لم تنتهِ تداعيات قرار خفض الإنتاج النفطي من قِبل منظمة “أوبك بلس” بعد. واشنطن الرافضة للقرار لا تزال تبحث كيفية ردع المنظمة النفطية بعدم موافقة الدول المنتجة بزيادة الإنتاج وذهابها بدل ذلك إلى خفضه، وهي تركز حاليا بمشروع قانون “نوبك” فهل تُقره لمعاقبة “أوبك” و”أوبك بلس”

أعطى كبار أعضاء “مجلس الشيوخ” الأميركي من كلا الحزبين “الديمقراطي” و”الجمهوري”، قوة دافعة لمشروع قانون “منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج وتصدير النفط”، المعروف اختصارا باسم قانون “نوبك”، للوقوف بوجه دول “أوبك” وعلى رأسها السعودية.

ماذا لو أُقرّ “نوبك”؟

زعيم الأغلبية في “مجلس الشيوخ”، الديمقراطي تشاك شومر، الذي يقود مشروع القانون، قال إن “ما فعلته السعودية لمساعدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مواصلة شن حربه الدنيئة الشرسة ضد أوكرانيا، سيبقى بذاكرة الأميركيين لفترة طويلة”.

شومر أردف في بيان عقِب قرار خفض الإنتاج النفطي من قبل “أوبك بلس”، “نحن نبحث في جميع الأدوات التشريعية للتعامل على أفضل وجه مع هذا العمل المروع، بما في ذلك مشروع قانون نوبك”.

جو بايدن

إذا جرى تمرير مشروع القانون في مجلسي “الكونغرس” ووقّعه الرئيس الأميركي جو بايدن، فإن “نوبك” سيغير قانون مكافحة الاحتكار الأميركي لإلغاء الحصانة السيادية، التي تحمي أعضاء “أوبك بلس” وشركات النفط الوطنية في تلك الدول من الدعاوى القضائية.

سيعطي المدعي العام الأميركي خيار مقاضاة الدول الأعضاء في “أوبك” و”أوبك بلس”، مثل السعودية أو روسيا، أمام محكمة اتحادية، في وقت اجتاز مشروع قانون “نوبك”، لجنة في “مجلس الشيوخ” بسهولة هذا العام بدعم من أعضاء ديمقراطيين في المجلس.

يضم تحالف “أوبك بلس” 23 دولة، من بينها السعودية وروسيا، ويجتمع بصورة منتظمة لاتخاذ قرارات بشأن حجم إنتاج النفط الخام عالميا، ويضم التحالف أعضاء منظمة “أوبك” الأساسيين وهم 13 دولة.

يمثل خفض الإنتاج النفطي بمقدار مليوني برميل نفط يوميا، والذي سيدخل حيز التنفيذ في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، حوالي 2 بالمئة من إمدادات النفط عالميا.

قرار خفض الإنتاج جاء بعد أن انخفضت أسعار النفط عالميا إلى 79 دولارا للبرميل الواحد، وبعد خفض كمية الإنتاج عادت أسعار النفط لترتفع إلى 95 دولار للبرميل الواحد.

واشنطن اعتبرت قرار خفض الإنتاج لمساندة روسيا من قِبل السعودية والإمارات وبقية أعضاء منظمة “أوبك”، وذلك ما يجعل موسكو التي تُعد ثاني دولة مصدّرة للطاقة في العالم، تستفيد من إيرادات النفط باستمرار غزوها لأوكرانيا.

من هدّد بنقض القانون سابقا؟

اللجنة القضائية التابعة لـ “الكونغرس” الأميركي، مرّرت في أيار/مايو الماضي، مشروع قانون “نوبك” ضد أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط.

اللجنة قالت على موقعها الرسمي حينها، إن قانون “نوبك” “سيسمح لوزارة العدل بمحاسبة “أوبك” وشركائها على أنشطتهم المانعة للمنافسة، والأهم من ذلك أن التشريع يسمح فقط لوزارة العدل برفع دعوى ضد منظمة “أوبك” وأعضائها.

بحسب اللجنة، فإن “نوبك” هو مشروع قانون سيساعد الولايات المتحدة الأميركية، على تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار ضد بلدان منظمة “أوبك” وتحالف “أوبك بلس”.

اللجنة التابعة لـ “الكونغرس”، بيّنت أن السلوك المناهض للمنافسة من جانب “أوبك” وشركائها للتلاعب بأسعار النفط، “يضر المستهلكين الأميركيين بشكل مباشر”.

منظمة “أوبك” تأسست في بغداد عام 1960 ومقرها في فيينا، وهي مجموعة من البلدان التي تدير تكتلا يتحكم في أسعار وإنتاج النفط في جميع أنحاء العالم، مع الدول الشريكة لها في “أوبك بلس”، بما في ذلك روسيا، وتسيطر على 70 بالمئة من جميع النفط المتداول دوليا، و80 بالمئة من جميع احتياطيات النفط.

يمكن إقرار قانون “نوبك” عن طريق تعديل “قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار” لعام 1890 وفق تقرير لموقع “بلومبرغ”، وهو القانون الذي استُخدم منذ أكثر من قرن مضى لتفكيك إمبراطورية النفط التابعة لرجل الأعمال الأميركي جون دي. روكفلر.

حتى لو لم تستخدم وزارة العدل الأميركية مطلقا سلطتها في رفع الدعاوى ضد “أوبك”، فإن مجرد وجود هذا الخيار قد يكون كافياً لإجبار المنظمة النفطية على تغيير سلوكها، بحسب “بلومبرغ”.

في 2007 جرت الموافقة على نسخ من مشروع القانون على يد مجلسي النواب و”الشيوخ” الأميركيين، لكن الفكرة توقفت عند هذا الحد تحت تهديد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، باستخدام حق النقض.

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أيّد فكرة “نوبك” قبل توليه منصبه، كما هاجم “أوبك” بشكل متكرر على حسابه بموقع “تويتر”، لكن خلال فترة ولايته التي امتدت 4 سنوات، لم يُطرح التشريع مطلقا للتصويت في أي من المجلسين. “الشيوخ” و”الكونغرس”.

مسؤولون في حزب الرئيس الأميركي جو بايدن، عبّروا من خشيتهم من أن يؤدي قرار تخفيض إنتاج النفط إلى ارتفاع أسعار الوقود، ومن ثم أسعار السلع الأخرى، وهو ما قد يؤثر على شعبية الحزب وفرصه في انتخابات التجديد النصفي المقبلة.

من المتوقع أن ترسم الانتخابات النصفية في أميركا، المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل تشكيلة “الكونغرس” الجديدة، وسط مساع من الحزب “الجمهوري” لانتزاع السيطرة من الديمقراطيين.

من يعارض “نوبك”؟

مشروع قانون “نوبك”، عارضه كل من “معهد البترول” الأميركي وغرفة التجارة الأميركية بشدة، خشية اتخاذ إجراءات انتقامية ضد الشركات الأميركية في الخارج إذا أصبح قانونا، في وقت يستفيد منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة الأميركية من انضباط إنتاج “أوبك” في تعزيز الأسعار.

شركة “كلير فيو إنرجي بارتنرز” الاستشارية، كتبت في مذكرة بحثية، أن “الإشارات على نية الإدارة الأميركية استخدام صلاحيات جديدة في حالة إقرار نوبك ستشكل تدخلا مثيرا، وقد تدفع تحالف أوبك بلس إلى إعادة النظر وربما التخلي عن دوره في موازنة السوق، مما يؤدي إلى موجة بيع واسعة النطاق واستنفاد المخزونات الاحتياطية العالمية”.

في السياق، قال تقرير لموقع “بي بي سي”، إن الإسراع بإقرار قانون “نوبك” بات من السيناريوهات المطروحة من الجانب الأميركي، بعد أن فشلت محاولات واشنطن على مدار أعوام عديدة، لتمرير نسخ سابقة من “نوبك”.

المتحدث باسم “مجلس الأمن القومي” الأميركي جون كيربي، قال أول أمس الثلاثاء إن بايدن “مستعد للتعاون مع الكونغرس” بشأن الإجراءات التي يمكن اتخاذها على ضوء قرار “أوبك بلس” ومنها إقرار قانون “نوبك”.

في واشنطن توجد مخاوف من أن يعود مشروع القانون بالضرر على منتجي النفط والغاز في الولايات المتحدة نفسها. فضلا عن مخاوف من لجوء بعض الدول المتضررة للتصعيد، وهو ما يفاقم التوتر ويرهق الاقتصاد العالمي المتضرر بالفعل من تبعات وباء “كورونا” والغزو الروسي لأوكرانيا، حسب تقرير لموقع “ميدل إيست آي”.

مجلس الشيوخ الأميركي

كانت المتحدثة السابقة باسم “البيت الأبيض” جين ساكي، قالت في أعقاب تمرير لجنة “مجلس الشيوخ” لمشروع قانون “نوبك”، إن الإدارة الأميركية لديها مخاوف من “التداعيات المحتملة والعواقب غير المقصودة” للتشريع، لا سيما في ظل أزمة أوكرانيا.

لكن تجاهل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الرد على مكالمات بايدن نفسه مؤخرا، واستقبال الرئيس الصيني استقبالا حافلا، والإعلان عن قرب توقيع اتفاق بين الرياض وبكين، تدفع بموجبه الصين ثمن النفط السعودي باليوان وليس الدولار، أدّى لتسريع التفكير بجدية لإقرار قانون “نوبك”.

توقيت خطوة خفض إنتاج النفط من قبل “أوبك بلس”، قبل نحو شهر فقط من انتخابات التجديد النصفي لـ “الكونغرس”، وضع الإدارة الأميركية في موقف صعب؛ لأن أي خطوة يتخذها بايدن ضد السعودية قد تكون لها تبعات سياسية خطيرة على علاقات واشنطن بباقي حلفائها في المنطقة، بحسب تقرير لموقع “ميدل إيست آي”.

في النهاية، يبدو أن تمرير قانون “نوبك”، هو الخطوة الأكثر ترجيحا الآن، في ظل اتفاق الجمهوريين والديمقراطيين، على ضرورة معاقبة السعودية، لكن ليس من الواضح بعد طبيعة الآلية التي سيتم اللجوء إليها لمقاضاة الدول المنضوية في “أوبك” في حال إقرار التشريع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.