قبل أسابيع قليلة من انعقاد قمة جامعة الدول العربية في الجزائر العاصمة، تكافح الدول الأعضاء للاتفاق على سلسلة من القضايا الملتهبة. فالخلاف مرتبط جزئيا بكل من الرباط والجزائر، ليمتد لمحورين متعاديين عبر إفريقيا والشرق الأوسط.

أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، قال في حزيران/يونيو الماضي، إن “القمة ستكون ناجحة”. ولكن، مع اقتراب الحدث، المؤجل لمدة عامين والمقرر عقده في الجزائر يومي 1 و2 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، يبدو أن فكرة “القمة الموحدة والشاملة” التي روج لها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تبدو أكثر فأكثر مثل السراب. وخلف الكواليس، ولعدة أشهر وحتى نهاية الصيف، ناقش دبلوماسيون من دول الخليج (السعودية والإمارات) ومصر مطولا إمكانية تأجيل جديد لهذه القمة، بسبب المواقف الجزائرية في السياسة الخارجية.

ومن الملفات المزعجة لهذه الدول، العلاقات “الطيبة” بين الجزائر ونظام طهران، ورفضها التعليق على التدخل الإيراني في لبنان وسوريا واليمن، وكذلك طعن الجزائر لمصر في الظهر بمناسبات مختلفة. فقد تواصلت الجزائر مع تركيا بهدف منع مصر من لعب دور رائد في حل الأزمة الليبية. يضاف إلى ذلك قرارها كسر الإجماع العربي من خلال الانحياز إلى إثيوبيا، بدلا من القاهرة بشأن سد النهضة المبني على النيل، بحسب سمير بنيس، المستشار والمحلل السياسي المقيم في واشنطن.

محمد بن زايد يؤكد حضوره

مع ذلك، يبدو أن الوضع قد تغير في الأيام الأخيرة؛ ففي 12 أيلول الجاري، علمت صحيفة “جون أفريك” ووفقا لمصادر جيدة، بأن العاهل المغربي محمد السادس “سيشارك شخصيا” في هذه القمة العربية الحادية والثلاثين، في حين قطعت الجزائر من جانب واحد جميع العلاقات مع المملكة منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر 2021. وحتى الآن لم ينف أو يؤكد القصر الملكي أو الدبلوماسية المغربية الخبر. وللتذكير، أعلن عبد المجيد تبون في 7 أيلول/سبتمبر الجاري أنه سيرسل وزير العدل الجزائري، عبد الرشيد الطبي، لتوجيه دعوة رسمية إلى العاهل المغربي. كانت فرضية مشاركة محمد السادس في هذه القمة بالفعل موضع شائعات في الصحافة السعودية منذ أيام قليلة، حيث يتم عرض الحدث هناك كثمرة لوساطة الرياض بين المملكة والجزائر. ومن الواضح أن وجود ملك المغرب في الجزائر سيبشر بالخير لنجاح قمة جامعة الدول العربية.

وفي 13 أيلول/سبتمبر، أكد محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، من جانبه رسميا “مشاركته الشخصية” في القمة، التي تنذر بتدفئة العلاقات مع الجزائر، وهي تتلو إرسال، في نهاية شهر آب/أغسطس، سفير إماراتي جديد إلى طهران، بعد ست سنوات دون أي تمثيل دبلوماسي في إيران. وتنتظر الجزائر الآن استجابة السعوديين والمصريين لدعوتها، معربة عن أملها في أن يسير البلدان على نفس “النهج البناء” الذي اتبعه المغرب والإمارات العربية المتحدة.
“إذا لم يذهب المغرب، فيمكن تفسير ذلك على أنه إشارة سلبية تجاه الجزائر وانسحاب من جامعة الدول العربية. وإذا رفضت مصر الدعوة، فإن القمة تكاد تكون بلا جدوى. بعد كل شيء، هذا الحدث هو وسيلة للجزائر أن تعيد نفسها إلى المسرح في الداخل كما في الخارج. وربما لا تريد بعض الدول أن تقدم هذه الخدمة للجزائر”، يحلل المؤرخ المتخصص في المنطقة المغاربية، بيير فيرمرين.

معركة ضارية في القارة الإفريقية؟

وفق تقرير “جون أفريك” الذي ترجمه موقع “الحل نت” فإن هذه المماطلة والمناورات الخفية إلى حد ما توضح مرة أخرى حقيقة أنه بخلاف الأزمات والتحديات الهائلة التي تواجه الدول العربية، لم تكن الوحدة والتوافق مطروحان على جدول الأعمال لفترة طويلة، إلا فيما يتعلق بمواكبة المظاهر. ويؤكد فيرمرين أن “الصراع” بين المغرب والجزائر ومصالح القوى الجديدة في إفريقيا “يؤدي إلى ظهور محاور جديدة ويعزز التحالفات في القارة السمراء”. فلدى الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تنافس كامل وطموحات في إفريقيا، مثل إيران، التي كانت ولا تزال مهتمة بشكل وثيق بنيجيريا أو جنوب إفريقيا منذ عدة سنوات.

كذلك كان المغرب ومصر، وكلاهما مرتبطان ارتباطا وثيقا بالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، في حالة تقارب منذ أكثر من عام. وبعد فترة مضطربة بين عامي 2014 و2021، عندما كان الرئيس السيسي متفقا مع المواقف الجزائرية، قام وزير الخارجية المصري سامح شكري بأول زيارة له إلى المملكة المغربية منذ سبع سنوات في 9 و10 أيار. وتمت إتاحة الفرصة للطرفين لإصدار بيان مشترك أكدت فيه مصر تمسكها بوحدة أراضي المغرب ودعمها لخطة الرباط للحكم الذاتي للصحراء، في حين قدم المغرب “دعمه الكامل للأمن المائي لمصر” ودعا إلى “التخلي عن السياسات الأحادية فيما يتعلق بالأنهار الدولية”. وهذه رسالة واضحة إلى إثيوبيا في الملف الشائك لسد النهضة الضخم.

فهل هذا التحالف ظرفي؟ أم استعداد لمواجهة الجزائر في القارة؟ من الصعب قول ذلك، كما يعترف فيرمرين، حيث يقول “الدولة المصرية هي آلة معقدة، يتقاطع معها العديد من الميول الأيديولوجية والسياسية، ويمكن مقارنتها إلى حد ما بالولايات المتحدة الأمريكية المتأرجحة. وتحتل مصر موقعا مركزيا مع كونها نقطة تحول، وبالتالي فهي تمثل تحديا أساسيا بين الجزائر والرباط”.

تحالفات دائمة؟

إن السؤال الرئيسي الذي يبرز هو حول ما إذا كان التقارب بين الرباط والقاهرة يمكن أن يصبح دائما، ولأي أسباب؟. أفضل حجة لصالح هذه الفرضية هي أن البلدين، وكذلك الإمارات والسعودية، لديهما مواقف متقاربة في الوقت الحالي حول العديد من القضايا الجوهرية، مثل القضية الإيرانية والفلسطينية والليبية، والتطبيع مع إسرائيل. هذا بالإضافة إلى الموقف المتوازن تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، والتقرب من الغرب والولايات المتحدة، ومواجهة “الإخوان المسلمين”.

ولكن في المقابل، قدمت الجزائر التغيير من خلال إنشاء “تجمع دبلوماسي جديد” وهو مجموعة الأربع G4، في نهاية شباط/فبراير 2022. وقد استقبلت الرباط والقاهرة بشكل سيئ هذه المبادرة التي تجمع بين نيجيريا وجنوب إفريقيا ودولة بحاجة إلى التعافي على الساحة الداخلية والأفريقية وهي إثيوبيا. فأديس أبابا هي الوافد جديد، لأن محور الجزائر – بريتوريا – أبوجا، في الواقع قديم.

ويقول عنه فيرمرين: “إنه تحالف عظماء القارة”. ومن خلال الترحيب بإثيوبيا، تشكل الـ G4 ثقلا حقيقيا يمثل ثلث سكان القارة ويساهم بشكل أساسي في الميزانية التشغيلية للاتحاد الإفريقي. لكن في الأساس، فإن مجموعة الأربعة العملاقة ليست متحالفة تماما! فعلى عكس الجزائر وبريتوريا، تحافظ أديس أبابا على علاقات طيبة مع إسرائيل، بينما تتقرب نيجيريا من المغرب. وقد حددت أبوجا بشكل ملحوظ موقفها من الصحراء وشرعت في مشروع لبناء خط أنابيب الغاز الضخم بين المغرب ونيجيريا، في الوقت الذي كانت تشارك في مشروع شبه مماثل مع الجزائر العاصمة. وقد أصبح تحقيق كلا المشروعان موضع تساؤل خطير بسبب الوضع المتفجر في منطقة الساحل ومالي.

أما بالنسبة لمعرفة أي من المعسكرين سيأخذ الصدارة على الآخر، وما إذا كان هذان “المحوران”، المغرب – مصر – الإمارات – السعودية من جهة، والجزائر – جنوب إفريقيا – إثيوبيا – نيجيريا من جهة أخرى، سيتماسكان أو ينكسران بسرعة، فإن السؤال يبقى مفتوحا. وربما تساعد التوترات الدولية الحالية على رؤية الأمور بشكل أكثر وضوحا، حيث لا يمكن أن يستمر الموقف المتوازن للعواصم المغاربية بشأن الحرب في أوكرانيا إلى أجل غير مسمى. وإذا كان الأمر يتعلق فقط بشراء وتوريد الهيدروكربونات، فإن القوى الغربية ستمارس ضغوطا متزايدة من أجل إجبار الجزائر والرباط وحلفائهم على اتخاذ موقف واضح.

فهل ستكون القمة العربية فرصة لخلافات جديدة محتملة بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية في بداية تشرين الثاني/نوفمبر في الجزائر العاصمة، أم على العكس من ذلك، فرصة لتقارب غير متوقع؟. في الوقت الحالي، كل شيء يبدو ممكنا حتى لو كان الوعد بأن تكون المناقشات حية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.