بعد إعلان “الحوثيين” الأحد الماضي، دخول سفن تجارية إلى “ميناء الحديدة” وهو أحد المطالب الرئيسية للجماعة الموالية لإيران، يجري الحديث على أن ذلك يندرج ضمن تفاهمات أولية بين الجماعة والسعودية التي تقود “التحالف العربي” ضدها، بيد أن ذلك الأمر سيبقى خاضعا لما ستسفر عنه جولات التفاهم في قادم الأيام بشأن التوصل إلى اتفاق حول “عملية السلام” في اليمن، وذلك بعد أكثر من عقد على اندلاع “الثورة الشعبية” وما لحقتها من حرب أهلية.

السفن وتدفقها إلى “ميناء الحديدة”، جاءت في أعقاب حراك أممي مكثف بين مسقط والرياض، حيث شهدت العاصمتان لقاءات مع المبعوثين الأممي الخاص لليمن هانز غروندبرغ، والمبعوث الأميركي، تيم ليندركينغ، في سياق جهود الدفع بـ “عملية السلام”.

في الرياض، شدد “مجلس التعاون لدول الخليج العربية” على ضرورة تكثيف جهود المجتمع الدولي لممارسة الضغط على جماعة “الحوثي” للانخراط الجاد في العملية السلمية لحل الأزمة اليمنية، والانصياع إلى مناشدات المجتمع الدولي للتفاوض مع الحكومة اليمنية على وقف إطلاق نار شامل تحضيرا لاستئناف العملية السياسية تحت رعاية “الأمم المتحدة” للوصول الى سلام مستدام وعادل.

“ميناء الحديدة” والدور الأممي

خلال ذلك، أكد الأمين العام للمجلس، جاسم محمد البديوي، أثناء لقائه المبعوث الأممي في العاصمة السعودية الرياض، أهمية دعم تجديد الهدنة التي رعتها “الأمم المتحدة” وتوسيع مكاسبها لما لها من مردود إيجابي على حياة اليمنيين من النواحي الإنسانية والاقتصادية والمعيشية، كما أكد دعم المجلس لكافة الجهود الأممية الهادفة لتعزيز الأمن والاستقرار في اليمن.

أما في مسقط التقى وكيل وزارة الخارجية العمانية للشؤون الدبلوماسية، خليفة الحارثي، المبعوث الأميركي الخاص لليمن تيم ليندركينغ. وذكرت وكالة الانباء العمانية أن اللقاء استعرض الجهود المبذولة في مساندة الأطراف اليمنية للوصول إلى حلّ سياسي يحقق لليمن ولدول المنطقة الأمن والاستقرار.

اقرأ/ي أيضا: أزمة النشطاء الجزائريين.. هل تشعل خلافا مع باريس؟

هذه الجهود تأتي بينما يرفض “الحوثيون” كل العروض المطروحة لتمديد الهدنة الإنسانية المنتهية في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وذلك بعد الاتفاق عليها لأول مرة في نيسان/أبريل الماضي، وتم تمديدها في مناسبتين، قبل أن يصطدم تجديدها بتعنت “حوثي”، إذ تتمسك الجماعة الموالية لإيران بجملة من الشروط للقبول بتجديد الهدنة؛ من بينها دفع رواتب جميع الموظفين في مناطق سيطرتها بما يشمل القوات العسكرية والأمنية، فضلا عن رفع جميع القيود عن “ميناء الحديدة” و”مطار صنعاء”.

رفض “الحوثيين” بحسب مختصين، يأتي في محاولة للضغط أكثر على التحالف العربي بقيادة السعودية والمجتمع الدولي الذي يواجه مسألة معقدة مثل الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ تحاول الجماعة الموالية لإيران استغلال انشغال المجتمع الدولي، الذي يسعى جاهدا إلى تحقيق استقرار نسبي في اليمن بما يضمن له التفرغ للحرب الأوكرانية، في الوقت الذي يسعى فيه “الحوثيون” مضاعفة مكاسبهم.

من جانب آخر، سلطت تقارير الضوء على المكاسب التي يسعى لها “الحوثيون” من “ميناء الحديدة”، فالغاية من ذلك فرض الميناء كمنفذ وحيد لاستيراد السلع الغذائية للمناطق الخاضعة لسيطرتها لتحقيق جملة من المكاسب؛ في مقدمتها تحصيل المزيد من الموارد المالية عبر الرسوم الضريبية والجمركية ورسوم الفحص والجودة وغيرها من التكاليف والضرائب المحصلة، إضافة إلى حرمان السلطة الشرعية من الاستفادة من موارد مالية تحصلها في حال تم الاستيراد عبر الموانئ الواقعة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

وسط هذه الحالة، ضاعفت جماعة “الحوثي” في الأيام الأخيرة من ضغوطها لاسيما على “الأمم المتحدة” بشأن تخفيف القيود على “ميناء الحديدة”، واتهمت الجماعة الأمين العام لـ “المنظمة الأممية” ومبعوثه الخاص إلى اليمن هانس غرونبيرغ الأسبوع الماضي بالامتناع عن إدخال المشتقات النفطية إلى الميناء، ووجهت الجماعة حينها ما وصفته بالإنذار الأخير لـ “لأمم المتحدة”، قائلة إن سلوكها سيكلفها الكثير.

عودة الحياة لـ “ميناء الحديدة” وتأثيرها على الهدنة

تساؤلات عدة تبرز، خصوصا فيما يتعلق بالسماح للسفن في المرور إلى “ميناء الحديدة”، فيما إذا كان ذلك يمثل بادرة يمكن أن تفضي إلى هدنة طويلة الأمد بين الأطراف المتصارعة، إضافة لما سيمثّله السماح بحركة السفن تجاه الموانئ الخاضعة لسيطرة الجماعة، وإذا ما كانت مساعي تجديد الهدنة مع “الحوثي” تعني ضمنا إنه اعتراف بواقع الحال وإقرار بسلطة “الحوثي”.

حول ذلك أوضح خبير السياسات العامة رعد العزاوي، في حديث لموقع “الحل نت”، أن الجميع في العالم حاليا يبحث عن السلام، لأن الصراعات بلغت مديات كبيرة جدا، والجبهات باتت واسعة، لذلك أن الحديث عن الهدنة في اليمن قد يكون متطلبا في مرحلة الحالية، بالتالي أن تحقيقها لا شك يستدعي المرونة والتي قد تشمل السماح للسفن التجارية في التحرك تجاه “ميناء الحديدة”.

اقرأ/ي أيضا: زلزال تركيا وسوريا.. هل يغير تقنيات الإنشاء العمراني في الشرق الأوسط؟

لذلك فالحديث عن تخفيف العزلة عن الميناء، لا يعني بالضرورة التوصل إلى هدنة مستمرة، بل قد يكون تجاوزا للحالة العالمية والإقليمية التي تشهد تحولات عدة، بما فيها إعادة تقاسم النفوذ، وبناء العلاقات. كما يشير العزاوي، إلى أن “التحالف العربي” قد يستجيب إلى الضغوط الدولية في مرحلة معينة، لكن وفق السياسات المرسومة لا يرضى بتهديد أمنه القومي والاقتصادي، بالتالي أن ترسيخ “الحوثيين” كحكومة قد يكون بالنسبة للدول العربية وتحديدا السعودية أشبه بالمستحيل.

الهدنة التي تسعى لها الدول الإقليمية و”الأمم المتحدة” تصب في صالح الطرفين، خصوصا إذا ما تمكّن “الحوثيون” من فرض شروط تتعلق بحركة الاقتصاد، ما سيساعدهم في تعزيز رصيد وجودهم الذي يتطلب بالدرجة الأساس التمويل.

من جهة أخرى، لفت الباحث في الشأن السياسي إلى أن الساحة الدولة والإقليمية وفق الحالية الآنية ربما تشهد قضايا قد تكون أكثر حساسية على المستوى الاستراتيجي، الأمر الذي يتطلب من الدول العربية الفاعلة مثل السعودية توجيه بوصلتها نحو القضايا الأكثر أهمية، مع التريث في قضايا أخرى، ووفق هذا سيحدد ما إذا كانت المساعي للهدنة هي اعتراف بواقع الحال، أم مرحلة عبور.

في الأشهر الأخيرة سُجّل تشديد أكثر في أعمال التفتيش، الأمر الذي أثار استفزاز “الحوثيين”، ويرى متابعون أن توجه “التحالف العربي” لتخفيف القيود عن “ميناء الحديدة” يعكس حصول اختراق في المفاوضات مع الجماعة عبر “الأمم المتحدة” وسلطنة عمان، ودور الوسيط الأميركي تيم ليندركينغ.

من جانبه يرى الخبير الاستراتيجي في الشأن اليمني علي الذهب، أنه كل ما يجري في الواقع بدءا من اتفاق ستوكهولم مرورا بالهدنة الأخيرة تحت عنوان عادة ما يركز “الحوثيون” عليه، بأنها خطوات لدعم الجوانب الإنسانية، بيد أنها هذه النواحي الإنسانية تستخدم لفصلها عن “عملية السلام”، بمعنى أنهم يحصلون على المكاسب دون تقديم أي تنازلات تمس “عملية السلام” بشكل جوهري من جانبهم، لأن هذا الباب بالنسبة لـ “الحوثيون” مليء بالمكاسب، وفعلا قد حققوا الكثير من المكاسب من اتفاقية ستوكهولم ثم الهدنة الإنسانية، دون إعطاء مقابل ذلك أي شيء للحكومة.

مكاسب جماعة “الحوثي”

الخبير الاستراتيجي يقول في حديث لموقع “الحل نت”، إن ما حققته المفاوضات لم يتجاوز حدود وقف الهجمات الجوية على المصالح العربية في السعودية والإمارات، على الرغم من أن الضربات من قبل “الحوثيون” بقيت مستمرة خلال ذلك ضد الموانئ وحراس خفر السواحل على البحر الأحمر، لذلك أن أي خطوة جديدة من شأنها تمديد أو إطلاق تدفق السفن إلى “ميناء الحديدة”، يعني تحقيق المزيد من المكاسب لـ “الحوثيون” على حساب “علمية السلام”.

“عملية السلام” وتحقيقها الواقعي يعني تطبيق قرارات “مجلس الأمن الدولي”، التي تنص على خروج “الحوثيون” من مناطق سيطرتهم وتسليم الأسلحة، وإطلاق سراح كبار السجناء على مستوى وزير الدفاع الأسبق وشقيق الرئيس عبد ربه منصور هادي إضافة لقضايا كثيرة، بحسب ما يشير الذهب، ويبين أن فتح الميناء بشكل أوسع دون قيود لن يحقق إلا مزيد من المكاسب وهو ما يسعى له “الحوثيون” خصوصا فيما يتعلق بـ “ميناء الحديدة” و”ميناء الصليف” و”ميناء رأس عيسى”.

اقرأ/ي أيضا: دعم الكويت لحلفائها يتوقف.. ما الذي يعنيه ذلك؟

تركيز “الحوثيون” على رفع القيود على الموانئ الخاضعة لسيطرتهم، تعني من وجهة نظر الخبير الاستراتيجي، تعظيم الموارد وتحقيق المكاسب، مبينا أن الجماعة اتخذت خطوات إجرائية، تلزم التجار بعدم الاستيراد عبر “ميناء عدن” أو عبر المنافذ البرية الواقعة تحت سيطرة الحكومة، ما يعني أنهم في صدد خطوات أكبر وهي تحيد الموانئ الحكومة من دخول السلع، وهذا يدل على أنهم ليسوا جادين في تحقيق “علمية السلام”، بقدر ما يسعون إلى استخدام هذه المفاوضات لدخول المزيد من السلع والسلاح والتقنيات الأخرى المتعلقة بالحرب.

الذهب واصل حديثه بالقول، إن هذه مسألة خطيرة تدل على أن التحالف لا يريد أن يفرّط في مكسب عدم تعرض مناطقه لهجمات “الحوثيين”، لافتا إلى أن الاتفاق على هذا النحو يعني إسقاط لاستحقاقات سابقة؛ فعندما تدخل في مفاوضات جديدة ستقلل من مطالب تنفيذ الاتفاقيات السابقة، خصوصا فيما يتعلق بـ “ميناء الحديدة” الذي ألزم وفق الاتفاقات السابقة “الحوثيين” في توريد عائدات الميناء إلى “البنك المركزي” اليمني وهو ما لم يحصل، في حين أن ذلك كان من شأنه أن يخفف من دفع رواتب الموظفين.

بدلا عن ذلك، وفيما يفترض أن يقوم “الحوثيون” بتسلم عائدات الميناء، باتوا يطالبون الحكومة بدفع رواتب الموظفين، وفقا للذهب، مبينا أن هذه نتيجة القفز في خطوات المفاوضات دون تنفيذ مضامين الاتفاقيات السابقة، مشيرا إلى أن مساعي تجديد الهدنة مع “الحوثي” بهذا الشكل، تعني أنه اعتراف بسلطتهم في واقع الحال، موضحا أنه تم منحهم ورقة كان يتم التفاوض معهم فيها والضغط عليهم من خلالها.

بالتالي فإن فتح العمل دون تدقيق ومراقبة أمام “ميناء الحديدة” يعني هدر مكاسب 8 سنوات من الحرب، وأن بعد الـ 8 سنوات سيدخل الحوثيون في المفاوضات القادمة وهم حققوا 80 بالمئة من المكاسب وقد أسقطوا الأوراق التي تناور بها الأطراف الحكومية أمامهم بحيث يقل التأثير عليهم في أي تسوية شاملة، لأن أوراق الضغط باتت في حكم المعدومة، لأن تقييد الموانئ انتهى، والحصار الجوي أيضا قد انتهى، على حدّ قول الخبير الاستراتيجي في الشأن اليمني.

مراحل التضييق على “الحوثي”

أثناء ذلك، كان محمد عياش قحيم محافظ الحديدة الموالي لـ “لحوثيين” قد أشار قبل أيام إلى انفراجة وشيكة، وأكد في تغريدة على “تويتر” ‏بأن هناك بشرى سارة خلال الأيام الثلاثة القادمة، مشيرا إلى بدء دخول بواخر الحديد والأخشاب والإسمنت والكلنكر عبر “ميناء الحديدة”.

منذ نهاية هدنة تشرين الأول/أكتوبر 2022، تتواصل جهود أممية ودولية وإقليمية لتجديدها وسط تبادل الحكومة و”الحوثيين” الاتهامات بشأن المسؤولية عن الفشل في تمديدها، لكن مراقبون يرون أن اللافت في الوساطات الجارية حاليا هو حصرها بين “الحوثيين” والسعودية، في تغييب واضح للسلطة الشرعية التي يقودها “مجلس القيادة الرئاسي”.

هذا وكان “التحالف العربي” والحكومة الموالية له، قاموا أواخر عام 2017 بتحويل حركة الاستيراد من “ميناء الحديدة”، إلى “ميناء عدن”، وذلك في سياق التضيق على جماعة “الحوثي” وتجفيف منابع تمويلها.

في العام 2021 نجحت العقوبات الاقتصادية المتزايدة على إيران بالإضافة إلى النجاح السعودي والأميركي في اكتشاف تفاصيل عملية التهريب الإيرانية، وغلق منافذ التهريب والتي منها ميناء “الحديدة”، جعلت “الحوثيون” مهتمون بالتفاوض أكثر من اهتمامهم بالقتال.

يُشار إلى أن اليمن يعاني حربا بدأت عقب سيطرة “الحوثيين” على العاصمة صنعاء وعدة محافظات نهاية 2014، وتصاعد النزاع منذ مارس 2015 بعد تدخل تحالف عسكري عربي بقيادة السعودية لإسناد قوات الحكومة الشرعية في مواجهة الجماعة المدعومة من إيران.

وعلى الرغم من عدم تجديد اتفاق الهدنة بشكل رسمي حتى الآن، إلا أن وقف إطلاق النار مستمر لأن أيّا من الجانبين لا يريد المخاطرة بخسائر فادحة في حال تم استئناف القتال على نطاق واسع، إلى ذلك إيران من الناحية النظرية في حالة حرب مع معظم دول النفط العربية بالإضافة إلى الولايات المتحدة وغيرها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة