في الوقت الذي تستمر فيه “الانتفاضة الشعبية” في إيران التي انطلقت منذ أيلول/سبتمبر الماضي، إثر وفاة الفتاة الكردية مهسا آميني على خلفية اعتقالها من قبل “شرطة الأخلاق” المعنية بمتابعة لباس المرأة وفرض الحجاب، وعلى وقع استعدادات النظام الإيراني إحياء الذكرى الـ 44 لـ “ثورة 1979″، وبعد فقدان تأييد العديد من الأصوات المؤثرة في المجتمع الإيراني، انضم الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، ورئيس الوزراء الإيراني السابق مير حسين موسوي، إلى قائمة الداعين إلى تغيير النظام السياسي في البلاد، في خطوة يمكن أن تحتوي حالة الاستياء الشعبي.

خاتمي الذي تولى الرئاسة بين 1997 و2005، حث نظام المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، على إجراء تغيير في النظام السياسي للبلاد، في ظل الاحتجاجات، معتبرا أن مشروع الإصلاحات في بلاده قد أخفق، في وقت يجب فيه على السلطات إدراك ذلك، لاسيما بسبب ما وصفه باتساع الهوّة بين السلطات الحاكمة وشرائح الشعب.

ليس ذلك فحسب، فمع عشية الذكرى لانتصار “ثورة 1979″، قال خاتمي إن طموح الجيل الذي أطاح بالنظام السابق لم يتحقق، وأن جيل الثورة يعاني صعوبات كثيرة على مستوى الحياة اليومية، في حين أن جيل الشباب الراهن يخوض أعتى درجات التمرد والاحتجاج، وأن الاستياء العام أصبح سمة بارزة في الوقت الراهن.

سخط شعبي متصاعد

غالبية المجتمع الإيراني فقد الأمل بمستقبل مشرق، من وجه نظر القيادي الإصلاحي الذي شغل منصب رئيس الجمهورية لسنوات عدة، منتقدا في بيانه ما اعتبره الخطأ الكبير الذي يرتكبه النظام في إرضاء شريحة صغيرة ممن يعتبرهم موالين له، على حساب الشريحة الأخرى.

موقف خاتمي، قابله موقفا شديدا آخر من قبل رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي، الذي يُعد أحد أبرز الوجوه المعارِضة في إيران والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية، حيث دعا إلى تغيير جذري في نظام سياسي بات يواجه ما وصفه بأزمة مشروعية، لذلك فإن الإيرانيين وبلادهم باتوا بحاجة وعلى استعداد لتغيير جذري، رسمت خطوطه العريضة الحركة من أجل النساء، بإشارة إلى قيادة النساء للتظاهرات.

اقرأ/ي أيضا:  5 دول مجتمعة بباريس.. هل تنجح فرنسا في إنقاذ لبنان من أزمته؟

موسوي الموضوع تحت الإقامة الجبرية منذ نحو 12 عاما، والذي تولى رئاسة الوزراء في إيران بين 1981 و1989، اعتبر أن التحركات الاحتجاجية الأخيرة تأتي في ظل أزمات متداخلة، اقتصادية، وبيئية، واجتماعية، ومشروعية، وثقافية، وإعلامية، ما يستدعي إجراء استفتاء حر وعادل بشأن الحاجة الى صياغة دستور جديد للبلاد، نظرا لأن الصيغة الحالية للنظام السياسي غير مستدامة، خصوصا وأنه يحق للإيرانيين كما خلال “ثورة 1979″، إجراء مراجعات جذرية تتيح تدشين مسار الحرية، العدالة، الديمقراطية والتنمية.

 بالعودة إلى خاتمي، وعند إشارته إلى الضغوط الخارجية التي يتعرض لها الشعب الإيراني، يقول إن جذور المشكلة تكمن في الداخل، مؤكدا أن المجتمع الإيراني أضحى مأزوما على شتّى الصعد؛ ذلك لأن ما يحدث على أرض الواقع يتعارض مع تطلعات “الثورة الإيرانية عام 1979″، مستذكرا تطلعات الشعب الإيراني التي تكونت على مدى قرنين، للتخلص من الاستبداد والاستعمار والتبعية ونفي الظلم والرجعية.

خارطة الرئيس السابق، أشارت إلى أن المشكلة الأساسية التي تسببت في أزمات كبيرة للبلاد، هي تجاوز عنصر الجمهورية في النظام، والرغبة في ما يتعارض مع جمهورية ما يُعرف بالحكم الإسلامي، معتبرا أن المسودة الأولى للدستور الإيراني وما تم الاستفتاء عليه؛ أكثر ملاءمة مع جمهورية الشعب، وأن الشرخ بين الحكومة والشعب قد ازداد بعد تعديل الدستور، موضحا أن إصلاح الوضع الراهن لا يقتصر على تعديل الدستور فحسب، وإنما الإصلاحات ممكنة عبر العودة إلى روح الدستور الحالي ونصّه، وأن تعديل الدستور ضرورة لا بدّ منها، لكن في وقتها.

احتجاجات مستمرة وبيان موقف

في مقابل ذلك، وفي الوقت الذي يواصل فيه المتظاهرون الإيرانيون مواجهة النظام “الاستبدادي”، بهتافات “الموت للديكتاتور” وهو شعار يستهدف حكم القبضة الحديدية للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، ومع فقدان النظام الإيراني الكثير من مؤيديه وداعميه، فيما عبّرت الكثير من الشخصيات العامة مثل الرياضيين ورجال دين عن سخطهم مما يجري. الأمر الذي آثار السؤال حول ما إذا كان النظام الإيراني اقترب من أن يتهاوى، وما السّر من توقيت رسالة خاتمي.

حول ذلك، قال الخبير في الشأن الإيراني حسن راضي، إنه بالنسبة إلى دعوة الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي والإصلاحيين عموما، تأتي خوفا من سقوط النظام الإيراني، حيث ما زالوا يطرحون أنفسهم كبديل للتيار الأصولي المحافظ المتشدد، والذي يتحكم بالبلاد بقبضة حديدية وبشكل عنيف.

اقرأ/ي أيضا: أزمة الدولار في العراق.. خطوة أخرى نحو إعادة ترتيب المنطقة أم مقدمة اضطراب؟

لذلك، يرى راضي في حديثه لموقع “الحل نت”، أنه من المستبعد أن تتم الاستجابة لتلك الدعوة؛ لأن النظام الإيراني وتحديدا التيار المتشدد قام بتصفية الإصلاحيين بشكل نهائي، وهو في المرحلة النهائية لتصفية التيار المحافظ المعتدل، مبينا أن هناك توجهات لإسقاط بقايا المسؤولين من عهد حسن روحاني بما فيهم علي شمخاني.

مقابل تلك الدعوات واستمرار التظاهرات، يعتقد الخبير في الشأن الإيراني، أن النظام الإيراني يتجه نحو المزيد من التشدد والقمع، ويتوقع أن تتسع الاحتجاجات في المستقبل القريب، وهو ما سيسفر عن اصطدام حاد بين المنتفضين والنظام الإيراني، ومن سيحدد عمر النظام هو الموقف الدولي؛ بمعنى هل ستقف أميركا والدول الأوروبية مع المنتفضين أم لا، الإجابة هي من ستحدد سقوط النظام الإيراني من عدمه.

علاوة على ذلك، يشير راضي إلى أن النظام الإيراني مُقبلٌ على مزيد من الصراعات والتشققات والتصفيات، وذلك يتعلق بموضوع خلافة المرشد علي خامنئي، لأن هناك مجموعة من داخل التيار المتشدد تسمي نفسها “جبهة الصمود” تحاول تصفية من لديهم ميول لتكوين علاقات مع الغرب، وهذه المجموعة مرتبطة ببيت المرشد، وتحديدا بمجتبى خامنئي، نجل علي خامنئي، ويحاولون تهيئة الأجواء ليكون مجتبى هو المرشد القادم لإيران، وهذا الأمر سيتسبب بمزيد من الصراعات داخل النظام الإيراني.

مستقبل قاتم 

في الأثناء، ومع سقوط مئات القتلى في الاحتجاجات، بينهم عشرات من عناصر قوات الأمن، وافق المرشد الإيراني علي خامنئي، الأحد الماضي، على العفو أو تخفيف العقوبة الصادرة بحق عدد من السجناء، بينهم بعض مَن تمّ توقيفهم على خلفية الاحتجاجات التي تشهدها البلاد.

فيما اعترف محمد رضا باهنر، عضو “مجلس تشخيص مصلحة النظام”، بأن احتجاجات في بلاده عام 2022 كانت أوسع وأعمق مقارنة بالاحتجاجات السابقة، واصفا تماسك المجتمع الدولي في هذه الاحتجاجات بغير المسبوق، ويُعتبر “مجلس تشخيص مصلحة النظام”، أحد أجهزة الحكم في إيران، وهو هيئة استشارية أُنشئت في 6 شباط/فبراير 1988، استجابة لتوجيهات المرشد السابق الخميني، ويقوم بدور الحكم الفيصل في نزاعات “البرلمان” و”مجلس صيانة الدستور”.

باهنر وفي تصريحات صحفية، سلط الضوء على قضية مهمة، قائلا، على ما يبدو أن الاحتجاجات بدأت تنتهي، إلا أن إحدى نقاط ضعفنا هي أنه عندما تهدأ الاضطرابات، نعتقد أن المشكلة تم حلها، في الوقت الذي توقفت فيه مؤقتا، معتبرا أن وفاة مهسا أميني لم تكن السبب الرئيسي للأحداث الأخيرة، بل أن هناك استياء لدى البعض إضافة إلى عدم الكفاءة في مجال الاقتصاد والسياسة، وحتى الثقافة والدبلوماسية داخل البلاد.

عضو “مجلس تشخيص مصلحة النظام”، أشار أيضا إلى الفساد وانعدام الكفاءة وعدم سماع صوت الشعب، قائلا إنه بما أن “هذه القضايا لم يتم حلّها، خلافا لرأي السلطات، فإن الاحتجاجات لم تنتهِ”، الأمر الذي بات مع تصاعد الدعوات من قِبل الشخصيات والكيانات المؤثّرة يضع مستقبل إيران في مشهد قاتم، قد لا يمكن التكهن بها في الوقت الحالي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة