“حقيقة أنا على وشك إغلاق المعمل وتسريح العمال” يقول أحمد أبو علاء (اسم مستعار لصاحب معمل في المنطقة الصناعية بحلب)، متحدثا عن معاناته في استمرار دوران عجلة معمله، وذلك نتيجة ارتفاع التكاليف، وغلاء أسعار المواد الأولية الداخلة في الصناعة بمختلف أصنافها.

سعر الصرف والمواد الأولية

مؤخرا زاد قرار بنك سوريا المركزي المتعلق برفع سعر صرف الدولار الأميركي، من معاناة الصناعيين وأصحاب المعامل، وذلك لما سببه بارتفاع كبير لأسعار المواد الأولية لاسيما المستوردة منها.

قبل أيام رفع بنك سوريا المركزي، سعر الصرف الرسمي إلى 3015 ليرة للدولار، في حين أن سعر السوق السوداء المستخدم في معظم الأنشطة الاقتصادية، هو حوالي 4575 ليرة، وكان السعر الرسمي لليرة قبل الخفض 2814 للدولار، ما انعكس سلبا على الأسواق.

ويقول أبو علاء، في حديث لـ“الحل نت“: “كنا نحصل على الدولار بأسعار مخفّضة من البنك المركزي، رفع سعر الدولار أثّر بشكل سلبي على المواد المستوردة، الحركة الصناعة والتجارية ستتأثر بشكل كبير بالأوضاع الحالية، لن أستطيع تغطية ثمن المواد الأولية“.

ويؤكد أبو علاء، أن الأسابيع القادمة ستشهد ارتفاعا في المواد الاستهلاكية والمنتجة في المعامل، وإلا ستضطر معظم المصانع للإغلاق نتيجة عجزها عن تغطية النفقات الزائدة، والناتجة بالدرجة الأولى عن ارتفاع المواد الأولية.

“الحكومة تقرر وتتركنا في مواجهة مع المستهلك” يضيف أبو العلاء، تعليقا على قرارات الحكومة ويزيد بالقول: “سعر الصرف انعكس سلبا على التكاليف، الحكومة تَعِد المواطن بخفض الأسعار، وترفع بقراراتها التكاليف على المنتجين، لا أدري كيف ستتحقق هذه المعادلة، بدون رفع أسعار المنتج النهائي، لن أستطيع الاستمرار في العمل وسأضطر للإغلاق “.

قد يهمك: الأسواق في سوريا لـ“الفرجة والمفاصلة” فقط؟!

من جانبه قال أمين سر غرفة صناعة حمص، الصناعي عصام تيزيني، إن الصناعيين عاجزون عن الالتزام بأسعار محددة، والأسعار الموجودة ضمن النشرات الحكومية في سوريا.

وأضاف في تصريحات نقلها موقع “أثر برس” المحلي أمس الثلاثاء: “عندما يكون هناك مُدخلات إنتاج بسعر معين بحسب سعر الدولار، ستكون المُخرجات بسعر يتوازى مع سعر المدخلات، وبالتالي الصناعيين غير قادرين على الالتزام بأسعار ثابتة، كون أسعار الصرف متذبذبة ومتغيرة“.

وانتقد تيزني، أدوات البنك المركزي لتثبيت سعر صرف الدولار واصفا إياها بـ“الأدوات الخشنة“، بعيدة عن الواقع الاقتصادي.

وتابع قائلا: “أي حلقة اقتصادية متكاملة لا تستطيع التصرف بأي عمل أو منتج اقتصادي، إلا وفق سعر الصرف لذلك لم يستطع الصناعيون، ولا حتى التجار الالتزام بأسعار محددة، والتي تضعها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك“.

عمال فقدوا عملهم

“كيف بدي عيّش عيلتي”، هو السؤال الذي يطرحه أمير بصمه جي (شاب يعمل في مصنع بحلب متزوج ولديه طفل)، وذلك بعد أن تم إغلاق معمله الأسبوع الماضي، بسبب عدم توفر المواد الأولية للإنتاج.

ويضيف بصمه جي، خلال حديثه مع “الحل نت“: “المصنع الذي كنت أعمل به، كان ينتج المواد البلاستيكية، أخبَرنا صاحب المعمل بالتوقف عن العمل لعدم توفر المواد الأولية، وقال لنا أنه في حال توفر المواد الأولية سنعيد تشغيل المعمل، معظم المعامل حاليا في حالة ركود“.

بصمه جي، تحدث بتشاؤم عن الأوضاع الاقتصادية، لا سيما أنه حينما كان يعمل بالكاد يوفر احتياجات أسرته في ظل الغلاء المستمر في أسعار مختلف السلع والخدمات في البلاد، فضلا عن الأجور المنخفضة في المعامل، أما الآن فهو في انتظار عودته للعمل أو إيجاد عمل جديد.

مسيرة خسائر الصناعة السورية بدأت قبل 2011

ويقول محمد مصطفى عيد، في مقال نشره في “الحل نت” إن “مسيرة التراجع تعود إلى ما قبل 2011، إذ أن وضع القطاع العام الصناعي آنذاك لم يكن مريحا لأنه كان أصلا في أزمة لعدم قدرته أو تمكينه على زيادة قدرته التنافسية، سواء أمام المنتجات المستوردة أو في النفاذ للأسواق المستهدفة“.

لم يكتب النجاح لإصدار قانون لإصلاح القطاع العام الصناعي على مدى عقدين من الزمن.

وبقي التعامل في إطار الحلول الارتجالية التي اتخذتها السلطات، فلم تؤتي أُكلها بل زاد من تردي وضع شركات القطاع الصناعي، نتيجة للفساد الذي ينتشر في مختلف مفاصله.

وأصبحت محتويات شركاته عبارة عن خردة، لا تدعم الاقتصاد السوري، وعبئا يستنزف موارد خزينته. وكان وزير الصناعة السورية زياد الصباغ، كشف أواخر العام الماضي عن حجم خسائر الصناعة السورية المباشرة وغير المباشرة، حتى نهاية العام 2019، مشيرا إلى أن قيمة الأضرار تجاوزت 23.5 مليار دولار، حتى نهاية 2019، للمنشآت الصناعية في سوريا.

كما أكد زياد صباغ، أن التدمير طال غالبية المنشآت العامة والخاصة، لافتا إلى أن “حجم الأضرار المباشرة نحو 530 ألف مليار ليرة، أي 12 مليار دولار، وهذه أضرار مباشرة فعلية تم تقديرها“.

قرارات غير مدروسة

وتعرضت حكومة دمشق خلال الأيام الماضية، لانتقادات لاذعة بعد قرار رفع سعر صرف الدولار، بسبب تبعاته السلبية على أسعار المواد الأساسية والاستهلاكية.

الخبير الاقتصادي والأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، شفيق عربش، قال في تصريحات صحيفة سابقة إن: “رفع سعر صرف الليرة أمام الدولار يؤدي حتما إلى رفع سعر صرف الدولار الجمركي، وهذا بدوره يؤثر في كل رسوم عمليات التخليص الجمركي للبضائع المستوردة، وبالتالي ستكون النتيجة ارتفاعا كبيرا بالأسعار “.

ووصف عربش، وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بأنها أدارت ظهرها للحقيقة، ورأت فقط ما تريد أن تراه عندما أصدرت تعميمها الأخير، لأن الواقع مختلف تماما عمّا نشرته، مشيرا إلى أنه لم يكن هناك أي مبرر لرفع سعر الصرف، لأنه مخالف للسعر الذي اعتمدته الحكومة في موازنة عام 2022.

وتابع الأستاذ الجامعي: “فإذا كانت مبررات الحكومة هي إحداث تقارب ما بين السعر الرسمي للصرف وسعر السوق الموازي، فكان من الأولى أن يكون السعي متجها نحو تخفيض سعر السوق الموازي ليقترب من السعر الصادر عن مصرف سوريا المركزي، وإن كانت سياسة الحكومة، هي التضييق على السيولة في سبيل منع المضاربة فهذا يسمى موقف الشخص العاجز عن التأثير بالسياسة النقدية، ويدل على أن إجراءات السوق السوداء وطريقة التعامل فيها أقوى بكثير من إجراءات الحكومة“.

وفي سياق متصل، أكد عضو مجلس الشعب زهير تيناوي، أن توقيت رفع سعر الصرف من مصرف سورية المركزي لم يكن مناسبا وموفّقا، وخصوصا في ظل الظرف الحالي الذي نشهد فيه موجة كبيرة من الغلاء، وعدم تناسب الدخل مع متطلبات الحياة والمعيشة حيث إن الفجوة بين دخل المواطن والأسعار توسعت بشكل أكبر بعد قرار رفع سعر الصرف، مشيرا إلى أن حالة التضخم الموجودة حاليا لا تتناسب بالمطلق مع مستويات الدخول والمعيشة.

وأضاف بأنه، لا وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ولا مديرياتها في المحافظات قادرة على ضبط الأسعار في الأسواق دون أن تتأثر بالمجمل برفع سعر الصرف “وأنا أراهن على هذا الأمر، والفلتان في الأسواق بدأ يظهر بشكل جلي حاليا“.

وحول ما ذكرته وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بأن رفع سعر الصرف لن يؤثر إلا في المواد التي يتم تمويلها من المصرف وهي حصرا القمح، والأدوية النوعية، وحليب الأطفال، توقّع عربش، ألا يكون هناك زيادة في أسعار هذه المواد ولكن سيتم تعويض هذا الفرق من خلال رفع أسعار سلع مدعومة والمرشح للارتفاع، هو أسعار المشتقات النفطية.

وتواجه الأسر السورية أزمات معيشية واقتصادية مختلفة، في ظل تردي الواقع الخدمي والمعيشي في مختلف المناطق السورية، ما جعل تربية الأطفال ورعايتهم، وتأمين الحد الأدنى من مستلزماتهم تحديا حقيقيا ومستمرا تعجز آلاف الأسر السورية عن مجاراته.

التحايل على الأزمات

يواجه السوريون في المناطق الخاضعة للحكومة السورية، صعوبة في التغلب على أزمات ارتفاع الأسعار المتكررة، فبدأت العائلات السورية بحذف العديد من الأصناف الاستهلاكية من قائمة المشتريات الشهرية، بهدف التوفيق بين الدخل، والمصروف.

ومع حلول العام الجديد 2022، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا سواء الخضروات، والفواكه، أو المواد التموينية، أو اللحوم أو غيرها. ويبدو أن العام الجديد جلب معه العديد من التغييرات في الاقتصاد السوري، ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى نتائج غير متوقعة على العائلات السورية خصوصا وأن أغلبها بات يُصنّف ضمن الطبقة الفقيرة.

ولا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على ضبط أسعار السلع الغذائية بالتحديد، فقد فشلت جميع الآليات التي أقرّتها منذ بداية العام الجاري لضبط الأسعار، فضلا عن فشلها في فرض الأسعار الواردة في نشراتها الرسمية الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.

اقرأ أيضا: “للتصميد وساعة الغفلة“.. هل ضاعت قيمة الجمعية في سوريا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.