سابقا، قوبل اتفاق 2 آب/أغسطس “الهدنة الأممية” بين الأطراف المتحاربة في اليمن بتمديد ثالث لمدة شهرين لوقف إطلاق النار، والذي تم إنشاؤه في البداية، عشية شهر رمضان في أوائل أبريل/نيسان الفائت، بارتياح بشكل عام، كان مصير الاتفاق محل شك بعد إعلان الحوثيين، في أعقاب زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن للمنطقة، أنهم لن يوقّعوا على تمديد آخر، لكن في النهاية، أعطت جميع الأطراف موافقتها.

مما لا شك فيه، أن الهدوء النسبي في اليمن في الأشهر الأخيرة، على الرغم من أنه بعيد عن الإتمام لمدة كبيرة، قد وفر فترة راحة تمس الحاجة إليها لملايين اليمنيين الذين يكافحون تحت وطأة سبع سنوات من الحرب الأهلية. وتجدر الإشارة إلى أن الأمم المتحدة تشير إلى حدوث انخفاض بنسبة 60 بالمئة، في الخسائر بين المدنيين و50 بالمئة، في حالات النزوح.

إعادة تلويح السعودية بالانسحاب من اتفاق الهدنة اليمنية، بعد أن قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في تصريحات تلفزيونية، إن الهدنة في اليمن، “لن تمدد على الارجح”، يطرح تساؤلا حول إذا ما سيجر تصميم جماعة “الحوثي” التي تدعمها إيران، نحو حرب جديدة قد تطال الخليج العربي ومصادر الطاقة فيه.

هدن زجاجية

بعض التقديرات تشير إلى أن ما يزيد عن 1300 هجوم بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة والقوارب الحربية، نفذتها جماعة “الحوثي” خارج حدود اليمن، اعتبارا من تشكيل التحالف العربي عام 2015، إلى بدء الهدنة “المؤقتة” في أبريل/نيسان  الماضي.

يقول الخبير في السياسيات الدولية وسياسة التحالف، بول بواست، لـ”الحل نت”، إن الأكثر إثارة للقلق هو أن الحوثيين يستعدون بوضوح لاستمرار الصراع، إذ من بين 1700 انتهاك للهدنة، أبلغ عنها حتى الآن مرصد الهدنة اليمني، حوالي 93 بالمئة، منسوبة إلى الحوثيون، بما في ذلك الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة على أهداف مُدنية في تعز، ومناطق الصراع الأخرى.

ويشير بواست، إلى أن الحوثيين زادوا من تجنيدهم خلال هذه الفترة، عبر “المعسكرات الصيفية”، في المناطق الخاضعة لسيطرتهم وخصوصا الأطفال. ونقلت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن محقق محلي في مجال حقوق الإنسان، إلى أنه “الحوثيين استغلوا الهدنة في توسيع رقعتهم عبر حملات تجنيد مكثفة، وجلب أعداد متزايدة من شحنات الأسلحة قادمة من إيران إلى ميناء الحديدة”.

مصير نقض الهدنة

التصريحات السعودية جاءت متزامنة أيضا، مع إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس جرودنبرغ، تسليم مسودة تمديد الهدنة للأطراف اليمنية رسميا، وذلك في الأسبوع الأخير من النسخة الثالثة من “الهدنة الأممية”، في وقت تتسارع التحركات الدولية لتمديدها، ويبدو المشهد بأن الوضع يتجه نحو “هدنة رابعة” وفقا للرغبة الأميركية، التي تصر على تجديد الهدنة في اليمن وجعلها مؤقتة حتى إشعار أخر.

في ظل التوترات التي تسود عددا من دول الشرق الأوسط، والحرب الروسية في أوكرانيا، والتوترات بين الولايات المتحدة والصين، وبؤر توتر أخرى، اتجهت الأطراف الإقليمية والدولية للتخفيف من حدة الصراعات الإقليمية أو الحروب الداخلية، للحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي في الشرق الأوسط.

وبرأي بواست، قد يجر استمرار دعم إيران للحوثيين في اليمن، وإصرار الأخير على الشرط المتعلق بصرف مرتبات الموظفين من السعودية، إلى صراع محتمل، إلا أنه لن يكون كالمعارك التي أطلقتها قوات “التحالف العربي” سابقا، لكن سيؤثر ذلك على الأمن والسلم في منطقة الخليج.

علاوة على ذلك، يعتقد بواست، أنه من المحتمل أن تؤدي التطورات الجديدة إلى دعم جماعة “الحوثي” لعودة نشاط تنظيم “القاعدة” في جزيرة العرب، لابتزاز دول الخليج والقوى الغربية، بهدف إرسال إشارة إلى أنهم لن يقبلوا تمديد الهدنة دون تغييرات كبيرة لصالحهم، والذي بدوره قد يمهّد أرضيه لتمدد النفوذ الصيني في المنطقة، عبر تنفيذ مشاريع أحادية الجانب داخل اليمن.

السعودية.. إلى عدم تمديد الهدنة

بشكل عام، تضمنت الفوائد الداخلية المباشرة للهدنة قدرة اليمنيين على الطيران مرة أخرى من صنعاء، وتقليصا كبيرا في الخسائر المدنية والنزوح، وإحياء الاتصال المباشر بين الحوثيين، والحكومة اليمنية. ومع ذلك، لا تزال الهدنة جارية والتقدم المحرز إلى حد كبير نتيجة تنازلات الحكومة اليمنية والتحالف السعودي، والتي قوبلت حتى الآن بمستويات عالية من عدم المرونة للحوثيين.

دانت الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، أمس السبت، هجمات جماعة الحوثيين، قائلة إنها تهدد بعرقلة الهدنة في اليمن، وقال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، خلال مشاركته الجمعة الفائت في ندوة نظمها عن بُعد مركز “الشرق الأوسط”، إن “هناك دلائل على أن الحوثيين لن يوافقوا على تمديد الهدنة التي تنتهي أوائل أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وأن الحوثيين يطرحون مطالب لا نهاية لها”.

أفاد بيان مشترك لحكومات السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا، بأن اجتماعا للأطراف الأربعة دان التعزيزات العسكرية الواسعة النطاق للحوثيين، والهجمات التي هددت بعرقلة الهدنة بما في ذلك تلك التي شنّها الحوثيون على تعز غربي اليمن.

الحكومة اليمنية برئاسة المجلس الرئاسي، قدمت المزيد من التنازلات خلال الأشهر التي سرت الهدنة المؤقتة فيها، أبرزها السماح لجماعة “الحوثي” بإصدار جوازات سفر باسم اليمن، وهو حق سيادي للحكومة الشرعية المعترف بها من الأمم المتحدة، كما تم السماح بتدفق النفط إلى ميناء الحديدة، ما يعطي جماعة “الحوثي” إيرادات إضافية قد عزز الإنفاق على الأسلحة الحربية.

وقدمت الحكومة كل تلك التنازلات في مقابل التزام جماعة “الحوثي” بأهم بنود الهدنة المتعلقة بفك الحصار عن مدينة تعز، التي يقطنها ما يزيد عن ثلاثة ملايين يمني، يعانون من حصار كامل منذ عام 2016، لكن لم توافق للآن جماعة “الحوثي” على فتح الطرق الرئيسية المؤدية إلى مدينة تعز، وفق بنود اتفاق الهدنة، لكنها فتحت طريقا بريا ضيقا لا يصلح لحركة شاحنات النقل الكبيرة، وفق ما تنشره وسائل إعلام محلية.

أخيرا، هناك اهتمام خارجي قوي بتمديد الهدنة اليمنية بالنظر إلى حجم الاضطرابات في الساحة العالمية. ومع ذلك، لا يزال هناك عدم ثقة لدى الأطراف الدولية وخصوصا دول الخليج العربي التي تقودها السعودية، بنوايا جماعة “الحوثي” التي تدعمها إيران، خصوصا بعد تقديم تنازلات كبيرة لدعم الهدنة، ومع ذلك، فشل الحوثيون في الرد بالمثل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة