تاريخيا يمكن وصف العلاقات العراقية الفرنسية بالمرحلية؛ إذ لا توجد مفاصل تاريخية طاعنة في تاريخ علاقات البلدين، لكن هناك مراحل عدة شهدت خلالها تقاربا غير مسبوق وحميمية دفعت البلدين إلى تعاون استراتيجي لسنوات طويلة.  وأطّر ذلك شكل العلاقات والمصالح المتبادلة.

فمنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 حتى بداية السبعينيات، ظلت العلاقات العراقية الفرنسية في حدها الأدنى، وإلى ما بعد العام 1974. التاريخ الذي ترجم من خلاله رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر، إلى جانب نائبه آنذاك صدام حسين رغبتهم في بناء علاقات استراتيجية مع باريس، وذلك في سياق تحقيق التوازن في علاقات البلاد الخارجية، لاسيما وأن العراق وقتها كان يُعتبر منطقة نفوذ بريطانية بشكل شبه تام، وهو ما أراد البكر الخروج من كنفه.

لأجل ذلك دعا العراق رئيس الوزراء الفرنسي وقتها جاك شيراك لزيارة العراق عام 1974 للتفاوض حول التعاون في مجال الطاقة والمجال العسكري، لتتوج هذه العلاقة بزيارة صدام حسين إلى باريس عام 1975، وليشهد عقد الثمانينيات تعاونا عسكريا واقتصاديا واسعا بين العراق وفرنسا، حيث لعبت باريس بعد ذلك دورا رئيسيا أثناء الحرب الإيرانية العراقية. لتبدأ منذ ذلك الحين حالات الحرب والسلم الدور في تحديد نوعية العلاقات العراقية الفرنسية.

في إطار ذلك الانفتاح، تزايدت مبيعات فرنسا العسكرية إلى العراق، بين 1974 و1980، وكانت المشتريات عموما تشمل التكنولوجيا العالية، بما في ذلك الطائرات والصواريخ، وبين عامي 1977 و1987، تعاقدت باريس مع بغداد لبيع ما مجموعه 133 مقاتلة ميراج “إف 1″، واستمرت المبيعات لتشمل صواريخ حديثة، وبذلك توسعت الاتفاقيات بين الجانبين إلى 76 اتفاقية منذ العام 1933.

سياق العلاقات العراقية الفرنسية

بناء على ذلك، امتدت العلاقات الفرنسية العراقية إلى محطات مهمة، منها بناء “مفاعل تموز” النووي الذي دمرته إسرائيل عام 1981، وتزويد العراق بأحدث الأسلحة خلال الحرب مع إيران، بل إن شيراك أفشل في عام 2002 قرارا لـ “مجلس الأمن الدولي”، أراد من خلاله الرئيس الأميركي جورج بوش الأبن أن يشكل تغطية أممية للحرب على العراق، وباتت العلاقات الاقتصادية والعسكرية تنافس في حجمها تلك العلاقة التي ربطت العراق بـ “الاتحاد السوفييتي”.

قبل ذلك، دخلت العلاقات العراقية الفرنسية في جمود ما بعد غزو العراق للكويت عام 1990، وخيّم ذلك المشهد على علاقات الجانبين حتى قرار الحرب الأميركية على العراق عام 2003 والتي تمت خلالها الإطاحة بنظام صدام حسين، واستمر ذلك إلى عام 2009، حيث حاولت فرنسا أن تجد لنفسها موطئ قدم في العراق، لكن المحاولة انتهت دون تحقيق تقدم يُذكر.

اقرأ/ي أيضا: 5 دول مجتمعة بباريس.. هل تنجح فرنسا في إنقاذ لبنان من أزمته؟

في مقابل ذلك، ظل الحضور الفرنسي قويا ومهيمنا على دول القارة الإفريقية، حيث كان القرار السياسي لهذه الدول مرتهنا بخيارات المركز في باريس، وهناك كانت تُشكَّل حكومات المنطقة وتسقط، ولعقود طويل بقيت فرنسا المتحكم الفعلي في غالبية الدول الإفريقية التي كانت جزءا من مستعمراتها، إذ تعتمد 27 دولة إفريقية رسميا اللغة الفرنسية أداة للإدارة والتعليم، وهو ما يجعل منها أكبر فضاء للغة الفرنسية خارج فرنسا. 

كذلك أن التبعية الاقتصادية للدول الإفريقية ظلت حاضرة، فعملة “الفرنك الإفريقي” ما زالت معتمدة في 14 دولة إفريقية، بما يجعلها مرتبطة عضويا بالاقتصاد الفرنسي، وما يترتب عنه من تقرير السياسات والتحالفات، بل وإطاحة الحكومات وتدبير الانقلابات، غير أن سنوات حكم الرئيس إيمانويل ماكرون شهدت ما يمكن اعتبارها بداية الانهيار الفعلي لنفوذ الدولة الاستعمارية السابقة.

فقد دفعت موجات الانقلابات الأخيرة في الساحل وغرب إفريقيا، التي ارتبطت بالأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة “كوفيد 19″، وتصاعُد المدّ الإرهابي في المنطقة، عددا من الدول الإفريقية إلى إعادة النظر بالعلاقة مع فرنسا والتحول إلى شركاء خارجيين تعتقد أنهم قادرين على مساعدتهم في أزماتهم.

على سبيل المثال، جاء الانقلاب الذي حدث في بوركينا فاسو نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، ضد الزعيم المخلوع المقدم بول هنري سانداوغو داميبا، بمثابة رد على فشله في محاربة الإرهاب وجر البلاد إلى الفوضى، وهو ما اعتُبر مؤشرا على تراجع مكانة فرنسا في إفريقيا، وما وعد به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بسياسة جديدة لإفريقيا خلال الحملة الانتخابية عام 2017، مؤكدا أن باريس ستكون “شريكا استراتيجيا” للقارة السمراء، وستعمل على تطوير علاقات مبنية على أساس المكاسب العادلة والمتبادلة معها، إلا أن تلك الوعود ظلت بالنسبة للبلد الأوروبي حبرا على ورق.

إدارة ماكرون عانت في السنوات الأخيرة من إخفاقات كبيرة في إفريقيا، لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب، وكذلك السياسة والاقتصاد. ونتيجة لذلك، بدأت المستعمرات الفرنسية السابقة التي بقيت تحت الوصاية الفرنسية لسنوات عديدة، في إظهار عدم رضاها عن تلك السياسات من خلال الاحتجاجات الشعبية ومحاولات الانقلاب، وهو ما تجلى في مالي والنيجر.

نتيجة لذلك وبالرغم من مواصلة فرنسا لدورها المركزي في إفريقيا، إلا أن قوتها ونفوذها أخذا بالتراجع بشكل ملحوظ، فقد تهاوت جاذبيتها في أعين الأفارقة أمام فشلها في جلب الاستقرار لمناطق وجودها بالقارة؛ حيث بدت أن فرنسا منشغلة بمصالحها مما سمح بتمدد الجماعات المسلحة وتدهور الوضع الاقتصادي وجثو الأنظمة التسلطية، وهو ما حدا بالدول الإفريقية للاستجارة بقوى أجنبية أخرى منافسة لفرنسا أو الاستدارة صوب شركاء جُدد خارج دائرة الاستئثار الفرنسي.

مشهد أكد انحسار النفوذ الفرنسي في القارة السمراء، الأمر الذي دفع بعض الدول لاستغلال الهوة التي تركها الوجود الفرنسي التاريخي في المنطقة الغنية بالموارد الاقتصادية ومصادر الطاقة، ما شكّل حافزا لتوجه بعض الدول التي تخوض صراعا دوليا استراتيجيا لتجسير العلاقات مع دول القارة الإفريقية، بل منها مَن أخذ يؤجج مشاعر الرفض ضد باريس.

باريس من إفريقيا إلى بغداد

مظاهرات عدة شوهدت في بعض العواصم الإفريقية، مناهضة لفرنسا وترفع شعارات تطالب بمغادرة فرنسا لدولهم وتمزيق علمها ورفع أعلام دول أخرى مثل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، بحسب دراسة لـ “المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات”، لافتة إلى أن التذمر الرسمي عبر عنه في أشكال متعددة، أبرزها البحث عن شركاء أمنيين غير فرنسا، ومثل روسيا، أو شركاء اقتصاديين مثل الصين وتركيا.

الشراكات الأمنية والعسكرية البديلة لفرنسا يبدو أنها لاقت استجابة سريعة وفعّالة من قبل روسيا، فتوغلت في جمهورية إفريقيا الوسطى وحققت نجاحا في دعم الحكومة المنتخبة وإعادة انتخابها مرة أخرى، وتقليل النفوذ الفرنسي بشكل ملحوظ.

تعويضا للتراجع في القارة الإفريقية، يبدو أن فرنسا قد اختارت العراق ساحة جديدة لمدّ نفوذها، معتمدة في ذلك على علاقاتها المرحلية والمفصلية مع بغداد، وبكونها صديقا استراتيجيا موثوق استطاع أن يدعم العراق في مراحل حرجة مثل الحرب الإيرانية، فخلال سنة واحدة فقط زار ماكرون العراق مرتين، الأولى في 3 أيلول/سبتمبر 2020  حيث أعلن خلالها عن مبادرته لدعم سيادة العراق، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد تحولات داخلية وخارجية، حيث يطالب الشارع العراقي بحكومة مدنية ديمقراطية، بينما تسعى بغداد إلى لعب دورا إقليميا ودوليا محوري.

اقرأ/ي أيضا: أزمة الدولار في العراق.. خطوة أخرى نحو إعادة ترتيب المنطقة أم مقدمة اضطراب؟

على الرغم من أن زيارة الرئيس الفرنسي الثانية في 27 آب/أغسطس 2021 لحضور مؤتمر التعاون الإقليمي، بدت ظاهريا ذات أهمية عالية، إلا أن قصة عودة الاهتمام الفرنسي بدأت منذ الزيارة الأولى، حيث تضمنت، وفقا لدراسة نشرها موقع “المجموعة المستقلة للبحوث والدراسات”، رسائل مهمة بخصوص أهمية العراق لفرنسا بخاصة إنها جاءت مباشرة بعد زيارة ماكرون المهمة للبنان، فيما أكدت الزيارة الثانية في رسائلها ليس فقط أهمية العراق لفرنسا، بل الالتزام بشراكة استراتيجية تؤشر تحولا واضحا في النهج الفرنسي في العراق والمنطقة والذي كان دوما ظلا فقط للسياسة الاميركية.

إذ تضمنت هذه الزيارة أربع رسائل استراتيجية؛ أولها على الصعيد الجيوستراتيجي حيث كانت فرنسا الدولة الوحيدة التي حضرت المؤتمر المخصص لمناقشة التعاون الإقليمي وهي ليست من دول الإقليم، كما أنها الدولة الوحيدة من الحاضرين ممن تتمتع بمقعد دائم في “مجلس الأمن الدولي”، فيما تكتسب الرسالة الثانية من زيارة ماكرون بُعدا نفسيا وأمنيا مهما، فهي قد جاءت مباشرة بعد الانسحاب الأميركي وانسحاب “الناتو” من أفغانستان.

أما الرسالة الثالثة فقد كانت اقتصادية، حيث تزامنت الزيارة مع توقيع شركة “توتال” الفرنسية العملاقة والتي تأسست قبل أكثر من مئة سنة، على عقد ضخم لاستثمار الغاز في حقول البصرة بقيمة عشرات المليارات من الدولارات، في الوقت الذي تتجه فيه النية لتنفيذ الشركات الفرنسية لمشروع “مترو بغداد” الذي ستموّله الحكومة الفرنسية، وفق ما جاء في الدراسة، فضلا عن مشاريع أخرى في مجال إعادة إعمار المُدن العراقية المحررة من “داعش”.

 الرسالة الرابعة، تضمنت بُعدا وطنيا وثقافيا غالبا ما تم إغفاله من قبل القوى المنخرطة في الشأن العراقي بضمنها أميركا، فقد تضمنت أجندة زيارة ماكرون ثلاث زيارات مهمة، الأولى لمرقد الإمام الكاظم، وهو أحد الأماكن المقدسة لدى الشيعة العراقيين ولشيعة العالم عموما، والثانية لمدينة الموصل التي كانت العاصمة المزعومة لـ “داعش”، وقد تضمنت تلك الزيارة بُعدا روحيا وثقافيا للسّنة العراقيين من خلال زيارة مسجد النوري الذي فجره “داعش” وزيارة لأحد أهم الكنائس هناك، بينما وجّه ماكرون رسائله في الخطوة الثالثة، إلى الأكراد، حيث زار مدينة أربيل والتقى زعمائها الكرد.

بذلك تسعى باريس منذ سنوات إلى تحقيق نفوذ اقتصادي كبير في العراق، والحصول على امتيازات استثمارية مهمة في داخله، حيث قامت بالفعل بدعم مشاريع تتعلق بالمياه والفنون والثقافة غير أن المشاريع الكبيرة لم تكتمل حتى اليوم. الأمر الذي سيفتح باريس على منطقة جديدة وفي غاية الأهمية على مستوى الموارد الاقتصادية، والموقع الجغرافي والذي سيمثّل مفتاحا لحقبة جديدة لفرنسا على مستوى الشرق الأوسط.

على هذا النحو، تحاول باريس استغلال علاقتها التاريخية والعميقة بإيران، حيث تتمتع بعلاقات جيدة مع طهران منذ ستينيات القرن الماضي على الرغم من المنغّصات في بعض المراحل، لكنها بالمجمل تبقى محبّذة من قبل الجانب الإيراني على حساب الولايات المتحدة الأميركية التي تخوض صراعا استراتيجيا مع طهران منذ سيطرة روح الله خميني على مقاليد السلطة في البلاد عام 1979، بعد الإطاحة بنظام الشاه محمد رضا بهلوي.

تدافع دولي ومسرح عمليات عراقي

وفقا لذلك، تطمح فرنسا بلعب دور محوري في العراق، من خلال موازنة علاقاتها مع إيران، بخاصة وأن الأخيرة تفضل التواجد الفرنسي الذي لا يحمل عداء ضد طهران بقدر العداء المتأصل من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يتيح لباريس مساحة لعب واسعة يمكنها استثماره في التمدد نحو الشرق الأوسط، بمحاولة لتعويض انحسار نفوذها في القارة الإفريقية.

النفوذ الفرنسي الذي تسعى باريس لتحقيقه في العراق، يخضع لكثير من الاعتبارات، أولها أن باريس تخوض صراعا غير معلن مع تركيا، والأخيرة لا تكف عن الاستمرار في اعتداءاتها ضد الأراضي العراقية من ناحية إقليم كردستان بحجة محاربة عناصر “حزب العمال الكردستاني”، بالتالي أن تواجدها داخل العراق يعني الوقوف على الحدود التركية ومحاصرة أنقرة في مناطق النفوذ الإقليمية.

من جانب آخر، وعلى الرغم من أن طهران تنخرط في محور يضم روسيا وتركيا والصين، إلا أنها تخوض صراع تحت الطاولة مع أنقرة، إذ يتدافع الطرفان حول تقاسم النفوذ بين أرمينا وأذربيجان، ومع تضييق الجانب التركي على إيران على مستوى تلك الجبهة، لاسيما بعد دعمها المطلق لأذربيجان في حربها ضد أرمينيا وكسب المعركة حينها، تسعى طهران لتضيق الخناق على تركيا من جانب الحدود العراقية من خلال دفع قوى مناهضة لها في الوقف بوجها، الأمر الذي يصب بالتالي في صالح فرنسا التي تلقى قبولا إيرانيا بشأن تواجدها في العراق، بوصفها خصما دوليا لأنقرة.

اقرأ/ي أيضا: بعد 18 عاما من الإغلاق.. ما دلالة إعادة فتح السفارة المغربية في العراق؟

تركيا أخذت مؤخرا في التوغل داخل القارة الإفريقية، كجزء من عملية تقاسم نفوذ دولي بين الصين وروسيا اللتين تعملان بقوة كبيرة في تحجيم النفوذ الفرنسي في القارة السمراء، فإن التواجد الفرنسي سيقطع الطريق أمام تركيا في التوغل نحو منطقة الشرق الأوسط، ليفسح ذلك المجال أمام باريس في تعزيز موقفها بشأن الصراع مع أنقرة في البحرالمتوسط بشأن التنقيب على الغاز.

علاوة على ذلك، فإن من الواضح أن فرنسا باتت تنتهج سياسة جديدة في المنطقة قد يكون العراق بوابتها ، وبما أن العراق هو ثاني منتج للنفط في منظمة “أوبك”، فيما يمتلك أحد أكبر احتياطات النفط العالمية، فسيبقى يتمتع بأهمية استراتيجية لاقتصاد العالم، لاسيما وأن الموقع الجغرافي للعراق يجعله جسرا حيويا لكل أنواع النقل والربط بين الأسواق الأوروبية والآسيوية، ومع الحاجة الفرنسية لمصادر الطاقة، فإن العراق يمكن أن يمثل بديلا حيويا لتعويض خسارات تراجع نفوذها في المنطقة الإفريقية.

يضاف إلى ذلك، إن فرنسا باتت تولي مؤخرا منطقة الشرق الأوسط اهتماما بالغا، وذلك في محاولة لحجز مقعد بين الدول الساعية إلى تكريس وجودها في المنطقة، وعلى رأسها الصين، بل أن الصراع في هذه الجانب يعود ليرتبط أيضا في اندفاع بكين نحو إفريقيا التي باتت تزاحم بذلك الوجود الفرنسي، بخاصة مع إغراق عدد من الدول الإفريقية في فخ الديون، الذي يجعل من تلك الدول مَدينة للصين بجزء كبير من ناتجها المحلي وبشكل يجعلها عاجزة عن السداد مما يرهن مصيرها وسيادتها إلى بكين.

حسب الأرقام المعلنة، أن ما مجموع 400-600 مليار دولار اقرضتها الصين للدول النامية كانت حصة الدول الإفريقية كبيرة منها، حتى أن دولة مثل جيبوتي تدين بحوالي 100 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي إلى الصين في حين تدين الكونغو والنيجر بحوالي ثلث ناتجها للصين، وهذا فقط من حيث الأرقام المعلنة، بينما تبقى أرقام الديون المخفية وغير المعلنة تشكل هاجسا من نوع آخر.

من جانب آخر، تشير دراسة “المجموعة المستقلة للبحوث والدراسات”، إلى أن المنافسة الصينية لفرنسا لم تقتصر على إفريقيا؛ بل وصلت للخليج العربي في السنوات القليلة الماضية. إذ من المعروف أن العالم الغربي هو الشريك الاقتصادي الرئيسي لدول الخليج العربي.

لكن نمو الصين الاقتصادي واكتفاء أميركا من الحاجة للنفط المستورد، أدى إلى زيادة نسبة الصين من مجمل الصادرات النفطية الخليجية والتي تشكل حوالي 70 بالمئة من مصدر دخل تلك الدول، بحيث أن ثلث الصادرات النفطية السعودية تذهب للصين وبذلك تفوقت على الصادرات النفطية الروسية للصين. كما أن ربع الصادرات النفطية الكويتية تذهب للصين أيضا، وذلك بغض النظر عن توقيع بكين خلال السنوات الـ 5 الأخيرة عقود بعشرات المليارات من الدولارات، وبخاصة في مجال الاتصالات والتكنولوجيا مع السعودية والإمارات، فضلا عن شرائها لحصص كبيرة في الشركات الخليجية العملاقة. 

خلاصة واستنتاجات

هذه الأسباب وسواها، تجعل العراق منطقة اهتمام جيوستراتيجي لفرنسا التي تضم أكبر جالية مسلمة في العالم، كما من المحتمل أن تمثل مسرح عمليات ردع إقليمي ودولي بالنسبة لفرنسا على حساب خصومها في مناطق النفوذ، خصوصا مع ما يمثله العراق من موقع استراتيجي جيوبوليتيكي، يحد كل من إيران وتركيا، وينفتح على الخليج العربي، فضلا عن كونه حلقة وصل لحركة التجارة العالمية بين أوروبا والخليج.

كما أن ضمان التواجد الفرنسي في العراق، يمكن أن يدخل في خانة الصراع الغربي ضد المحور الشرقي والشرق أوروبي، وذلك لما يمكن أن يمثله من داعم للتواجد الأميركي والبريطاني في المنطقة، علاوة على أن فرنسا يمكن أن تلعب دورا محوريا في خفض التصعيد والحفاظ على خطوط الاشتباك التقليدية والمرسومة بين جميع القوى.

يُضاف إلى ذلك، أن باريس تحاول إيجاد موطئ قدم اقتصادي لها في العراق في ظل حالة التدافع الدولية والاقليمية في البلاد، خصوصا وأن الحراك الدولي المتنامي في إطار الانفتاح على العراق يمثّل منطلقا يمكن لصانعي القرار في بغداد من تقوية الدولة وتدعيم فرص الاستقرار، وهي المرحلة التي على ما يبدو أن فرنسا ترى فيها لحظة صدام حسين وجاك شيراك التي أسست حينها لعلاقات متينة دفعت في صالح البلدين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.