بالنظر إلى السلوك الدبلوماسي الأردني الحذر في كثير من الأحيان، فإن أفضل طريقة للرد على التقارير الإعلامية التي تفيد بأن الولايات المتحدة، كانت على وشك إطلاق تحالف إقليمي “ناتو الشرق الأوسط” عشية زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، في تموز/يوليو الفائت، إلى المنطقة، هو التدخل واتخاذ موقف. ويبدو أن الملك عبد الله، أعتقد أن قول “نعم”، للفكرة بينما كان يقصد “نعم ولكن”، سيكون أفضل رد في هذه المرحلة.

ظهرت شائعات حول إمكانية تشكيل إطار أمني إقليمي جديد بعد تقديم تشريع من الحزبين الأميركيين، في مجلس الشيوخ الأميركي “الكونغرس”، في 9 حزيران/يونيو يدعو وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، إلى تقديم استراتيجية لدمج قدرات الدفاع الجوي لإسرائيل، والدول العربية من أجل مواجهة الصواريخ الباليستية وغيرها من الأسلحة التي تهدد بها إيران، ووكلائها دول المنطقة.

وبينما يبدو التحالف العسكري بدعم الولايات المتحدة أمرا طبيعيا وضروريا ومبررا، فإن الطريق إلى إنشاء حلف “ناتو” في الشرق الأوسط، أصبح أكثر واقعية، مع إمكانية حدوث تعاون عربي-إسرائيلي في ضوء التوترات الإقليمية المتزايدة، في إطار متابعة هذه التطورات، هل مثل هذا التحالف المناهض لإيران بات ضرورة حالية أكثر من أي وقت؟

الواقع ضد الرؤى

في حين لم يتم تحقيق أي شيء ملموس حتى الآن، فإن المناقشة المتجددة لمثل هذا الاقتراح تثير عدة أسئلة رئيسية: ما هي الحقائق والتطورات التي تملي تشكيل مثل هذا التحالف، ما هي الدول المرشحة للعضوية، وهل يمكن إقامة تحالف في ظل وجود علاقات إقليمية غامضة، وعلاوة على ذلك، فإن الحوار الجاري بين الرياض، وطهران عبر بغداد، إذا نجح، من شأنه أن يقوض الهدف الأساسي أو الحجة المنطقية التي تُحتّم تشكيل التحالف الجديد في المقام الأول.

يشير الخبير في السياسة الدولية، جاستن فيليبس، إلى أن ترحيب الملك بحلف “ناتو” في الشرق الأوسط، هو ما اختارت وسائل الإعلام الإقليمية والدولية التركيز عليه. وانقسم المعلقون في الصحافة العربية في كثير من الأحيان بين أولئك الذين فهموا احتضان الملك، لتحالف دفاعي بحت من الدول ذات التفكير المماثل، وأولئك الذين فسّروا تصريحاته على أنها تمهّد الطريق لإسرائيل لقيادة كتلة عسكرية إقليمية لمهاجمة إيران.

ويضيف فيليبس، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الإفصاح عن الاجتماع السري الذي عُقد في شرم الشيخ، خلال آذار/مارس الفائت، بين مسؤولين عسكريين أمريكيين ونظرائهم الإسرائيليين والأردنيين والمصريين والخليجيين، بهدف التنسيق ضد قدرات إيران، الصاروخية المتنامية وبرنامجها للطائرات بدون طيار، دليل على أن ما لم يقر في قمّة جدّة، تراه هذه الدول بات ضرورة ملحّة.

وذكر فيليبس، أن هذه ليست المرة الأولى التي يدور فيها حديث عن تشكيل تحالف عسكري في المنطقة. كانت هناك على الأقل خلال السنوات القليلة الماضية دعوتان من هذا القبيل: أولا، خطة جامعة الدول العربية في عام 2015، لإنشاء قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب، وثانيا، اقتراح المملكة العربية السعودية في عام 2017، لإنشاء تحالف أمني في الشرق الأوسط، الذي أطلق عليه اسم ” الناتو العربي” في ذلك الوقت، والذي لاقى دعما كاملا من الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب.

لم ترى أي من هذه الخطط أو الدعوات، النور لأسباب عديدة، بما في ذلك تزايد النزاعات المسلحة في بعض دول المنطقة مثل سوريا وليبيا واليمن. كما نجمت الخلافات السياسية بين دول المنطقة عن اختلاف مواقف هذه الدول من هذه الصراعات، مما أدى إلى وجود محاور متنافسة، حيث دعمت كل دولة أحد أطراف النزاع. فضلا عن الخلافات السياسية حول العديد من القضايا الأخرى داخل المنطقة، وحتى خارجها.

الخطر المتزايد يسرع الرؤية

على عدة جبهات، أدى التهديد الإيراني المتزايد إلى تقريب العديد من الأطراف الفاعلة من طاولة المفاوضات. ففي السنوات الأخيرة، كانت المملكة العربية السعودية، تطالب بدعم أميركي وإقليمي أكبر في الحرب ضد ميليشيات الحوثي المتحالفة مع إيران في اليمن، والتي أطلقت أكثر من 200 صاروخ باليستي، وعشرات الطائرات المسيرة الانتحارية ضد المملكة قبل دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في نيسان/أبريل 2022. وفي عام 2019، تعرضت حقول النفط السعودية، لهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ كروز، يُعتقد إلى حد كبير أنها جاءت من إيران. وبالطبع، جل ما فعلته هذه الهجمات هو أنها صبّت الزيت على نار المعاداة لإيران.

في شمال أفريقيا، تشير الأدلة إلى أن إيران، تقوم بتسليح وتدريب “جبهة البوليساريو”، في الجزائر في محاولة لزعزعة استقرار المغرب بعد تطبيع البلاد مع إسرائيل. والواقع أن دور إيران في هذه القضية المهمة لا يقوض المغرب العربي السني ككل فحسب، بل يفاقم أيضا معاداة إيران داخل المغرب، ما يقرّب البلاد أكثر من حلفائها الإقليميين.

كما أثار توسع إيران في المنطقة من خلال الميليشيات في لبنان وسوريا والعراق واليمن، بعض الدول العربية إلى حد كبير، وبالتالي، كانت استراتيجية إدارة بايدن، هي تشجيع التعاون الدفاعي بين حلفاء الولايات المتحدة بما في ذلك البحرين ومصر وإسرائيل والأردن والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بينما كانت تحاول أيضا إحياء الاتفاق النووي الإيراني.

يقول فيليبس، إن “ناتو الشرق الأوسط” بات أقرب للإعلان عنه وفق رؤيته، لأنه لا يزال الخطر والتهديد المستمر الذي تشكله إيران موضوعا متطورا في المنطقة. هذا ليس فقط فيما يتعلق بسلوكها الإقليمي، حيث لا توجد حتى الآن مؤشرات واضحة على التغيير، ولكن أيضا إمكانية امتلاكها القدرة على تصنيع أسلحة نووية، خاصة إذا فشلت المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في التوصل إلى اتفاق قريبا.

ليس فقط من أجل إيران

وفقا للتقرير الذي نشره معهد “واشنطن” للدراسات، في منتصف أيلول/سبتمبر الجاري، فإنه في الآونة الأخيرة، كانت معاداة إسرائيل هي السبب الوحيد الذي يوحّد معظم دول الشرق الأوسط عسكريا. أما اليوم، فيبدو أن التهديد الذي تشكله إيران، إضافة إلى تهديد الأطراف الخارجية، قد يتغلب على الكراهية التي شعرت بها هذه الدول تجاه إسرائيل في الماضي.

وأشار أستاذ العلوم التربوية في جامعة الرباط، محمد اشتاتو، ضمن التقرير إلى أن إيران، هي الراعي الرئيسي للإرهاب الإسلامي الراديكالي في العالم، فهي تصدّر آلاف الطائرات المسيرة والصواريخ إلى وكلائها في المنطقة، كما أنها تشارف على امتلاك أسلحة نووية، وهو تهديد يؤثر على كل دولة في الشرق الأوسط. مع وضع ذلك في الاعتبار، لا عجب في أن الكثيرين في الشرق الأوسط يتوقون إلى إنشاء تحالف للدفاع الجوي.

وعلاوة على إيران، تشعر الولايات المتحدة بالقلق أيضا من تأثير الحرب في أوكرانيا على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. فالجهود التي بذلتها موسكو لإقناع دول الخليج العربية بإبقاء أسعار النفط مرتفعة وعدم الانضمام إلى العقوبات الغربية ضدها أوجدت واقعا سياسيا جديدا لا يمكن إلا أن يؤجج التوتر بين القوى الإقليمية. وحيث إن الولايات المتحدة ليست واثقة من خطوة روسيا التالية، وتتصدى لنفوذ الصين المتزايد في المنطقة من خلال مبادرة الحزام والطريق، فهي تحتاج إلى حلفاء حقيقيين في الشرق الأوسط الآن أكثر من أي وقت مضى.

بالفعل، فقد ضاعفت الصين خلال العقد الماضي استثماراتها المالية والسياسية في المغرب العربي بهدف التفوق على النفوذين الأوروبي والأميركي في المغرب والجزائر وتونس. وفي حين أثارت هذه الخطوة توتر الدول الغربية، إلا أن هذه الأخيرة لم تفعل بعد شيئا يذكر للجم نزعة الصين الإمبريالية في المنطقة.

ولفت اشتاتو، إلى أنه حتى الآن، لم يتم التأكيد على وجود “تحالف الدفاع الجوي” هذا، غير أن الأدلة تشير إلى تأييد الجهات الإقليمية له. فبعد رحلة العاهل الأردني، الملك عبد الله، إلى الإمارات العربية المتحدة في 23 حزيران/يونيو، قال الملك في مقابلة مع قناة “سي إن بي سي” الأميركية، إن بلاده ستشارك في تحالف عسكري شبيه بحلف “الناتو”، بين الدول الحليفة في الشرق الأوسط. وأكد أنه سيكون “من أوائل الداعمين لإطلاق حلف شبيه بالناتو في الشرق الأوسط”، مشددا على ضرورة أن يكون لمثل هذا التحالف “مهمة واضحة للغاية” لتجنب “الالتباس.”

أخيرا، إن تشكيل تحالف شرق أوسطي على غرار حلف “الناتو” ضروري، ويبدو أن هناك حججا منطقية تدعو إليه في ظل وجود التهديدات الإقليمية المستمرة، والظروف المتغيرة، لكن في الوقت نفسه، لا يمكن ذلك بسبب الحقائق على الأرض، لا سيما وجهات النظر المتباينة للدول المعنية، ليس فقط فيما يتعلق بما إذا كانت إيران تشكل تهديدا بالفعل أم لا لدى بعض الدول العربية، ولكن أيضا بشأن كيفية التعامل معها. هناك من يتمسك بالحوار باعتباره السبيل الوحيد، بينما يعتقد آخرون أن الضغط وربما القوة في مرحلة ما، هو الشيء الوحيد الذي سيوقف إيران والصين، وحتى روسيا ويزيل تهديدهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة