في السابع من آذار/ مارس الحالي، أنهت السويد عقودا من الحياد بعد الموافقة على عضويتها الكاملة في حلف شمال الأطلسي “الناتو”. ما يمكّن ستوكهولم من مشاركة كاملة في أنشطة الحلف، بدلا من مجرد مراقبة اجتماعات مجلس الحلف ولجنته العسكرية. ويعزز انضمام السويد، وفنلندا من قبلها، الدفاع عن القطب الشمالي، حيث يوفر انضمامها عمقا استراتيجيا يؤمن تحركات القوات المتحالفة لعمليات الدفاع الجماعي، فالجغرافية السويدية تربط مناطق المحيط الأطلسي والقطب الشمالي والبلطيق معا. ويرسل إشارة واضحة إلى روسيا بأن طموحاتها لإضعاف الحلف قد فشلت.

وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، وصف انضمام السويد للحلف “بالهزيمة الاستراتيجية” لروسيا. فيما وصفه رئيس الوزراء السويدي “بالانتصار للحرية”. وبحسب أمين عام حلف “الناتو”، ينس ستولتنبرغ، فإن انضمام السويد للحلف، يجعلها أقوى، ويجعلها وجميع دول التحالف أكثر أمانا. وإلى ذلك أشار بلينكن بقوله: “تحالفنا الدفاعي أصبح الآن أقوى وأكبر من أي وقتا مضى”. مضيفا، “كل ما سعى بوتين إلى منعه، عجل به في الواقع بأفعاله وعدوانيته. وأوضح مثال على ذلك، عضوية السويد في هذا التحالف”.

في المقابل، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، انضمام السويد وفنلندا للناتو بأنه “خطوة بلا معنى“. فيما أشارت وزارة الخارجية الروسية، إلى أن “الاتحاد الروسي سيضطر إلى اتخاذ خطوات انتقامية، سواء ذات طبيعة عسكرية تقنية أو غيرها، من أجل وقف التهديدات لأمنها القومي الناشئة في هذا الصدد، بما في ذلك احتمال نشر أنظمة أسلحة هجومية لهذه الكتلة العسكرية على الأراضي السويدية”. 

غزو أوكرانيا السبب بتوسع “الناتو”

خلص تقرير سابق أعدته الحكومة السويدية، إلى أن “عضوية السويد في الناتو سترفع عتبة اندلاع النزاعات العسكرية وبالتالي سيكون لها تأثير رادع في شمال أوروبا”. مسلطا الضوء على مزايا التحالف العسكري عبر “الأطلسي”. خالصا إلى القول، إن “وقوع هجوم مسلح ضد السويد بعيد الاحتمال”، رغم اعترافه بأن الاستفزازات والأعمال الانتقامية الروسية لا يمكن استبعادها.

عليه، وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، قدمت السويد في أيار/ مايو 2022، طلب ترشيحها لعضوية “الناتو” تزامنا مع فنلندا التي أصبحت العضو الـ31 في الحلف في نيسان/ إبريل 2023. اصطدم طلبهما باعتراض تركي تم حله بتوقيع الدول الثلاثة اتفاقا أمنيا مشتركا يعالج مخاوف أنقرة، التي اتهمت البلدين بداية بإيواء أعضاء في “حزب العمال الكردستاني”، وهو جماعة تعتبرها أنقرة “منظمة إرهابية”. ومؤخرا، وافقت المجر على عضوية السويد، لتصبح العضو 32 في الحلف، الذي تتطلب عضويته موافقة جميع الأعضاء. و”الناتو” تحالف عسكري أسسته 12 دولة، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وفرنسا، عام 1949، بهدف مواجهة تهديد التوسع السوفيتي في أوروبا. ويتضمن ميثاقه مادة تلزم أعضاء الحلف على مساعدة بعضهم بعضا في حالة تعرض أحد أعضائه لهجوم مسلح.

مع انطلاق العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، حسب تسمية موسكو، أدركت الأخيرة أنها فتحت جبهة مع الغرب يصعب التنبؤ بمآلاتها، حسب الكاتب الموريتاني والباحث المقيم في “الجامعة الروسية لصداقة الشعوب”، أحمد شياخ. مشيرا إلى، أن القيادة الروسية لم تتصور ردا سريعا من السويد وفنلندا، عبر تقديم طلبيهما الانضمام إلى” حلف شمال الأطلسي”. إذ عوّلت موسكو على علاقاتها الطيبة معهما، وخلالها تم حل المشاكل الحدودية معهما، مع تربع تجارتهم البينية على أعلى المستويات، إضافة لتسهيل تنقل مواطني الدول الثلاث فيما بينها. وكل ذلك، نتيجة لموقف الحياد الذي تبنته الدولتان. وبالتالي، يمكن القول إن الإعلام الغربي قد نجح باختراق المخيلة الشعبية لهاتين الدولتين، مع ضغط على قيادتيهما لإعلان انضمامهما “للناتو”، والذي تراقبه موسكو بحذر شديد.

قبل انضمام فنلندا والسويد للحلف، كانت قواته تمتد من جمهوريات البلطيق في الشمال إلى رومانيا في الجنوب. وتعتقد روسيا أن “الناتو” تعدى على منطقة نفوذها السياسي، من خلال استقطاب أعضاء جدد من أوروبا الشرقية، وأن قبول أوكرانيا سيجلب “الناتو” إلى فنائها الخلفي. في المقابل، زاد الغزو الروسي لأوكرانيا مخاوف أعضاء الحلف في أوروبا الشرقية. حيث يصف “الناتو” نفسه، بأنه حلف دفاعي بحت. مدينا الغزو الروسي لأوكرانيا، بوصفه “إجراء حربي وحشي”. وأضاف ستولتنبرغ: “سندافع عن كل حليف وكل شبر من أراضي الناتو”. إزاء ذلك وضع بوتين القوات النووية في “حالة تأهب خاصة”، واصفا التصريحات الغربية “بالعدوانية”. ويمثل توسع “الناتو” تهديدا مباشرا لأمن روسيا، حسب بوتين، الذي أضاف، أن هذا التوسع كان السبب وراء شنه حرب عام 2022 على أوكرانيا.

انضمام السويد إلى “الناتو” تحد جيوستراتيجي غاية في الحساسية، حسب وصف شياخ خلال حديثه مع “الحل نت”. فالبلَدَان يتقاسمان حدودا بحرية مع إطلالتهما علي بحر البلطيق، ونقطة السر هنا كاليننغراد، الميناء الروسي الوحيد الذي لا يتجمد شتاء. كذلك عضويتهما في “منظمة القطب الشمالي”. ما يفرض على موسكو التعامل مع وقائع جيوسياسية جديدة.

السويد في “الناتو” أقل أمنا؟

أقلية في السويد، تعتقد أن العضوية سيكون لها تأثير سلبي. إذ قالت ديبورا سولومون، من “جمعية السلام والتحكيم السويدية”، إن الردع النووي لحلف “الناتو” زاد من التوترات ويخاطر بسباق تسلح مع روسيا. وإن جهود السلام هذه عقّدت وجعلت السويد مكانا أقل أمانا. هذا إضافة لمخاوف أخرى تتمثل في أن انضمام السويد للحلف سيفقدها دورها الرائد في جهود نزع السلاح النووي العالمية. حيث ينظر المتشككون في “الناتو” إلى ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عندما استخدمت ستوكهولم حيادها لوضع نفسها كوسيط دولي. وبحسب سولومون، فإن لنضمام السويد للناتو سيكون بمثابة التخلي عن هذا الحلم.

منذ العام 1994 أصبحت السويد شريكا رسميا للناتو، ومنذ ذلك التاريخ أضحت مساهما رئيسيا في الحلف، مع مشاركتها في العديد من مهمات “الناتو” منذ نهاية الحرب الباردة. ومؤخرا، وقبل استكمال أوراق انضمامها إلى الحلف، طلبت من مواطنيها المدنيين الاستعداد للحرب على روسيا. ومنذ مطلع هذا العام، زاد عدد المتطوعين للعمل مع “منظمة الدفاع المدني السويدية”، وهو ما أسهم في زيادة مبيعات الكشافات، وأجهزة الراديو التي تعمل بالبطاريات، التي يمكن أن يحتاج إليها السكان المدنيون حال اندلاع الحرب مع روسيا وفق خطة “الناتو”.

خلال الحرب العالمية الثانية، تمسكت السويد بحيادها العائد لحقبة ما بعد الحروب الدينية في ألمانيا، والتي انخرطت فيها السويد وتحالفت خلالها مع فرنسا رغم اختلافهما المذهبي، فالمصالح الاستراتيجية تعلو الاعتبارات الأيديولوجية دائما، حسب الباحث في معهد الشرق الأوسط، الدكتور سمير تقي. إلا أن صعود عدوانية روسيا أشعر السويد أنها لن تستطيع الصمود أمام روسيا، لا سيما في الجانب الديمغرافي، بسبب قلة عدد سكانها، وهي مخاوف مشتركة مع فنلندا أيضا، اللتان ضمنتا استقلالهما باتفاقيات يالطا عشية الحرب العالمية الثانية. وبالتالي لا ضمان لهاتين الدولتين إلا باتفاقات بديلة والتحاقهما بمنظومة دفاعية، يقول الدكتور تقي في حديث مع “الحل نت”. فمع قيام موسكو بالعديد من الغزوات الصغيرة لسد الثغرات الأمنية، من وجهة نظرها، تصدعت اتفاقيات يالطا التي ضمنت استقلال هاتين الدولتين.

انضمام السويد إلى “الناتو” ينطوي على العديد من المزايا، حسب موقع “تقارير نظم المعلومات“، أهمها قدراتها الدفاعية الشاملة وتأثيرها الاستراتيجي على بحر البلطيق وصناعة دفاعية قوية. وتعزز الأهمية الاستراتيجية لجزيرة غوتلاند السويدية سيطرة “الناتو” في المنطقة، وهو أمر حيوي في سياق أي صراع محتمل مع روسيا. ولدى السويد ثالث أكبر بحرية في بحر البلطيق بعد روسيا وألمانيا، ستساهم في تأمين نقل القوات والعتاد عبر هذا البحر. ولديها أيضا قوات برمائية متنقلة مصممة خصيصا للسرعة والمرونة في المناطق الساحلية. ما يعزز الفعالية التشغيلية في البيئات الأرخبيلية التي يصعب التنقل فيها، كالساحل الإستوني. 

بلينكن وكريسترسون بعد تسليم وثائق انضمام السويد لـ “الناتو” – (أ.ف.ب)

إلى جانب ذلك، تمتلك كل من السويد وفنلندا قدرات لا تمتلكها دول الناتو الأخرى في بحر البلطيق، قوارب قتالية سريعة الحركة، حوامات وصيادون ساحليون مدربون على الدفاع ضد مشاة العدو البحري، قادرون أيضا على الهجوم خارج منطقة البلطيق. وتعتبر السويد، بفضل غواصاتها التي تعمل بالديزل والمصممة للعمل في المياه الضحلة والصعبة، ولديها خبرة متخصصة في صيد غواصات العدو. علاوة على ذلك، فإن سلاح الجو السويدي هو الأكبر في منطقة الشمال، وطائراته مجهزة تجهيزا جيدا بصواريخ “RBS15” المضادة للسفن وصواريخ “Meteor” و”AMRAAM” جو-جو، مما يوفر دعما كبيرا لحلف “الناتو” في مواجهات البلطيق.

 مع ذلك، رغم قوة وحداثة القوات السويدية، تحتاج السويد لأنظمة أسلحة أكثر دقة، ولديها نقص بكل شيء. لذا، سيتعين تعزيز البحرية السويدية لتكون قادرة على الدفاع عن السويد وبحر البلطيق ضد البحرية الروسية سريعة النمو. كما أن القوات البرية السويدية قليلة العدد. ما يصعّب عليها تشكيل مجموعة قتالية تابعة للناتو بحجم كتيبة في الخارج وتناوبها بشكل دائم، وبالتالي فإن مساهمتهم في الدفاع الجماعي في هذا القطاع ستكون متواضعة إلى حد ما.

حسب تقي، السويد تتمتع بتطور منقطع النظير، لا سيما بعلوم السايبر، ولديها أفضل صناعة للطيران، وللغواصات التي تؤمنها في مناطق عميقة، فلدى السويد قرابة 10 آلاف خليج، تساعدها على إخفاء وحماية غواصاتها. مشيرا إلى أن الخسارة الاستراتيجية التي لحقت بموسكو جراء انضمام ستوكهولم “للناتو” تكمن بإغلاق بحري الأسود والبلطيق أمام روسيا. ما يجعل الأسطول الروسي محاصرا في هذين البحرين، وتاليا في البحر الأبيض المتوسط. وإلى جوار ذلك، يمتاز جيشا السويد وفنلندا بالانتظام والصلابة. خاتما بالتنويه لتغلب فنلندا على الاتحاد السوفيتي نهاية ثلاثينيات القرن الماضي.

كما تمتاز الصناعة العسكرية السويدية بالدقة والكفاءة العالية، وهي في تطور مستمر، حسب شياخ. لذا، فإن انضمام السويد إلى “الناتو” يمثل قوة إضافية للحلف. معتقدا زيادة الثقل الاستراتيجي المتوقع للسويد داخل الحلف في المستقبل القريب.

“المدافع الصامد”

انضمام السويد للناتو حوّل بحر البلطيق لبحيرة أطلسية. وخلال ذلك، سيتم عسكرة المنطقة، وسيعمل المجمع الصناعي العسكري السويدي ضد روسيا، حسب ليونيد سافين، في مركز الدراسات العربية الأوراسية. مرجحا إنشاء قواعد إضافية في جزيرة غوتلاند، مع زيادة التهديد لمنطقة كالينينغراد وسانت بطرسبورغ الروسيتين. وبرأيه، أصبحت منطقة البلطيق من الناحية الاستراتيجية لروسيا مكانا أكثر عرضة للخطر، تفرض إعادة توجيه لاتجاه أكثر موثوقية، بما فيها بناء شراكات تثق بها روسيا.

عند الحديث عن الرد الروسي على انضمام السويد لحلف “الناتو”، يجب ربط الأمر بطبيعة الأسلحة التي سينشرها “الناتو” في السويد. حيث أشارت موسكو، إلى أن نشر ترسانة ثقيلة من قبل “الناتو” سيقابل بالمثل. وهو ما اعتبره شياخ نجاحا لروسيا ضمن مفهوم سياسة الردع. متابعا، مع ذلك، تدرك النخبة الروسية الحاكمة أن هذا الشيء مؤقت ولا يمكن البناء عليه طويلا. لذا أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، عن نية بلاده إنشاء 12 قاعدة عسكرية ردا على انضمام السويد وفنلندا للحلف.

عليه، سيقتصر الرد الروسي في المديين القريب والمتوسط على سياسة الردع، وزيادة التشكيلات العسكرية الروسية في المنطقة الغربية، مع زيادة تعدادها وتسليحها. إلا أن موسكو ستتجنب سياسة هجومية تجاه السويد، أملا منها في قدوم قيادة سويدية قابلة للحوار والتفاهم معها، حسب شياخ. وعلى المدى البعيد، تبقي موسكو عينها على الأسلحة النووية، التي تمنع الطرفين من الوقوع في المحظور، كعامل توازن وحيد بينها وبين “الناتو”.

مؤخرا، أطلقت الدول الأطلسية في 24 كانون الثاني/ يناير الفائت، مناورات “المدفع الصامد 2024″، وهي أكبر مناورة للحلف في العقود الأخيرة. ويشارك فيها قرابة 90 ألف جندي من 31 دولة أطلسية، إضافة إلى السويد. وتستمر التدريبات فيها حتى 31 أيار/ مايو القادم على مقربة من الحدود الروسية الممتدة من النرويج إلى رومانيا. وباعتمادها سيناريوهات هجومية، مع اختبارها لخيار الاستيلاء السريع على منطقة الطوق من فيلنيوس في ليتوانيا إلى أوديسا في أوكرانيا، ومحاكاتها لضربات نووية ضد مناطق لينينغراد وسواها، مع تدريب غواصات وزوارق مضادة للغواصات على محاكاة تدمير الغواصات الروسية في بحري بارنتس والبلطيق، فالمناورة مصممة لاستفزاز روسيا، حسب سافين. 

“استفزازية بشكل علني”، حسب المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا. مضيفة، “هذه الخطوة تهدف عمدا لتفاقم الوضع، وزيادة خطر وقوع حوادث عسكرية قد تؤدي نهاية لعواقب مأساوية على أوروبا”. ووفقا لقادة عسكريين في “الناتو”، فإن ردع روسيا، هو هدف المناورة، إضافة لإظهار قدرة الحلف على حماية حدوده الممتدة من الولايات المتحدة لغاية حدود روسيا، وسط الخشية من مهاجمة الأخيرة لإحدى دول الحلف، مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا.

ختاما يمكن القول، قد تخرج موسكو من حربها على أوكرانيا منتصرة أو شبه منتصرة، إلا أن خسارتها الاستراتيجية تفوق المكاسب المحتمل جنيها من حربها على كييف، والتي أشعل فتيلتها، حسب موسكو، توسع “الناتو” شرقا، مع تجاهل الهواجس الأمنية لروسيا   

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات