في الوقت الذي يجري الحديث فيه عن مساع حثيثة من قبل “الأمم المتحدة” والإدارة الأميركية إلى جانب الإمارات والسعودية وعُمان عن محاولة تجديد هدنة وقف إطلاق النار في اليمن والتي انتهت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أملا في تحريك عجلة “عملية السلام” لإنهاء الحرب الدائرة في البلاد منذ 8 أعوام، جاء قرار تمديد “مجلس الأمن الدولي” يوم أول أمس الأربعاء، للعقوبات على “الحوثيين” في نحو معاكس، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة.

قرار “مجلس الأمن” يبدو أنه جاء على نحو معاكس، إذ قبل نحو أسبوع كان المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، قد أجرى زيارة إلى العاصمة العُمانية مسقط لمناقشة الجهود الإقليمية والدولية لتمديد الهدنة في اليمن وإحلال جهود السلام، وذلك بعد أن عقد مباحثات في الرياض وفي العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، في سياق الجهود الأممية التي يواكبها جهد إقليمي ودولي لإحلال السلام في اليمن.

ذلك جاء بعد زيارة وفد من مكتب المبعوث الأممي إلى عدن ومأرب بمشاركة المستشار العسكري للمبعوث العميد أنتوني هايوارد، حيث اجتمع الوفد بأعضاء من “لجنة التنسيق العسكرية” ومسؤولين حكوميين وقادة عسكريين وعدد من زعماء القبائل وممثلين عن المجتمع المدني للتحاور حول تعزيز آليات تنفيذ أي اتفاق مستقبلي لوقف إطلاق للنار. 

بوادر أمل تحت مطرقة “مجلس الأمن”

تحركات تبدو للوهلة الأولى قد جاءت بنتائجها، فبعد أن كانت فرص تمديد الهدنة معدومة بشكل كبير، بسبب رفض جماعة “الحوثي” الموالية لإيران تجديدها، ما لم يتم الموافقة على شروطهم المتمثلة؛ بصرف مرتبات الموظفين ومعاشات المتقاعدين، وفقا لكشوفات العام 2014، إضافة إلى توسيع وجهات “مطار صنعاء الدولي”، ورفع جميع القيود عن دخول الواردات إلى “ميناء الحديدة” الخاضع لسيطرة الجماعة.

اقرأ/ي أيضا: رغبات الخليج بالاستثمار في مصر.. ما الذي تعنيه للقاهرة؟

عمليا وعلى الرغم من أن الحديث عن موافقة الجانب الأممي والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بشروط “الحوثيين”، لا يزال في إطار محدود، إلا أن جماعة “الحوثي” كانت قد أعلنت الأحد الماضي عن دخول سفن إلى “ميناء الحديدة” دون أن تتعرض للاحتجاز أو التأخير، معتبرة أن الخطوة تعزز فرص السلام، فيما تحدثت أوساط سياسية يمنية أن فسح المجال أمام السفن للدخول إلى “ميناء الحديدة” يندرج ضمن تفاهمات أولية بين جماعة “الحوثي” والمملكة العربية السعودية.

على خلاف ذلك، صوّت “مجلس الأمن” على قرار جديد لتمديد نظام العقوبات المفروضة على اليمن حتى منتصف تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بما في ذلك حظر الأسلحة المفروض على عدد من “القيادات الحوثية” ليشمل كل الجماعة المصنفة إرهابية بموجب القرار 2624 لعام 2022، بالإضافة إلى تمديد ولاية فريق الخبراء المعني باليمن حتى 15 كانون الأول/ديسمبر 2023.

أعضاء المجلس الـ 15 صوّتوا بالإجماع على القرار الذي أعطي الرقم 2675 للتمديد تقنيا للقرار السابق الذي فرض حظر أسلحة شامل على “الحوثيين”، لأنهم انخرطوا في أعمال تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن، وذلك لمشاركتهم بهجمات لضرب المدنيين والبنية التحتية المدنية في اليمن، بالإضافة إلى أنهم هاجموا الملاحة التجارية في البحر الأحمر مستخدمين متفجرات وألغاما بحرية، فضلا عن ارتكاب بشكل متكرر هجمات إرهابية عبر الحدود من خلال تنفيذ هجمات ضد المدنيين والبنية التحتية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهددوا بالاستهداف المتعمد الأماكن المدنية.

“الحوثيون” بين خطوات متضاربة 

تحركات وقرارات متضاربة، دفعت للحديث عن ما وراءها، إذ يقول الباحث في الشأن اليمني محمد الشجاع، لموقع “الحل نت”، إن العلاقة بين “الحوثيين” والمجتمع الدولي و”الأمم المتحدة” غير واضحة، وإن كانت في ظاهرها حصول “الحوثي” على بعض المكاسب ورفعه سقف المطالب التي تجعله في موقف قوة، لكن في الحقيقة لا توجد أي اتفاقيات مزمنة حتى الساعة، وأن كل الذي يجري ليست إلّا لقاءات ومشاورات تخوضها الجماعة مرة مع عمان ومرة مع “الأمم المتحدة” وأطراف خليجية أخرى ومع الحكومة الشرعية بعدن أحيانا.

بناء على ذلك، وفقا للشجاع، فإن تقييم مسألة استمرار الهدنة من عدمها بشكلها الحالي صعب، بيد أن الهدنة في النهاية جارية بشكلها المفتوح غير المزمن والملزم حتى اللحظة على الرغم من أنها غير مكتملة، إذ ما تزال هناك خروقات يومية وضحايا من المدنيين والعناصر المسلحة من الطرفين.

أما العقوبات ليست وليدة اللحظة وستستمر طالما ظل الصراع وظلت الأطراف اليمنية بهذا التباين الحاد، كما يرى الباحث في الشأن اليمني، ويشير إلى أن هناك محدّدات تسير وفقها “الأمم المتحدة” ومن خلفها القوى الممسكة بالملف اليمني بريطانيا وأمريكا، مبينا أن الصراع الإقليمي في المنطقة ينعكس بشكل سلبي على الحالة اليمنية. 

اقرأ/ي أيضا: مساعي السعودية و“الاتحاد الأوروبي“.. هل تنجح في تعزيز السلام بالشرق الأوسط؟

الشجاع، يعتقد أن هناك ابتزاز غير واضح من واقع هذه العقوبات التي تأتي بالتقسيط على أشخاص وكيانات أو مؤسسات، على اعتبار أن جماعة “الحوثي” بالمقابل تتعامل بالمثل من خلال التّنصل من بعض الشروط والاتفاقيات، لافتا إلى أنه لن تكون هناك تداعيات لهذه العقوبات، فسياسة “الحوثي” واضحة وهي المناورة السياسية لأنها أمام قرارات دولية غير واضحة وشرعية ضعيفة.

لذلك، إن القرار لن يغير من واقع الحال شيء، وهو بالتأكيد كان متوقعا وخاصة ضد قيادات “حوثية” لأنه من غير الممكن أن نجد انفراجة أممية في هذا الجانب لأن تصرفات “الأمم المتحدة” مرهونة بلا شك بتوجهات القوى الفاعلة.

على الجانب الآخر، وفيما يتعلق بعودة “الحوثيين” للتصعيد، يقول الشجاع إن أي تصعيد في النهاية سيكون على حساب الحالة اليمنية، وذلك يشمل تهديد الملاحة الدولية وبعض الأعيان في دول الجوار، لافتا إلى أن الأمور في المجمل تسير إلى منعطف جديد وهو الانكفاء على الداخل وحصر الصراع في هذا الإطار بعيدا عن المزاعم التي تتحدث عن محور المقاومة ومواجهة أميركا وإسرائيل.

“الحوثيون” تحت العقوبات

إلى ذلك، فإن القرار 2675 الذي أعطي لقرار تمديد عقوبات “مجلس الأمن” قد اعتبر أن الوضع في اليمن لا يزال يشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين، واتخذ قراره الجديد بموجب الفصل السابع من ميثاق “الأمم المتحدة”. حيث تَقرّر تجديد الإجراءات التي فرضها حتى 15 تشرين الأول/نوفمبر 2023، بالإضافة إلى تمديد ولاية فريق الخبراء المعينين بموجب القرار 2140 لعام 2014، والقرار 2216 لعام 2016 حتى 15 كانون الأول/ ديسمبر 2023. 

على هذا الأساس، طُلب من فريق الخبراء تقديم تحديث لمنتصف المدّة في موعد أقصاه 15 حزيران/يونيو 2023 وتقرير نهائي على النحو المحدد في القرار 2624 في موعد أقصاه 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

هذا وبما أن القرار الجديد يمدد تقنيا لقرار العام السابق، فبالتالي يبقي تصنيفه لـ”الحوثي” كجماعة إرهابية، كما يدين هجماتهم الإرهابية العابرة للحدود ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ويطالب بإجراءات فورية لوقف مثل هذه الهجمات، فضلا عن إدراج جماعة “الحوثي” كـ “كيان” في قائمة العقوبات المعنية باليمن ضمن حظر الأسلحة الذي تفرضه “الأمم المتحدة” على اليمن.

من خلال التمديد التقني، سعت بريطانيا، وهي حاملة القلم في القضايا المتعلقة باليمن في “مجلس الأمن” إلى إعطاء مساحة لمحادثات السلام الحالية وتجنب تكرار مفاوضات العام الماضي الصعبة بشأن القرار 2624 الذي أدى إلى امتناع أربعة أعضاء عن التصويت.

في الأثناء، وعقب التصويت على القرار، عقد “مجلس الأمن” جلسة مشاورات مغلقة استمع فيها أعضاء المجلس إلى ثلاث إحاطات من كلّ من؛ المبعوث الخاص لـ “الأمم المتحدة” إلى اليمن هانس غروندبرغ، ومساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية جويس مسويا، ورئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم “اتفاق الحديدة” “أونمها” الجنرال مايكل بيري.

وسط هذا المشهد المعقد، على ما يبدو أن المجتمع الدولي والإقليمي يمضي بمسارين، يتسم أحدهما بالمرونة في محاولة لبناء الثقة بين الأطراف المفاوضة حول “عملية السلام”، وضمن هذا المسار رفع القيود عن “ميناء الحديد”، فيما يتم الضغط من خلال “مجلس الأمن” لدفع “الحوثيين” للانخراط في هذه الجهود وهذا في إطار المسار الثاني، لكن مع ذلك لا يبدو حتى الآن هناك موقف مؤكد؛ إذ لا تزال فُرص السلام والحرب قائمة معا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.