الاقتصاد الصيني متعثر، حيث يلوح في الأفق خطر حدوث ركود حقيقي بشكل كبير. وسوف يكون السيناريو الأكثر تفاؤلا في ظل القيادة الحالية هو النمو البطيء، أي أبطأ بكثير مما كان عليه في العقود الأخيرة. 

وبحسب تقرير لمؤسسة “وورلد إيكونوميك فورم” وترجمه موقع “الحل نت”، فإن الصين تُعتبر مهمة بالنسبة لاقتصاد الولايات المتحدة أيضا، حيث تمثل حوالي تسعة بالمئة من إجمالي الصادرات الأميركية وحصة أعلى بكثير لبعض الدول الغربية. كذلك تعد الصين شريكا تجاريا مهما للدول الأخرى التي ترتبط بها ارتباطا وثيقا، مثل كندا واليابان. والأهم من ذلك، تزود الصين المستهلكين والشركات الأميركية بالعديد من السلع بأسعار منخفضة.

 ويرى سام وولتون، إن شركة “وول مارت” الأميركية “تساعد في توفير أموال الناس حتى يتمكنوا من العيش بشكل أفضل”، وأنه يمكن للصين أن تقدم نفس المطالب للمستهلكين الأميركيين، حيث تستخدم سلاسل التوريد الخاصة بالمصنعين، وتجار الجملة، وتجار التجزئة في الولايات المتحدة العديد من المنتجات الصينية.  

وتهيمن دلائل ضعف الاقتصاد الصيني على التقارير الإخبارية الأخيرة. ففي تموز/يوليو الماضي، بلغ معدل البطالة بين الشباب 20 بالمئة تقريبا. وانخفض مؤشر مديري المشتريات في أحدث تقرير، وانخفضت كذلك مبيعات المنازل بنسبة 40 بالمئة عن العام الماضي. وارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.4 بالمئة فقط خلال الأرباع الأربعة الماضية، مقارنة بالهدف الوطني للنمو البالغ 5.5 بالمئة. 

فهل أميركا معرضة لخطر الوقوع في المشاكل ذاتها التي تضعف الصين اليوم؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف يمكن أن نتضرر من هذا ضعف؟ قد تواجه أمريكا بعض المخاطر المتعلقة بمشاكل الصين، وهناك احتمال أكبر لحدوث أضرار طفيفة للاقتصاد الأميركي بسبب تدهور اقتصاد الصين. 

لقد بدأت المكاسب الاقتصادية للصين في أواخر السبعينيات، عندما حرر خليفة ماو، دينغ شياو بينغ، الأنظمة الاقتصادية، وسمح للمزارعين بالتخلي عن التعاونيات، وتم التسامح مع الشركات الصغيرة والترحيب بالاستثمار الأجنبي. وفي العقود التالية، تمتعت الصين بأكبر قدر من التخفيف من حدة الفقر في تاريخ العالم. 

يعيد الآن شي جين بينغ تأكيد سيطرة الحكومة على العديد من جوانب حياة الناس، مع تأثيرات واسعة النطاق على الاقتصاد. فقد أدت سياسة “صفر كورونا” إلى إغلاق المدن الكبرى والموانئ. واجتمع هذا مع موقف لقاح الجينجو، حيث تمت الموافقة على اللقاحات الصينية فقط، والأداء الضعيف للبلاد في التطعيم الكامل لكبار السن. وقد أدى الخوف من فقدان ماء الوجه، مثل الموافقة على لقاح أجنبي يعمل بشكل أفضل، والغطرسة بشأن قدرة القادة على إدارة الأنظمة المعقدة، إلى خفض الأداء عبر المجالات الأخرى. 


وأظهر قطاع التكنولوجيا في الصين، بقيادة مجموعة “جاك آنت جروب”، للعالم أن المدفوعات عبر الإنترنت يمكن أن تكون رخيصة وسهلة وواسعة الانتشار. وقبل أن يلحق العالم بالصين، فرض الرئيس الصيني الحالي مباشرة ضوابط تحد من قطاع التكنولوجيا ومن المرجح أن تمنع المزيد من الابتكار. 

تأتي السيطرة المتزايدة على الاقتصاد نتيجة التجاوزات في صناعة الإسكان التي تؤثر على الناس. فقد اشترى الكثير من الصينيين شققا قبل بنائها، ودفعوا قروضا على العقارات التي لا تزال قيد الإنشاء. وعندما تباطأ البناء أو توقف، فقد المشترون فرحة الملكية. ويجسد قانون الإفلاس الصيني السمات الرئيسية للممارسات الغربية الحديثة، لكن ذكر أحد الخبراء القانونيين أنه “غالبا ما يتغير قانون الإفلاس الصيني في العمل من حالة إلى أخرى، ومن وقت لآخر دون يقين كاف”. 

ولخص اثنان من علماء السياسة الموقف بالقول: “إن رفض شي (الرئيس الصيني) السماح للمنطق الاقتصادي بقيادة السياسة هو إستراتيجية مدروسة في خدمة السيطرة السياسية والأيديولوجية. ولم ينظر شي أبدا إلى النمو الاقتصادي على أنه أمرا حتميا كما فعل أسلافه، لكن التحديات التي فرضتها جائحة كورونا وتباطؤ النمو الأخير عجلا أمر تخليه عن إستراتيجية الحوكمة التي تركز على الاقتصاد أولا. فلا ينبغي للمراقبين الأجانب وصانعي السياسة أن يتوقعوا من شي في ولايته الثالثة أن يلطف مطالبه الاستبدادية على الاقتصاد الصيني أو المجتمع”. 

سوف تعاني الشركات الصينية وكذلك المستهلكون من النمو الاقتصادي الثانوي للسيطرة السياسية، على الأقل بالنسبة للمكان الذي قد يكونون ومشاكل الصين ليست غريبة بالكامل على أميركا. ويحفظ القادة الأميركيون أحيانا ماء الوجه على حساب الشعب، وفي أحيان أخرى يدعون القدرة على صياغة سياسة جيدة تفوق بكثير ما هو مبرر. ومع ذلك، فإن ضوابط وتوازنات الولايات المتحدة تجعل احتمال استمرار الأخطاء الفادحة أقل بكثير مما هو عليه في ديكتاتورية الحزب الواحد كما فعلت الصين. 

كبار رجال الأعمال في الولايات المتحدة قلقون من أن الضعف في الصين سوف يضر بالاقتصاد الأميركي، وبالنظر إلى العلاقات الوثيقة بين البلدين فالضعف الصيني بات مصدر قلق حقيقي. لكن حجم التجارة بين الاقتصادين صغير بما يكفي لتهدئة مخاوف الاقتصاد الكلي.

لقد بلغت الصادرات الأميركية إلى الصين في العام الماضي 151 مليار دولار، أي نسبة تشكل ثلثين من واحد في المائة فقط من إجمالي الناتج المحلي الأميركي البالغ 23 تريليون دولار. وسيكون لنقص النمو في الصين، أو حتى الركود الحاد، تأثير ضئيل للغاية، بحيث لا يمكن ملاحظته بشكل إجمالي، على الرغم من أن بعض الشركات سوف تتضرر بشكل كبير. 


كما يجب على الشركات التي تجري حجما كبيرا من المعاملات مع الصين، سواء كمشترين أو بائعين، أن تفكر في كيف يمكن للتحول إلى السيطرة السياسية على الاقتصاد أن يؤثر عليها بشكل منفصل عن حجم الاقتصاد الصيني. وبالفعل، تشعر الشركات الأميركية التي تعتمد على الموردين الصينيين بالقلق بشأن سلسلة التوريد المزدحمة من سياسة “صفر كورونا”.

كما زادت احتمالية نشوب حرب على تايوان، حيث أوضح شي أن السياسة والسيطرة أكثر أهمية من الاقتصاد. وبالرغم من أن معظم الشركات التي كانت تشتري المنتجات الصينية لا يمكنها إجراء تغيير مفاجئ في جميع مورديها، إلا أن التعديلات التدريجية بدأت بالفعل، وسوف تزيد تخفيضات الشراء هذه من حدة تأثير المشاكل الاقتصادية للصين. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.