مع التعقيد الذي تعاني منه الأزمة السورية، إثر فشل كل مبادرات الحل السياسي حتى الآن، يبدو أن العديد من الدول العربية، متجهة لبدء جهود بشكل جدي للمساهمة في الحل السوري، وأبرزها الأردن، التي بدأت تعاني من تداعيات استمرار الأزمة السورية، وليس أبرزها التوتر عند حدودها وانتشار تهريب المخدرات.

جهود أردنية

العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، قال إن بلاده تواصل الدفع باتجاه حل سياسي للأزمة السورية، “بما يحفظ وحدة سوريا أرضا وشعبا، ويضمن العودة الطوعية والآمنة للاجئين“.

وأشار الملك الأردني، إلى دور قوات بلاده في التصدي لعمليات تهريب المخدرات، التي تأتي أغلبها عبر الحدود السورية، وفق ما نقلت وسائل إعلام أردنية.

بعد فشل محاولات إعادة العلاقات مع دمشق من قبل الأردن، أملا بوقف تهريب المخدرات وانتشار الميليشيات الإيرانية على الحدود بين الجانبين، يبدو أن عمّان متجهة لحشد الدعم من عدة دول عربية، للتوافق على مبادرة لحل السياسي في سوريا.

الأكاديمي السياسي والخبير في الشؤون الاستراتيجية، عامر السبايلة، يرى أن موقف الأردن، جاء لتحقيق مصالح البلاد، وذلك بعد أن عانى الأردن من تداعيات استمرار الأزمة السورية بلا حل، خاصة على مستوى انتشار المخدرات والميليشيات الإيرانية.

قد يهمك: ما مصير التطبيع العربي مع دمشق؟

ويقول السبايلة، في حديث خاص مع “الحل نت“: “بلا شك موقف الأردن يعبر عن مصلحة البلاد بعد تغير الأولويات وبعد استمرار هذه الأزمة دون حل، وبالتالي يدفع الأردن ثمن تداعيات الأزمة السورية واستمرارها، كما أن ما يدفع الأردن قد يكون التحول الذي حدث في المنطقة، نتاجا لإطالة أمد الأزمة السورية، في موضوع المخدرات واستهداف الداخل الأردني وعدم وجود حل حقيقي، يؤدي ذلك في النهاية أن يكون الأردن على تماس مباشر مع كل هذه التداعيات“.

دعم دولي؟

وحول مساعي الأردن في حشد التوافق مع الدول العربية يضيف السبايلة: “فعليا الموقف الإماراتي هو موقف متقدم في دول الخليج، لكن هذه المواقف لا يحظى إلى الآن برعاية على المستوى الدولي، مما يعني أن المبادرات في مرحلة التصويت، فضلا عن أن الرؤية في هذه المبادرات ما تزال غير واضحة تماما حتى اللحظة“.

ويعتقد السبايلة، أن ترويج مبادرة عربية لحل الأزمة في سوريا على المستوى الدولي، يحتاج إلى إنتاج رؤية وصيغة واضحة للحل.

وحول ذلك يزيد بالقول: “قد يكون التحدي الأبرز اليوم، في إيجاد صيغة تفاهمية على الأقل لهذا الحل ضمن المظلة العربية، ومن ثم الانتقال إلى تسويقها دوليا. بلا شك قد يكون الوقت مناسب للبحث عن حلول نظرا لعدم وجود حل حقيقي حتى الآن في سوريا، واستمرار التعقيد السياسي، قد يؤدي لمزيد من النتائج السلبية في المستقبل، لكن إلى الآن تبقى هذه الجهود جهود غير قابلة للتطبيق أو للانتقال إلى المرحلة العملية، ما تزال في المرحلة النظرية“.

وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، كشف أن بلاده تحشد الدعم الإقليمي والدولي، من أجل دعم مبادرة لإيجاد حل في سوريا، بقيادة دول عربية.

وقال الصفدي، في حديث لصحيفة “ذا ناشونال” الأسبوع الماضي، إن: “الأردن يدعو إلى دور عربي جماعي لإنهاء تلك الأزمة بالتنسيق مع أصدقائنا وشركائنا“.

وأضاف الصفدي، أنه “على العرب اتباع نهج تدريجي وقيادة حل الصراع السوري، وأن نتولى دورنا في الجهود المبذولة لإنهاء الكارثة السورية“، مشيرا إلى العواقب المدمرة للأزمة السورية، بما في ذلك التدهور الاقتصادي الذي يحول دون عودة اللاجئين إلى سوريا، ورزوح الملايين من السوريين تحت خط الفقر“.

هل ينجح الأردن؟

وحول مدى احتمال نجاح الجهود الأردنية، أشار الدكتور خالد شنيكات، رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خلال حديث سابق مع “الحل نت“، إلى أن نجاح الجهود الأردنية، يرتبط بمدى رضا الأطراف المشتركة في العملية السياسية في سوريا، إضافة إلى الدول الإقليمية والدول الكبرى الفاعلة، لافتا إلى أهمية الموقف الأميركي والغربي عموما، والمواقف الإيرانية والروسية والتركية، وموقف حكومة دمشق نفسها، وأيضا موقف المعارضة السورية.

وأضاف شنيكات، أن مدى نجاح العملية أيضا، يعتمد على نوع الوساطة التي يقوم بها الأردن، وما هي أبرز الأفكار والمحاور والمبادئ التي تستند إليها، رغم أن الحديث يستند إلى قرارات الأمم المتحدة رقم 2642، و2254، لكن ما هي آلية تطبيقها وكيفية تطبيقها وإلى ماذا ستؤدي هذه المبادرة في العلاقة بين حكومة دمشق والمعارضة.

مصادر مطلعة، أكدت لـ“الحل نت“، أن المبادرة الأردنية لا تزال غير واضحة المعالم، حيث لم يذكر الوزير الصفدي أو العاهل الأردني، أي نقاط أساسية في المبادرة، مبيّنين أن كل ما تطرق إليه هو القرارات الدولية وخاصة القرار 2254، والذي ينص في الأصل على تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، وهذا الحل ترفضه حكومة دمشق ومن خلفها روسيا وإيران، لأن تطبيقه يعني سقوط الحكومة الحالية تلقائيا.

وبحسب المصادر، فإن هناك تناقضا كبيرا في المواقف سواء من الدول الإقليمية أو الدول الفاعلة الكبرى في الملف السوري، فالروس والإيرانيون، يريدون حلّا وفق رغبتهم يُبقي الحكومة الحالية في هرم السلطة، وفي الوقت نفسه يريدون رفع العقوبات عن دمشق، أما الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، فيرفضون رفع العقوبات ما لم يتم انتقال سياسي حقيقي وفق القرار 2254، وهنا تكمن المعضلة بالنسبة للأردن في أن يجد حلا تتوافق عليه هذه الأطراف.

أشارت المصادر إلى نقطة قد يكون الوزير الصفدي قد غفِل عنها، وهي أن عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا لا ترتبط بالوضع الاقتصادي المتردي فقط، عندما أشار إلى القرار 2642، المتعلق بتسريع مشاريع التعافي المبكر، بل هناك أسباب خرى لا تقل أهمية عنه وعلى رأسها الأوضاع الأمنية، حيث تعاني سوريا من فوضى كبيرة في الأمن والاغتيالات والخطف، إضافة إلى أمور أخرى تمنع اللاجئين من العودة كالذهاب للخدمة الإلزامية وغيرها.

خارطة طريق غير سهلة

الصفدي، تحدث عن مبادرة بقيادة عربية، تشمل السعودية ودولا أخرى، وستستند إلى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، واللذان يضعان خارطة طريق لتسوية تفاوضية إضافة إلى تصاريح مراقبة، وتسليم المساعدات الإنسانية إلى سوريا.

خالد شنيكات، من جهته، رأى أن قضايا الميليشيات الموجودة على الأرض في سوريا مهمة للغاية، متسائلا كيف سيتم التعامل معها والنظر إليها، وكذلك علاقة حكومة دمشق بالدول الإقليمية والعربية.

ويعتقد شنيكات، أن العملية التي تحدّث عنها الصفدين ليست بهذه السهولة أو البساطة، فهي تحتاج لضغط دولي كبير ورضا إقليمي، ورضا داخل سوريا نفسها من أجل “احتمالية” تحقيق ذلك، وحتى الآن لا تزال العملية مجرد أفكار وطروحات وتحقيقها لن يكون سهلا.

من جهته، أشار المصدر لـ“الحل نت“، أن فُرص الحل تبدو ضئيلة في ظل الظروف الحالية على الأرض، حيث تمكنت إيران من بناء إمبراطورية اقتصادية في سوريا، وخاصة في الجنوب قائمة على صناعة وتهريب المخدرات، وقد وجدت من الأردن والسعودية ودول الخليج سوقا رائجة لهذه التجارة، وبالتالي فلن تغامر بالقبول بحل سياسي من الممكن أن يؤثر على تواجدها ومصالحها المختلفة في سوريا، وعلى رأسها تجارة المخدرات التي من المتوقع أن يكون مردودها نحو 10 مليار دولار خلال العام 2023.

شبكة “سي.أن.أن” الأميركية، قالت في تقرير لها نهاية شهر آب/أغسطس الماضي، إن السعودية تحولت إلى “عاصمة الشرق الأوسط للمخدرات“، وأصبحت الوجهة الرئيسية للمهربين من سوريا ولبنان.

ظاهرة تصنيع وتهريب المخدرات لن تتوقف، وهي تشهد تغيرات حسب معطيات السوق، ومن الطبيعي أن تعود حركة التهريب للأردن والسعودية والخليج في هذه الفترة بسبب الكثير من المتغيرات في المنطقة، ولكن بلا شك أصبحت أمرا واقعا وتصنيعها وتجارتها مستوطِنة في المنطقة، ولا بد من التعامل معها بشكل جديد، لا يمكن أن يكون منفردا من قِبل الأردن وحده.

الخبير الدكتور، نبيل العتوم، رأى خلال حديث سابق لـ“الحل نت“، أن الأردن لم يعد اليوم على ما يبدو يستطيع التعامل مع الوضع في سوريا كما كان في السابق، وخاصة بعد التغير في خارطة المشهد على الحدود بينهما، حيث لم يكن قبل مُدة آخذا بالحسبان ما ستؤول إليه الأمور كما هي عليه الآن، خاصة مع تغول الميليشيات الإيرانية وغياب أي دور روسي رادع على أقل تقدير.

ولذلك خرج الملك عبدالله الثاني، وحذّر من تصعيد عسكري محتمل على الشريط الحدودي مع سوريا، واصفا أن الأردن تواجه المزيد من التحديات مع الميليشيات الشيعية، وتتمثل بتهريب المخدرات والأسلحة، رادا الأمر إلى تراجع نفوذ روسيا في سوريا بسبب انشغالها بالحرب الأوكرانية، بحسب العتوم، الذي أشار إلى أن الأردن أدرك أنه بات مستهدفا بشكل مباشر من هذه الميليشيات.

لفت العتوم، إلى أن الأردن كان ينظر إلى الوجود الروسي كعامل استقرار وتهدئة في الجنوب السوري، ولكن بعد الانسحاب الروسي وجد الأردن نفسه أمام واقع جديد يهدد أمنه بشكل كبير.

تحالف بين الأردن والخليج

بحسب مختصين لـ“الحل نت“، فإن التحالف بين الخليج يتطلب تنسيقا أمنيا عالي المستوى واستراتيجية استخباراتية أكثر من استراتيجية أمنية، ويجب أن تكون مبنية على شكل هذه المخدرات ومرورها وطرق تصنيعها وأهدافها وقنواتها في الداخل السوري، لأنها إذا أُرسلت شحنات بهذا الحجم فهذا يعني أنها كانت مؤمّنة، وهناك طرق مؤمّنة بالفعل، فبالتالي هذا واقع جديد يجب التعامل معه من رؤية جديدة، ويجب رفع أنواع التنسيق على الأقل في شكل استباقي.

وفي هذا السياق، أوضح العتوم، أن الأردن سيسعى لمجموعة من السيناريوهات عبر إيجاد مظلة إقليمية لمواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد، خاصة أن إيران بصدد إنشاء أكبر قاعدة عسكرية في الجنوب السوري “مالك الأشتر“، والتي سيتم رفدها بعناصر من ميليشيات فاطميون والحرس الثوري، إضافة لمقاتلين أفغان ممن هربوا من أفغانستان، لإيران بعد سيطرة طالبان على الحكم وهم من الهزارة الشيعة.

وبحسب العتوم، فإن إيران فتحت جبهة كبيرة على الأردن ودول المنطقة ليس فقط من خلال تهريب المخدرات، بل أيضا بتهريب نحو 3 آلاف نوع من الذخيرة، واستخدام تقنيات حديثة للتهريب من خلال الطائرات المسيرة وحفر الأنفاق، لذلك لا بد من إنشاء هذا التحالف والتعاون مع قوى محلية سورية، فالمواجهة باتت أمرا لا بد منه.

بات من الواضح أن الأردن من أكبر المتضررين جراء استمرار الأزمة السورية على وضعها الحالي، فهو يعاني من نتائج الفوضى وانتشار الميليشيات في الجنوب السوري، والتي تعمل على تهريب المخدرات والسلاح، لذلك فالأردن اليوم يقف أمام خيارين رئيسيين، الأول إيجاد حل سياسي بدعم عربي ودولي وفق المبادرة التي أعلن عنها وزير الخارجية الأردني، والتي لم تتضح معالمها بعد، أما الثاني فهو مواجهة هذه الفوضى والميليشيات بطرق عسكرية أو استخباراتية من خلال التحالف مع السعودية ودول الخليج، وهي الدول المتأثرة بشكل كبير بتدفق ملايين الحبوب المخدرة القادمة من سوريا.

اقرأ أيضا: المعابر في سوريا.. ورقة اقتصادية لأنقرة على طريق التطبيع مع دمشق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة