المغرب والجزائر وتونس، البلدان المهيمنة في المنطقة المغاربية، يخوضون مواجهة دبلوماسية، حيث يعود التنافس بينهما إلى عقود، لكنه اتخذ منعطفا دراماتيكيا نحو الأسوأ في العام الماضي. منذ آب/أغسطس 2021، قطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وقطعت شحنات الغاز التي كانت تمر في السابق عبر المغرب إلى إسبانيا، واتهمت القوات المغربية بقتل ثلاثة مواطنين جزائريين في إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه.

أثارت التوترات بين هذين البلدين المدجّجين بالسلاح مخاوف داخل المنطقة من أن المغرب والجزائر، قد ينجرفان إلى صراع مفتوح، مما يهدد بزعزعة استقرار واسعة النطاق في شمال إفريقيا، مع كل العواقب التي قد تترتب على الاتحاد الأوروبي.

يُعتبر نزاع الصحراء الغربية من أقدم النزاعات في العالم وأكثرها إهمالا، بعد أكثر من 30 عاما على اندلاع الحرب، ونزوح أعداد كبيرة من الناس ووقف إطلاق النار في عام 1991، الذي جمّد المواقع العسكرية، وما زالت نهايته بعيدة. ويرجع ذلك إلى حقيقة أنه بالنسبة لمعظم الجهات الفاعلة (المغرب والجزائر وجبهة البوليساريو)، فضلا عن الدول الغربية، يوفر الوضع الراهن مزايا قد تعرّض التسوية السابقة للنقض، لكن الصراع له تكاليف بشرية وسياسية واقتصادية وضحايا حقيقيين سواء للبلدان المعنية مباشرة، والمنطقة والمجتمع الدولي الأوسع، فما مآلات أزمة الصحراء الغربية على دول شمال إفريقيا؟

أصل القضية وأسباب الانهيار

النزاع الجاري في الصحراء الغربية أدى إلى منع عملية التكامل المغاربي، مما تسبّب في ضياع فُرص الازدهار في المنطقة، خصوصا مع سباق التّسلح بين الجزائر والمغرب، إذ يُعد النمو والاستقرار في المغرب العربي عنصرين مهمين لمكافحة الإرهاب ومراقبة الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، أوضحت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، أنه بينما تجدد تركيز الولايات المتحدة على عملية الأمم المتحدة الخاصة بالصحراء الغربية، إلّا أنها لن تتراجع عن اعتراف إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب بالسيادة المغربية.

يقول الخبير في السياسة الأفريقية، وليام رينو، لـ”الحل نت”، إنه في عام 2017، عاد المغرب للانضمام إلى الاتحاد الأفريقي بعد فجوة استمرت 33 عاما، بعد أن ترك سلفه، منظمة الوحدة الأفريقية، في عام 1984 للاحتجاج على قبول المنظمة بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كعضو. كانت عودة المغرب علامة على طاقة دبلوماسية جديدة وثقة في سياسته الإقليمية، في وقت بدت فيه السياسة الخارجية الجزائرية راكدة. كما نجح المغرب في إقناع موجة من أكثر من 20 دولة عربية وإفريقية بفتح قنصليات في الإقليم، مما يشير إلى قبولها بادعاء المغرب بالسيادة.

أعقبت هذه التحركات الدبلوماسية إعادة فتح الأعمال العدائية بين المغرب، والبوليساريو في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، وأعلنت البوليساريو، إنهاء وقف إطلاق النار بعد أن عبرت القوات المغربية إلى منطقة الكركرات، العازلة التي تخضع لدوريات الأمم المتحدة لإخراج المحتجين الصحراويين، الذين ادعى المغرب أنهم يمنعون حركة مرور البضائع.

ويشير رينو، بالنسبة للجزائر، بدأ التقارب المغربي مع إسرائيل بمثابة تهديد مباشر: قال رئيس الوزراء الجزائري، عبد العزيز جراد، إن الجزائر، “مستهدفة من خلال وصول الكيان الصهيوني إلى أبوابها”. وعندما زار وزير الخارجية الإسرائيلي ياسر لبيد المغرب، انتقد دور الجزائر في المنطقة، وأعرب عن قلقه بشأن علاقاتها مع إيران.

بدأ المغرب حملة لقلب الطاولة على الدعم الجزائري للبوليساريو، من خلال الترويج لقضية الحركة الانفصالية في منطقة القبائل الجزائرية. في تموز/يوليو 2021، وزع سفير المغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، مذكرة قائلا: إن “شعب القبائل الشجاع يستحق أكثر من أي شعب آخر التمتع الكامل بحقه في تقرير المصير”.

كانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير التي دفعت الجزائر إلى استدعاء سفيرها ثم قطع العلاقات الدبلوماسية، واتخذت الجزائر المزيد من الخطوات ضد المغرب في خريف 2021، حيث أغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية، وأوقفت شحنات الغاز. عبر خط أنابيب المغرب العربي- أوروبا، الذي يربط الجزائر والمغرب وإسبانيا والذي يوفر الغاز المستخدم لحوالي عُشر إمدادات الكهرباء في المغرب.

أصبحت تونس فجأة متورطة في الخلاف بين الجزائر والمغرب، حول الصحراء الغربية، منذ أواخر آب/أغسطس، دخل المغرب وتونس في خلاف دبلوماسي يوشك أن تمتد تداعياته إلى علاقاتهما التجارية. فقد سحب المغرب سفيره من تونس في 26 آب/أغسطس بعد أن استقبل الرئيس التونسي، قيس سعيّد، زعيم “جبهة البوليساريو” إبراهيم غالي، وهي الحركة التي تطالب بتقرير المصير لشعب الصحراء الغربية، التي يطالب المغرب بالسيادة عليها.

ورداً على ذلك استدعت الحكومة التونسية سفيرها من الرباط أيضا. وكان غالي، قد أتى إلى تونس للمشاركة في “مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية”، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور يظهر فيها سعيّد، وهو يرحب به في المطار، وسرعان ما أعلن المغرب، أنه لن يشارك في المؤتمر، وظهرت تقارير في 31 آب/أغسطس مفادها أن الرباط تفكر في قطع العلاقات الاقتصادية مع تونس. وفي الأسبوع الماضي أعلن “الاتحاد المغربي لجمعيات حماية المستهلكين”، عن حملة لمقاطعة البضائع التونسية.

مآل المواجهة في شمال إفريقيا

الثمن البشري والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني الذي يتعين على الأطراف الاعتراف به، إذا ما اندلع الصراع الذي طال أمده، سيكون كبيرا جدا لا سيما على منطقة المغرب العربي وعلى الدول المحيطة به وصولا إلى أوروبا.

يرى رينو، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن التوترات بين المغرب والجزائر وتونس، تصاعدت مؤخرا، وهناك الآن خطر متزايد من نشوب نزاع مسلح، إذ يتجذر التصعيد في الخلاف حول وضع الصحراء الغربية، حيث يبدو أن المغرب يشعر بأن مطالبته بالسيادة تحظى بدعم دولي.

وبحسب رينو، جاء هذا التصعيد بعد أن تعرضت العلاقات الضعيفة بالفعل بين البلدين لسلسلة من التطورات، لا سيما التّحول في موقف القوى الخارجية. كانت اللحظة الحاسمة قرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالسيادة المغربية، حول الصحراء الغربية في كانون الثاني/ديسمبر 2020 مقابل تطبيع المغرب لعلاقاته مع إسرائيل. من جانبها، أجرت الجزائر مؤخرًا مناورات عسكرية مشتركة في أوسيتيا الجنوبية مع روسيا، التي زودت الجزائر منذ فترة طويلة بجزء كبير من الأسلحة الجزائرية.

هناك العديد من الحالات في التاريخ الحديث للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث أدى تدخل القوى الخارجية إلى تصعيد الصراع. ومع ذلك، هناك أيضا أسباب للاعتقاد بأن المواجهة بين الجزائر والمغرب قد تظل محتواة، لدى كِلا البلدين حوافز لتجنب الصراع المفتوح، بما في ذلك الحاجة الملحة للتركيز على المخاوف الاقتصادية المحلية.

ووفقا لتحليل رينو، فإن التكلفة الإجمالية لهذا الصراع مرتفعة للغاية بالنسبة للمنطقة ككل، لأنه يعيق تطور اتحاد المغرب العربي، ويؤدي إلى تأخيرات في التكامل الاقتصادي، وانخفاض الاستثمار الأجنبي، ومعدلات نمو أبطأ. ولعل الأمر الأكثر خطورة، هو حقيقة أن المنطقة المحكومة بشكل سيء والتي تغطي الصحراء الغربية، وشمال موريتانيا، وجنوب غرب الجزائر، أصبحت منطقة تهريب مخدرات، وأشخاص، وأشكال متعددة من التهريب، وتعاني من نقص التعاون الأمني.

المقاربات والمستقبل

في حين أن خطر اندلاع نزاع مسلح أكثر خطورة في شمال غرب أفريقيا حول مسألة الصحراء الغربية ليس حادا بشكل خاص، فمن المرجح وفقا للباحثة في معهد “واشنطن” للدراسات، سابينا هينبرج، أن تستمر الأزمة الدبلوماسية بين بلدان المغرب العربي في التأجج. وتعاني البلدان الثلاثة في المغرب العربي من ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب الحرب على أوكرانيا، وحالات الجفاف الأخيرة. وقد يهدد نقص الغذاء شعبية حكومات هذه البلدان واستقرارها.

وتواجه كل دولة أيضا، بحسب تقرير المعهد، الذي نُشر في منتصف أيلول/سبتمبر الجاري، ضغوطها السياسية الداخلية الخاصة بها. وليس هناك ما يشير إلى أن المغرب سيتراجع عن إصراره على “السلامة الإقليمية” للصحراء الغربية، كونه مدعوما باعتراف الولايات المتحدة، وإسبانيا، ومؤخرا ألمانيا بموقف المغرب. وقد فتحت عدة دول أفريقية أيضا قنصليات في هذا الإقليم، منذ صدور قرار الولايات المتحدة.

وطبقا لما ذكره التقرير، فقد أدّى النزاع الجاري في الصحراء الغربية إلى منع عملية التكامل المغاربي، مما تسبب في ضياع فُرص الازدهار في المنطقة. كما غذى سباق التسلح بين الجزائر والمغرب وأدى إلى انتهاكات حقوق الإنسان ضد النشطاء، إذ يُعد النمو والاستقرار في المغرب العربي عنصرين مهمين لمكافحة الإرهاب، ومراقبة الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط.

على الرغم من هذه الاتجاهات، سيكون من الخطأ رؤية ديناميكية حتمية لزيادة التوترات بين الجزائر والمغرب وتونس، خصوصا أن هذه التوترات تغذيها بشكل أساسي روسيا وإيران والصين، ومؤخرا تركيا التي عمّقت علاقتها بالجزائر، ويتعين على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه والأمم المتحدة، تبني سياسة تجاه هذا النزاع تستند إلى تقييم مصالح دول المغرب العربي، والدول المحيطة به على نطاق أوسع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.