في محاولة جديدة لتشجيع السياسيين اللبنانيين لإيجاد مخرج للأزمة التي يتخبط فيها بلدهم منذ أشهر، عقدت خمس دول اجتماعا في العاصمة الفرنسية باريس، على أمل إيجاد مخرج للبنان الذي يواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، نتيجة فقدان العملة المحلية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، مما ترك العديد من الأُسر تأنّ تحت وطأة الفقر، حيث أدى انهيار الاقتصاد إلى إغراق لبنان في حالة من الركود، الأمر الذي فاقمه استمرار الأزمة السياسية في البلاد.

اجتماع باريس الخماسي الذي شاركت فيه فرنسا والسعودية وقطر ومصر والولايات المتحدة الأميركية، انتهى أول أمس الاثنين، دون صدور بيان يوضح مخرجات الاجتماع التي توصلت له الأطراف الخمسة، في الوقت الذي كانت أنظار اللبنانيين تتجه إلى باريس، على أمل إنقاذ الوضع المأساوي الذي تعيشه البلاد، على الرغم من أن المعلومات الأولية تشير إلى أن الاجتماع كان إيجابيا.

وسط المعلومات التي أشارت إلى إيجابية الاجتماع، تحدثت مصادر على أن المجتمعين ركزوا على سُبل توفير مصلحة لبنان، لكن على اللبنانيين تقرير تفاصيل تحقيق هذه المصلحة، فيما جرى التأكيد على وجوب إجراء الإصلاحات البنيوية في كل القطاعات كإجراء أساسي لحصول التقدم، وذلك قبل أن يغلق الاجتماع صفحته بحدود الساعة السادسة مساء، بشكل مفاجئ دون الإفصاح عن أي معلومات بخصوص المخرجات النهائية.

أجندة بلا مخرجات

الاجتماع حضره كلا من آن غوغين مديرة شمال إفريقيا والشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية، وباتريك دوريل مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وباربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، والمستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا، ومحمد الخليفي مساعد وزير الخارجية القطرية للشؤون الإقليمية، وسفير مصر لدى فرنسا علاء يوسف عن الجانب المصري.

اقرأ/ي أيضا: أزمة الدولار في العراق.. خطوة أخرى نحو إعادة ترتيب المنطقة أم مقدمة اضطراب؟

معلومات أولية نقلتها وسائل إعلام لبنانية، أشارت إلى أن الملف الرئاسي الذي حطّ في اجتماع باريس لن يجمد على الصعيد الداخلي، وأن المساعي لا تزال قائمة لكنها لم تصل الى نقطة تسمح بالتأكيد أن الحسم قد اقترب، إذ إن الأفكار نفسها لا تزال تخضع للأخذ والرد، لا سيما بالنسبة إلى تلك التي يسوق لها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط ولائحة الأسماء الثلاثة التي تضم قائد الجيش والوزير السابق جهاز ازعور، والنائب السابق صلاح حنين.

 المجتمعون وفقا للمعلومات المتداولة، أرادوا عدم الدخول في سراديب السياسة اللبنانية والانتخابات الرئاسية، بل دعوة الأطراف إلى التعقل والاسراع في سد الفراغات الدستورية والتحذير من تداعياتها السلبية والقيام بالإصلاحات الأساسية لمنع هذا الانهيار، كما أكدوا من جديد أن لا مساعدات من دون إصلاحات، لكن الأمر اللافت هو عدم صدور بيان عن المجتمعين يوضح الصورة بشكل أكبر.

في العموم، من وجهة نظر خبير الاقتصاد وليد الأيوبي، فإن الاجتماع في أصله لم يكن على مستوى إيجاد حل للأزمة، بقدر ما كان يسعى إلى تأطير الأزمة ووضع الخطط اللازمة فعلها مستقبلا لتجاوز الأزمة، مبينا أن حجم التمثيل في الاجتماع يؤكد أنه لم تكن هناك نية لأن يكون الاجتماع كما كان يطمح وينظر له المتابعون.

رسائل طاولة باريس

الأيوبي وفي حديث لموقع “الحل نت”، أشار إلى أن نجاح الاجتماع من فشله ربما يكون مستبعدا في الوقت الحالي، لسبب أنه لم يأتي ليحقق نجاح أو فشل، بل الغاية منه إيصال رسائل للقوى الفاعلة والمهتمة في المشهد اللبناني، بضرورة أن يجلس الجميع على طاولة حوار موسعة والاتفاق على الخروج من الأزمة الحالية، خصوصا مع التأكيد على أنه لا مساعدات مالية جديدة، وهو ما يعني أن هذه الدول والتي تمتلك الجزء الأكبر من الحل لن تقدم يد العون ما لم تكون هناك خطوة جدّية من قبل الفاعلين وأصحاب القرار على تجاوز المرحلة الحرجة.

