الفلسطينيين والإسرائيليين والمنطقة.

على الرغم من أن الزيارة تركزت حول التوترات الأمنية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لكن في الوقت ذاته ربطت تقارير بين الزيارة والضربات العسكرية لمواقع عسكرية إيرانية في إيران وسوريا خلال الأسبوع الماضي، وتشير بعض التقارير والتصريحات الإيرانية الرسمية عن مسؤولية إسرائيل عنها، والتحذيرات من مخاطر أن تقود خطوات كهذه إلى تصعيد أمني يشعل مختلف الجبهات في المنطقة.

علاقة زيارة بلينكن بالنفوذ الإيراني

الربط بين زيارة بلينكن والضربات ضد إيران، عزّزه تجديد الولايات المتحدة الأميركية دعمها لإسرائيل عبر وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، الذي أكد خلال لقائه بنتنياهو، تعزيز واستمرار الدعم الأمني لتل أبيب، في وقت كشفت فيه مصادر إسرائيلية عن أن الضربة في أصفهان جاءت لمواجهة محاولة تطوير صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت.

ذلك جاء، بعد أن تعرض أحد المصانع العسكرية بمحافظة أصفهان وسط إيران، إلى هجات جوية بـ 3 طائرات مسيّرة، مساء السبت الماضي، بينما أكدت وزارة الدفاع الإيرانية إحباط العملية، وقالت إن المضادات الجوية تصدت للمسيّرات مما أدى إلى انفجار اثنتين منها وإسقاط الثالثة، مشيرة إلى أن الأضرار اقتصرت على سقف المصنع بدون الإضرار بالمعدات.

قرأ/ي أيضا: بعد 18 عاما من الإغلاق.. ما دلالة إعادة فتح السفارة المغربية في العراق؟

في الأثناء، وعلى ضوء زيارة بلينكن والضربات العسكرية التي استهدفت العمق الإيراني ومصالحه في المحيط الإسرائيلي، أعاد هجوم أصفهان إلى الأذهان مشهد هجمات ناجحة مماثلة ضد منشأة “نطنز النووية” الإيرانية في تموز/يوليو 2020، ومرفق نووي مختلف في “نطنز” في نيسان/أبريل 2021، ومنشأة نووية أخرى في “كرج” في حزيران/يونيو 2021، وتدمير حوالي 120 طائرة إيرانية بدون طيار أو أكثر في فبراير 2022، إلى جانب عملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده عام 2020، بمدينة آبسرد شرق العاصمة طهران، وما صاحبها من توترات أدت بعضها إلى تهديد حركة التجارة الدولية في مضيق “هرمز”.

الحديث عن زيارة بلينكن وما وراءها من احتمالية أهداف غير معلنة بما يتعلق بالشأن الإيراني ومواجهة نفوذ طهران، ربما وبحسب مراقبين، يكمن بين سطور ما قاله رئيس الحكومة الإسرائيلية خلال مؤتمر صحافي يفترض أنه يخص القضية الفلسطينية، كان قد عقده مع بلينكن، “هناك إجماع على أن هذا النظام لن يحصل على أسلحة نووية”، بإشارة إلى أهمية مواجهة “الملف النووي الإيراني”، مضيفا، لقد أجرينا محادثات إيجابية حول صياغة سياسة في شأن هذه القضية، ويمكنني أن أكرر ما سبق وقلته من أن سياستنا هي أن نفعل كل ما في وسعنا لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية والقدرة على إطلاقها.

حديث نتنياهو أثار التكهنات أكثر، عندما واصل بالقول “حقيقة إننا والولايات المتحدة نعمل معا، وهو أمر مهم لهذا الهدف المشترك”، هذا وكان نتنياهو قد هدد على خلفية هجوم الطائرات من دون طيار في إيران، بأن إسرائيل ستفعل كل ما في وسعها لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية والوسائل التي ستمكّنها من إطلاق مثل هذه الأسلحة.

ما وراء جولة بلينكن وعلاقة روسيا

وسط ذلك، يرى الباحث والخبير في الشؤون الإيرانية والإقليمية محمد الزغول، أن زيارة الوزير بلينكن لا ترتبط بـ “محادثات السلام” بين الفلسطينيين والإسرائيليين كما يُشاع عنها، وبيّن ذلك بالقول، إنه إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الانشغالات الأميركية الرئيسية في الوقت الراهن على مستوى المشهد الدولي، سواء من حيث الصراع في منطقة أوراسيا وانعكاساتها على منطقة الشرق الأوسط، والتحولات المتعلقة بالاستقطابات المتعلقة بالمشهد الدولي العام، يتبين بأنه لا يمكن توقع أن تكون عملية إحياء “محادثات السلام” ذات أولوية في حسابات الولايات المتحدة الأميركية.

زغول لفت في حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أنه في الظرف الدولي والإقليمي الحالي، والمتمثل باقتراب إيران من العتبة النووية واقتراب موعد الهجوم الروسي الجديد في أوكرانيا واحتمالات توسع الحرب هناك لتشمل بيلاروسيا، ومحاولات الغرب لتحيد إيران عن هذا الصراع. عوامل تنفي كلها بشكل شبه قطعي أن تكون احياء “عملية السلام” ذات أولوية الآن، مشيرا إلى أنه في مشهد دولي أقل استقطاب من الآن، لم تستطع أميركا التي كانت بوضع أكثر أريحية لإدارة هذه الصراع من الوقت الحالي من تحقيق “عملية سلام” تفضي إلى نتائج، فما بالك في الوقت الحالي.

اقرأ/ي أيضا: الاستثمارات الإماراتية الرقمية.. تأثير على الاقتصاد السوداني أم زحام مع أنقرة؟

لذلك أن زيارة بلينكن هو جزء من استخدام القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي بشكل تكتيكي لتحقيق غايات أكثر أهمية، وتحظى بأولوية أكبر بمنظور الولايات المتحدة الأميركية، بحسب الخبير في الشؤون الإيرانية والإقليمية، موضحا أن أميركا تريد قطع خط الإمداد الإيراني الروسي لضمان عدم نجاح الهجوم الروسي على أوكرانيا المتوقع، كما تريد من خلال الضغط على إيران إقليميا ودوليا وعسكريا لضغوط مركبة منها ضمان ألا تستطيع إيران تزويد روسيا بالصواريخ البالستية التي يمكن أن تشكل فارقا في ميدان المعركة، خصوصا مع إشارة أكثر من مسؤول أوكراني إلى عدم امتلاك منظومات باستطاعتها اعتراض هذه الصواريخ.

يُشار إلى أن عدّة خُطط للسلام طُرحت بعد حرب “حزيران 1967″، لكن لم يحدث شيء حتى بعد حرب “أكتوبر 1973” أو كما تُعرف بـ “حرب يوم الغفران” في إسرائيل، إذ هيأت هذه الحرب الأرضية لصالح إبرام سلام كما يتجلى في الزيارة التاريخية للرئيس المصري أنور السادات، إلى القدس في نوفمبر 1977.

تلك الخطط سميت في الاتفاق الأول “إطار السلام في الشرق الأوسط”، وقد وضع هذه الاتفاق أسس السلام بتوسيع القرار رقم 242 وحدد ما كان يأمل أن يكون سبيلا لحل “المشكلة الفلسطينية”، ونص على ضرورة إبرام معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل ودعا إلى إبرام معاهدات أخرى بين إسرائيل وجيرانها، لكن تحقيق ذلك بقي جزئيا، كما لم يصل إلى تحقيق أهداف الرئيسية.

في الحديث عن ذلك، وبالعودة إلى زغول، أكد أن زيارة بلينكن ليست لها علاقة في تحقيق “عملية السلام”، وأن أهدافها تكمن في خشية الولايات المتحدة الأميركية من تقدم “البرنامج النووي” الإيراني، لاسيما وأن إيران تبدو قد أحزرت تقدما كبيرا في هذا المجال، وأكثر من ما يمكن للولايات المتحدة الأميركية احتمال تأجيله لأن التقرير الأخير الصادر عن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أشار إلى أن هناك شك يجري على الأقل في منشأة “فردو” بين أجهزة الطرد المركزية من الجيل السادس، وهذا يعني ضمنيا من المنظور الفنيين بأن إيران باتت تنتج اليورانيوم المخصب بنسبة 90‎ بالمئة وليس 60 بالمئة كما كان يتصور المراقبون في السابق.

“البرنامج النووي” و “الاتفاقيات الإبراهيمية”

استنادا على هذا الظرف والتقدم الإيراني في “الملف النووي”، الذي يعني ضمنا إن طهران باتت على العتبة النووية، بخاصة مع تصريح المدير العام لـ “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” رافاييل ماريانو غروسي، بشكل صريح بأن طهران خصّبت كميات كافية من اليورانيوم لإنتاج العديد من الأسلحة النووية لكنها لم تقم بخطوة باتجاه تصنيع هذه الأسلحة، إن ما كانت تخشاه أميركا من تقدم “البرنامج النووي” الإيراني ليصبح على بُعد خطوة من إنتاج القنبلة النووية حصل، كما يرى الباحث والخبير في الشأن الإيراني والإقليمي.

بالتالي، بحسب زغول، يجب إما إعادة إيران إلى الوراء أو الإقرار بوجودها كقوة نووية إقليمية، وهذا يعني أيضا أن أميركا يجب أن تتدبر وتفكّر في حلّ لهذه المعضلة، خصوصا في ظل إصرار حليفها الإسرائيلي على أن يُفرض خطّا أحمر على إنتاج القنبلة النووية الإيرانية، واستعداده الدخول في مواجهة مفتوحة مع إيران في حال قررت الأخيرة الذهاب في هذا الاتجاه، لذلك أن هذا المشهد الدولي يقودنا ببساطة إلى أن زيارة بلينكن لا يمكن أن تكون لتحقيق “عملية السلام” بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وإنما محاولة خلق جبهة إقليمية ضد إيران تتطلب توسيع مسار الاتفاقات “الإبراهيمية”، وتتطلب أيضا رفع الموانع بين تقدم التعاون العسكري والأمني بين إسرائيل وبعض العواصم العربية وخصوصا الرياض.

على هذا الأساس، يمكن أن تدخل زيارة بلينكن أيضا في محاولة إطلاق مسار لـ “عملية السلام”، من حيث تسويف أو تمهيد لخطوة أخرى يمكن اتخاذها في سبيل توسيع الاتفاقات “الإبراهيمية” لتشمل السعودية باعتبارها المنافس الإقليمي الأكبر لإيران، والتي لا تزال ترفض بكل شكل من الأشكال الانخراط في هذا المسار، ما لم يحدث هناك تقدم في “عملية السلام” بين الإسرائيليين والفلسطينيين، من وجهة نظر زغول.

يُذكر أن آخر جولة من المحادثات التي كانت ترعاها الولايات المتحدة بشأن إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل قد توقفت في عام 2014، في حين تضم حكومة نتنياهو المتشددة الجديدة شركاء يعارضون قيام دولة فلسطينية، لكن بلينكن وبعد لقائه مع نتنياهو في القدس، عاود التأكيد على اعتقاد واشنطن بأن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

هذا واختتم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الثلاثاء الماضي، زيارته الرابعة إلى الشرق الأوسط، وفي ختام جولته قال الوزير الأميركي في تغريدة على “تويتر”، اختتمت رحلة مثمرة إلى إسرائيل والضفة الغربية، حيث التقيت بالنظراء الإسرائيليين والفلسطينيين وقادة من المجتمع المدني، سنواصل دعم الأطراف وكافة الجهود لتخفيف حدّة التوترات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة