في ظل حالة التوتر التي تعصف بالعالم بما فيه منطقة الشرق الأوسط، نتيجة التغيرات الدولية والإقليمية، وإعادة رسم للتحالفات الدولية، من الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى جهود كبح تمدد طهران، وصولا إلى أزمة مناطيد التجسس الصينية التي أسقطت الولايات المتحدة الأميركية واحدا منها بشكل مؤكد الأسبوع الماضي، يجري الحديث عن جهود سعودية مع “الاتحاد الأوروبي” لتعزيز حالة السلام.

بعيدا عن الاستطراد في الحالة العالمية، والتركيز أكثر في الحالة الشرق أوسطية بشكل خاص، والنظر إلى ما تشهده من تصاعد حدة التوتر، لاسيما فيما يتعلق بمكافحة النفوذ الإيراني، وتزايد المماحكات بين الحكومة الإسرائيلية التي توصف باليمينية الأشد تطرفا والمشكّلة حديثا برئاسة بنيامين نتنياهو، والفلسطينيين، والتي شهدت مؤخرا صدامات في مناسبات عدة، الأمر الذي دق ناقوس خطر في المنطقة خوفا من زعزعة استقرار المنطقة بما لا يخدم جهود السلام التي تبذلها دول المنطقة، على رأسها دول الخليج.

دول “مجلس التعاون الخليجي” حاليا تدفع بقوة في الوقت الحالي للتوصل إلى هدنة من شأنها وقف حالة الحرب التي تشهدها اليمن منذ نحو 8 أعوام بين جماعة “الحوثيين” المدعومة من إيران، والحكومة المعترف بها دوليا في عدن، أملا في التوصل إلى حالة استقرار نسبي، وذلك في الوقت الذي تصعّد فيه حكومة نتنياهو اليمينية ضد الفلسطينيين وإيران.

أثناء ذلك، وعلى الرغم من عدم اتضاح الصورة اليمنية بشكل كامل حتى الآن، رغم مؤشرات التقارب بين الجهود العربية التي تقودها مسقط بدعم أممي و”الحوثيين”، المتمثلة بالسماح بتدفق السفن إلى “ميناء الحديدة” الذي يقع تحت سلطة الجماعة الموالية لإيران الأسبوع الماضي. الأمر الذي كان “الحوثيون” يضعونه شرطا أساسيا لتجديد الهدنة المنتهية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وتحريك عجلة “عملية السلام”، كانت حكومة نتنياهو قد استهلت يومها الأول بتصعيد دام ضد الفلسطينيين أسفر عن قتلى وجرحى، ما دفع الفلسطينيين بالرد على ذلك بمسيرات غاضبة وهجمات مسلحة.

نذير شؤم يحاوط الشرق الأوسط 

في ظل حالة التصعيد هذه، التي مثّلت نذير شؤم على مستوى تهديد الاستقرار لما في ذلك من تداعيات على مستوى المنطقة، بدأت حدة التوتر تتصاعد بين إيران وإسرائيل على خلفية هجوم استهدف بثلاث طائرات مسيرة الأسبوع الماضي، مصنعا لإنتاج الصواريخ وتطويرها في أصفهان وسط إيران، وتزامن ذلك مع استهداف قافلتين تابعتين لميليشيات موالية لإيران على الحدود العراقية السورية، كانت في طريقها لنقل أسلحة إيرانية الصنع لتلك الجماعات، في وقت تحدثت فيه تقارير نقلت عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين عن مسؤولية تل أبيب عن الهجمات، لتسارع طهران بالتوعد بالرد على ما قالت إنها اعتداءات إسرائيلية.

لكن في ظل المشهد الدولي هذا، على ما يبدو أن هناك شبه قناعة إقليمية ودولية من القوى والدول الفاعلة في خفض حدة التصعيد، مقابل دفع جهود السلام في المنطقة، حيث سارع “البيت الأبيض” على خلفية التوتر الإسرائيلي الفلسطيني لتأكيده على أن هناك حاجة ملحّة لخفض العنف من قِبل جميع الأطراف في إسرائيل والأراضي الفلسطينية.

اقرأ/ي أيضا: تمويل “النقد الدولي”.. اقتصاد تونس يسير في الاتجاه المعاكس؟

فيما سارع مسؤولون أميركيون لتسريب معلومات لوسائل الإعلام، فيما يتعلق بالهجمات ضد المصالح الإيرانية، لتبرئة ساحة الولايات المتحدة الأميركية من الهجمات، بينما أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، أن واشنطن لم تشارك في أي عملية عسكرية في إيران، وذلك بالتوازي مع جهود المبعوث الأممي في العاصمة السعودية الرياض، في حث السعودية على أهمية دعم تجديد الهدنة في اليمن التي رعتها “الأمم المتحدة”، فضلا عن تحرك المبعوث الأميركي الخاص لليمن تيم ليندركينغ تجاه العاصمة العمانية مسقط لمساندة الأطراف اليمنية للوصول إلى حل سياسي يحقق لليمن ولدول المنطقة الأمن والاستقرار.

في مقابل ذلك، عقد يوم الثلاثاء الفائت الممثل الأعلى ونائب رئيس المفوضية الأوروبية السيد بوريل اجتماعا في بروكسل مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان والأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أبو الغيط، وناقشوا “عملية السلام” في الشرق الأوسط، وتزايد عدد ضحايا العنف والصراع والاحتلال، وغياب منظور سياسي لحل سلمي. 

وسط ذلك، يبرز سؤالا هاما حول كيفية تعزيز حالة السلام ضمن الجهود السعودية مع الجانب الأوروبي، بالشرق الأوسط، وحول ذلك أوضح الخبير في العلاقات الدولية علاء مصطفى، أن ما تمارسه حكومة إسرائيل يمثل أشبه بحالة ابتزاز للمنطقة، إذا أنها تتعمد إثارة النعرات والتوترات من أجل وضع دول المنطقة أمام خيار تطبيع العلاقات.

تهدئة الجبهات 

مصطفى أوضح في حديث لموقع “الحل نت”، أنه قبل تسلم نتنياهو الحكومة، كان الوضع بالمنطقة أكثر استقرارا، لكن مع وصوله لسدة الحكم ومع إدراكه للحالة الدولية، يسعى إلى وضع القوى الدولية والإقليمية أمام الأمر الواقع، وهو أما تطبيع العلاقات أو التصعيد، مقابل ذلك تخشى دول المنطقة من التصعد لاسيما في الوقت الذي يعيش فيه العالم أجمع ظروفا اقتصادية قاسية، ما يعني أن أي دخول في مواجهة سيعطل من مشاريع دول المنطقة سواء على المستوى السياسي أو التنموي.

بناء على ذلك، يبدو أن الغرب غير مستعد للدخول في مشكلات الشرق الأوسط في الوقت الحالي، كما يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “بغداد”، ويشير إلى أن القوى الغربية مشغولة في الصراع الروسي الصيني، لذلك فإن أي صراع جانب من شأنه أن يفاقم من المصاعب. ولهذا فإن أميركيا سارعت في إبداء موقفها من ضرورة وجود استقرار في المنطقة والابتعاد عن الاقتتال، مبينا أن ذلك يشمل دول المنطقة مثل دول الخليج التي تسعى هي الأخرى إلى إيجاد حل نهائي للحرب في اليمن.

اقرأ/ي أيضا: العراق والعودة إلى “سانت ليغو”.. هل يفجر الشارع مجددا؟

خبير العلاقات الدولية، لفت إلى أن تحرك السعودية تجاه “الاتحاد الأوروبي”، يمكن قراءته بأنه يندرج في ظل تحركات أميركية تجلت في زيارة وزير خارجيتها إلى الشرق الأوسط أنطونيو بلينكن، والذي أكد خلالها على تعزيز السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لذلك فإن تكيف التحركات من الممكن أن تكون في هذا الإطار للعمل على تهيئة أجواء مناسبة تدفع عجلة “عملية السلام” المزعومة.

في غضون ذلك، ومع هدوء الساحة الإسرائيلية الإيرانية نسبيا، وانتظار جهود تجديد الهدنة في اليمن، اتخذت حكومة تل أبيب أمس قرارات بالمضي في بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، في حين أعرب وزراء خارجية خمس دول غربية، عن قلقهم البالغ حيال هذا القرار، محذرين من أن ذلك سيقوّض الجهود المبذولة لتحقيق حل الدولتين.

وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، قالوا في بيان مشترك، إنهم منزعجون بشدة من إعلان الحكومة الإسرائيلية، وإنهم يواصلون دعم سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط، الذي يجب تحقيقه من خلال المفاوضات المباشرة بين الأطراف، ما شددوا على أن الإسرائيليين والفلسطينيين يستحقون العيش بسلام، مع تدابير متساوية من الحرية والأمن والازدهار، مجددين التزام بلدانهم بمساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين على تحقيق رؤية إسرائيل مندمجة بالكامل في الشرق الأوسط، تعيش جنبا إلى جنب مع دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة. 

السعودية وما وراء التعاون مع “الاتحاد الأوروبي”

هذا وكان الجانبان السعودي والأوروبي، إلى جانب الأمين العام لجامعة الدول العربية، قد أدانوا خلال اجتماعهم القرار الإسرائيلي ببناء المزيد من المستوطنات في الضفة، واتفقوا على استكشاف سبل إحياء آفاق حل الدولتين وصونه وتحقيق سلام عادل وشامل ودائم وحرية وأمن واعتراف ومساواة في الحقوق والازدهار لجميع الشعوب المتضررة من الصراع الدائر، وفقا للمعايير الدولية المعترف بها ومبادرة السلام العربية، كما اتفقوا على التواصل مع الشركاء الدوليين والإقليميين لتحقيق هذه الغاية.

في السياق، كان وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن قد وصول إلى الشرق الأوسط ضمن زيارة ماراثونية وخاطفة جاءت لوأد التصعيد في المنطقة، حيث زار ضمن جولته التي استمرت لثلاثة أيام القاهرة، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، بالإضافة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وفي أثناء ذلك أعاد تأكيد النظر إلى “عملية السلام” المتوقفة منذ فترة طويلة باعتبارها وبحسب وصفه “الطريق الوحيد” للمضي قدما، بإشارة إلى ترسيخ الاستقرار بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتحقيق السلام في المنطقة.

يُذكر أن آخر جولة من المحادثات التي كانت ترعاها الولايات المتحدة بشأن إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل قد توقفت في عام 2014، في حين تضم حكومة نتنياهو المتشددة الجديدة شركاء يعارضون قيام دولة فلسطينية، لكن بلينكن وبعد لقائه مع نتنياهو في القدس، عاود التأكيد على اعتقاد واشنطن بأن حلّ الدولتين هو السبيل الوحيد لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

سيناريو يبدو أنه يمضي باتجاه تهدئة الجبهات، والابتعاد عن ما يمكن أن يفاقم من حالة الاستقطاب الدولي، لاسيما في ظل الحرب الروسية الأوكرانية التي يصب العالم الغربي جل اهتمامه فيها، ما يمكن أن يوفر لدول الشرق الأوسط مساحة كافية لفرض سلام قد يلائم تطلعاتهم أكثر من أي وقت مضى، وهو الأمر الذي على ما يبدو  تسعى السعودية من خلال تحركاتها تجاه “الاتحاد الأوروبي” لاستغلاله.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.