الوضع في لبنان ينذر بمستويات خطيرة، كما يرى الخبير الاقتصادي، ويشير إلى أن هناك من يتوقع أن الوضع الحالي قد وصل ذروته، وهي فرصة للتّمسك بثوابته التي سعى لها منذ بداية الأزمة، وأن التراجع في الوقت الحالي لن يحقق شيئا يذكر، في حين أن الحقيقة تكمن فيما وراء هذا الوضع المأساوي الذي يمكن أن يدفع لفقدان الأمن وانفراط العملية السياسية بشكل كامل، مبينا أن عدم الاهتمام لذلك ولما يجري يبدو واضحا من خلال تقليل بعض الأطراف من قيمة الاجتماع الخماسي حتى قبل أن يعقد.

اقرأ/ي أيضا: جولة بلينكن إلى الشرق الأوسط.. تحالف جديد ضد إيران؟

في المقابل، بحث الاجتماع الخماسي نقاطا عامة حول الأزمة اللبنانية، وفقا لمصادر دبلوماسية، كان اللقاء إيجابيا لناحية تجديد الحرص على استقرار لبنان، لكن المجتمعين لم يدخلوا في أيّة تفاصيل محددة تتعلق بأسماء مرشحة للرئاسة الأولى، وكان التوافق تاما على أن يقوم اللبنانيون بقيادة بلادهم نحو الخروج من الأزمة عبر سلسلة إصلاحات واضحة، بمعنى آخر، فإن الأمر يقع على عاتقهم أولا.

وسط ذلك، يأتي اجتماع باريس في ظل تخوف بدأ يتنامى أكثر فأكثر من تدهور الأوضاع المالية والاقتصادية والحياتية بشكل غير مسبوق في لبنان، في ظل عدم انتظام عمل المؤسسات على ضوء الشغور الرئاسي، ما يجعل ممثلي الدول الخمس يخشون من تمدد الفراغ إلى حاكمية مصرف لبنان والمناصب الأمنية وما يخلّفه هذا الأمر من زعزعة للاستقرار.

تلميحات فرنسية

فيما كانت باريس قد بادرت قبل الاجتماع، من خلال دبلوماسيتها النشطة في الملف اللبناني إلى تظهير المطلوب من الاجتماع، بالتأكيد على 3 عناصر رئيسية؛ الأول مفاده أن تحركها ليس معزولا، بل إنها تعمل بالتنسيق مع الأطراف الفاعلة والمعنية مباشرة بالملف اللبناني، وتفاصيل ذلك أنها تتحرك بالوكالة عن “الاتحاد الأوروبي”، وبدعم من الأطراف الثلاثة الأخرى، وتحديدا من جانب السعودية، بحسب صحيفة “الشرق الأوسط”.

أما العنصر الثاني، هو تركيز البحث على الوسائل الناجعة التحفيزية وغير التحفيزية التي من شأنها كسر الدوران في حلقة مفرغة لـ “مجلس النواب” منذ ما يزيد على 3 أشهر، وبمعنى آخر، جلاء ما إذا كانت هناك ضرورة وإمكانية لاستعادة السيناريو الذي سبق تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عندما كان الكلام يدور حول التعطيل، وعمدت فرنسا وقتها إلى فرض عقوبات على عدد من السياسيين اللبنانيين الذين لم تفصح عن هوياتهم، فيما كان “الاتحاد الأوروبي” من جانبه على وشك فرض تدابير احترازية على المستوى الجماعي.

بينما العنصر الثالث، فيتمثل في إعادة التأكيد على المبادئ الأساسية التي تنطلق منها الأطراف الخمسة العربية الدولية، وهي المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله وانفتاحه على المحيطين العربي والدولي وتجاوبه مع متطلبات “صندوق النقد الدولي” كمدخل لعملية الإنقاذ المالي والاقتصادي، فضلا عن الامتناع عن الدخول في لعبة الأسماء، مع الحرص على تقديم رئيس يجمع اللبنانيين ولا يفرقهم، وأن تقبل الأحزاب السياسية المتناحرة العمل معه، وليس وضع العصي في دواليبه.

هذا ويعاني لبنان من فراغ في السلطة منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 31 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وعدم توصل الطبقة السياسية المنقسمة إلى اتفاق على شخص يخلفه، فيما أدت الأزمة السياسية هذه إلى أسوأ أزمة اقتصادية في البلاد على مستوى في العالم منذ العام 1850، بحسب “البنك الدولي”، مع ارتفاع كبير في الأسعار وتراجع تاريخي للعملة الوطنية وإفقار غير مسبوق للشعب، فيما يشترط “صندوق النقد الدولي” تطبيق الإصلاحات الضرورية لتحصل البلاد على المساعدة التي تحتاجها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة